المحاضرة الثالثة
Résumé de section
-
المحاضرة الثالثة: أصول النحو التأليف و الرواد: ابن جني، ابن الأنباري، السيوطي.
مصدر القاعدة النحويَّة إلى مصدَرَيْن:
أوَّلاً السَّماع: ويقصد به النُّحاة مجموع ما سُمِعَ ونُقِل إلينا من الكلام العربيّ الفصيح. وهو أقسام:
1. القرآن الكريم: ويُستدلّ به كلّه دون استثناء، وكذلك يُستدلّ بكلّ قراءاته المُتواترة منها والشَّاذَّة. لاتفاق العرب جميعًا أنَّه النموذج الأعلى للفصاحة والسلامة والبلاغة. فأجمع العرب -مُسلمهم وغير مُسلمهم- على أنَّه المِقياس الذي عليه يُقاس الكلام على سبيل التركيب وعلى سبيل الكلام المُفرد.
2. الأحاديث النبويَّة: وهنا سنرى موقفَيْن للنُّحاة؛ غالبهم رفض أخذ اللغة من أحاديث النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقلَّة قليلة ارتضتْ ذلك -ومنهم ابن مالك صاحب الألفيَّة الشهيرة-. وهذا الموقف يبيِّن مدى جدِّيَّة ونزاهة النُّحاة؛ لأنَّ المِقياس هو صدور الكلام عن العربيّ الفصيح الخالص، وقد رفضوا الحديث النبويّ لأنَّ غالب الحديث رُوي بالمعنى لا باللفظ. وهذا أمر يختلف عن الرأي العامّ في علم الحديث ومنظومته فمعروف أنَّ الأحاديث كانت تُدقَّق إلى أقصى حدّ مُمكن بألفاظها لأنَّها مصدر التشريع واللفظ فيها حاكم ومُنشئ للحُكم الشرعيّ.
بالعموم على اعتقاد النُّحاة أو تخوُّفهم من مسألة الرواية بالمعنى رفضَ غالبُهُم الاستناد إلى الأحاديث النبويَّة في مسألة الأخذ اللُّغويّ. ولمْ يكُن هذا إلا تخوُّفًا. أمَّا النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيُسلِّم الجميع أنَّه بليغ فصيح لا شَوبَ في ذلك إطلاقًا، وقد قال هو نفسه “أنا أفصح العرب”. وهذا الأمر كما سلف يدلُّ على وضوح المعيار والمِقياس في العمل العلميّ النحويّ حتى مع وجود مؤثِّر وهو نسبة الحديث – ألفاظًا وتراكيبَ- إلى النبيّ.
3. كلام العرب المنقول: شعرًا ونثرًا وأقوالاً عاديَّة. ويشترطون للمَنقول عنهم أنْ يكونوا فُصحاء خُلَّصًا -أيْ عربًا أصِيْلِيْنَ لا هُجنة فيهم-. وقد حدَّدوا حيِّزًا مكانيًّا للنقل منه هو قلب الجزيرة العربيَّة، ومنعوا الأخذ عن العرب المُتطرِّفين -أيْ الذين على أطراف الجزيرة العربيَّة- لاختلاطهم بغيرهم من الأُمم، ومَخافة تأثير هذا الاختلاط على ألسنتهم. وقد حدَّدوا حيِّزًا زمنيًّا معيَّنًا سَمَّوْه “عصر الاستشهاد” أيْ الذي يُقبل منه اللغة ويحقُّ الاستشهاد به. أنهوه بشاعر يُدعى “إبراهيم بن هَرْمَة” تُوفِّي 176هـ (أيْ في الخلافة العباسيَّة).
وقد اشترطوا صحَّة النقل والنسبة إلى الشُّعراء الذين يتمُّ أخذ اللغة عنهم. وللعلم فغالب تراث المُسلمين والعرب منقول بالإسناد دواوين الشِّعر والكُتُب والرسائل والوصايا والخُطَب…. على خلاف الفكرة السائدة من ربط الإسناد بالأحاديث فقط. فكانوا يشترطون صحَّة الإسناد عن الشاعر فيما قال كما يفعل المُحدِّثون مع الحديث النبويّ.
ثانيًا الإجماع: والمقصود به إجماع النُّحاة فإنَّ إجماع النُّحاة على قاعدة أو حُكم مصدر لهذا الحُكم. وقد ضممتُه إلى قسم المصدريَّة لأنَّه ليس آليَّةً من الآليَّات، كما أنَّه حُجَّة وحدَه لا يحتاج إلى العودة إلى اللغة التي أُخذ عنها -وهناك اتجاه قليل لا يعتمد الإجماع دليلاً-. وينقل السيوطيّ أنَّ المُراد بالنُّحاة نُحاةُ البَصرة والكُوفة. لكنَّ حالات إجماع النُّحاة نادرة. وينقسم الإجماع إلى إجماع تصريحيّ: أيْ يُصرِّح به النُّحاة، وإجماع سُكُوتيّ: أيْ أنَّ النُّحاة سكتوا عن أمر فدلَّ سكوتهم على حُكم فيه بالجواز أو المنع.
هي آليَّات كثيرة ومناهج عدَّة سأكتفي بأهمِّها:
1. الاستقراء: وهو جمع اللغة المنقولة من السماع وفحصها فحصًا جيِّدًا بغرض استخلاص القواعد منها. والاستقراء هو أوَّل مناهج النُّحاة العلميَّة. ومنه عرفنا أنَّ الفاعل مرفوع وأنَّ المبتدأ وخبره كذلك، ومنه عرفنا تراكيب الجمل الأساسيَّة، وكلّ القواعد الرئيسة التي نعرفها جميعًا.
2. القياس: وهو أكبر الآليَّات والمناهج النَّحويَّة بعد حصر اللغة والنظر فيها. ويكون بقياس التركيب على التركيب والصيغة على الصيغة. وله أربعة أركان: المَقيس عليه وهو المنقول إلينا عن العرب، والمَقيس وهو الذي نريد قياسه على الأصل المنقول إلينا، والعلَّة وهي الرابط بين الاثنين الذي به سنُتبع الآخر بالأوَّل، والحُكم وهو الذي نريد إثباته للفرع من الأصل لهذه العلَّة.
3. الاستصحاب: وهو الإبقاء على حالة الأصل. مثل أنَّ الأصل في الألفاظ المُفرد وليس المُثنى ولا الجمع، ومثل أنَّ الأصل في الأسماء الإعراب (أيْ تغيُّر أواخرها) وأنَّ الأصل في الحروف والأفعال البناء (أيْ ثبات أواخرها).
الخصائص لابن جني
لمع الأدلة للأنباري
الإغراب في جدل الإعراب
الاقتراح في أصول النحو
الإنصاف في مسائل الخلاف
المزهر للسيوطي
الأشباه والنظائر للسيوطي
داعي الفلاح لمخبئات المصباح للصديقي
الإيضاح في علل النحو للزجاجي
المحاضرة الرابعة: السماع مفهومه و شروطهمفهوم السماع لغة السماع لغة هو حس الأذن، يُقال سمعته سمعًا وسِمعَا وسَماعه وسماعية، وهو ما سمعت به فشاع وتُكلم به، وفي التنزيل: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وتدور معاني السماع اللغوية حول النسبة إلى المسموع، والإصغاء، والإنصات.[٢] مفهوم السماع اصطلاحًا ومفهوم السماع اصطلاحًا ما انطبق عليه قول ابن الأنباري في اللمع: "اعلم أن النقل هو الكلام العربي الفصيح المنقول، النقل الصحيح الخارج عن حد القلة إلى حد الكثرة"، وعلى هذا يخرج ما جاء من كلام غير العرب من المولِّدين وغيرهم، وما جاء شاذًا، فالسماع يقال له أيضًا النقل. وفصّله السيوطي فقال: "وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته؛ فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن، وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظمًا ونثرًا، عن مسلمٍ أو كافرٍ.أهمية السماع في علم النحو إن الحفاظ على النص المسموع يعدّ المصدر الرئيس الذي ينطلق منه علماء النحو في عملة التأصيل، فالمسموع من كلام العرب يمثل النص الأصيل الخالص، ونعني أنه اللغة القحة التي لم تخالطها عجمة، بل هي لغة على السجية على حد تعبير الفراهيدي، ووجودها على هذه الصفة يحمل الأصولي النحوي على تقديسها تقديسه للنص القرآني، باعتبار أنه نزل بلسان عربي، ولذلك كان حرص أصولي النحو والفقه دائمًا هو البحث عن الخالص لأنه ثابت. كما أن المسموع من كلام العرب لا يمثل النص الأصيل الخالص فحسب، وإنما يمثل النص "الكامل"، وفي ذلك قال ابن جني: "واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء مل، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره فدع ما كنت فيه إلى ما هم فيه".وعرَّفَهُ بقوله: (الكلام العربيُّ الفصيح المنقول النقل الصحيح الخارج عن حدِّ القلة إلى حدِّ الكثرة، أما السيوطي فسماه "السماع"، وعرَّفَهُ بأنَّه: (ما ثبتَ في كلامِ مَن يوثَقُ بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى، وهو القرآنُ، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده، إلى زمن فسدت الألسنة بكثرة المولَّدين، نظمًا ونثرًا عن مسلم أو كافر؛ فهذه ثلاثة أنواع لا بُدَّ في كل منها من الثُّبوت)
شروط السماع:
يشترط في النص المنقول حسب ابن الأنباري توافر الأمور الآتية:
1- العربية؛ فلا بدَّ أن يكون الكلام عربيًّا.
2- الفصاحة.
صحة النقل.
4- أن يكون المنقول خارجًا عن حدِّ القلة إلى حد الكثرة، أي: أن يكون مطردًا، فإذا كان قليلاً فلا يُعَدُّ نقلاً، ثم يؤكد ذلك بقوله: (فخرج عنه إذًا ما جاء في كلام غير العرب من المولَّدين، وما شذ من كلامهم، كالجزم بـ"لن" والنصب بـ"لم"، قُرِئ في الشواذ: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحَ... ﴾ [الشرح: 1] بفتح الحاءوكالجر بـ"لَعَلَّ" كما في
لَعَلَّ أبي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ...
أما السيوطي في تعريفه، فلم يشترط الاطراد في الكلام العربي الذي يمكن عده من السماع، فكان تعريفه أكثر دقة وشمولاً من تعريف الأنباري؛ لأنَّ (كل ما صح عن العرب أو ورد في كتاب الله وسنة رسوله، هو لا شك من السماع، سواء أكان مطردًا أم شاذًّا، ويصح روايته ونقله، ويبدو أن الأنباري حين اشترط الاطراد في الكلام المنقول قد خلط بين السماع بوصفه أصلاً مستقلاًّ من أصول النحو، وبين السماع بوصفه ركنًا من أركان القياس، وهو المقيس عليه؛ إذ إنَّ المقيس عليه هو الذي يشترط فيه الاطراد
وهناك من الباحثين من يفرق بين النَّقل والسماع؛ فقد جعل الدكتور "تمام حسان" السماع أعمَّ وأشمل من النقل؛ إذ قال: (لأنَّه رُبَّما اشتمل على الرواية "وهي النقل" وعلى مشافهة الأعراب "وهي قد تكون بالرحلة أو الوفادة"
وجعل آخرون النقل أعم وأشمل من السماع؛ لأنَّ المنقول يشمل ذلك المسموع مباشرة من الأعراب، وكذلك المنقول عن طريق الرواية عنهم، يقول الدكتور "محمود نحلة": (فالنقل أعمُّ بهذا المعنى وأشمل؛ إذ يشمل السماع المباشر وغير المباشر)
والسماع هو الأساس الأول الذي دَوَّنَ العلماء بموجبِه اللغة؛ لأنَّه السبيل الطبيعي إلى تعرُّف كُنْه اللغة، وتوضيح خصائصها، كما أنَّه أقرب طريق إلى ضبط العربية، ومعرفة المستعمل منها؛ إذ إنَّ اللغات في أصلها نقلية، وأساس معرفتها ومعرفة خصائصها السماع
وهو على درجة كبيرة من الأهمية؛ إذ يمثل حجر الأساس في عملية الاستدلال، بل إنَّ الأصول الأخرى لا بُدَّ لها من مستند من السماع، حتى القياس فهو قائم عليه؛ لأنَّ السماع هو الذي أمدَّ الآخر بالمادة اللغوية التي تمثل أحد أركانه الأساسية، وهذا ما أكده السيوطي بقوله: (وكلٌّ من الإجماع والقياس لا بُدَّ له من مستند من السماع، كما هما في الفقه كذلك)
إلا أنَّ حركة السماع المباشر لم تستمر طويلاً؛ فقد شهدت أواخر القرن الرابع نهاية السماع من العرب الموثوق بفصاحتها, ونتيجة لذلك لم يكن للمتأخرين حق السماع المباشر من العرب؛ لانتفاء مصادر الفصاحة في زمانهم، وتفشي اللحن والخطأ، بل كان لهم حق الاستشهاد بما استشهد به العلماء الأوائل، فكان القرآن الكريم وقراءاته، والحديث الشريف، وكلام العرب المنثور والمنظوم: شواهدَهم في بناء قواعد علمهم.
المراجع:
1-ابن السراج، محمد بن سهل، الأصول، ط3، تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1417هـ-1996م.
2-ابن جني، أبو الفتح عثمان بن جني:
-الخصائص، ط1، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، 1371هـ-1952م.
- سر صناعة الإعراب، ط2، تحقيق الدكتور حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، سوريا، 1413هـ-1993م.
-اللمع في العربية، ط1، تحقيق الدكتور سميح أبو مغلي، دار مجدلاوي، عمان، 1988م.
3-الأنباري، عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد:
- أسرار العربية، ط1، تحقيق محمد بهجة البيطار، المجمع العلمي العربي، دمشق، سوريا، 1377هـ -1957م.
4-تمام حسان:
- الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، الطبعة الأولى، عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1420هـ-2000م.
-اللغة العربية معناها ومبناها، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، 1994م.
5-حامد ناصر الظالمي، أصول الفكر اللغوي العربي دراسة في البنية والمنهج، ط1، الشؤون الثقافية العامة، سلسلة دراسات، بغداد، العراق، 2011م.
6-حسن خميس الملخ، نظرية التعليل في النحو العربي بين القدماء والمحدثين، ط1، دار الشرق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2000م.
7- الزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق، الإيضاح في علل النحو، ط3، تحقيق الدكتور مازن المبارك، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1399هـ - 1979م.
8-السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر:
-الاقتراح في أصول النحو، ط1، تحقيق الدكتور محمود سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية، طنطا، مصر، 1426هـ-2006م.
9-عادل نذير الحساني، التعليل الصوتي عند العرب في ضوء علم الصوت الحديث –قراءة في كتاب سيبويه- ط1، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، بغداد، العراق، 1430هـ-2009م.
10-العكبري، أبو البقاء عبد الله بن الحسين:
-التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين، ط1، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1406هـ 1986م.
-اللباب في علل البناء والإعراب، ط1، تحقيق غازي مختار طليمات، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1416هـ-1995م.
11-علي أبو المكارم:
-أصول التفكير النحوي، ط1، دار غريب، القاهرة، مصر، 2007م.
-تقويم الفكر النحوي، ط1، دار غريب، القاهرة، مصر، 2005م.
12-محمد خير الحلواني، أصول النحو العربي، ط1، الناشر الأطلسي، الرباط، المغرب، 1983م.
13-محمود أحمد نحلة، أصول النحو العربي، ط1، دار العلوم العربية، بيروت، لبنان، 1407هـ-1987.
14-الوراق، أبو الحسن محمد بن عبد الله، علل النحو، ط1، تحقيق الدكتور محمود جاسم الدرويش، مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، 1420هـ-1999م.