مدخل إلى الشعر الجزائري المعاصر
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة كلية الآداب واللغات
قســـــــــــــم اللغـــــــــــة والأدب العــــــــــربــــــي السنة الجامعية: 2024 / 2025
مقياس : الشعر الجزائري المعاصر نوع الحصة : محاضرة
الفئة المستهدفة : السنة الثانية ماستر التخصص : أدب جزائري
المدة المخصصة للحصة : ساعة ونصف السداســـــــــي : الثـــالــــث
الأستاذ : بوداني جيلالي djilali.boudani@univ-dbkm.dz
* محتوى المادة :
1. مدخل إلى الشعر الجزائري المعاصر
2. الحداثة والمعاصرة
3. بواكير الشعر الجزائري المعاصر
4. اتجاهات الشعر الجزائري المعاصر:
أ- مرحلة السبعينات والوعي الإيديولوجي
ب- اتجاهات شعر الشباب في مرحلة الثمانينات
ج- شعر الأزمة
5. موضوعات الشعر الجزائري المعاصر
6. الخصائص الفنّيّة للشعر الجزائري المعاصر
7. اللغة الشعرية
8. الموسيقى والصورة
9. قصيدة الومضة
10. معجم القصيدة الجزائرية المعاصرة
11. دلالات الشعر الجزائري المعاصر
12. الذات الجزائرية
13. التراث الأسطوري
14. التراث الشعبي، التراث الديني
الحصة الأولى: مدخل إلى الشعر الجزائري المعاصر
تمهيد:
شكّل التجديد الذي طرأ على الشعر العربي امتداده ليشمل شعر المغرب العربي، إذْ حذا هذا الأخير حذو الشعر العربي في المشرق وسلك مسالكه الإبداعية، واحتضن شعراء المغرب فكرة الخروج عن البنية التقليدية للشعر العربي، والملاحظ هو تأخّر هذه القطيعة مع القديم لأسباب اجتماعية وسياسية وحتى ثقافية وكانت إبداعات المغرب العربي حتى بعد سبعينات القرن الماضي حيث ترسّخت الأجناس الأدبية وأثمرت المثاقفة مع المشرق إلى أنْ أصبحت النهضة الثقافية والقومية في المغرب رائدة للوطن العربي، ومن هذه الحركية النشطة للشعر العربي نالت الجزائر حظّها.
* الشعر الجزائري في مطلع القرن العشرين:
إنّ المتتبّع للحركة التاريخية للشعر الجزائري الحديث يجده ينظم أغراضا تقليدية كالمدح والفخر والهجاء مطلع القرن العشرين، والسبب هو الاستدمار الفرنسي الذي مارس ضغوطه على اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ومع هذا فإنّ الوعي الشبابي الجزائري تنامت لديه روح المقاومة السياسية في شتى الميادين الحياتية بحثاً عن التجديد في كينونة الشعب الجزائري وأدبه الذي بنت محاولات جادّة ملامحه وأعادت للقصيدة رونقها وفصاحتها، بإحياء الماضي وبعث القصيدة العربية بأمجادها.
جُمعت أسماء ناظمي القصيدة العربية الحديثة في- ديوان الشعر الجزائري الحديث- لمحمد الهادي الزاهري، وتجدر الإشارة إلى أنّ اليقظة الفكرية والثقافية في الجزائر قد ارتبطت آنذاك بالفكر الإصلاحي المعتمد في مبادئه على العودة إلى التراث والمنابع الأولى للدين والتاريخ والثقافة العربية الإسلامية، وقد كان الفكر الإصلاحي يدعو إلى الارتباط بالحضارة العربية كردّ فعل ضدّ التيارات الأخرى التي حاولت تغريب المجتمع الجزائري وطمس شخصيته وتمييع مكاسبه التراثية.
ظلّ الشعر الجزائري في تلك الفترة خاضعاً للنمطية التراثية، محافظاً على وحدة البيت وبنيته التقليدية إلى أنْ دعت الحاجة إلى جعل القصيدة العربية منقادة لدواعي النضال والوقوف في وجه الحركات الهدّامة، قادرة على التعبير عن الموضوعات المحدثة، فتنامى الحسّ الوطني بين الجزائريين واتّسعت الصلة بين المشرق والمغرب عبر عدّة روافد؛ الهجرة، الصحافة، الحرب... وأدّى هذا الأمر إلى إضفاء سمات فنّية حوت في طيّاتها لمسات تجديدية حظي بها الشعر العربي عامة والجزائري خاصة الذي شهد محطّات انطلاق إبداعية استوعب فيها كلّ الإشكالات، فاكتسب نزعتين: * نزعة المحافظة والتقليد * نزعة التجديد التي انحصرت في بعض الشعراء والنقاد المتأثّرين بالاتجاه الرومنسي.
* اتجاهات الشعر الجزائري ( من الحداثة إلى المعاصرة) :
يمكننا القول إنّ الشعر الجزائري قد مرّ في مسيرته التطوّرية بمراحل انتقالية تجديدية قامت بادئ الأمر على أسس المدرسة الإحيائية التي تبنّت مبادئها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إذْ تأثّر الشعراء في الجزائر بغيرهم في المشرق كشوقي وحافظ إبراهيم، والرصافي، فنظموا على طرائقهم، وأبدى الشاعر الجزائري رأيه ووقف يناضل وكلّه إصرار عن حقوق شعبه ضدّ الغزاة، وواكب الحركات السياسية والإصلاحية وناقش موضوعات كثيرة؛ الإدماج، الظلم، الفرنسة، تعليم المرأة... كما ركّز على إحياء التراث العربي وأكّد على فكرة العروبة والانتماء الديني الإسلامي .
مع مرور الوقت وتسارع الأحداث أصبحت النزعة التقليدية قاصرة عن احتواء الأوضاع. الأمر الذي أدّى بالشعراء الجزائريين إلى رفض المقاييس التقليدية والثورة عليها بهدف التجديد لإحداث التغيير وتحقيقه، وذلك باللجوء إلى النزعة الثورية التمرّديّة المنبثقة عن الفكر الرومنسي الذي تبنّاه الأدباء والنقاد العرب في أربعينيات القرن العشرين، أضف إلى ذلك الاحتكاك بالأدب الفرنسي الرومنسي، ممّا أدّى بالشعراء إلى اكتشاف جوانب جديدة في الشعر قادتهم إلى استحداث نمط ونوع شعري يثري الساحة الأدبية والحياتية بصفة عامة، وهو الشعر الحرّ الذي حرص على تمسّكه بالمذهب الرومنسي العربي كامتداد للإبداع الشعري وضماناً لاستمراريته فقوامه الخروج عن الإطار الشعري التقليدي.
لقد اعتبر الشاعر الجزائري "رمضان حمود" رائد الدعوة التجديدية، فهو أوّل من أقدم على كسر عمود الشعر بنشر محاولة في شعر التفعيلة بجريدة وادي ميزاب العدد 95 سنة 1928. لكنّ الشعراء الجزائريين قد تأخّروا في النظم والكتابة على هذا النمط الجديد لذيوع الشعر العمودي بخطابيته الفعّالة، فالمقام كان يستدعي تلك الخطابية، وكذا انحصار اللغة العربية بسبب ضغوطات الاستعمار وانتشار الأمية.
لقد ساعد الشعر الحرّ على الذيوع والانتشار العديد من العوامل، أهمّها : الاطّلاع على الصحافة الأدبية المشرقية، والسفر إلى المشرق للدراسة، ومن الشعراء الجزائريين المتأثّرين بالشعر المهجري والذين حاولوا الكتابة في نمط الحرّ شيخ المؤرّخين الذي حاول كذلك في الأدب "أبو القاسم سعد الله" رحمه الله. وكان لاندلاع ثورة نوفمبر المباركة عميق الأثر في تطوّر هذا النوع الشعري .