اتجاهات الشعر الجزائري المعاصر
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة كلية الآداب واللغات
قســـــــــــــم اللغـــــــــــة والأدب العــــــــــربــــــي السنة الجامعية : 2024/2025
مقياس : الشعر الجزائري المعاصر نوع الحصة : محاضرة
الفئة المستهدفة : السنة الثانية ماستر التخصص : أدب جزائري
المدة المخصصة للحصة : ساعة ونصف السداســـــــــي : الثـــالــــث
الحصة الرابعة اتجاهات الشعر الجزائري المعاصر
*تمهيد :
بعد الركود الذي شهدته الساحة الأدبية والنقدية في الجزائر بعد الاستقلال مباشرة، وبعد أنْ تبنّت الجزائر نظام الاشتراكية اتجاهاً في سياستها، وبعد انتشار الوعي الماركسي لاحت إرهاصات الشعر الجزائري المعاصر .
أ- مرحلة السبعينات والوعي الإيديولوجي :
بفضل تفجّر حركة التغييرات الجذرية في المجتمع الجزائري من تأميم المحروقات، والعلاج المجّاني، والثورة الزراعية، وإنجاز القرى الاشتراكية مطلع سبعينات القرن الماضي أخذت بوادر نهضة ثقافية تظهر إلى الوجود عبر انتشار دور الصحافة والمجلات الأدبية، فنشطت الحركة الأدبية والنقدية، ممّا ساعد على نشر العديد من الأعمال، إذْ نشر الناقد الجزائري "حسن فتح الباب" دراسة قيّمة حول شعر السبعينات في ملحق النادي الأدبي بجريدة الجمهورية التي كانت تصدر بوهران، كما كانت هناك أعمال تنشر في المجاهد الثقافي لعدّة أعلام أدبية ونقدية جزائرية وعلى رأسهم "أبو القاسم سعد الله" و"محمد مصايف" و"عبد الله ركيبي" و"أبو العيد دودو" و"عبد الملك مرتاض" .
بفضل ذلك النشاط برز اتجاهان في حركة الشعر الجزائري السبعيني:
- اتجاه حاول الكتابة في العمودي والحرّ محاولاً التجديد في إطاره وقد مثّله كلّ من "مصطفى محمد الغماري" و"مبروكة بوساحة" و"عبد الله حمادي" و"جميلة زنير"...
- اتجاه آخر أعلن القطيعة مع الشعر العمودي، فبفعل انتشار الوعي الماركسي آنذاك تمّت القطيعة بين بعض الشعراء الشباب وبين الموروث الثقافي والتراث، "إذْ أصبحوا ينظرون إلى كلّ ما له علاقة بالتراث أو الدين نظرة ضيّقة غير موضوعية" ( محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، ص 173.)، ومثّل ذلك الاتجاه كلّ من "عمر آزراج" و"عبد العالي رزاقي" وحتى "أحلام مستغانمي" ...
- تيار آخر ظهر إلى الوجود هو تيار الشعر المنثور "قصيدة النثر" مثّله "عبد الحميد بن هدوقة" (أرواح شاغرة) و"جروة علاوة وهبي"، لكن عمر هذا الاتجاه كان قصيراً، يقول عنه "محمد ناصر" : "... ولا نكاد نجد فيه إنتاجاً يستوجب التقييم أو التنويه لضعفه الفنّي، ولعلّ إمكانية إدراجه في النثر أصوب من إدراجه في الشعر، ذلك لأنّ هذا التيار لم يصادف نجاحاً ولا قبولاً من طرف الشعراء..." (الشعر الجزائري الحديث، ص 184).
وما تجدر الإشارة إليه أنّ قضية التجديد في الأشكال الشعرية عرفت خصاماً وصراعاً كبيرين، من هنا يرى الشاعر "محمد زتيلي" أنّ الحركة الشعرية الشابة وحدها استطاعت أنْ تواكب حركة الأدباء الشباب في الوطن العربي كما أنّها تمكّنت من أنْ تشكّل رافداً جديداً للحركة الشعرية الجديدة، وأنّ سمة التطوّر تطبع هذه الحركة التي تبحث عن الأشكال والرؤى الأكثر ملاءمة للتعبير عن طبيعة المرحلة، وهنا أكّد ما يذهب إليه الشاعر "عمر آزراج" الذي اعتبر أنّ: "ثمّة تجاوز لصالح القصيدة المحدثة في الجزائر، فالشاعر الجديد استقصاء لمعاناة جماعية بصوت فردي خاص، رغم التفاوت الحاصل في تجارب هؤلاء الشعراء الجدد..."( من كتاب شخصيات من الأدب الجزائري المعاصر للأديب والناقد السوري "أحمد دوغان" ).
* الإيديولوجيا في النص الشعري السبعيني :
سيطر الخطاب الاشتراكي على المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر ممّا أثّر على الخطاب الشعري الذي جاء متشبّعاً بالشعارات الإيديولوجية ذات الطابع السياسي والاجتماعي، والمتتبّع لتلك الحركة يجد أنّها تحمل معجماً شعرياً ضخماً عن الشعارات الإيديولوجية السائدة بفعل النظام الاشتراكي (الفقر، الجوع، العمل، الثورة، العامل، المصنع، الزراعة، الإصلاح...)، فهذه الوحدات اللغوية تشكّل حقلاً دلالياً واحداً هو الاشتراكية.
يقول الناقد "يوسف ناوي" : "ويمكن أنْ نجد في قصائد محمد الصالح باوية عند نهاية الستينات وبداية السبعينات في مجموعته: "أغنيات نضالية" 1971، و"أحمد حمدي" في مجموعته الشعرية الصادرة في السبعينيات تمثّلاً للوعي النضالي الذي استبدّ بالممارسة وجعلها تتغنّى بقيم التحرّر والاشتراكية." (يوسف ناوي، الشعر الحديث في المغرب العربي، ص 37.)، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الصحف الجزائرية، وخاصة الحكومية هي العامل المساعد الأوّل على دعم هذا التوجّه الاشتراكي في الأدب الجزائري آنذاك.
ب/- اتجاهات شعر الشباب في مرحلة الثمانينات :
بعد التمادي في توظيف الشعارات الاشتراكية في الشعر السبعيني، كان من الطبيعي أنْ يحدث ردّ فعل قويّ على تلك الفترة، بعد أنْ لاحظ الأدباء سيطرة الإيديولوجيا واستبدادها ببنية الشعر وموضوعاته وقيمه الجمالية، يقول في هذا الصدد الأستاذ "عبد الحميد هيمة" : "فقد كانت التجربة الشعرية الجزائرية متردّدة بشكل واضح بين الحداثة والتقليد في مرحلة السبعينات، شهدت هذه المرحلة انتفاضة شعرية خاضت تجربة جديدة تستفيد من تراثها وتحاور النص الجديد محاولة إخراج نص يتماشى مع متطلّبات المتلقي." ( من كتاب: عبد الحميد هيمة، علامات في الإبداع الجزائري، ص 69. )
- الملاحظ على النص الشعري الثمانيني هو توفيقه بين التراث والحداثة، كما نجده قد حافظ على الاتجاهين من حيث الشكل العمودي والحرّ.
يقول الدكتور "عبد الحميد هيمة في كتابه" الصورة الفنية في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر: " إذا كانت فترة السبعينات قد رفعت شعار القطيعة مع القصيدة العمودية، فإنّ هذه الفترة تمثّل ذلك التواصل مع الموروث."
عرف النص الشعري الثمانيني انفتاحاً على الآخر وعلى التجارب العالمية، كما لم يخف تأثّره بالماضي، ومن الأشياء الملاحظة في الرؤية الشعرية لهذه الفترة طغيان التوتّر وعدم القناعة والرضا بالواقع، ومحاولة استشراق آفاق جديدة، ممّا دفع إلى حدوث انفجار للنص الشعري الجزائري بسبب هذه الرغبة الملحّة، فحاول الشعراء الاشتغال على عنصر اللغة، إذْ هي تمثّل خلقاً فنّياً بذاته يقيم في البناء الشعري، ومن خلال العديد من النماذج تظهر لنا ظاهرة الإيحاء، فكلّ لفظ له بعده الخاص.
يقول الدكتور الشاعر علي ملاحي في قصيدة "مذكرة العشق" :
تناهت إلى قلبها الذكريات
الحقول استراحت إلى الماء في تؤده
سربلت شعرها في لجاج التطلّع، واستنطقت
خصرها المشتهي ...
ما يلاحظ على النص الشعري الجديد هو ظاهرة الغموض، لذا فالقارئ الحداثي يجد نفسه مرغماً على المشاركة في إنتاج المعنى ولا يستهلكه، وهو حين يلتقي بالنص يجب أنْ يكون مثقّفاً حذقاً ليستطيع محاورته، وأنْ يكون متضلّعاً في اللغة متمكّناً من ناصيتها، قادراً على التعامل معها وتأويل معانيها القريبة والبعيدة، ممّا جعل النص الواحد ينطوي على عدّة مستويات من القراءة.
- أصبح النص الشعري الجديد يخاطب ذاتية القارئ، وبما أنّ الشاعر الجديد لم يعدْ ذلك المتفرّج الواصف لأحداث عصره وقضاياه وإنّما حاول تجاوز هذا الواقع والتمرّد عليه، فنتج عن هذا صورُ كثيرة من القلق والضياع والاغتراب والحنين إلى الطفولة.
- يقول الشاعر "محمد بلقاسم خمار":
وطني تركتك مرغمـــاً وتركت فيك سعــــــــادتــــي
ورمى الزمان بمهجتي كالويل في فقر البــــــوادي
حيث التعاسة كالظلام تثيــــــر آلامــــي وبؤســــــي
ولظى السراب ووحشة الآفاق يلهث كالصوادي
فأنا الغريب بوحدتي بالخوف تمضغني الليالي
وأنا الشريد، أنا الشقي أنا المتعذّب في بعـــــادي
الغربة التي يحسّ بها شاعر الثمانينات هي غربة وسط الأهل في حضن الوطن، إذْ يبدو يائساً تائهاً في متاهات الزمن، متسائلاً في حرارة واستنكار عن حاله وسط هذا المجتمع البراغماتي، في دنيا متسارعة الأحداث، ممّا جعله يشعر بالغربة والتهميش، فولّدت تلك الغربة غموضاً في أشعارهم.
- يقول الشاعر "كمال عجالي" في قصيدة "صراع":
أشقّ الدرب
ملحمة الجراح
وأنا غريب
أسائل الدهر وحدي
والدهر أخرس
لا يجيب
وحدي مع الأقدار...
ويقول الشاعر "حمدي بحري" متّخذاً من الطفولة ملاذاً للهرب، فالطفل يجسّد حلم الفنّان في العودة إلى الزمن الجميل، زمن الغضارة والحرية اللامحدودة:
تفجّر الغصن حمامات
وشدّني الحنين عشيّة لنبعها
راودتها عن حلمها
حاصرني النخيل
وصوتها الجميل
تلملم الفجر عصافيرا تحطّ في يدي
قبّلتها...
- أمّا الشاعر "عبد الله حمادي" فيلجأ إلى الكأس والخمرة، مفرغاً فيها كلّ آلامه، جاعلا منها الأنيس في محنته:
ما دام نهجك للأصل مختطفا
فحلّ عنك جمال الطرف يصيبنا
وعانق الكأس وارفع ثدي غارتها
واحفظ مصابك، واسكر كي تجارينا.
نلاحظ من خلال هذا النص سيطرة النبرة الخطابية.
- ومن المواضيع التي تجلّت في الكثير من القصائد: الحنين إلى الوطن، وتمجيد الثورة والشهداء، يقول الشاعر "عقاب بلخير":
أيّها الوطن المشتعل
بشعاع الأمل
أيّها الوطن المحترق
بلهيب العرق
أنا غزوتك، يا وطني.
بالرغم من الاستقرار الذي كان يسود الوطن إلاّ أنّ الشعر آنذاك جاء معبّراً عن القلق والضياع، عن التهميش والظلم، عن الغربة وهي غربة روحية وسط الأهل والوطن، إلى أنْ جاءت السنون العجاف التي بخلت علينا بأمنها واستقرارها، حتى أصبح الأخ يقتل أخاه، ودخل الوطن في دوّامة التقتيل والتنكيل، والتشريد والتهجير...
- ج / شعر الأزمة في الجزائر :
تفاعل الشاعر الجزائريّ مع محنة بلاده في التسعينات، كلّ بمنظوره الخاص، وقد ظهرت نخبة من الشعراء الجزائريين بعد تلك المرحلة الصعبة تحمل المأساة المتراكمة في الذاكرة، وأنتجت أدباً سمّي بأدب المحنة أو الأدب الاستعجالي إذْ فاضت قرائحهم معبّرةً عن الآلام والمآسي التي عاشها الشاعر ككلّ مواطن جزائري، فقد تكبّد المثقّف في التسعينات كلّ أنواع التحدّيات والصراعات الطويلة والعنيفة مع الكتابة و الأزمة.
أمام ذلك الوضع ظهرت تلك النخبة فتناولت الظاهرة بالوصف والتحليل، فهبّ العديد من الشعراء إلى نظم محاولات شعرية تصوّر واقعهم وتنقل مشاهد الأزمة، وكان أنْ ظهر إلى الوجود شعر جزائري يغلب عليه طابع الحزن والنقد والثورة على الوضع.
كانت المشاهد الدامية تتزاحم على الشعراء فتناولوا القلم للملمة جراح وطنهم مواسين كلّ من عضّته مخالب الأزمة – وإنْ كان كلّ جزائري قد عاش تلك المحنة- فهي أزمة عميقة وجراحها أعظم، ومن تلك الأصوات التي انطلقت آنذاك "عز الدين ميهوبي"، "يوسف شقرة"، "سامية زقاري"، "باديس سرار"، "شارف عمر" وغيرهم، نظم هؤلاء قصائد صوّرت مأساة شعبهم، فسمّيت تلك القصائد "القصائد السوداء" لأنّها تعالج مواضيع الألم الذي عاناه المجتمع الجزائري في العشرية السوداء جرّاء ظاهرة الإرهاب وما خلّفته من نكبات وعنف سياسي خطير، فكان شعر الحقبة السوداء مبرِّراً لواقع الأزمة بين التفسير السياسي والاجتماعي والديني والثقافي والاقتصادي، وكان لابدّ للشاعر من صوت وسلاح يدافع به عن ضحايا ذلك الوضع، وكانت القصيدة مشروع مقاومة يحمل خطاباً ذا طابع فنّي جمالي يحمل بدوره واقعاً مريراً ويكشف عن خطايا المصاب الجلل.
اتّخذ شعراء القصيدة السوداء من المجلاّت والجرائد (الشروق، الخبر، الشعب، النصر...) منبراً يبوحون فيه عن قرائحهم في ظلّ غياب دور النشر تزامناً مع مرحلة الأزمة، ف"أحمد شنة" مثلاً نظم قصائد ديوانه " طواحين العبث" سنة 1993 لكنّه ظلّ حبيساً لدى صاحبه بسبب ظروف البلاد التي وقفت حاجزاً أمام دور النشر. كانت صور الإبداع الشعري ملاحمَ تملؤها رائحة الجرم والفناء، وكانت الثقافة عموماً ضحيّة الترهيب والإرهاب إذْ أُغلقت دور الثقافة وأُزهِقت أرواح الكثير من شخصياتها.
ومن نماذج أدب المحنة ما جاء على لسان الشاعر "فاتح علاق" الذي عبّر عن حال بلاده الممزّقة بين فصائل متناحرة على مناصب سياسية وبين معتدين على مصالح المواطن البائس المضطهَد الفارّ من الاعتداء فيقول:
هذا الزمن نعل
من كان يؤمن بالهوى قد ضلّ
من كان يعبد عقله فالعقل ظلّ
أو كان يعبد صمته فالصمت تلّ
قُتل الفتى ما أكفره.
(آيات من كتاب السهو)
- أمّا الشاعر "أحمد شنة" فيصف زمن المحنة وما آلت إليه الجزائر من مآسي ومناكب تُسلَّط يومياً على مواطن أعزل، فراح يلعن مرارة الشتات والتمزّق والموت، والدمار، طالباً من شعبه التمرّد على واقعه والتطلّع إلى أمل النجاة قائلاً :
تكلّمْ ...بما تستطيع
أمام المدينة مات الربيع
وذابت رموش الصبايا
ونامت عيون المطر
فلا تحك بعدي لهذا الصقيع
أساطير شعب جريح
ولا تنتظر
أنْ يعود إلينا القمر
( طواحين العبث، ص 49)
- أصبحت مهمّة الفنّان في ظلّ الأزمة التعبير عن الانفعالات التي يشعر بها وتصوير كلّ مشاهد المحنة التي لمْ يسلم منها حتى الأطفال الذين اُقترفت العديد من الجرائم في حقّهم، فقد تعرّض هؤلاء إلى الكثير من أشكال الذبح والتنكيل وبقر بطون الأمّهات بوحشية، يقول الشاعر "عزّ الدين ميهوبي" في قصيدة "الطفل" :
أبي احكِ أحجية
نعم حبيبي ...
إذن غنِّ لي أغنية
ليتني عندليبا
إذن افتح الباب حتى أرى قمر الصحو
أسأله أمنية
أخاف عليك حبيبي
وممّ تخاف؟
من الصحو
من لحظة الاعتراف
نعم حبيبي، أجلب الكعك لك
سأملأ حيناً يديك
وحيناً فمك
سأحمل كلّ الهدايا
وتنام على فرح من يجيء غداً
أفاق الصبي على دمعة علقت في الزناد
وبقايا أب ...
وراح يفتّش عن أيّ شيء.
- يصوّر الشاعر في هذه المشهد قصة حوارية بين طفل وأبيه (تبدأ بالفرح وتنتهي بالفاجعة : موت الأب ويتم الطفل) في فضاء كلّه دم .
- يقول نفس الشاعر في موضع آخر :
ذبحوا الأجنّة في البطون
خانوا النساء
سرقوا من الشمس الضياء
خطفوا الصفاء من العيون
زرعوا الدمار
لا فرق بين دم وماء
هم يقتلون
وليس يثنيهم ... أحد.
- أمّا الشاعرة "سامية زقاري" فتمضي في رحلة الموت واصفة مأساة جزائر الاستقلال بائحة بجراح الأنثى، قائلة لها :
فآه وآه وآلاف حرقة آه متى دفنها؟
إلى كم سيبقى البلاء؟
أمن صلب غادرٍ يعمّ بأرضي الفناء ؟
فسحقاً إذا ما رغبت بحكم
وبمنطق سارتر الفناء ...
(قصائد معتقة بالأسى)
- أمّا الشاعر "محمد الصالح باوية" فيقول في : "آخر مرثية للوطن : 08/03/1993" مشخّصاً الفاجعة :
صعبٌ عليّ أنْ أقول جملة مفيدة
في زمن اللاحبّ والمكيد
فكم زجرت سادتي عواطفي
الشخصية
فما كتبت لحظة
ما عشت عن حورية
عن العيون الزرق والظفائر
السحرية
- يشير الشاعر هنا إلى الحالة التي آلت إليها المرأة الجزائرية المستهدفة من قبل سماسرة الموت.
- وصف نفس الشاعر واقع الثقافة أثناء زمن المحنة حين تهشّمت كلّ مقوّمات الثقافة، فقد وصل حال المثقّفين إلى الحضيض، هم ضحيّة سياسة الإقصاء والتهميش، يقول باوية :
أيّها الآتي إلينا ...
مرهقاً يطوي المسافة
حاملاً حبّاً وورداً
وعلوماً وحضارة
لبلادي واكتشافه
كلّ شيء في بلادي ممكن
إلاّ الثقافة ...
(آخر مرثية للوطن)
- يصف الشاعر "أحمد شنة" واقع الشعر الأليم، قائلاً:
تكلّمْ فما عاد للحبّ أيّ اعتبار
قتلنا جريراً بذنب الفرزدق
وجئنا لليلى بأحشاء قيس
وبعنا رمال عكاظ
وبعــنا الأغـــــــاني
وبعنا القصائد
ولم يبق إلاّ الشعار
(طواحين العبث)
- يقول الشاعر "أحمد الطيب معاش" في رثاء الصحفيين المغتالين برصاص الإرهاب: "دحماني خديجة"، و"إسماعيل يفصح"
قلْ للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلـــت لقاتـــــــــــل متعمــّد
بالأمس دحماني خديجة أعدمت غدراً، بأيدي الظلم دون سؤال
وبالأمس أيضاً غادرت أخت لها ملفــــوفة ببــــراءة الأطفــــــــــال
فمضت مليكة مثل من لحقت بها دون الوداع لجيــــــرة أو آل
واليـــــوم (مقران) مثـــل من لحقـــــــت ويغيب عنّا تاركاً العيــــــال
بيت الشروق يصاب في أبنائه مثل الجزائـــــر ليـــــلـــــة الزلزال
فتودّع الآكــــــــــــــــــــــــــام كلّ لـــــــبؤة وتروّع الآجـــــام في الأشبال
ماذا جنى قلم وصوت صادق حتى يُزال بطلــــــقة ونصال؟
- نخلص إلى أنّ الشعراء الجزائريين الذين اهتمّوا بشعر المحنة قد شخّصوا وصوّروا واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في تلك الفترة .