مفهوم البلاغة والفصاحة:

1- مفهوم البلاغة:

البلاغة: لغة: ذهب ابن فارس إلى القول بأن: (الباء، واللام والغين)، أصل واحد صحيح، وهو: الوصول إلى الشيء، تقول بلغت المكان؛ إذا وصلت إليه، قال الله تعالىsadفإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروفسورة الطلاق، الآية:2، من هذا الباب قولهم: هو أحمق بلغ، أي أنه مع حماقته يبلغ، وقد ذهب الراغب الأصفهاني: "البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى"؛ وهكذا نصَّ صراحة على أن المادة اللغوية كلها ترجع إلى الوصول والإبلاغ.

البلاغة اصطلاحا:

البلاغة: جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة، وحسن الإشارة، أما من البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة أن تدع الإفصاح إلى الكناية إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وقد عرفها أبو هلال العسكري: "البلاغة من قولهم الغاية؛ إذا انتهيت إليها وبلغتُها غيري، ومبلغ الشيء: منتهاه، والمبالغة في الشيء: الانتهاء إلى غايته، فسميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه"، وهي "كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتُمَكِّنُهُ في نفسه كَتَمَكُّنِه في نفسك، مع صورة مقبولة ومعرض حسن".

فالبلاغة تهتم بإيصال المعنى بالكمية المناسبة والطريقة المناسبة، وهي كعلم من علوم العربية، يحتوي أقساما ثلاثا المعاني البيان البديع.

2-مفهوم الفصاحة:

الفصاحة لغة: ذهب ابن فارس إلى أن: "الفاء، والصاد والحاء" أصل يدل على خلوص في شيء، ونقاء من الشوب، من ذلك اللسان الفصيح: الطليق، والأصل أفصح اللبن، سكنت رغوته، أفصح الرجل: جادت لغته حتى لا يلحن... فهي إذا الصفاء والنقاء وخلوص الكلام مما يشينه.

الفصاحة اصطلاحا:  الإبانة، وهي جزالة اللفظ(متانته وعذوبته في الفم، ولذاذته في السمع)، وحسن المعنى، ولابد من اعتبار الأمرين، لأنه لو كان اللفظ جزلا ركيك المعنى لم يعد فصيحا، والفصيح من الكلام ما وافق لغة العرب، ولم يخرج عما عليه أهل الأدب، وقال أبوهلال العسكري: "أما الفصاحة فقد قال: قوم  أفصح فلان عما في نفسه إذا أظهره"، وهنا تلتقي مع معنى البلاغة في معنى الإبانة عن المعنى والإظهار له.

وللفصاحة شروط:

1-فصاحة المفردة: يجب فيها: 1-الابتعاد عن تنافر الحروف، كقول امرء القيس:

              غدائرها مستشزرات إلى العلى                  تضل العقاص في مثنى ومرسل.

(الغدائر: جمع غديرة وهي الخصلة من الشعر، الاشتزار: الارتفاع، العقاص: خيط تشد به الذوائب.

 و2-الابتعاد عن الغرابة، يضرب مثال في هذه الحال ،وهو قول عيسى  بن عمر النحوي الثقفي، عندما سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال لهم وهو ينهرهم: مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني" والأفصح أن يقول: مالكم تجمعتم علي كتجمعكم على مجنون؟ افترقوا عني.

3-الابتعاد عن مخالفة القياس الصرفي: مثال ذلك تجاوز قاعدة إذا تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، وجب قلب حرف العلة ألفا في (قام صام قال) وأصلها: (قوم، وصوم، وقول)، وقلب حرف العلة (الواو) (ألفا)، إذا استعملت الأفعال السابقة بأصلها سيخالف القياس الصرفي.

و4-الابتعاد  عن الألفاظ المكروهة في السماع، كقول المتنبي:

                                                       مبارك الاسم أغر اللقب           كريم الجرشي شريف النسب

ومعنى الجرشي هنا: النفس، وهنا هذه الكلمة مما تكره سماعه فهي غير مألوفة في العربية.

2-فصاحة الكلام: وشروطها:

1-أن يخلو من ضعف التأليف، وعدم الالتزام بقواعد اللغة:  مثلا  الأعرابي الذي سمع رجلا يقرأ القرآن، فقرأ عليه سورة براءة، فلما قرأ: (وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله)، وكسر كلمة رسوله فصار المعنى كأن الله بريء من الرسول أيضا إلى جانب المشركين، فقال الأعرابي: إذا كان كذلك والله بريء من الرسول أنا أيضا براء منه، ثم صححت له بالقراءة الصحيحة؛ وهي بضم اللام لتقرأ: ورسولُه، فأصبح المعنى أن الله والرسول صلى الله عليه وسلم يبرؤون من المشركين.

2-تجنب تنافر الكلمات: بحيث عند اتصال بعضها ببعض تصعب تلك الكلمات على المتكلم وتثقل على المستمع، لكثرة الحروف المتشابهة فيها: كقول الشاعر:

                                                              وقبر حرب بمـــــكان قفـــر            وليس قرب قبر حرب قبر

3-التعقيد اللفظي: أن يختل نظم الكلام وترتيبه، ولا يعلم معنى الكلام لدى السامع؛ أي تجاوز قواعد النحو، كالتقديم غير المبرر، مثال: ما قرأ إلا واحدا محمدٌ مع كتاب أخيه. أصلها: ما قرأ محمد مع أخيه إلا كتابا واحدا.

4-التعقيد المعنوي: وهو أن يوضع المعنى في موضع لا يفهم القارئ مقصود الكاتب منه بشكل صحيح، وهو الخطأ في المجاز، كقول الشاعر:

                                                سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا         وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

 فقد كنّى بسكب الدموع عن الحزن، لكنه أخطأ حين كنى عن اللقاء بالجمود، وهو يستعمل عادة في معنى البخل، ومثلا قولك: بثّ الحاكم لسانه في المدينة، إذا أريد بمعنى ألستنه جواسيسه، فهذا خطأ والأصح أن نقول بثّ أعينه.

 5-تعاقب الأدوات: وفيه نوعان: 1-مجيء بعضها إثر بعض، ومثال ذلك قول أبي تمام:

                                                  كأنه من اجتماع الروح فيه له        في كل جارحة من جسمه  روح

تتالت الأدوات في البيت السابق وأحدثت ثقلا في اللسان.

2-كثرة التكرار وتتابع الاضافات: مثل قول الشاعر:

                                                 حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي      فأنت بمرأى من سعاد ومسمع.

3-فصاحة المتكلم: وهو امتلاك المتكلم القدرة على التعبير بفصاحة.

 

Last modified: Thursday, 28 November 2024, 8:31 PM