المحاضرة الرابع عشر: الفلسفة الوجودية: الإلتزام والعبث
الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالفلسفة الوجودية روادها ومبادؤها وتمكّنه من التعرف على بعض المفاهيم واكتساب مهارة التفريق بينها كـ( الالتزام، المجازو التأويل، العبث والحجاج)
1-مفهوم الفلسفة الوجودية:
وجودية فلسفة من الفلسفات وليست دينـاً من الأديان ، يقول عنها الدكتور منصور عيـد في كتـابه (كلمات من الحضارة) :«الوجودية من أحدث المذاهب الفلسفية وأكثرها سيادة في الفكر المعاصر ، والوجودية بمعناها العـام هي إبراز قيمة الوجود الفردي للإنسان ، وقد ظهرت الوجودية نتيجة لحالة القلق التي سيطرت على أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى واتسعت مع الحرب العالمية الثانية ، وسبب هذا القلق هو الفناء الشامل الذي حصـل نتيجة الحرب»
وفي معجم ألفاظ العقيدة (تصنيف عامر عبد الله) ، عرّف الوجودية بأنها : ( مذهب فلسفي يقوم على دعوة خادعة وهي أن يجد الإنسان نفسه ، ومعنى ذلك عندهم أن يتحلل من القيم وينطلق لتحقيق رغبـاته وشهواته بلا قيد ، ويقولون أن الوجود مقدم على الماهية ، وهذا اصطـلاح فلسفي معناه أن الوجود الحقيقي هو وجود الأفـراد ، أما النوع فهو اسم لا وجود له في الخارج ، فمثلاً زيد وخالد وابراهيم وهؤلاء موجودون حقيقيون لا شك في وجودهم ولكن الإنسان أو ا لنوع الإنساني كلمة لا حقيقية لها في الخـارج كما يزعمون ) ص 43
2-مبادؤها:
1. الدعوة إلى الإشادة بالفردية ، وتقويم الشخصية الإنسانية ، واحترام القيم الإنسانية الخالصة
2. العناية بتحليل المعاني الأساسية في الوجود الإنساني من قلق وخوف وخطيئة ، ويأس وفناء وفردية وحرية.
3. تمجيد الوجدان والانفعال إلى جانب العقل بل فوق العقل .
4. اتخاذ التجارب الحية موضوعات للتفسير والتفلسف ، وعدم الاقتصار على التصورات العقلية المجردة .
5. معاناة المشاكل من الداخل بدلاً من معالجتها من الظاهر . والناس عند الوجوديين ثلاثة ، رجل’ جمـال ، ورجل’ أخلاق ، ورجل دين
6-الدعوة إلى الالتزام قديمة الجذور، غير أنَّها لم تصبح فلسفةً ناضجةً إلَّا حديثًا تبنَّتها مدرستان: الاشتراكيَّة، والوجوديَّة. وينطلق التزام الاشتراكيَّة من أفكار الفيلسوف الألمانيِّ (كارل ماركس، فيُسَخِّر الأديب في خدمة القضايا الاشتراكيَّة.
أ-الالتزام:
مصطلح «الالتزام»، لغويًّا، قديمٌ في الاستعمال، إلَّا أنَّه اليوم يمثِّل اتِّجاهًا ومصطلحًا حديثًا في الأدب. كما أنَّ ولذلك فهو اتجاهٌ أشبه بالإلزام منه بالالتزام. أمَّا الالتزام الوجودي، ففلسفةٌ ذات أُسسٍ ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي، كردِّ فعل على اتجاه «الفنِّ للفنِّ» الذي كان مسيطرًا في منتصف ذلك القرن، ونتيجةً لأزمات الأنظمة، واضطراب الفلسفات المتباينة، والتحوُّلات السياسيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة والاجتماعيَّة، لا في (فرنسا) وحدها، بل في العالم أجمع. على أن البداية الحقيقيَّة المستقلَّة لهذه الدعوة كانت مع الفيلسوف الدنماركي (كيركجار وقد نَمَتْ فلسفة هذه الدعوة حتى جاء الفيلسوف الفرنسي (جان بول سارتر، 1905- 1980م)، زعيم «الوجوديَّة السارتريَّة»، الذي روَّج لهذه الدعوة في كتاباته وتعمَّق مفاهيمها، غير أنَّه قَصَرَها على الأدب النَّثري. وانتشرت الدعوة خلال القرن العشرين في أرجاء العالم.
ولمَّا كان مصطلح (الالتزام في الأدب) مصطلحًا وجوديَّ الميلاد في العصر الحديث وجوديَّ النشأة، حيث يرى منظِّرو المدرسة الوجوديَّة أنَّ «الحُريَّة شرطٌ أساسيٌّ من شروط [الالتزام]، وليس ملتَزِمًا من كان التزامه صادرًا عن قَسْرٍ أو مجاراةٍ أو ممالأةٍ أو نفاقٍ اجتماعي.» على أنَّه، لطغيان السياسة، أصبح «الالتزام» في عصرنا هذا التزامًا سياسيًّا في الغالب. وهو التزامٌ لا يقتصر مفهومه على المشاركة السياسيَّة أو الاجتماعيَّة أو الفكريَّة فحسب؛ بل هو اعتناق ودفاع واستعداد للتضحية كذلك. وكما يقول (إيتامبل) حول هذا: فإنَّهم «سعداء من يموتون من الكُتَّاب في سبيل شيءٍ من الأشياء»
ومن مفهوم الالتزام أن يكون الأدب الملتزِم هادفًا، وأن يكون الهدف هدفًا بنَّاءً. فعلى الكاتب الملتزِم أو الأديب أن يدرِك أنَّ كلماته «مسدساتٌ عامرةٌ بقذائفها»، على حدِّ قول (بريس بارين، ولكنه إذا اختار أن يُصوِّب، فيجب أن يكون له تصويبُ رَجُلٍ يرَى إلى أهداف، لا تصويب طفلٍ على سبيل الصُّدفة، مغمض العينين، ومن دون غرضٍ سِوَى السُّرور بسماع الدَّوِي
وبهذا التصوير الحيِّ لمسؤوليَّة الأديب الالتزاميَّة يُعبِّر (الوجوديُّون) عن مفهوم هذا الاتجاه، الذي لا يرون مناصًا إلى تجاوزه أو الإفلات منه؛ لأنَّ الكتابة سبيلٌ من سُبُل الإرادة الحُرَّة، ولا تتحقَّق هذه الإدارة إلَّا بنوعٍ من الحرب، فأيًّا ما سلكتَ، وأيًّا ما كان هدفُكَ، ومتى ما شرعتَ في الكتابة، فأنت ملتزمٌ، شئتَ أم أبيت. وهكذا فإنَّ (الوجوديِّين) يربطون الإنسان بعالَمه؛ وما دام كذلك، فالالتزام حتميٌّ عليه، ولم يَعُدْ هناك مجالٌ لما يُسَمَّى (الفنُّ للفنِّ). كلَّما بإمكان الكاتب هو أن يختار أيَّ نوعٍ من الانتماء يلتزم. ورِهان (بليز باسكال) مشهورٌ في هذا، حيث يقول: «نحن في هذا العالَم أشبه بمسافرِين عن طريق البحر، ليس لهم من خيارٍ في أمر السَّفَر، فلم يبق لهم سِوَى اختيار السفينة.»
(1) يُنظر: أبو حاقة، أحمد، (1979)، الالتزام في الشِّعر العَرَبي، (بيروت: دار العِلم للملايين)، 16- 00.
ب-مفهوم العبث:
انتشرت الفلسفة العبثية في أوروبا في القرن التاسع عشر كالنار في الهشيم، مسمتدةً أصولها وجذورها من الفلسفة الوجودية لسورين كيركغارد الفيلسوف الدنماركي والتي اهتمت بجوانب الإنسان فقط، مهملة الجوانب الأخرى، أي أن الإنسان هو المسؤول عن سعادته وإيمانه وحياته وأسلوبه، دون الاحتياج لأي مؤثر خارجي، والفلسفة العدمية والتي تعني أن الحياة خالية من أي معنى سواءً الغاية التي توجدها بنفسك أو المعنى جوهريه وتعود لفردريك نيتشه. وقد ولدت العبثية كخط فلسفي جديد لأبرز شخصيات مذهب العبث الفرنسيين صامويل بيكيت عام 1906 ثم تطورت على يد الفيلسوف الفرنسي الجزائري ألبرت كامو بعض المفاهيم من الخط الفلسفي ونشر رواية "أسطورة سيزيف". وبذلك يمكن القول إن العبثية كتيار أدبي في فرنسا، ومن هناك انتقلت إلى مختلف الآداب العالمية وخاصة تلك الدول التي عانت من ويلات الحرب.
وتقوم فكرة الفلسفة العبثية على أن الإنسان في حال البحث عن معنى الحياة والكون من عدم معناها يجب أن يعمل ثلاث طرق: أولاً، إما الهروب من الحياة أي وهذا لا يعني (الانتحار) الهروب فكرياً والعزله، وقد عد الانتحار وسيلة غير صحيحة للتخلص من الآلآم . وثانياً، الإيمان بالمعتقدات الدينية والروحية التي تؤمن بعالم متعالٍ والعيش في حالة من الخمول والركود والوهم الديني . وثالثاً، الإيمان بالعبثية. وتعني أن الإنسان يحاول عبثاً الوصول إلى الحقائق، وأن الكون عبارة عن مجرد أوهام وتخيلات لاتوجد فيه نهايات مطلقة، لذلك باعتقاد الفلسفة العبثية، فإن البشر يحاولون تاريخياً إيجاد معنى لحياتهم، وغالباً ما تودي نتائج هذا البحث تقليدياً إلى إحدى نتيجتين: إما أن الحياة لا معنى لها، أو أن الحياة تحوي في داخلها على غرض منصوص من قبل سلطة أعلى.
العبثية في الأدب: هي مذهب أدبي يستخدم في الرّوايات والمسرحيات والقصائد التي تركزّ على تجارب الشّخصيات في الأوضاع التي لا يستطيعون فيها إيجاد هدفٍ أصيلٍ في حياتهم.[1] وغالباً ما تتمثل هذه الأوضاع بأحداثٍ وأفعالٍ لا معنى لها مطلقاً. ويتم استخدام السّخرية، والكوميديا السّوداء، والتّناقض، وتحقير المنطق والجدل بشأن الحالة الفلسفية بأنها “لا شيء” كأساليب للتعبير عن هذه الأوضاع. ويعالج هذا الأدب موضوعات لا أدرية وعدمية.
وعلى الرغم من أنّ قدراً كبيراً من هذا النّصوص الأدبية التي تنتمي لهذا المذهب تشتمل على روح الدّعابة واللاعقلانية في الطّبيعة، إلا أن السّمة المميزة لها ليست الكوميديا ولا الهراء وإنّما دراسة السّلوك الإنساني تحت ظروف تظهر وكأنها بلا هدف وعبثية فلسفياً، سواءً كانت هذه الظّروف واقعية أم خيالية. ولا يحكم هذا المذهب الأدبي على الشّخصيات، ويترك هذه المهمة للقارئ حيث أن المغزى “الأخلاقي” من النّصّ الأدبي غير محدد. كما أن المواضيع التي يطرحها هذا الأدب واعتقادات الشخصيات-إن وُجدت- تتسم بالغموض في طبيعتها. بالإضافة إلى ذلك، فأنّ هذا الأدب لا يتبع بالضّرورة بناء الأدب التّقليدي من حيث وجود حبكة (على سبيل المثال: تسلسل الأحداث، العقدة، الحل).
انبثق هذا المذهب الأدبي من الأدب الحداثي أواخر القرن التّاسع وأوائل القرن العشرين كاتجاهٍ معارضٍ للأدب الفيكتوري الذيّ كان مهيمناً في تلك الفترة بشكل مباشر. وقد تأثر هذا الأدب بحركات الفلسفة الوجودية والعدمية والدادا أو (الدادائية) والحركة السّريالية في الأدب.
أمثلة في العبثية في الأدب:
ومن الأمثلة على القطع الأدبية التي تنتمى لهذا المذهب:
- فرانز كافكا : المسخ (1915)، والمحاكمة (1925)
- لويجي بيرانديلو: ستة شخصيات تبحث عن مؤلف (1921)
- ألبير كامو : الغريب (1942)، والطاعون (1947)، والسقطة (1956)
- أوجين يونسكو: سوبرانو الأصلع (1950)،و وحيد القرن (1959)
- صمويل بيكيت: في انتظار غودو (1952)
- هارولد بنتر: حفلة عيد الميلاد (1958)
- إدوارد ألبي: الحلم الأمريكي (1961)
- جوزيف هيلر: الصيد (1961)
- كورت فونيجت: مهد القطة (1963)
- توم ستوبارد: روزنكرانتز وجلدنسترن أموات (1966)
- لوقا رينهارت: الرجل النرد (1971)
- باتريك زوسكيند: العطر (1985)
- بول أوستر: ثلاثية نيويورك (1989)
- ليموني سنيكيت: سلسة أحداث مؤسفة (1999 – 2006)
- غريغوري بورك: طريق غاغارين (2001)
- مايكل جون هاريسون: ضوء (2002)
- ريس هيوز: بحار ما بعد الحداثة (2008)
- ديفيد هونيجمان: احرق ممتلكاتك (2009)
خاتمة: لقد جاءت الفلسفة الوجودية بجملة من المفاهيم التي وظفها العديد من الأدباء والنقاد في أعمالهم كمفهوم الالتزام بقضية معينةأو العبث