المحاضرة العاشرة: النقد السيميائي
الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالنقد السيميائي، رواده وآليات تطبيقه على النصوص الأدبية فيمتلك مهارة التذكر والفهم والتحليل والاستنتاج.
1-تمهيد:
لقد تعددت مناهج النقد الحديث نتيجة ما حدث من تفاعل بين اللسانيات والعلوم الإنسانية وخاصة علم الاجتماع وعلم النفس التحليلي، ولذلك فإن القارئ لا يمكن أن يدرك أصول هذه المناهج إلا بكشف العلاقة بينها وبين المفاهيم والمتصورات الألسنية التي وقع اثراؤها وتجديد محتواها حتى تكون الخلفية النظرية لمناهج متكاملة في تحليل النص الأدبي، وتعتبر السيمائية الأدبية من أهم المناهج الحديثة في النقد وطرق تحليل النص فهي تكاد تصبح المنهج النقدي البديل رغم أن أصولها العلمية تمر فترة مخاض نظري يتجلى في الاختلاف في حد المفاهيم الأساسية وقضايا جوهرية منها نوعية العلاقة بين الخصائص الأسلوبية والبنية العميقة ثم علاقة السيميائية الأدبية بالرمزية اللغوية le symbolisme linguistque وهي قضايا لها بعد أصولي، وهذا الوضع الخص يقتضي التعريف بالسيميائية وكيفية تولدها عن الألسنية.
السيميائية والألسنية:
إن من أهم المشاكل النظرية المتعلقة بالسيمائية تداخل المصطلحات وتشبعها واختلاف مضمونها حسب الألسنين ولذلك فإنه ينبغي لنا أن نحلل على الأقل مدلول المصطلحين الأساسين المستعملين وهما السيميائية sémiotique والسيميولوجيا sémiologie لنبين وجوه العلاقة بينهما، إن هذين المصطلحين مترادفان في مستوى المعنى المعجمي إذ أنهما يستعملان في الأصل على للدلالة على علم في الطب موضوعه دراسة العلامات الدالة على المرض وقد بقي هذا الترادف في مستوى الاستعمال الاصطلاحي عند البعض كما هو الشأن إلى صاحبي المعجم الموسوعي لعلوم اللسان ، إذ يعتبران أن" السيميائية أو السيميولوجيا هي علم العلامات"
ويستعمل بريكل في كتابه علم الدلالة المصطلحين في نفس المعنى إذ يعرف السيميائية بأنها: "نظرية عامّة في العلامات" وهي:" منهج نظري في المعرفة" هدفه وضع حقائق صالحة لكل الميادين التي تستعمل فيها الأنظمة العلامية"، والثانية من هذا العرض تحديد مضمون السيميائية حسب التصور الحديث ولذلك فاننا نستخلص بعد محاولة تأليفية أن السيميائية تعبّر عن المضامين التالية:
أ-السيميائية sémiotique مرادفة للسيميولوجيا sémiologie وموضوعها دراسة الأنظمة العلامية المختلفة اللغوية وغير اللغوية.
ب- السيميائية تدرس نظاما خاصا من العلامات كنظام الأزياء والموضة هذا ما يذهب إليه بارت إذ يعتبر أن السيميولوجيا علم عام يستمد أصوله النظرية من الألسنية والسيميائية أو السيميائيات فروع لهذا العلم العام.
ج-السيميائية موضوعها دراسة الأدب ووسائل التعبير الخاصة بالنص وهو على سبيل المثال موقف يمسليف وجوليا كريستسفا.
إذن السيميائية موضوعها دراسة نظام علامي خاص والنص نظاما خاصا من العلامات الجمالية ولذلك تفضل مصطلح السيميائية الأدبية(sémiotique littéraire)للدلالة على السيميائية كمنهج نقدي.
تصور العلامة عن فرديناند ديسوسير:
العلامة= دال( صورة سمعية) + مدلول (صورة ذهنية)
علاقة اعتباطية
إن العلامة عند ديسوسير هو ثنائي ويتكون من شقين هما الدال والمدلول، حيث يرى أنّ اللغة عبارةٌ عن رموز ، أما الدال فهو الصورة السمعية الأكوستيكية أي مجموع الأصوات الإنسانية التي تخرج من الإنسان بأيّة لغةٍ كانت فلفظ (عصفور) هو الدال عند سوسير، والمدلول فهو الصورة الذهنية أو المفهوم التي تتشكل في الذهن إثر سماع الصوت، فعند سماعك كلمة عصفور يتشكل في ذهنك صورة لمخلوقٍ صغيرٍ طائر.
باجتماع الدال( الصورة السمعية) والمدلول (الصورة الذهنية) تتشكل لدينا اللغة التي في حقيقتها -حسب تعبير سوسير-، فهي أداة رمزية للتواصل، إذ يعتبر سوسير اللغة رموزًا صوتيةً تُشكّل الصورة الذهنية وشأنها كغيرها من الرموز؛ كالإشارة الضوئية واللافتات وغيرها، فكل كلمة تكون رمزًا تتشكل من الدال (اللفظ) والمدلول (الصورة الذهنية)، فالدال هو الشكل والمدلول هو المعنى.
يرى سوسير أنّ العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية غير مبررة بمعنى أنّه لا يُوجد علاقة محددة تربط بين الدال والمدلول، سواء كانت عقليةً منطقيةً أو شعوريةً معنويةً، ففي كلمة عصفور لا يُمكن أن يعني حرف العين الرأس والصاد الجناح والفاء الصدر والواو الأرجل والراء الذيل، فالعلاقة ليست واضحةً وإنّما حكمها العرف، فالطفل ينشأ في بيئة تطلق على هذا الطائر هذا اللفظ ويلتقطه ليكون رمزه في التعبير عن هذا الطائر.
بالسير على هذه الثنائية تكون اللغة أداةً رمزيةً للتواصل، تُشكلها رموز هي الكلمات وبارتباطها مع بعضها تشكل المعنى العام المراد للتواصل، والاختلاف بين هذه الرموز يُشكل المعنى، فكلمة سِتارة بانتظام حروفها بهذه الطريقة تُشكل المعنى الذي يختلف عن معنى نافذة، وتختلف عن معنى سيارة، ولا يُوجد ضابط منطقي لهذه التفرقة سوى العُرْف، الذي ارتضى هذا التسلسل للأصوات للدلالة على هذه المعاني.
تصور العلامة عند شارل ساندرس بيرس:
تُعدُّ السيميائية من النظريات النقدية التي تُعنى بدراسة الفنون والأدب، وقد ظهرت في عصر ما بعد الحداثة بوصفها ردة فعل على النظريات الحداثية وخصوصًا المنهج البنيوي، الذي اعتمد منهج المحايثة والانغلاق؛ فأقصى كل ما هو خارج العلامة النصية من التحليل والدراسة، فجاءت السيميائية لترفض هذا المبدأ؛ وتهتم في مجالها بالعلامة وما ورائها.
تقوم السيمياء عند الفيلسوف الأمريكي شارل سندرس بيرس على المنطق والظاهراتية والرياضيات الذي بدوره يقوم بدراسة العلامة وحمولاتها الدلالية المتولدة، وهو ما يعرف بالسيموزيس (Semiosis) أي: الصيرورة الدلالية والدلالة لا نهائية. ويعمل بموجبها الدليل، وتحوي هذه الصيرورة على عوامل ثلاثة، وهي الممثل، والموضوع، والمؤول.
العلامة كما هي عند بيرس بطبيعتها الدلالية تندرج وفق المراحل الآتية:
المصورة بالإنجليزية: Represntamen) وتشكل الحامل المادي للعلامة، وتقابل الدال عند سوسير، والرمز عند أوجدين وريتشاردز. المفسرة (بالإنجليزية: Interpretant) هي التي تقابل المدلول عند سوسير، والفكرة عند أوجدين وريتشاردز، إذ يُعدها بيرس بأنها العلامة الجديدة التي تنجم عن الأثر الذي يتركه موضوع العلامة في ذهن المفسر أو متلقي العلامة.
الموضوع بالإنجليزية: Object) إذ يقابل المشار إليه في تعريف أوجدين وريتشاردز، فالموضوع عند بيرس جزء من العلامة وليس شيئًا من أشياء عالم الموجودات، حيث يتميز بنوعين: الأول يمثل الموضوع الديناميكي أي الشي الذي تحيل إليه العلامة وتحاول أن تمثله، والنوع الثاني، الموضوع المباشر: يكون جزء من العلامة وعنصر من عناصر تكونها.
الركيزة بالإنجليزية: Ground) وهي الفكرة التي تحيل إليها المصورة، وتقابل عند ديسوسير المدلول ويمكن شرح تصور بيرس للعلامة بالمخطط التالي:
المفسرة( الماثول)
علاقة سببية
الركيزة ( المؤوّل) المصورة( الموضوع)
خاتمة: بعد أن سقطت البنيوية وتنبه أصحابها بأنها دراسة مغلقة لا تأتي بالجديد ولا تبحث عن جمالية النصوص ظهر على أنقاضها النقد السيميائي والذي فتح المجال لتفجير الدلالات واستنباطها من أعماق النصوص الأدبية.