أهداف المحاضرة: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالفلسفة الظاهراتية، وأهم روادها والتعرف على الأفكار النقدية التي انبثقت عنها والتي بنت مناهج ونظريات حداثية كنظرية التلقي والتأويل.

مفهوم الفلسفة الظاهراتية: يرى أن:«...الفينومينولوجيا( الظاهراتية)  phénoménologie هي أحد المنظورات  الأساسية في التحليل السوسيولوجي، حيث ترتكز أطروحاتها الأساسية على بناء الخبرة والوعي كوسيلة لاستخلاص ما نلاحظه في الواقع، وفهم جوهر الأشياء وتحليلها، من خلال دراسة السلوك الإنساني وتحليل المعاني وأنماط المعرفة، ودراسة علاقات التفاعل ونوعية المواقف والذات والآخرين، وقدراتهم الشخصية التي تنطبع من ذاتهم الخاصة حول حقائق الأمور والظواهر الاجتماعية المعرفية...» يتبيّن لنا من خلال القول أن الفلسفة الظاهراتية أحدثت نقلة نوعية بعدما كانت تفسر الظواهر بالرجوع إلى الميتافيزيقا والآلهة أصبحت الذات هي المسؤولة عن انتاج الظاهرة حيث تقوم بحليلها وتفسيرها، وبذلك وضعت الذات في موقع مهم وأصبح لها دور في عملية الفهم والإدراك من خلال الشعور والوعي.

يقول د. أنطوان الخوري عن أصول استخدام مفردة فينومينولوجيا: «... أول من استعمل هذه اللفظة للدلالة على منهج فكري واضح المعالم كان ادموند هوسرل(1859-1938)، الذي كان قبل أن يصبح فيلسوفا... وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية التف حوله نخبة من مفكري عصره أمثال( رومان انجاردن، شايلر، شتابن، مارتن هايدغر...)

ترجع الجذور الفلسفية للفينومينولوجيا إلى العقد الأخير من القرن التاسع عشر وارتبط وجودها بـ: أدموند هوسرل ورومان انجاردن، مارتن هايدغار، غادامير...، إلا أن هوسرل كان أكثر فلاسفة الظاهراتية إسهاما في تطوير هذا المنهج حيث يرى أن عملية الفهم هي عملية ذاتية يتشكل من خلالها المعنى بعيدا عن كل اعتبارات أخرى، كما يرى أن حقيقة الواقع يظهر في الوعي والتأملات والتطورات المرتبطة بالإنسان، التي يحملها ويشكلها للواقع الاجتماعي بواسطة الحواس كحقيقة عقلية ممثلة بالوعي.

أ‌-    مفهوم التعالي عند هوسرل: هو محاولة فهم النص والنظر إلى الواقعة ومحاولة فهمها بالرجوع إلى الذات القارئة( وضع النص بين قوسين) ومن هنا جاء مبدأ الجمع بين الذات sujetو الموضوعobjet ، فالمعنى منتهي وكامن عند الذات.

مبادئ الفلسفة الظاهراتية:

1- القصدية: وتعني أن قصد الشيء أو عينه هو التوجه إليه هذا ما أخذه هوسرل عن برنتانو الذي كان متمرسا في الفلسفة، وهو مفهوم بلوره رومان انجاردن باعتباره القدرة على التوجه نحو الموضوع وقصده حيث وضع مجموعة من الإجراءات:

-       دراسة الأصوات والكلمات والصياغات الصورية ذات الرتبة العالية( مكان بارز)

-       طبقة وحدات المعنى: هنا يفرق بين قصدية المؤلف وقصدية القارئ

-       طبقة الموضوعات المتمثلة: هنا انجاردن يتكلّم عن العالم الرمزي، عن الشخصيات الرمزية وليست واقعية حيث يهتم بالوصول إلى الدلالة من خلال العالم الرمزي.

-       طبقة المظاهر التخطيطية: على القارئ أن يتصرف لتحقيق الدلالة حيث أخذت الفكرة مدرسة كونستونس وجاءت بفكرة ملأ الفراغات وترك الحرية للقارئ حتى يتصرف في انتاج المعنى.

2- العيان المقولي: وهو استعمال ادراك مباشر للشيء من حيث هو، هو ذاته، حاضر للوعيومن هنا يتميّز أي عيان في نظر هوسرل.

3- مفهوم القبلية: إذا كان الإدراك تداخل حسي مقولي موحد موضوعي ، فقد يكون بسيطا أو مركبا مثلا: إن إدراك جانب من جوانب الكرسي يؤدي إلى ادراكه ككرسي.

1-مدرسة كونستونس الألمانية:

قامت هذه المدرسة على نفي وجود منهج لمقاربة النصوص الأدبية حيث ردت على ماجاءت به الشكلانية والبنيوية ن ونفت المدرسة وجود منهج جاهز لاستنباط المعنى حيث اعتمدت على مقولة امبرتو ايكو: " النص آلة كسولة" أي ان النص كسول ووالقارئ هو الذي يحرّكه ليكون المعنى عند هذا الأخير ومن مبادئها:

-       النص متعدّد المعنى: حيث يتجاوز واحدية الدلالة مثال: القرآن الكريم هو نص واحد، ولكن المذاهب متعددة التي تجد لنفسها دليلا لفهمه وتفسيره، فالنص معناه مرتبط بالقارئ.

-       النص يمثل انتاج قراءات وتأويلات وتفسيرات" وعي جمعي": إن فكرة الوعي الجمعي هي مهمّة في نظرية التلقي، فلاقراءة بالنسبة لمدرسة كونستونس هي فعل جماعي وليست فردية منعزلة وهي حصيلة تأويلات تندرج في نسق معياري وقيم وتصورات لجماعات معيّنة مثال: إذا أردنا أن نفهم ما يكتبه ألبير كامو فلابد ان نرجع إلى تلقيه من طرف جمهور القراء وهذا عبر العصور.

رواد هذه المدرسة: هانس روبرت ياوس، ايزر

أ‌-    نظرية التلقي عند هانس روبرت ياوس ( 1921-1997):

هانس روبرت ياوس من مواليد 12 ديسمبر 1921في جوبينجن مؤرخ أدبي وفيلسوف وناقد أدبي ، هو تلميذ غادامير درس في جامعة هايدلبرج، بنى أفكاره على استقراء الفكر الألماني له كتاب: من أجل جمالية الاستقبال Pour une éstitique de la réception سنة 1978، وله مقالة ظهرت سنة 1970 بعنوان التاريخ الأدبي بوصفه تحدّيا للنظرية الأدبية.

مفهوم نظرية التلقي: هي عملية فهم وتحليل وتغيير العمل الأدبي وتربط القارئ بالنص، أي أن القارئ يكون شريكا للمؤلف في عملية انتاج المعنى

الأفكار التي جاء بها ياوس:

-       أفق التوقع H.D’attents

-       المسافة الجمالية

-       استجابة القارئ

أ‌-    أفق التوقع: يقول عبد الله الغذامي  في كتابه القصيدة والنص المضاد:« أفق التوقع يمثل حجر الزاوية في نظرية التلقي، لأنه يعتبر كأساس للقراءة والتفسير ومن ثمة كأساس لإبداعية النص»، يضع هذا المفهوم منظومة من التوقعات والافتراضات الأدبية والسياقية التي تكون مترسبة في ذهن القارئ حول نص ما قبل الشروع في قراءة النص، وهي فروض وتصورات قد تكون فردية لدى شخص محدّد حول نص محدد، وقد تكون تصورات يحملها جيل أو فئة من القراء حيث يتشكل أفق التوقع عند الجمهور من:

-       الخبرة الفنية والجمالية

-       من خلال التناص

-       الانزياح مثال: انزياح الشعر الحر جماليا من خلال اللغة ، عن الشعر العمودي

ملاحظة: أكد ياوس على أن أفق التوقع هو الذي يحدد القيمة الجمالية والفنية للعمل الأدبي

ب-الفجوة الجمالية (المسافة الجمالية):

يمكن اكتشاف هذه الفجوة عن طريق معاينة ردود أفعال الجمهور الأول على الأعمال الأدبية ويسمح قياس المسافة بين ما كان يتوقعه الجمهور الأول من العمل الفني وماحصل عليه بالفعل أثناء القراءة والتلقي من تحديد مقدار الفارق بين الأفقين، وبهذه الطريقة يمكن تبيين القيمة الجمالية للعمل الفني وفي هذا الصدد يقول ياوس:« باستطاعة الجمهور أن يستجيب للعمل الأدبي بطرق مختلفة، حيث يمكن الاكتفاء باستهلاكه أو نقده أو الاعجاب به أو رفضه او التلذذ به أو تأويل مضمونه او تكرار تفسير له مسلم به أو محاولة تفسير جديد له، كما يمكن أن ينتج بنفسه عملا جديدا»

مثال: استقبال جمهور القراء للشعر الحر

1- رضا: هناك من يوافق هذا النمط من الشعر أمثال البويهي

2- خيبة: هذا الشعر خرق أفق التوقع من حيث نمط القصيدة، المعجمن وحتى في القصيدة الواحدة، اختلاف القافية.

3- تغيير: غيّرت نازك الملائكة أفق توقع القراء.

المسافة الجمالية:

العمل الأدبي

نوع الاستجابة

الفجوة الجمالية

القيمة الجمالية

شعر عمودي

توفيق

ضيقة

عادي، مبتذل

شعر حر

عدم توفيق

متسعة

جميل ، فني، ابداعي

 

ب-مفهوم التأويل ( الهيرمينوطيقا): هو شرح وفهم وتفسير، والبحث عن المعاني التي يزخر بها النص أو الخطاب، وذلك في علاقته بالمبدع أو في صلته يالسياق والمرجع والإحالة  والمقصدية، والهيمينوطيقا( نظرية التأويل) هي المبحث الخاص بدراسة عمليات الفهم وتتعلق بتأويل النصوص، ترجع إلى أفكار غادامير حيث أدخل التاريخ في عملية التلقي مثلا تفهم الالياذة من خلال أجيال من التاريخ وانطلق غادامير من فكرة مهمة وهي:

·       انصهار الآفاق: تعني عندما نقرأ نص تنصهر آفاق النص مع آفاق القارئ بالإضافة إلى مختلف الاستجابات يستجيب لها المتلقي.

·       الفهم: حسب إعادة اكتشاف الأنا في الأنت معنى هذا اسقاط الحياة الباطنية الخاصة على موضوعات حولها كي نشعر بانعكاس التجربة فينا لذلك فإن تفسير الأدب ينبع من حوار بين الماضي والحاضر.

نظرية القراءة والتأويل عند ايزر:

فولفغانغ ايزر من أبرز المنظرين لنظرية التلقي والقراءة ، من أقطاب مدرسة كونستونس الألمانية ومن أفكاره:

-       القارئ الضمني

-       ملئ الفراغات أو البياضات

1-القارئ الضمني: Lecteur impliciteهو بنية نصية تتوقع وجود متلقي دون أن تحدّده بالضرورة، مثلا الخطاب الموجه في وسائل الإعلام، القارئ الضمني شبكة من البنى المثيرة للإستجابة مما يدفع القارئ لفهم النص، فالقارئ الضمني لا يتجسد خارج النص بل داخله ولا يمكن مطابقته تماما مع القارئ الحقيقي الذي يستحضر أساسا في دراسة تاريخ الاستجابة.

2-ملأ الفراغات: الفراغات او البياضات التفكيكات هي تلك الانقطاعات التي تحدث في السرد والتي تحفّز القارئ على ملئها، يقصد بهذه العناصر الفراغات التي تتخلل صفحات النص من خلال تساؤلات القارئ أثناء القراءة، وتلك الأجزاء التي تثير التوتر والقلق وذاك الصمت الذي يحرره على فعل البناء وتشكل المعنى، حيث يقول ايزر في كتابه فعل القراءة ص55:« القطع المفاجئ على شخوص جديدة أو عى حبكة مختلفة من الطرق الشائعة لتكثيف النشاط التخيلي لدى القارئ الذي يعمل على البحث عن الصلات بين القصة التي ألفها وبين المواقف الجديدة التي يصعب التكهن بها فيواجه عددا كبيرا من الاحتمالات وتدفع عذه الفراغات القارئ لبث الحياة في القصة نفسها والتعايش مع شخصياتها»

الفراغات تلك الصلات المفقودة في الخطاب وهذه التفككات والانفصالات les disjuctionsالتي يتضمنها النص على مستوى السرد أو الحدث، وهي ير القارئ وتحدث التوتر الذي يحفّزه على ملئها بواسطة التخيل والتمثيل.

وتتمظهر الفجوات على مستوى الخطاب عندما ينكسر مسار الأحداث بشكل فجائي وقد تستمر في اتجاهات غي متوقعة ، ومن أجل خدمة هذا البحث أعطانا ايزر ثلاث أمثلة:

الرواية التعليمية: مثال رواية loss and gainللكاردينال نيومان، يرى بأن هذه الرواية لايوجد فيها فراغات لأن هدفها تعليمي، فلا يتدخل القارئ لأن الفهم معطى مسبقا ويصبح القارئ متلقي سلبي، ولديها هدف أخلاقي وهو موجود في كل الخطابات التي لها هدف تعليمي، تقل المساحة الفارغة في الرواية التعليمية وحضور القارئ يصبح منعدما تقريبا لا يوجد فيها انقطاعات هدفها الدعوة إلى الكاثوليكية أو مطالبة الناس بالتحول إلى هذا المذهب وترك المطاهب الأخرى

القصة المسلسلة: تناول ايزر قصة ل charle dickins، حيث كان يكتب قصصه ولا يكملها ويذهب ويرى توقعات القارئ ويملأ فراغات بها فعملية البناء هنا أصبحت مشتركة بين القارئ والمؤلف.

الرواية الحوارية: هي التي تتحاور مع القارئ وتساعده على الفهم، ليس لها هدف تعليمي، ولا تقدم معنى مسبق.

خاتمة: غير رواد نظرية التلقي والتأويل( مستفيدين من الفلسفة الظاهراتية وعلاقة الذات بموضوعها) مبدأ الدراسة فبعدما كان المعنى محصور في السياقات الخارجية مع النقد السياقي، انتقل إلى النص مع الدراسات الحداثية ليرسى عند القارئ مع هذه النظرية فقد أصبح شريكا مع الؤلف في انتاج المعنى.

 

 

Modifié le: dimanche 14 juillet 2024, 19:41