الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالنقد الموضوعاتي، رواده ، أسسه وآليات تطبيقه على النصوص الأدبية.

1-نشأة المنهج الموضوعاتي:

       نشأ في أحضان الفلسفة الظواهرية (الظاهراتية)، وتغذى على أفكار الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار Gaston Bachelard (1884-1962) وذلك في دراسته للوسائل لتي يحصل بها الانسان على المعرفة العلمية عن طريق العقل، لكنه فاجأ الباحثين بإصدار كتابه (التحليل النفسي للنار) حيث تحول تماما من منهجه المعروف العلمي في فلسفة العلم إلى موضوع جديد حتى في مجال التحليل النفسي، حيث أصبح الانسان ميدانا للتحليل النفسي.

الفكرة الرئيسية في الظاهراتية phénonenolgy:

       كما أوجدها أدموند هوسرل هي قصدية الوعي، أي أنه لا يوجد موضوع من دون وجود ذات، وعدم اعتبار موضوع المعرفة موضوعا واقعيا تجريبيا واجتماعيا بل هو وعي مفارق ومستقل عن التجربة والمعرفة المحددة والميتافيزيقا.

       ظهر المنهج الموضوعاتي في ستينيات القرن العشرين (1960م) في بيئة نقدية فرنسية أساسا، حملة لواءه جماعة نقدية سمت نفسها (مدرسة جنيف) آمنت بأن النص الأدبي عالم تخيلي univers imaginaire مستقبل عن الواقع المعيش.

2-رواده: جون بول ويبر Jean-paul weber، جون بيار ريشار Jean pierre richard، جورج بولي Gearges paulet، جون روسي jean rousset، جليبار دوران، جون ستارو بنسكي.

3-الموضوعاتية Thématique:

الموضوعاتية Thématique أو حتى ما يسميه بعض الفرنسيين في سياقات استعمالية محدودة: علم الموضوع Thématologie هي الآليات المنهجية المسخرة لدراسة الموضوع في النص الأدبي، فما هو الموضوع أصلا؟

- الموضوع Théme:

       تعرفه دومنيك منغونو في كتاب "تحليل الخطاب" على أنه: "بنية دلالية كبرى Sémamtique Macro-structure للنص".

       كما يتحدد نطاقه في النقد الموضوعاتي على شكل "شبكة من الدلالات، أو عنصر دلالي متكرر لدى كاتب ما في عمل"

       وقد يكون مثل هذا الشكل قريبا من عالم التحليل النفسي كما هي الحال لدي جون بول ويبر الذي يوري الموضوع على أنه: "الأثر الذي نتركه ذكرى من ذكريات الطفولة في ذاكرة الكاتب".

       ويلاحظ أن التكرار سمة لصيقة بالموضوع، ولازمة له لا ينهض إلا عليها، ومنها تلك التعريفات التي أوردها ميشيل كولو في احدى دراساته، نقلا عن نقاد آخرين كرولان بارت الذي يرى أن "الموضوع مكرر، بمعنى أنه يتكرر في كل العمل، ويعد هذا التكرار تعبيرا عن خيار وجودي".

       ويلاحظ كولو أن ما يلفت نظر الناقد إلى موضوع هو تواتره وهو الذي يحدد هويته حيث يقول "ما يلفت نظر الناقد إلى موضوع هو ثواثره الذي ألا يخلط مع التكرار البسيط".

       "تحدد هوية الموضوع عبر مجموع تبدلاته الداخلية التي يجب على الموضوعاتية أن تشكل فهرستها: الموضوع ليس شيئا آخر غير مجموع هذه التبدلات أو على الأصح استخدامها".

       صنف النقاد والباحثون مختلف المناهج النقدية بين سياقية ونسقية أما الجمع بينهما وبين ما ينبنيان عليه من أسس ومفاهيم فقد كان ضمن منهج آخر آثر لنفسه التوزع بينهما والأخذ من كلا الصنفين ليكتمل اسمه في المنهج الموضوعاتي.

4-الموضوعاتية عن العرب:

       اشتق مصطلح الموضوعاتية من مصطلح "موضوع"، والذي ورد تعريفه في لسان العرب لابن منظور تحت مادة (وضع) "وضع الوضع ضد الرفع، ووضعه يضع وموضوعا"، وقال في موقع آخر "تواضع القوم على الشيء اتفقوا عليه وواضعته على الأم إذا وافقته فيه".

النقد الموضوعاتي عند العرب:

       جاء في معجم الآداب اللغة الفرنسية: "يقف النقد الموضوعاتي ليفتح طريقا ثالثا يدرس فيه الصور، الأفكار والعلاقات الشكلية والدلالية في الآن نفسه التي تتكرر في نص ما، أو مجموعة من النصوص التي يعتقد بأنها أساسية لفهم تلك النصوص وشرحها ولهذا السبب سميت موضوعات، يكمن الموضوع في هذا النقد كالخلية الأصلية، أو مصدر أول تتولد منه خطوط وملامح متعددة ومتنوعة، تبدو متباينة ومتباعدة عن بعضها ولكن التعرف على أضوائها وألوانها يسمح بالكشف عن أصلها العائلي المشترك التي تستمد منه جميع وجودها".

       من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن الموضوعاتية، طريقة متميزة في النقد بدراسة الأشكال والمضامين النصية المتكررة في عمل ما أو مجموعة من الأعمال الأدبية التي يرى بأنها لازمة لفهم النصوص.

فقر، زواج، حرب، حب:

-  تكرر وقد تكون مفاتيح لفهم النصوص.

- موضوعات.

الموضوع:

- خلية أصلية (الفقر)

- مصدر تتولد منه خطوط وملامح متعددة ومتنوعة البطالة-الانحراف، وتبدو في ظاهرها صور متباعدة لكنها يجمعها أصل عائلي واحد (موضوع واحد)Théme  الفقر.

- صور أفكار علاقات شكلية دلالية.

الموضوع عند العرب:

نحو، إعراب

       أما في معجم (محيط المحيط) لبطرس البستاني ص 97، فقد ورد مصطلح الموضوع وتنوعه حسب مجالات المعرفة والأحوال التي يكون عليها الانسان وبذلك يقول: "الموضوع مصدر، واسم مفعول، ويطلق للاصطلاح على معان منها الشيء الذي عين للدلالة على معنى ومنها المشار إليه إشارة جنسية، وموضوع العلم هو ما يبحث فيه عن عوارضه (الذاتية) كبطن الانسان فإنه يبحث فيها عن أحواله من الصحة والمرضى، وكذا الكلمات بعلم النحو فإنه يبحث عن أحواله من حيث الاعراب والبناء وموضوع الوعظ عند الوعاظ وهو المادة التي يبنون عليها الوعظ"، وعليه يكون الموضوع مجالا للبحث العلمي ويتغير بتغير هذه المجالات (لغة، دين، طب ...).

ذات مفسرة

يتطلب

موضوع

مفسرين (الذات)

مجالات المعرفة

لغة

دين

طب

الموضوع Théme

كلمةُ

ارتداء الحجاب

(صحة ومرض) الانسان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عند العرب المحدثين:

1-ترى مسعودة لعريض أن الموضوع: "المادة التي يبني عليها الكاتب، والخطيب كلامه وهو يعني تلك الأجزاء الصغيرة من الموضوعات التي تكون باتساقها وتناسقها الخطاب".

2-ويعرفه محمد بلوحي بأنه: "مبدأ تنظيمي محسوس أو ديناميكية داخلية أو شيء ثابت يسمح للعالم من حوله بالتشكل والامتداد، فالموضوع وحدة من وحدات المعنى، وحدة حسية أو علائقية، أو زمنية مشهود لها بخصوصيتها كاتب ما".

       لقد تعددت التسميات التي اطلقت على المنهج الموضوعاتي، وذلك يعود لاختلاف التكوين الثقافي والفكري للمترجمين وكذا آرائهم ومذاهبهم، ولقد أشاد الناقد يوسف وغليسي، بالفوضى المصطلحية التي يعيشها النقد العربي، ووصل المد يصل أي مصطلح الموضوعاتية ولقد قام يوسف وغليسي بوضع جدول أحصى فيه بعض المصطلحات هذا المنهج منها: تيمة، تيماتية، تيمية، الموضوعاتي، التيمي.

4-أسس المنهج الموضوعاتي:

- الموضوع: يتحدد مفهوم الموضوع كأساس جوهري في بلورة الرؤية الأساسية للموضوعاتية من أنه مبدأ تنظيمي محسوس، أو ديناميكية داخلية، أو شيء ثابت يسمح للعالم حوله بالتشكل والامتداد ويقول تيلور: "الموضوع لا يمكن أن يكون إعادة طباعة واحدة، ممكنة لسلسلة من الأقوال"، فالموضوع مستمر ومتغير ومتطور، وهو سنة لصيقة بصاحبه، يميز فنان أو مبدع (كاتب) في عصر معين.

- العلاقة: يرتبط الموضوع بمعناه ارتباطا وثيقا، حيث يعتبر الموضوع لباسا للمعنى أو قالبا، وقد يدخل الموضوعات في علاقات، جدلية، تجانس، شبكية، وعليه تأتي الموضوعات لتعزز علاقة التجانس في العمل الأدبي، فالموضوعات تتشكل من أفكار فرعية تلتقي فيما بينها لتشكل الموضوع الأساسي.

- البنية اللغة: يبحث الناقد الموضوعاتي عن البنية المميزة الكلمة للعمل الإبداعي وهي الرؤية التي توجد مضمارية في المشهد الأدبي، انطلاقا من الكلمات المتكررة، وذلك لاكتشاف التجانس في النص.

- العمق: يقصد به الوصول إلى المعاني الحقيقية، وهي المعاني المضمرة والخفية غير الظاهرة في النص الإبداعي حيث يقول مالارميه: "أن الكلام الحقيقي هو ما لا يقال في الكلام"، وعليه يمكننا القول بأن غموض النص الإبداعي (رواية-شعر) مثلا يقود الناقد إلى التوغل في عمق النص حتى يتوصل لاستنباط المعاني الخفية المرتبطة بالمؤلف.

- الخيال: يلعب الخيار دورا مهما وهو أساس مهم في القراءة الموضوعاتية لأن مفاهيم الخيال، الحلم والحضور تتعاون مع بعضها من أجل إشادة البينان النقدي عند ريشارد، فمن موقع الحلم يستطيع الشاعر تطوير إشكالية الحضور، ومن موقع الحضور يستمد الحلم مادته الأولية، من أجل بناء صرح الخيال، وهكذا يكون الخيال والحس كفرسين يقودان عربة النقد الريشاردي "فإلزاما على الناقد الموضوعاتي أن يمتلك قدرا من الخيال وأيضا من الحس بالواقع ليستخدمه في تحليل النصوص، لأن هذه النصوص مبنية أساسا على ثنائية (الحس، الخيال) أو (الحضور، الخيال) لأن المبدع ينقل الواقع بطريقة تخيلية.

6-الآليات الإجرائية للمنهج الموضوعاتي:

1-قراءة النص قراءة شاعرية عميقة ومنفتحة.

2-الانتقال من القراءة الصغرى إلى القراءة الكبرى.

3-التأرجح بين القراءة الذاتية والقراءة الموضوعية.

4-البحث عن التيمات الأساسية والبيانات الدلالية المحورية والموضوعات المتكررة والصور المفصلة في النص الإبداعي.

5-تشغيل المستوى الدلالي عن طريق رصد الحقول الدلالية، وإحصاء المفردات المتواترة.

6-توسيع الشبكة الدلالية لهذه التيمات المرصودة دلاليا فهما وتفسيرا.

7-دراسة الموضوع المعطى من أجل البلوغ إلى الجانب الحسي في الأثر الأدبي، أو الوصول إلى البنية الموضوعية المهيمنة على العمل الإبداعي.

8-حصر العناصر التي تتكرر وبشكل لافت وتحليلها.

9-جمع النتائج ثم تحليلها لقراءتها تفسيرا وتأويلا.

10-ربط الدلالات الواعية وغير الواعية في صورة المبدع الذاتية والموضوعية.

     خاتمة:  من خلال هذه الخطوات يتضح لنا بأن المنهج الموضوعاتي يعتمد على الفهم الداخلي للنص المقروء عن طريق كشف البنية المهيمنة، ثم تأويلها خارجيا اعتمادا على مستويات معرفية ومرجعيات مساعدة من أجل إضاءة الفكرة، وهنا يتداخل مع التحليل النفسي، بالرجوع إلى نفسية الكاتب ومدى وعيه بالموضوع الذي أدرجه في عمله الإبداعي وهي أفكار جاءت بها الفلسفة الظاهراتية

 

Modifié le: dimanche 14 juillet 2024, 19:43