المحاضرة الحادي عشر: النقد الأسلوبي
الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالنقد الأسلوبي، رواده وأهم مبادئه وآليات تطبيقه على النصوص الأدبية.
مقدمة: شهدت الساحة النقدية الحديثة نقله نوعية غيرت من مسار النقد، فبعدما كانت النظريات الأدبية لفترات طويلة تهتم بالمؤلف وما يحيط به من أنساق تاريخية أو اجتماعية أو سيكولوجية كمرحلة أولى، جاءت مجموعة من المناهج النقدية أخذت على عاتقها قلب هذه المعادلة، فسلخ النص عن هذه السياقات وجرد للعيان، وأصبح يدرس بمعزل عن كل هذا، ويمكننا التعبير عن هذه المرحلة بأنها قفزة من السياقية التذوقية إلى النفسية الآنية، وتأتي الأسلوبية من بين هذه المناهج التي تصنف على أنها منهج حداثي نسقى تهتم بدراسة النص في حد ذاته بعيدا عن سياقاته الخارجية، ولقد اكتسبت هذه الأخيرة أهمية كبيرة خاصة لارتباطها الوثيق بالبلاغة القديمة، فيمكن القول بأنها الوريث الشرعي لعلم البلاغة ونفي لها في الوقت نفسه، فالحكم بأنها بلاغة جديد تقصير في حقها، فكلاهما علم قائم بذاته، له أدواته وآلياته.
تعريف الأسلوبية: (علم الأسلوب): يقول شارل بالي: "الأسلوبية علم يعني بدراسة وقائع التعبير في اللغة المشحونة بالعاطفة المعبرة عن الحساسية".
يقول جاكوبسون: "هي بحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا".
إذن: وعلى ضوء هذين القولين يتضح لنا أن الأسلوبية تعني بدراسة الأسلوب، أو بتعبير آخر هي العلم الذي يدرس الأسلوب من خلال الأثر الفني، أي انها تعني بدراسة الخصوصية، التي يتميز بها كاتب العمل الأدبي، فالدراس الأسلوبي يبحث عن هذه الخصوصية ليصل إلى الكاتب، وعليه يمكن القول فالأسلوبية منهج من المناهج النصية والوافدة إلى تراثنا المعاصر، ولكن هذاك يعني أن تراثنا القديم لم يزخر بالمنظور الأسلوبي.
وإذا عدنا قليلا إلى تراثنا القديم نجده يزخر بالمنظور الأسلوبي ولكن ليس بالطريقة التي شهدناها في العصر الحديث، فلقد عرف أسلافها القدماء الأسلوب بمفهوم مغاير، حيث نجد له أصل مادي وآخر معنوي، فأما المادي فمثلا: كان يطلق على السلب، وشجر طويل، طريق من النخل، وأما المعنوي: فالأسلوب هو الطريقة أو الفن... إذن معناه العام: يعادل المنهج والطريقة أو المسلك، ولكنه لم يبرز في الجانب النقدي، ويمكن القول أن تأخر ظهور مصطلح الأسلوب كمصطلح قائم بذاته يعود إلى ضعف الابداع الأدبي وتدهور الحضارة العربية وضعف الدولة العثمانية، فلم يدرس الأسلوب ولم يعرفوا الأسلوبية، لكن نقادنا القدماء عرفوا قضية مهمة هي قضية اللفظ والمعنى التي تعادل في العصر الحديث الشكل والمضمون، حيث اختلفوا فيها فهناك من كان من أنصار اللفظ وهناك من كان من أنصار المعنى في العصر الحديث لم يبقي حبيسا لقضية اللفظ والمعنى وإنما تطور على حسب معطيات العصر سواء عند الغرب أو العرب الذين أخذوا منهم نموذجا يفتدون به، وبذلك نجد رومان جاكوبسون يعرف الأسلوب بربطه مع عناصر الأساسية التي تشكل دورة التخاطب.
مهمة الدارس الأسلوبي: الدارس الأسلوبي يأخذ بالحقائق التاريخية ويحاول أن يربط بينها. بينما الدارس البنيوي لا يهمه الأديب يعمل بمبدأ أو مقولة موت المؤلف، تتلخص مهمته في دراسة النص في حد ذاته.
· يقوم الدارس الأسلوبي بترصد اللحظات الخاصة التي كان عليها الأديب.
· يكشف عن طبيعة الوجدان الذي كان عليه الأديب.
لذلك يوجد في الأسلوبية ما يسمى بالكلمات المفاتيح، وبها نستطيع أن نفهم الكاتب وكذلك إعادته إلى سيرته.
- الأسلوبية تعيد انفتاح النص، فالأسلوبي فالدارس الأسلوبي يسعى على أن يركز على الخصوصيات.
- فالأسلوبية يبحث عن النقاط الإيجابية في الخطاب الأدبي.
وعليه تتلخص مهمة الدارس الأسلوبي في البحث عن الأشياء النفيسة والثمينة( البؤرة الأسلوبية) في حياة الأديب.
إذن: الأسلوبية هي علم منفتح على العلوم المختلفة، حيث نجدها تستفيد من:
- اللسانيات: تأخذ من اللسانيات طريقة استخدام اللغة.
- علم النفس: تأخذ من علم النفس استعمال العاطفة.
- علم الاجتماع: تأخذ من علم الاجتماع تغير دلالة المفردات عبر الزمن.
وعليه يتحدد موضوع الأسلوبية في دراسة الأسلوب فهي علم الأسلوب la stylistique
- تنبني الأسلوبية على نفس النسق البنيوي، وعند قولنا النسق البنيوي نقصد أنها: منهج نسقي يعتمد على مبدأ المحايثة أو الآنية أي دراسة النص دراسة محايثة وذلك بعزله عن السياقات الخارجية على حد قول دي سوسير: «دراسة اللغة لذاتها ومن أجل ذاتها».
- تلتقى الأسلوبية بمجموعة من المناهج نذكر من بينها:
- المنهج الأنثروبولوجي: فالأنثروبولوجيا لها خصوصيات والأسلوبية تركز على شيء يسمي خصوصية.
- التحليل السيميائي: فالإشارة مثلا: لها بعد أسلوبي، فيستطيع الدراس الأسلوبي أن يدرس التحليل الأسلوبي السيميولوجي لظاهرة ما مثلا التكرار كما نستطيع دراسة الأسلوب في بعده السيميولوجي.
- البنيوية: حيث يقول ميسال ريفتير: «الدرس الأسلوبي هو امتداد للبنيوية».
ملاحظة هامة: الأسلوب يمكننا أن نستشرق السمع لنسمع نبضات قلب كاتب ما مثلا: أسلوب الطاهر وطار في احدى رواياته: اللاز، عرس بغل، الولي الطاهر يعود إلى مقامة الزكي...، يختلف تمام عن أسلوب وسيني الأعرج أو الأحلام مستغانمي: ذاكرة الجسد، الأسود يليق بيك، فالدارس الأسلوبي من خلال رواياتهم يستطيع معرفة خبايا وظروف كتابة هذه الأعمال الأدبية، وهنا ندرس الخصوصية، الأثر في هذه الروايات، حيث نستطيع مثلا: سماء نبضات قلب الطاهر وطار أو غيره فنعرف: كيف كتب ذلك العمل وهذه القضية أثبتها شارل بالي الذي استثمر أفكار أستاذه دي سوسير ليقدمها في شكل جديد، وهذا ما يدل على فطنة معرفية لديه حيث يقول ديسوسير:" ليس في اللغة إلا الاختلافات"، والاختلاف هو التضاد أي الثنائيات التي هي: لغة/كلام، دال/مدلول، تزامن/تعاقب، استبدال التركيب.
الفرق بين الأسلوبية والبنيوية:
- خما يلتقيان معا في كونها:
منهجين نسقين.
كلامها يدرس النص بمعزل عن السيااقات الخارجية (مبدأ المحايثة)
البنيوية:
- تركز على العلاقات في انسجامها، والتي تحكم مقتضى الحال.
- البنيوية تنغلق على النص أي تدرسه بمعزل عن السياقات الخارجية (تاريخية، نفسية، اجتماعية).
- تأخذ بفكرة موت المؤلف (رولان بارث).
- البنيوية نتائجها جافة والدارس البنيوي لا يتعاطف مع الكاتب.
الأسلوبية:
- يركز على البعد أو الخصوصيات الوجدانية للخطاب.
الخطاب الأدبي: هو وجدان عاطفي ويتجلى من خلال استخدام الكاتب للكلمات والنبر وتنظيم الحروف، النسق تدرس ماوراء اللغة، الشعرية ( الأدبية)
الأسلوب: هو عبارة عن مناورة ذكية فالكاتب يناور بطريقة فيها ذكاء ابداعي بحيث يفعل مخيلته بطريقة معينة بحيث لو يؤدي بطريقة عادية لا تكون أدبية، فلا بد من وجود انزياح، انحراف( خصوصيات).
الأسلوب: هو تصرف في اللغة.
تكمن شعرية القصيدة في كل الخطاب فالأسلوب ليس في عينة واحدة، بل في هذه العينة وكيف ترتبط معها العينات الأخرى، مثال: البلاغة تدرس استعارة واحدة وتعمم والأسلوبية مثلا: تدرس التكرار، مكرهم، مكرهم، مكرهم ....
ملاحظة: الاسلوبية هي علم يستعير قدراته التحليلية من العلوم المختلفة، فالظاهرة تتحول إلى أسلوب بوجودها في نسق بلاغي محدد.
تعالقات الأسلوبية:
1-بالنقد الأدبي:
- الأسلوبية تدرس الأثر الأدبي بمعزل عما يحيطه من ظروف سياسية، اجتماعية، مجالها هو النص فحسب (مبدأ المحايثة).
- النقد الأدبي بشكل عام يأخذ الظروف المحيطة بالنقد الأدبي باعتبارها عوامل تتدخل في صناعة العمل الأدبي.
- الأسلوبية تعنى أساسا بالكيان الأدبي اللغوي، بأدوات الصياغة اللغوية، أي اعتبار العمل الأدبي مأدة لغوية = فعمل الأسلوبية يبدأ من لغة النص ثم ينتهي إليه.
- النقد الأدبي يدرس العمل الأدبي ويركز على بعده الفني بشكله العام، فيضفي عليه نوعا من الذاتية والعمومية والانطباعية، فيقع فريسة لهذه الأشياء التي لا تحبذها الدراسة الأسلوبية.
- الأسلوبية تعتبر نقد حذفت منه الذاتية والانطباعية.
مهم: يشترك النقد الأدبي والأسلوبية في مجال مشترك هو الأدب.
2-علاقة الأسلوبية باللسانيات:
- اللسانيات تركز على اللغة.
- تركز الأسلوبية على طريقة أداءها واستخدامها.
- تعني اللسانيات أساسا بالجملة وتقف عند حدودها.
- تعني الأسلوبية بالإنتاج الكلي للكلام، أي تدرس النقد كنسيج لغوي أو خطاب كلي متكامل (استعارة كبرى)، بنية كبرى، فهي لا تتوقف، بل تتجاوز الرصد وتبيان جمالية الظواهر الأسلوبية.
- تعني اللسانيات بالجملة كشكل من أشكال الحدوث المفترضة وتتجه الأسلوبية إلى المحدث فعلا (الآنية).
- تعني اللسانيات بالجملة كمدرك مجرد تمثله قوانينها وتعني الأسلوبية بالجملة من خلال الأثر الذي تحدثه في ذهن المتلقي كأداء مباشر.
3-علاقة الأسلوبية بالنحو:
- النحو له قواعد.
- الأسلوبية لها حريات.
- النحو سابق للزمن، وهو شرط للأسلوبية.
- كل أسلوبية هي رهينة القواعد النحوية.
- النحو ينفي.
- الأسلوبية تثبت وهي علم لساني يعني بدراسة التصرف في حدود قواعد البنيوية لانتظام جهاز اللغة.
4-علاقة الأسلوبية بالبلاغة:
- البلاغة علم معياري لأنه يقوم على قوانين جاهزة يرسل الأحكام القيمية، يرمي إلى تعليم مادته وموضوعه.
- الأسلوبية تنفي عن نفسها كل معيارية وتعرف عن إرسال الأحكام القيمية بالمدح أو الذم ولا تسعى اطلاقا إلى غاية تعليمية.
- البلاغة تحكم بمقتضى أنماط مسبقة، وتصنيفات جاهزة.
- تتحدد الأسلوبية بقيود منهج العلوم الوصفية.
- البلاغة ترمي إلى خلق الابداع بوصاياها التقييمية.
- بينهما تسعى الأسلوبية إلى تعليل الظاهرة الأدبية بعد أن يتقرر وجودها.
- البلاغة اعتمدت على مبدأ الشكل والمضمون، الدال والمدلول، وتميز بين الأغراض والصور.
- الأسلوبية ترغب عن كل مقياس ما قبلي وترفض مبدأ الفصل بين الشكل والمضمون أي بين الدال والمدلول (مبدأ بنيوي)، فلا وجود لكليهما إلا متقاطعين مكوّنين للدلالة.
- ارتبطت البلاغة بالحيز الشفوي.
خاتمة: لا يمكن أن نقول أن الأسلوبية هي بلاغة جديدة بالرغم من وريثه علم البلاغة، فكلاهما علم قائم بذاته وله وظائفه وآلياته، يبحث في الكيفية التي يقدم بها المبدع عمله الأدبي( المثير الأسلوبي) والتي تجعله يتميّز.