وحدة الوجود
وحدة الوجود
تمهيد :
تعد وحدة الوجود من أبرز قضايا الأدب الصوفي التي فجرت قرائح الشعراء والأدباء في كتاباتهم وكانت منعرجا حساما في تاريخ الدين الإسلامي عامة والدب خاصة وقبل الحديث عن وحدة الوجود لا بد من الإشارة إلى مفهومها.
1- مفهوم وحدة الوجود :
أ- لغة :
وَحَدَ : الواو والحاء والدال أصل واحد يدل على الانفراد من ذلك الوَحْدة ، ووَحَدَ الشيء : جعله واحداً ، والواحد المنفرد بذاته في عدم المِثل والنظير.
الوجود : الثبوت والحصول ، مصدر وُجد الشيء ، يطلق الوجود على الظَّفر بالضالة وإدراك المطلوب ، ويطلق أيضا على الوصف الذي تشترك فيه الكائنات فيميزها عن المعدومات ، وُجد الشيء من العدم فهو موجود.
ب- اصطلاحا :
وحدة الوجود عقيدة كبرى من عقائد الصوفية تعني - بأوجز عبارة - : أن الله تعالى والعالم شيء واحد ، والقائلون بهذه الفكرة يختلفون في تصويرها إلى فريقين : « فريق يرى الله روحا ويرى العالم جسما لذلك الروح ، فالله هو كل شيء ، وفريق يرى جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير الله فكل شيء هو الله.»
ونظرية وحدة الوجود شغلت جمهورا كبيرا من علماء الإسلام واصطنعها كثير من أقطاب الصوفية منهم ابن الفارض الذي يقول :
وفي الصَّحْو بعد المَحْوِ لم أك غيرها وذاتي بذاتي إذْ تَجَلَّتْ تَحلتِ
وما زلت إياها وإياي لم تَزَلْ ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبتِ
وقد شرح هذه النظرية بهاء الدين العاملي في كتيّب أسماه ( الوحدة الوجودية) ، وأهم ما فيه هو الدفاع عن ظهور الله بصورة محسوسة.
والوجود الحق الواجب في ذاته ، الكامل بصفاته ، السابق موجوديته على جميع حالاته ، مُمْتَنِعٌ أن يحوم النقص حول عظمة ذاته ، فكل ما ظهر في الكون من الكمال فهو من لوازم ذي الجلال والجمال وما طرأ من النقص والزوال ، فهو من أحكام التعين والتنزل والإنزال.
وخلاصة المذهب أن لا موجود إلا الوجود الواحد ، ومع ذلك يتعدد بتعدد التعينات تعدداً حقيقياً واقعاً في نفس الأمر ، ولكن ذلك التعدد لا يوجب تعددا في ذات الوجود ، كما أن تعدد أفراد الإنسان لا يوجب تعددا في حقيقة الإنسان.
2- مبدأ نظرية الوجود عند ابن عربي :
يعد الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ( توفي 638ه) صاحب مذهب وحدة الوجود في الفكر الصوفي الإسلامي غير منازع ، بل يمكن القول أنه أول مفكر وفيلسوف فصل القول في هذا المذهب في العالم أجمع ، وقد عبر عن مذهبه في كتبه ورسائله وفي شعره بطريقة رمزية ، حيث يرى أن الوجود بأسره حقيقة واحدة ليس فيها ثنائية ولا تعدد وعلى الرغم مما يبدو لحواسنا من كثرة في الموجودات في العالم الخارجي وما تقرره من ثنائية الله والعالم الحق والخلق . ولكن الحق والخلق عنده اسمان أو وجهان لحقيقة واحدة إذا نظرت إليها من ناحية تعددها سميتها خلقا .ولكنهما اسمان لمسمى واحد يقول:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقا بهذا الوجه فادركوا
جمع وفرق فان العين واحدة وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر
هذه في نظر ابن عربي بقضية بديهية لا تقبل الشك ولا الدليل ولكنها في الوقت نفسه تقبل التحقيق عن طريق التجربة الصوفية التي يدرك فيها الصوفي في حال فنائه عن نفسه وعن الخلق وحدته الذاتية مع الحق ،فمن أقواله التي يصرّح فيها بكل جرأة وصراحة عن مذهبه قوله :« فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها » وقوله :
فما نظرت عيني إلى غير وجهه ولا سمعت أذني خلاف كلامه
وقوله أيضا :
يا خالق الأشياء خالق الأشياء في نفسه أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهي كنهه فيك فأنت الضيق الواسع
هذه العبارة تقرّ بصراحة بوحدة الوجود وليس في تأويلها إلا غير ما يفهم من ظاهرها إلا افسادها ، يتلخص مذهب ابن عربي وحدة الوجود بين تصورين مختلفين للأهوية : بين إله وحدة الذي مبدأ ميتافيزيقي مجرد من الصفات المشخصة ، وإله الأديان الذي له هذه الصفات ، وهو يحاول جاهدا أن يوفق بين التصورين...فالله الذي تصوره في مبدأ الوجود وأصل كل موجود هو وحده الغني على الاطلاق وكل موجود مفتقر إليه على الحقيقة.
فمذهبه روحي في جملته وتفاصيله يحِلُّ الألوهية من الوجود المحل الأول ويعتبر الله الحقيقة الأزلية ، والوجود المطلق الواجب الذي هو أصل كل ما كان وما هو كائن أو سيكون فإن نَسَبَ إلى العالم وجوداً فهو كوجود الظلال بالنسبة لأشخاصها وصور المرايا بالنسبة للمرئيات ، أما العالم في نفسه فليس خيالا وحلما يجب تأويله لفهم حقيقته ، الوجود الحقيقي هو وجود الله وحده ولذا لم يحتج وجود الحق إلى دليل.