الأهداف: تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف الطالب بالنقلة النوعية التي انتقلها النقد انطلاقا من تغيير المبدأ من النقد السياقي الخارجي إلى النقد النسقي الذي يهتم بالنسق، فيتعرف على المنهج، ورواده وآليات تطبيقه على النصوص الأدبية.

1-تعريف البنيوية: هي دراسة النظام العلاقات القائمة بين الخطاب الأدبي، وهي مأخوذة من بنية Structure فمثلا لدينا فعل + فاعل + مفعول به فالعلاقة بينهم هي بنية وقد اشتق هذا المصطلح من المصطلح اللاتيني Stuer الذي يعني وضع الأجزاء في مبنى ما من وجهة النظر الفنية المعمارية أو بعبارة أخرى الطريقة التي يتكون منها انشاء من الإنشاءات أو جهاز عضوي أو شكل كلي.

  • يعترف جان بياجي، في مطلع كتابه عن (البنيوية) بأنه من الصعب تمييز البنيوية، لأنها تتخذ أشكالا متعددة لتقدم قاسما مشتركا مواحدا، فضلا على أنها تتجدد باستمرار وأن البنيويين في نظر الآخرين هم جماعة يؤلف بينها البحث عن علاقات كلية كامنة تستمد روافدها من ألسنية ديسوسير، وأنثروبولوجية ليفي شتروس، ونفسانية بياجي وجاك لاكان وحفريات ميشال فوكر التاريخية والمعرفية وأدبيات رولان بارث...[1]

البنيوية Structuralisme: هو منهج نسقي يقوم على دراسة الأشياء والموجودات بوصفها موجودات غير مستقلة إذ لا يمكن إدراك طبيعتها بصورة فردية، وعليه فهو منهج انبثق نتيجة جهود حركات نقدية كالشكلانية، هذا المنهج يرفض (المناهج الخارجية كالتاريخية والنفسية والاجتماعية) ويدرس النص كبنية مغلقة ومنعزلة عن هذه السياقات.

       وإذا كان مصطلح البنيوية Structualisme في ذاته، أولا وأساسا هو العنوان الجامع الذي أبدعه العالم اللغوي الكبير رومان جاكوبسون عام 1929 لوصف الأعمال النظرية لحلقة براغ، فمعنى ذلك أن البنيوية لم تكن إلا تتويجا لجهود ألسنية سابقة، تأتي على رأسها جهود المدرسة السوسيرية (حلقة جنيف) بزعامة فرديناند ديسوسير.

- لقد هجر ديسوسير الدراسات اللغوية التاريخية في شكلها المعروف بالنحو المقارن وانشغل بدراسته وتدريس ردحا في الزمن، وراح يضطلع بالدراسات الوصفية المنكفئة على النسق اللغوي الآني التي كان من آلاتها أن اغتنى الدرس اللغوي الحديث بثنائيات جديدة (اللغة والكلام)، (الدال والمدلول) (الآنية والزمانية) (الوصفية والتاريخية)، إذن ترعرع المنهج البنيوي في أحضان الفكر الشكلاني وفي هذا الشأن البنيوي أن البنيوية هي النتيجة النهائية للتنظير الشكلاني أو تستقيم هذه الفكرة أكثر إذا أكدنا أن الشكلانية الروسية قد تأثرت بالنظرة السوسيرية عن طريق جاكوبسون، بواسطة أعمال سيرجي كارسفسكي الذي كان تلميذ لديسوسير.[2]

أعلامها: ديسوسير، كلود ليفي شتراوس، جان بول سارتر، ايمانويل كانت، رومان جاكوبسون، رولان بارث، جاك لاكان، جاك دريدا.

نشأة البنيوية:

1-الشكلانيون الروس: 1915-1930: لم تكن الشكلانية الروسية تمهيد للنشأة البنيوية فحسب، بل كانت مسقط رأس علوم أخرى وثيقة الصلة بالبنيوية والسيميائية كالشعرية والسردية، ولشدة ارتباط هذه الشكلانية بالفكر البنيوي لم يعد من الغرابة في شيء أن نجد بعض الدراسات تنعتها باسم "البنيوية السوفياتية"

تطلق تسمية (الشكلانيين الروس) على ائتلاف تجمعين علميين روسين شهيرين هما:

أ-حلقة موسكو (1915-1920م): تأسست في آذار 1915، بجامعة موسكو بزعامة رومان جاكوبسون الذي يعزي إلى تأسيس "النادي اللساني" رفقة ستة طلبة ومن أعضاءها: عالم الفولوكلور السولافي بيوتر بوغاريف، غروغوري فينوكور أوسيب بيرك، بوريس توماشيفسكي وميخائيل باختين، تهتم هذه الحلقة بالشعرية واللسانيات، وتبحث في شؤون الأدبية وماهية الشكل.

ب-جماعة أبوياز: 1916: تعني هذه التسمية المختصرة (جمعية دراسة اللغة الشعرية) الذي تأسست سنة 1916 بمدينة سان بترسبورغ من أعضائها: فيكتور شكلوفسكي، وبوريس ايخنباون وليف جاكوينسكي وهي في الأصل مشكلة بين جماعتين منفصلتين: دارسي اللغة المحترفين وباحثين في نظرية الأدب على أبرز أعضاءها هم مؤرخو أدب تحولوا إلى حقل اللسانيات، متخذين من الشعر موضوعا أثيرا للدراسة حيث كان الشعرية "الحب الأول لمنظري أبوياز".

       وعموما إن الشكلانية الروسية تقوم على أطروحتين أساسيتين هما: التشديد على الأثر الأدبي وأجزاءه المكونة .

-الإلحاح على استقلال الأدب.

II-حلقة براغ: وقد تسمى كذلك: "البنيوية التشكيكية" تأسست بمبادرة من زعيمها فيليم ماتيسيوس، من أعضائها: هافرانيك، تروكا، فاشيك، موكوروفسكي)، تابعت هذه الحلقة إنجازات الشكلانية الروسية، وقدمت أطروحاتها حول اللغة عام 1929م حيث تعد حلقة براغ حلقة وصل بين الشكلانية والبنيوية.

III-جماعة Tel quel 1960: تجدر الإشارة بأن معرفة العالم العربية بالحركة الشكلانية قد تأخرت إلى سنوات خمسينيات وستينيات ويمكن القول أن الحركة البنيوية في فرنسا ظهرت مع الجهود الرائدة لجماعة Telqeul التي تنسب إلى المجلة التي تحمل التسمية نفسها، وهذه المحلة هي التي عرفت بالبنيوية وساهمت في نشرها، اهتمت بحقول فكرية شتى كالتحليل النفسي والماركسية واللسانيات.

مقومات البنيوية: يحدد جون بياجي ثلاث مقومات:

1-الشمولية: وهذه الشمولية مسؤولة عن تماسك أجزاء البنية وخضوعها للقوانين التي تتحكم في المجموعة.

2-التحولات: les tramsformation: وتحولات البنية ميزة تمكنها من احتواء ما يطرأ عليها من جديد مثل: تقديم المبتدأ على الخبر.

3-الانتظام الداخلي: l’atoliprage: ويقصد به أن البنية قادرة على ضبط أجزاءها وتحولاتها دون الحاجة إلى مؤثر خارجي أي خاضعة للنسق التي تنتمي إليه.

المفاهيم التي تقوم عليها: ومن بين المفاهيم التي تقوم عليها البنيوية:

1-اللغة والكلام: فاللغة أعم من الكلام فهو جزء منها.

2-نظام العلاقات: إذا كان نظام العلاقات يؤدي معنى فلدينا بنية وإذا كان لا يؤدي معنى فلا توجد لدينا بنية.

3-التزامن والتعاقب: إذا كانت البنية سليمة وتؤدي معني=تزامن وإذا كانت غير سليمة ولا تؤدي معنى= تعاقب.

4-الحضور والغياب: بالنسبة للدال والمدلول فإذا حضر الدال حضر المدلول وإذا غاب الدال غاب المدلول بالضرورة.

خاتمة: استطاع رواد النقد البنيوي أن يحدثوا نقلة نوعية في دراسة الأدب بالتخلي عن السياقات الخارجية(تاريخ، مجتمع، نفسية الأديب) والاهتمام بالنسق داخل النص معتمدين على الأفكار التي جاء بها فرديناند ديسوسير" دراسة اللغة لذاتها ومن أجل ذاتها، وهكذا تأسس المنهج البنيوي وأرسى قواعده في ظل علمنة الأدب. 

 

آخر تعديل: الأحد، 14 يوليو 2024، 7:31 PM