متممات الجملة الفعلية: المفعولات

المفعول به

تعريفه: المفعول به هو كل اسم منصوب يدل على شيء وقع عليه فعل الفاعل إثباتاً أو نفياً دون تغيير معه في صورة الفعل، مثل: ومنه قوله تعالى: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾، وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾.

العامل فيه:

الأصل أن يعمل الفعل في المفعول به النصب، غير أن هناك من يعمل عمل الفعل وهو:

1.     اسم الفاعل: مثل: جاء الشاكرُ نعمتَك، وأقبل جندي حامِلٌ سلاحَه.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾.

2.     اسم المفعول: اسم المفعول المشتق من الفعل المتعدي لمفعولين. مثل: محمد مَكسُوٌّ أخوه ثوبا، وأحمد مُخْبَرٌ أبوه الامتحان قريبا.

فكلمة "ثوبا، والامتحان" كل منهما مفعول به منصوب باسم المفعول: مكسو، ومخبر. لأن اسمي المفعول السابقين كل منهما مشتق من فعل متعد لمفعولين، فالمفعول الأول وقع نائبا للفاعل لكون اسم المفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، والثاني بقي مفعولا به.

3.     المصدر: مثل قولهم: حُبُّك الشيء يعمي ويصم، ويُسعدني إكرامُك الضيفَ.

ومنه قوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة﴾ فالكلمات "الشيء، والضيف، ويتيما" جاءت مفاعيل بها منصوبة للمصادر: حب، وإكرام، وإطعام، وجميعها عملت عمل أفعالها المتعدية.

4.     صيغ المبالغة: مثل: أنتَ حمَّالٌ الضُّرَّ، والكريم مِنحارٌ إبلَه لضيوفه.

فالكلمتان " الضر، وإبله " جاء كل منهما مفعولا به لصيغة المبالغة: حمال في المثال الأول، ومنحار في المثال الثاني، لأن صيغ المبالغة إذا اشتقت من أفعال متعدية عملت عمل أفعالها المتعدية، فترفع فاعلا، وتنصب مفعولا به.

5.     صيغ التعجب: مثل: ما أجمل القمر، وما أكرم محمدا، ومنه قوله تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾.

ومنه قول الشاعر:

فما أكثر الإخوان حين تعدهم***ولكنهم في النائبات قليل

فالكلمات " القمر، ومحمدا، والضمير في أصبرهم، والضمير في أكفره، والإخوان" وقعت مفاعيل بها لأفعال التعجب التي سبقتها وهي: أجمل، وأكرم، وأصبر، وأكفر، وأكثر.

6.     اسم الفعل: مثل: دونك الكتاب. ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ﴾.

فـ " الكتاب، وأنفسكم، وشهداءكم " مفاعيل بها لأسماء الأفعال: دونك، وعليكم، وهلمَّ، لأنها تعمل عمل الفعل.

أنواع المفعول به:

1.     الأصل في المفعول به أن يكون اسم ظاهرا، مثل: فهم الطالب الواجب.

ومنه قوله تعالى: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾، وقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾، وقوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾، قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾.

2.     يأتي المفعول به ضميرا متصلا، أو منفصلا:

مثال المتصل: صافحتك، أنت أكرمتني، أنا كافأته، ومنه قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾.

ومثال الضمير المنفصل: قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾.

المصدر المؤول بالصريح. وهو كل فعل مضارع مسبوق بأن المصدرية، أو كل جملة مكونة من "إن" المشبهة بالفعل ومعموليها.

مثال المصدر المسبوك من أن والفعل: ينبغي أن تعمل واجبك أولا بأول، ومنه قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾.

ومثال المصدر المؤول من أن ومعموليها: أثبت المعلم أن التجربة خاطئة، والتقدير: أثبت خطأَ التجربة، ومنه قوله تعالى: ﴿زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾، وقوله تعالى: ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، والتقدير في الآية الأولى: زعمتموهم شركاء، فالضمير مفعول أول، وشركاء مفعول ثان، لأن زعم يتعدى لمفعولين. وفي الآية الثانية: ليعلموا وعد الله حقًّا، فالمفعول الأول: وعد، والمفعول الثاني: حقا، لأن علم متعد لمفعولين.

حذف المفعول به:

1.     يجوز حذف المفعول به إذا دل عليه دليل: مثل قوله تعالى: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾، والتقدير: يزعمونهم شركاء.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ﴾، فـ " شركاء " مفعول يتبع، وأما مفعول يدعون فهو محذوف لفهم المعنى، وتقديره: آلهة، وقد جوزوا أن تكون " ما " استفهامية مفعول يتبع، وشركاء مفعول يدعون، ولا حذف في الآية.

2.     يحذف المفعول به طلبا للاختصار: مثل قوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾، والتقدير: قلاك، وآواك، وهو عائد على الرسول ﷺ.

3.     يحذف المفعول به اقتصارا، كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، والتقدير: وهم من ذوي العلم، وقد يكون الحذف للاختصار، والتقدير: يعلمون كذبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾.

فقد حذف مفعول يعلمون اقتصارا، لأن المقصود إنما هو نفي نسبة العلم إليهم، لا نفي علمهم بشيء مخصوص، فكأنه قيل: وقال الذين ليس لهم سجية في العلم لفرط غباوتهم. ويراد بالاختصار الحذف لدليل، وبالاقتصار الحذف لغير دليل.

4.     يحذف المفعول به بعد لو شئت: مثل قوله تعالى: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾، والتقدير: لو شاء هدايتكم. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾، فالمفعول به محذوف تقديره: لو نشاء طمسها.

5.     ويحذف بعد نفي العِلْم: كقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، والتقدير: لا يعلمون أنهم السفهاء، فالمصدر المؤول من أن ومعموليها في محل نصب مفعول به محذوف.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾، والتقدير: لا تبصرون الحق.

6.     ويحذف إذا كان المفعول به عائدا على الموصول: مثل قوله تعالى: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾، والتقدير: بعثه.

7.     كما يكثر حذفه في الفواصل، مثل قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾، وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، والتقدير: فهداك، فأغناك.

تقديم المفعول به وتأخيره:

أولا ـ جواز التقديم:

الأصل في المفعول به أن يكون مؤخرا، وأن يتقدم عليه فعله وفاعله، كما بينا ذلك في باب الفاعل، غير أنه يجوز تقديم المفعول به على فعله، وفاعله إذا أمن اللبس. مثل: كسر زجاجًا التلميذُ، وكتب الواجبَ الطالبُ، ومثل: درسًا كتب الطالبُ، وزجاجًا كسر التلميذُ.

ففي المثالين اللذين تقدم فيهما المفعول به على فاعله لا خلاف في جوازه، لأمن اللبس.

ومثله قولهم: خرق الثوبَ المسمارُ.

إذ لا يعقل أن يكون الثوب هو الفاعل لأن المسمار هو الذي يخرق، وكذا لا يعقل أن يكسر الزجاج التلميذ، ولا يكتب الدرس الطالب، لأن كل من الزجاج والدرس هما المفعول بهما أصلا.

أما في تقديم المفعول به على الفعل والفاعل معا، قد يوهم أن يكون مبتدأ، غير أنه في المثالين السابقين، وما شابهّهما لا يصح أن يكونا مبتدأين لأن كل منهما نكرة ولا مسوغ للابتداء بها إلا إذا أفادت.

أما إذا كان المفعول به المقدم على فعله وفاعله معرفة. مثل: الدرسَ كتب الطالب، والزجاجَ كسر المهمل. يصح في كل منهما أن يكون في موضع المبتدأ، إذ لا مانع للبس في هذه الحالة بين المفعول به، وبين المبتدأ، فكل منهما يجوز فيه أن يكون مفعولا به، ويجوز فيه أن يكون مبتدأ، والجملة الفعلية في محل رفع خبره، فتدبر.

ثانيا ـ وجوب التقديم:

1.     يجب تقديم المفعول به على الفاعل إذا كان الفاعل محصورا بـ " ما أو إنما": مثل: ما أكل الطعامَ إلا محمدٌ. ومثل: إنما كتب الدرسَ المجتهدُ.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.

2.     إذا كان المفعول به ضميرا متصلا بالفعل، والفاعل اسما ظاهرا: مثل: كافأك المدير، وأكرمني صديقي، وشكره عليّ. ومنه قوله تعالى: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ﴾.

ومنه قول أبي فراس الحمداني:

سيذكرني قومي إذا جد جدهُمُ***وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

3.     إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول به: مثل: أخذ الكتابَ صاحبُه. ومنه قولهم: أعطِ القوسَ باريها، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾، فـ " الكتاب، والقوس، وإبراهيم " مفاعيل بها تقدمت على فاعليها لاتصال فاعل كل منها بضمير يعود عليها، فلو قدمنا الفاعل وأخرنا المفعول به لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو غير جائز لأن الأصل أن يتقدم الاسم ويتأخر الضمير العائد عليه.

ثالثا ـ وجوب تقديم المفعول به على الفعل والفاعل معا:

1.     يجب تقديم المفعول به على فعله، وفاعله إذا كان ضمير منفصلا: مثل قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾.

2.     إذا كان المفعول به من الأسماء التي لها الصدارة في الكلام:

كأسماء الشرط. مثل: أيّاً تُصَاحبْ أُصاحِبْ. ومنه قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾.

أو أضيف إلى أسماء الشرط. مثل: كتابَ أيِّ عالِم تقرأْ تستفدْ.

وأسماء الاستفهام. مثل: مَنْ قابلت؟ ومنه قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾.

أو أضيف إلى أسماء الاستفهام. مثل: كتابَ مَنْ استَعرت؟

3.     إذا كان المفعول به كم، أو كأيِّن الخبريتين، وما أضيف إليهما.

مثل: كم من دروس قرأت ولم تستفد.

ونصيحة كم صديق سمعت ولم تتعظ.

ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾.

فـ " كم " في الآيتين وقعت كل منهما في موضع نصب مفعول به، الأولى للفعل أهلكنا، والثانية للفعل أرسلنا.

ومثال كأين: كأيِّن[1] من صديق عرفت. والتقدير عرفت كأيِّن من صديق.

4.     أَن ينصبهُ جوابُ "أَما"، وليسَ لجوابها منصوبٌ مُقدَمٌ غيرُهُ، كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ﴾.

وإنما وجب تقديمه، والحالة هذه، ليكون فاصلاً بين "أما" وجوابها، فإن كان هناك فاصل غيره فلا يجب تقديمه، نحو "أما اليوم فافعل ما بدا لك".

تقديم أحد المفعولين على الآخر:

إذا تعدَّدَت المفاعيلُ في الكلام، فلبعضها الأصالةُ في التقدُّم على بعضٍ، إمّا بكونه مبتدأً في الأصل كما في باب "ظنَّ"، وإمّا بكونهِ فاعلاً في المعنى، كما في باب "أَعطى".

فمفعولا "ظنّ" وأخواتها أصلهما مبتدأ وخبر، فإذا قلت "علمت الله رحيماً". فالأصل "اللهُ رحيمٌ". ومفعولا "أعطى" وأخواتها ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، غير أن المفعول الأول فاعل في المعنى، فإذا قلت "ألبستُ الفقير ثوباً"، فالفقير فاعل في المعنى، لأنه لبس الثوب.

فإذا كان الفعل ناصباً لمفعولين، فالأصلُ تقديمُ المفعولِ الأوَّل، لأنّ أصله المبتدأُ، في باب "ظَنَّ"، ولأنهُ فاعلٌ في المعنى في باب "أَعطى"، نحو "ظننتُ البدرَ طالعاً"، ونحو "أعطيتُ سعيداً الكتابَ". ويجوز العكسُ إِن أُمِنَ اللَّبْسُ، نحو، "ظننتُ طالعاً البدرَ"، ونحو "أَعطيتُ الكتابَ سعيداً".

وجوب تقديم أحد المفعولين على الآخر: ويجب تقديم أَحدهما على الآخر في أربع مسائلَ:

1.     أَن لا يُؤْمنَ اللّبْسُ، فيجبُ تقديمُ ما حقّهُ التقديمُ، وهو المفعولُ الأول، مثل: "أَعطيتكَ أَخاكَ"، إن كان المخاطَبُ هو المُعطى الآخذَ، وأخوهُ هو المعطى المأخوذ، ومثل: "ظننت سعيداً خالداً"، إن كان سعيدٌ هو المظنونَ أنه خالدٌ، وإلا عكستَ.

2.     أن يكونَ أحدُهما اسماً ظاهراً، والآخر ضميراً، فيجبُ تقديمُ ما هو ضميرٌ، وتأخيرُ ما هو ظاهرٌ، مثل: "أعطيتُكَ درهماً" و"الدرهمَ أعطيتُهُ سعيداً".

3.     أن يكون أحدُهما محصوراً فيه الفعلُ، فيجبُ تأخير المحصور، سواءٌ أكان المفعولَ الأولَ أم الثاني، مثل: ما أعطيتُ سعيداً إلا دِرهماً" و"ما أعطيتُ الدرهمَ إلا سعيداً".

4.     أن يكونَ المفعولَ الأولُ مشتملاً على ضمير يعودُ إلى المفعول الثاني، فيجب تأخيرُ الأول وتقديم الثاني، نحو "أعطِ القوسَ باريَها".

فلو قُدِّم المفعولُ الأول لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، لأن المفعول الثاني رتبته التأخير عن المفعول الأول. أما إن كان المفعول الثاني مشتملاً على ضمير يعود إلى المفعول الأول، نحو "أعطيت التلميذَ كتابه"، فيجوز تقديمه على المفعول الأول، مثل: "أعطيتُ كتابه التلميذَ" لأن المفعول الأول، وإن تأخر لفظاً، فهو متقدم رتبة.

المُشَبَّهُ بالْمَفعول به:

إن كان معمولُ الصفةِ المُشبَّهة معرفةً، فحقُّهُ الرفعُ، لأنه فاعلٌ لها، نحو "عليٌّ حَسَنٌ خُلقُهُ". غيرَ أنهم إذا قصدوا المبالغةَ حوَّلوا الإسنادَ عن فاعلها إلى ضميرٍ يسْتَتِرُ فيها يعود إلى ما قبلها، ونَصبوا ما كان فاعلاً، تشبيهاً له بالمفعول به، فقالوا "علي حَسَنٌ خُلقَهُ، بنصبِ الخُلُق على التَّشبيه بالمفعول به، وليس مفعولاً به، لأنّ الصفةَ المشبَّهة قاصرةٌ غيرُ متعديةٍ، ولا يعرب تمييزاً، لأنه معرفةٌ بالإضافة إلى الضمير، والتمييزُ لا يكونُ إلا نكرةً.

التَّحْذيرُ:

التَّحذيرُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوف يُفيدُ التَّنبيهَ والتّحذيرَ. ويُقدّرُ بما يُناسبُ المقامَ كاحذَرْ، وباعِدْ، وتَجنَّبْ، و"قِ" وتَوَقَّ، ونحوها، وفائدتُهُ تنبيهُ المخاطبِ على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبَهُ.

ويكونُ التحذيرُ تارةً بلفظِ "إيّاكَ" وفروعهِ، من كلّ ضميرٍ منصوبٍ متصل للخطاب، نحو "إياكَ والكَذِبَ، إِياكَ إِياكَ والشرَّ، إياكما من النفاقِ إياكم الضَّلالَ، إياكنَّ والرَّذيلةَ.

ويكونُ تارةً بدونه، نحو "نفسَكَ والشرّ، الأسدَ الأسد".

وقد يكونُ بـ "إيّاه، وفروعهما، إذا عُطفَ على المُحذّر، كقوله [من الهزج]:

فَلا تَصْحَبْ أَخَا الجَهْلِ *** وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ

ونحو "إيّايَ والشرَّ". ومنه قولُ عُمرَ، "إيَّايَ وأن يَحذفَ أحدكمُ الأرنبَ، يريد أن يحذفها بسيفٍ ونحوهِ. وجعلَ الجمهورُ ذلك من الشُّذوذ.

ويجبُ في التّحذيرِ حذفُ العامل مع "إيَّاكَ" في جميع استعمالاته، ومعَ غيره، إن كُرِّر أو عطفَ عليه، وإلا جازّ ذِكرُه وحذفُهُ، نحو: "الكسلَ، نفسكَ الشرَّ" فيجوز في هذا أن تقول: "احذَرْ، أو تَوَقَّ الكسلَ، قِ نفسكَ الشرَّ، أو أُحذِّرُكَ الشرَّ".

وقد يُرفعُ المكرّرُ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو "الأسدُ الأسدُ" أي هذا الأسدُ.

وقد يُحذَفُ المحذورُ منه، بعد "إياك" وفروعهِ، اعتماداً على القرينة، كأنْ يُقال "سأفعلُ كذا" فتقولُ "إياكَ"، أَي "إياك أَن تفعله".

وما كان من التّحذير بغير "إياك" وفروعهِ، جاز فيه ذكرُ المُحذَّر والمحذَّر منه معاً، نحو "رجلَكَ والحجرَ" وجازَ حذفُ المحذّر وذكرُ المحذّر منه وحدَهُ، نحو "الأسدَ الاسدَ". ومنه قولهُ تعالى: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾.

الإِغراءُ:

الإِغراءُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ يُفيدُ الترغيبَ والتشويقَ والإِغراءَ، ويقدَّرُ بما يُناسبُ المقامَ كالزَمْ واطلُبْ وافعلْ، ونحوها.

وقائدتُه تنبيهُ المخاطَبِ على أمرٍ محمودٍ ليفعلُه، نحو "الاجتهادَ الاجتهادَ" و"الصِدقَ وكرَمَ الخلقِ".

ويجبُ في هذا البابِ حذفُ العاملِ إن كُرّرَ المُغرَى به، أو عُطِفَ عليهِ، فالأولُ نحو "النَجدةَ النَّجدةَ". ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

أَخاكَ أَخَاكَ، إنَّ مَنْ لا أَخا لَهُ *** كساعٍ إلى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ

وإِنَّ ابْنَ عَمِّ المَرْءِ فاعلَمْ، جَناحُهُ *** وهَلْ يَنْهَضُ البازِي بِغَيْرِ جَنَاحِ

والثاني نحو "المُروءةَ والنّجدةَ". ويجوزُ ذِكرُ عاملهِ وحذفه إن لم يُكرّر ولم يُعطَفْ عليه، نحو "الإِقدامَ، الخيرَ". ومنه "الصّلاةَ جامعةً". فإن أظهرتَ العاملَ فقلتَ "اِلزمِ الإقدام، افعَلِ الخيرَ، أُحضُرِ الصلاة"، جازَ.

وقد يُرفعُ المكرَّرُ، في الإغراءِ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوف، كقوله [من الخفيف]:

إِنَّ قَوْماً مِنْهُمْ عُمَيْرٌ وأَشبا *** هُ عُميْرٍ، ومِنْهُمُ السَّفَّاحُ

لَجَدِيرُونَ بالوَفاءِ إِذَا قا *** لَ أَخُو النَّجْدةِ السِّلاَحُ السِّلاَحُ

الاختِصاصُ:

الاختصاصُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ "أَخصُّ، أو أعْني". ولا يكونُ هذا الاسمُ بعد ضميرٍ لبيان المرادِ منه، وقَصرِ الحكمِ الذي للضمير عليه، نحو "نحنُ - العرَبَ - نُكرِمُ الضّيفَ". ويُسمّى الاسمَ المُختصّ.

فنحن مبتدأ، وجملة نكرم الضيف خبره. والعربَ منصوب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره "أخصّ". وجملة الفعل المحذوف معترضة بين المبتدأ وخبره. وليس المراد الإخبار عن "نحن" بالعرب، بل المراد أن اكرام الضيف مختص بالعرب ومقصور عليهم.

فان ذُكرَ الاسمُ بعد المضير للإخبار به عنه، لا لبيان المراد منه، فهو مرفوع لأنه يكون حينئذ خبراً للمبتدأ. كأن تقول "نحنُ المجتهدون" أو "نحن السابقون".

ومن النصب على الاختصاص قولُ الناس "نحنُ - الواضعين أسماءنا أدناه - نشهد بكذا وكذا". فنحن مبتدأ، خبره جملة "نشهد" والواضعين مفعول به لفعل محذوف تقديره "نخصّ، أو نعني".

ويجبُ أن يكونَ مُعرّفاً بأل، نحو "نحنُ - العربَ - أوفى الناسِ بالعُهود"، أو مضافاً لمعرفةٍ، كحديث "نحنُ - مَعاشرَ الأنبياء - لا نورثُ ما تركناهُ صدَقةٌ"، أو عَلَماً، وهو قليلٌ، كقول الراجز "بنا - تَميماً - يُكشَفُ الضَّبابُ". أما المضافُ إلى العَلَمِ فيكونَ على غيرِ قِلّةٍ، كقولهِ "نحنُ - بَني ضَبَّةَ أصحابَ الجَمَل". ولا يكونُ نكرةً ولا ضميراً ولا اسمَ إشارة ولا اسمَ موصولٍ.

وأكثرُ الأسماءِ دخولاً في هذا البابِ "بنو فلان، ومعشر (مضافاً)، وأهلُ البيتِ، وآلُ فلانٍ".

واعلمْ أن الأكثر في المختصِّ أن يَلي ضميرَ المتكلِّمِ، كما رأيتَ. وقد يلي ضميرَ الخطاب، نحو "بكَ - اللهَ. ارجو نجاحَ القصدِ" و"سُبحانَكَ - اللهَ - العظيمَ". ولا يكون بعدَ ضميرِ غيبة.

وقد يكون الاختصاصُ بلَفظ "أَيُّها وأَيَّتُها"، فيُستعملان كما يستعملان في النّداءِ، فيبنيان على الضمِّ، ويكونانِ في محلِّ نصبٍ بأخُص محذوفاً وجوباً، ويكونُ ما بعدَهما اسماُ مُحَلًّى بألْ، لازمَ الرفعِ على أنه صفةٌ لِلَفظهما، أو بدلٌ منه، أو عطفُ بيانٍ لهُ. ولا يجوزُ نصبه على أنه تابعٌ لمحلّهما من الإعراب. وذلك نحو "أَنا أفعلُ الخيرَ، أيُّها الرجلُ، ونحن نفعلُ المعروفَ، أيُّها القومُ". ومنه قولهم "أَللهمَّ اغفر لنا، أَيَّتُها العَصابةُ".

ويراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص، وإن كان ظاهره النداء. والمعنى "أنا أفعل الخير مخصوصاً من بين الرجال، ونحن نفعل المعروف مخصوصين من بين القوم، واللهمّ اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب". ولم ترد بالرجل إلا نفسك ولم يريدوا بالرجال والعصابة إلا أنفسهم، وجملة "أخص" المقدّرة بعد "أيها رأيتها" في محل نصب على الحال.

الاشتغالُ:

الاشتغالُ أن يَتقدَّمَ اسمٌ على من حقِّهِ أن يَنصِبَه، لولا اشتغالهُ عنه بالعمل في ضميرهِ، نحو "خالدٌ أَكرمتُهُ".

إذا قلت "خالداً أكرمتُ"، فخالداً مفعول به لأكرمَ. فان قلتَ "خالدٌ أكرمته"، فخالدٌ حقه أن يكون مفعولاً به لأكرم أيضاً، لكنّ الفعلَ هنا اشتغل عن العمل في ضميره، وهو الهاء. وهذا هو معنى الاشتغال.

والأفضلُ في الاسم المتقدمِ الرفعُ على الابتداء، كما رأيتَ. الجملةُ بعدَهُ خبرهُ. ويجوز نصبُهُ نحو "خالداً رأيتهُ".

وناصبُهُ فعلٌ محذوف وجوباً، فلا يجوزُ إظهارهُ. ويُقدَّرُ المحذوفُ من لفظِ المذكور. إلا أن يكونَ المذكورُ فعلاً لازماً متعدياً بحرف الجر، نحو "العاجزَ أخذتُ بيدهِ" و"بيروتَ مررتُ بها"، فَيُقدّرُ من معناهُ.

فتقدير المحذوف "رأيت". في نحو "خالداً رأيته".

وتقديره "أعنت، أو ساعدت، في نحو "العاجزَ أخذت بيده". وتقديره "جاوزت" في نحو "بيروتَ مررت بها".



[1] أما "كأين" فلا تضاف ولا يضاف اليها. وانما وجب تقديم المفعول به ان كان واحداً مما تقدم، لأنّ هذه الأدوات لها صدر الكلام وجوباً، فلا يجوز تأخيرها.

آخر تعديل: الخميس، 18 أبريل 2024، 11:32 AM