المحاضرة الخامس عشر: المجاز والتأويل، الحجاج
الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالفلسفة الاعتزالية، وإلى مبادئها وروادها وبعض المفاهيم( كمفهوم المجاز والتأويل والحجاج)
1-مفهوم الفلسفة الاعتزالية:
هي فلسفة تغلب العقل على النقل والفكر قبل السمع، حيث عرف التاريخ الإسلامي على مر العصور فرقا وتيارات كلامية من بينها فرقة المعتزلة، حيث أقروا بوجوب معرفة الله بالعقل تنتسب إلى واصل بن عطاء، وسميت بالمعتزلة لاعتزال مؤسسها مجلس الحسن البصري بعد خلافة معه حول حكم فاسق.
1- مبادؤها: وعرفت بالأصول الخمسة وهي: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين منزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نفي رؤية الله، نفي الكلام الإلهي.
أ-المجاز والتأويل:
التأويل بمعنى التفسير: تأويل كذا يعني تفسيرَه، ?هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي?[يوسف:100] يعني هذا تفسير رؤياي.
-تأويل الأخبار وتأويل الأمر والنهي: تأويل الخبر ما تؤول إليه حقيقة الخبر؛ يعني أنه إذا ذُكر شيء لك فأُخبرت به فتأويله حينما تراه، كما قال جل وعلا ?هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ? يعني تأويل ما ذكر الله في سورة الأعراف من خبر يوم القيامة من الجنة والنار ? هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ?[الأعراف:53] إلى آخر الآية، قوله ?هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ? يعني ما يؤول إليه حقيقة الخبر وهو ما سيراه الناس،
المسلم يعلم المعاني في الأمور الغيبية، أُخبرنا في الأمور الغيبية بأشياء لها معنى فنعتقدها، وأما حقيقة:
-التأويل بمعنىً حادث لم يأتِ في القرآن وفي السنة، أما الأولان فقد جاءا، لكنه صحيح إذا كان صحيح بضابطه الذي ضبطه به أهل العلم، وهو أنْ يُصرف دليل عن ظاهره لحجة، ويعبر عنه الأصوليون بقولهم: صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة. وهذا للأصوليين فيه تفصيلات ما هي عليه بكمالها من جهة المعنى والكيفية، هذه لا يعلمها إلا الرب جل وعلا.
المـــــــــــجاز
مثل التأويل في تطليقه على نصوص الغيبيات ما يسمى بالمجاز، والتأويل والمجاز يُستخدمان في مباحث الصفات والأمور الغيبية بعامة، يستخدمها أهل البدع الذين لم يسلِّموا للنصوص دلالتها.
(المجاز) لم يأتِ هذا اللفظ لا في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة ولا في كلام التابعين ولا في كلام تبع التابعين؛ يعني انقضت القرون الثلاثة المفضلة ولم يُستعمل هذا اللفظ فلفظه حادث، والألفاظ الحادثة بحسب الاصطلاح إن كان هذا المصطلح أُستخدم في شيء سليم، في شيء مقبول شرعا، فلا بأس به إذ لا مُشاحة في الاصطلاح، مثل ما قال التأويل هو كذا وكذا فعرفوه، ومثل ما تعارفوا على أشياء كثيرة في العلوم، ولهذا استعمل لفظ المجاز بعض العلماء في معاني صحيحة؛ فكتب أبو عبيدة مَعمر بن مثنى كتابا سماه مجاز القرآن، وتجد في ألفاظ لابن قتيبة أيضا تجد ذكرا للمجاز -للمجاز العام-؛ يعني المجاز المقبول؛ وله هو نظر في المجاز لا نعرض له الآن.
المجاز يعني: ما يجوز في اللغة.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) [المؤمنون:28]، قال: مجازه علا على العرش، وهذا يعني أنه معناه في اللغة؛ يعني ما تجيزه اللغة يعني هذا مجازه اللفظي في اللغة وما أجازته العرب من المعنى، إذا نظرت لذلك وجدت أن استعمال من استعمل لفظ المجاز غير استعمال المحرّفين.
لهذا نقول: المجاز عند أهل التّحريف عرفوه بما يلي:
قالوا: المجاز هو نقل اللفظ من الوضع الأول إلى وضع ثانٍ لعلاقة بينهما.
وعرفه آخرون بقولهم: المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له.
لفظ التأويل ولفظ المجاز يستعملان كثيرا، الظاهر يقابله التأويل، والحقيقة يقابلها المجاز، فيقال هذا حقيقة وهذا مجاز، ويقال هذا ظاهر وهذا تأويل، ولا يقال في التأويل مجاز وللمجاز تأويل، لا، التأويل يختلف عن المجاز كما ذكرته لكم مرارا.
ب- الحجاج:
يلفظ بكسر حرف العين، وهو مفهومٌ مشتقٌ من الجذر الثلاثي حججَ، بمعنى استخدام البرهان عند الدفاع عن رأي ما، ويعرف الحِجاج بأنه الاتفاق على رأيٍ مُعيّن بين مجموعة من الأشخاص، ويعتمدون على مجموعة من البراهين التي تدلّ عليه، ومن تعريفاته أيضاً هو مجموعة من النظريات التي تهتم بكافة أنواع العلوم، والمعارف، فتقيم عليها الدلائل لبيان مدى تماشيها مع الغرض المرتبطة فيه. تقول بعض آراء المؤرخين إنّ فكرة الحِجاج انتقلت إلى الثقافة العربية من الثقافات الأخرى بالاعتماد على الترجمة من أجل تحقيق هدف ما، وكثُرَ استخدام الحِجاج في النقاشات، والمجادلات، والمؤلفات الفلسفية، والبلاغية من أجل تثبيت مفهوم، والردّ على المفاهيم الأخرى التي تشابه بالفكرة، وتختلف معه بالمعنى، أو العكس، ممّا أدّى إلى اشتقاق العديد من المصطلحات اللغوية المعتمدة على مفهوم الحِجاج، مثل: المُحاجة، والاحتجاج.
خصائص الحِجاج:
توجد مجموعة من الخصائص التي يتميز بها الحِجاج، وهي:
التشابه مع السياق: أي إنّ الحِجاج قد يؤدّي إلى استنباط حُجج أخرى، أو نتائج جديدة من خلال دراستهِ للسياق النصي، وهكذا تحتوي العبارة الواحدة على حِجةٍ واضحةٍ تُثبت القضية، أو الفكرة المرتبطة بها.
النسبية: أي إنّ الحجة يجب أن تتميّزَ بالقوةِ لتأكيدها، وقبولها فترتبط كل حجة بنتيجة معينة، فمثلاً: يُقدم شخصٌ حجة حولَ موضوع ما، ويُقدم شخصٌ آخر حجة أخرى حول الموضوع ذاته فتُعتمد الحجة الأقوى، وتُهملُ الحجة الأضعف بينهما.
القابلية للتبديل: أي إنّ كلّ حجة قابلة للتغيير بما يتناسب مع السياق، والاتفاق، والبراهين، والدلائل المستحدثة، وخصوصاً عندما تأتي حجة جديدة تُبطلُ مفعول الحجة السابقة لتحل محلها.
أنواع الحِجاج
للحِجاج مجموعة من الأنواع التي تمّ اشتقاقها منه، ومنها:
المُحاجة: هي نوعٌ من أنواع الحِجاج، ومعناها أن يردّ كل شخص على غيره، عند التحدث حول موضوع معين، وإنّ لفظة مُحاجة تعتبر من الألفاظ المستخدمة بشكل واسع في العلوم اللغوية، والدينية، والفلسفية؛ إذ إنّها تهتم بإثبات أو نفي قضية ما، بالاعتماد على وسائل الإقناع المنطقي، واللفظي، ومن الأمثلة عليها: المُحاجة حول مسألة قانونية بالاعتماد على مصادر التشريع المختلفة.
الحِجاج الفلسفي هو نوعٌ من أنواع الحِجاج، ويُسمّى بفن الإقناع العقلي؛ إذ يعتمد على حجج منطقية ويطلق عليها مُسمّى الاستدلال، كما أنّه يسعى لوصف، وتوضيح المنطق الداخلي الخاص في الخطاب الحجاجي للتأكد من ترابط عناصره معاً، لذلك يسعى الحجاج الفلسفي إلى تطبيق الاعتماد المباشر على منطق العقل في طرح الحجج.
الحِجاج المُغالط ويُطلق عليه أيضاً مُسمّى (السفسطة) والتي ارتبطت بالعصور اليونانية القديمة، وهو نوعٌ من أنواع الحِجاج الذي يعتمد فيه الشخص على مغالطة غيره، حتى لو كان ما يقوله صحيحاً، وموثوقاً فيتمسّكُ المغالط برأيهِ، حتى لو لم يكن على حق، ويستخدم مجموعةً من الحُجج، والدلائل على مصداقيته، وصح
خاتمة: كان لفرقة المعتزلة الاسلامية دورا كبيرا في ارساء بعض القواعد والمفاهيم الفلسفية كمفهوم المجاز والتأويل خاصة في تاويل الأحاديث، والحجاج