مولود فرعون

نشأته

ولد في 8 مارس 1913م في تيزي هيبل من عائلة فقيرة. التحق بالمدرسة الابتدائية في تيزي وزو بقرية تاوريرت موسى المجاورة، فكان يقطع مسافة طويلة إلى مدرسته في ظروف صعبة ولكن مثابرته واجتهاده وصراعه مع واقعه تحت ضغطالاستعمار الفرنسي جعله من النجباء، ثم اندفعللعمل بعد تخرجه، فاشتغل بالتعليم حيث عاد إلى قريته تيزي هيبل التي عين فيهامدرساً سنة 1935 ميلادي .

أعطى من علمه لأطفال قريته أعطى مثالا له في القرية التي احتضنته تلميذا قرب مسقط رأسه بأقل من ثلاثة كيلومترات، وهي قرية تاوريرت موسى التي التحق بها معلما سنة 1946 في المدرسة نفسها التي استقبلته تلميذاً، وعين بعد ذلك سنة 1952 ميلادي في إطار العمل الإداري التربوي بالأربعاء ناث ايراثن ثم التحق بالجزائر العاصمة مديراً لمدرسة (نادور) ،كما عين في 1960 ميلادية مفتشاً لمراكز اجتماعية كان قد أسسها أحد الفرنسيين 1955 ميلادية وهي الوظيفة الأخيرة التي اشتغل فيها قبل أن يسقط برصاص الغدر والحقد الاستعماري في 15 مارس 1962 ميلادي، حيث كان في مقر عمله،مهموماً بقضايا العمل وبواقع وطنه خاصة في المدن الكبرى في تلك الفترة الانتقالية أصبحت عصابة منظمة الجيش السري الفرنسية المعروفة ب(أويس) تمارس جرائم الاختطاف والقتل ليلا ونهاراً حيث اقتحمت مجموعة منها على ""مولود فرعون" وبعض زملائه في مقر عملهم، فيسقط برصاص العصابة ويكون واحداً من ضحاياها الذين يعدون بالألاف فتفقد الجزائر بذلك مناضلاً بفكره وقلمه.

يعد فرعون أحد أكبر كتاب المغرب العربي لقد كانت «ابن الفقير» روايته الأولى ولا تزال، أول عمل أدبي يبدأ به كل تلميذ جزائري اطلاعه على الأدب الوطني. وكان فرعون يلفت انتباه مواطنيه كلما أصدر كتاباً جديداً وكان آنذاك معلماً قروياً، انتقل للعمل في العاصمة قبيل هلاكه المأساوي على يدي غلاة الاستعمار الحانقين. وقد حاز إبداعه شيئاً فشيئاً على شهرة واسعة، ليس في وطنه فحسب بل في فرنسا كذلك، وترك موت الكاتب أثراً فاجعاً في قلوب كل الناس من ذوي الإرادة الطيبة. ساهم مولود فرعون كثيراً في دعم القضية الوطنية، وإيقاظ الوعي للشعب الجزائري، الذي هب لمعركته الخيرة والحاسمة ضد الاستعمار.


من أقواله : أكتب بالفرنسية, وأتكلم بالفرنسية, لأقول للفرنسيين, أني لست فرنسياً

كان الكاتب الجزائري الراحل مولود فرعون يكتب بالفرنسية كي يقول للفرنسيين بأنه ليس فرنسيا،

كتب "ابن الفقير" عن "الدروب الوعرة" و"الأرض والدم" في سرديات تنبثق من أعماق الوطن الجزائري القابع تحت الاحتلال، ولم ينس فضح "ظلام الاستعمار" ليقول للفرنسيين: لا، بلغتهم.

وبمناسبة مرور نصف قرن على اغتيال الكاتب الجزائري الفرنكفوني (1913-1962) على يد "منظمة الجيش السرّي" الفرنسية (OAS) أصدرت دار نشر "أكت سود" الباريسية، بالتعاون مع دار "سولان" سيرة مهمة عن حياته وضعها الصحفي والكاتب الفرنسي جوزي لانزيني.

وأهمية هذه السيرة تكمن أولا في كونها المحاولة الأولى لسرد قصة حياة فرعون الغنية بالأحداث والإنجازات.

ولأن المدرسة لم تكن مصدر ثقافته الوحيد، يتوقف لانزيني مطولا عند العادات والتقاليد الأمازيغية التي تشرّبها فرعون منذ نعومة أظفاره، وعند الحركات الثورية الأمازيغية ضد المستعمر الفرنسي التي تركت قصصها أثرا بالغا داخله، وعلى رأسها ثورة الشيخ المقراني عام 1871، بدون إهمال دور المحيط النسائي في تعليمه الرقة والمقاربة السلمية للآخر من خلال قصص كانت تسردها عمّاته وخالاته له ويتفوّقالتزام

وإلى جانب جهده التربوي اللافت، يكشف لانزيني نشاط فرعون النقابي الذي حاول من خلاله مواجهة سياسة التمييز العنصري التي اتبعها المستعمِر الفرنسي في جميع المجالات، وأدّت إلى إفقار الجزائريين وتجويعهم وإذلالهم ومصادرة أراضيهم، مما دفع بالكثير منهم إلى مغادرة البلاد للعمل في المنفى بظروف صعبة، كما فعل والد فرعون طوال حياته.

أما نشاط فرعون الكتابي، فيتناوله لانزيني بشكل مسهب، داخل السيرة وفي ملحق خاص في نهايتها، مبينا قيمته الأدبية الكبيرة ومضمون كتبه المثير الذي يعكس فكرا سلميا نبيلا ونفاذ بصيرة بالنسبة إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي عايشها، وبالتالي التزاما بقضايا أمته بعيدا عن أي تطرّف.

 

أعمال مولود فرعون :

ترك مولود فرعون عدة مؤلفات أدبية بالإضافة إلى الكثير من المقالات. أيام قبائلية : ويتكلم فيه عن عادات وتقاليد المنطقة طبع سنة 1954م. أشعار سي محند طبع سنة 1960م. ابن الفقير : كتبها في شهر أفريل سنة 1940م الذكرى طبع سنة 1972م. الدروب الوعرة سنة 1957م. الأرض و الدم طبع سنة 1953م. مدينة الورود طبع سنة 2007م. رسائل إلى الأصدقاء طبع سنة 1969م وكلها تتكلم عن المعاناة الجزائرية تحت ظلام الاستعمار والمحاولات العديدة لطمس هويته من تجهيل ونشر للمسيحية مقالات عديدة وكثيرة نشرت في عدة طبعات فرنسية وجزائرية.
تعتبر رواية"ابن الفقير"أول رواية كتبها مولود فرعون .. وهي من أهم الأعمال التي ما يزال اهتمام النقاد بها متواصلا فهو يشرح فيهاكيف يتكون« الطبع الحقيقي» للرجل القبائلي، حيث يولد الطفل في هذه المنطقة، من أجل المعركة في سبيل الحياة. وتشكل فلسفة وحكمة الحياة وعاداتها ومعتقداتها وشعائرها القديمة ، ذلك العالم الخاص والأصيل الذي تمثله قرية تيزي، حيث شب ابن الفقير« فورلو»، وهي في الوقت ذاته ذلك العالم النموذجي لقرية قبائلية نموذجية. وهذا العالم لا يزال في الرواية يحيا أساساً وفق سنن موروثة من الماضي البعيد، حيث تسود أخلاق وأنماط حياة الأجداد، وحيث لا يزال كل واحد يؤمن بالقدر. غير أن الشكل الثاني من الصراع هو صراع من أجل إجادة لغة غريبة وثقافة غريبة، والدراسة في ثانوية فرنسية حيث يشعر دائماً بنفسه غريباً، ويشعر بالخوف من الطرد بسبب إخفاق عارض ويصمم« فورلو» على لقاء هذا العالم الذي يجهله، وهذه الحياة الغريبة عنه:« وحدي، وحدي في هذه المعركة الرهيبة التي لا ترحم .
وفي الأخير يمكن اعتبار رواية ابن الفقير سيرة ذاتية، تصف طفولة الكاتب ومراهقته، كما تغطي الرواية السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، لتصل نهاية العشرينات 

ففي روايته الأولى "ابن الفقير" (1950) -التي تشكل نوعا من السيرة الذاتية- لم يسع إلى التحدث عن نفسه بقدر ما سعى إلى تصوير الشعب الأمازيغي الذي انتمى إليه، بعيدا عن المقولات المتداولة حوله.

وفي رواية "الأرض والدم" (1954) قارب موضوع المنفى بصعوباته ونتائجه على شخصية المنفي، كما تناول موضوعي الهوية والشرف. وفي كتاب "أيام قبائلية" (1954) صوّر بأمانة مؤثرة وطرافة مشاهد من الحياة اليومية في القرى الأمازيغية. وفي رواية "الدروب الوعرة" (1957) كشف -من خلال قصة حب- صدام ثقافتين: الثقافة التقليدية للقرية الجزائرية وثقافة المهاجر، واستعان بشخصية نسائية فرنسية لنقد سلطة الاستعمار.

"
"

 

 


وفي البحث الذي يحمل عنوان "أشعار سي محند" (1960) عمد فرعون إلى ترجمة عدد كبير من قصائد الشاعر الأمازيغي سي محند، وإلى استخلاص المراحل الرئيسية لحياته، ومن خلال ذلك إلى تقديم شهادة إضافية على مقاومة الشعب الأمازيغي للاستعمار الفرنسي بواسطة الشعر التقليدي.

وفي ديوان "رسائل إلى الأصدقاء" (نشرعام1967) نقرأ جزءا مهما من مراسلاته مع أساتذة وأدباء وناشرين، مثل إيمانويل روبليس وألبير كامو. وبينما يتألف كتاب "الذكرى" (نشر عام 1972) من نصوص متفرقة قارب فرعون فيها الأدب الجزائري أو موضوع الاستقلال الحتمي لوطنه، رصد رواية "مدينة الورود" (نشر عام2007) التي لم يتمكن من إنجازها إلى معركة الجزائر العاصمة وجعل منها استعارة لاستحالة التعايش بين الجزائريين والفرنسيين في الجزائر.

أما كتاب "يوميات" (1955-1962) فيشكل شهادة قيمة على حرب الجزائر لوصف فرعون فيه أحداث هذه الحرب الصغيرة والكبيرة، كما يشكل مرجعا مهما يسمح لنا بمتابعة تطور موقفه من هذه الحرب التي ستحصد مئات آلاف القتلى قبل أن تجعل منه ضحيتها الأخيرة.

وحول استخدام فرعون الفرنسية لغة لكتبه، يقول لانزيني "فرعون ليس من أولئك الذين يعتقدون بأن اللغة الفرنسية هي حتما لغة الاستعباد والاستعمار الثقافي، بل ما سمح له بفهم الآخر وتفسير نفسه وقول اشمئزازه وقرفه لأكبر عدد ممكن، وبالتالي ببلوغ أرضية الآخر بواسطة هذا السلاح المشترك الذي وصفه كاتب ياسين (بجزية حرب)".

ولأن فرعون استوحى معظم كتبه من معيشه، اعتمد لانزيني عليها بشكلٍ كبير لكتابة سيرته، كما يتجلى ذلك في الاستشهادات الغزيرة المقتطفة من هذه الكتب والتي تمنح نصه بعدا أنطولوجيا أكيدا. وفي حال أضفنا الأسلوب الجميل والشيّق الذي صقله لكتابة هذه السيرة ومعرفته العميقة بتاريخ الجزائر التي تظهر في استطراداته التي لا تحصى حول هذا الموضوع، لتجلت لنا كل قيمة عمله.

رواية ابن الفقير :

يُعدّ مولود فرعون (1913 - 1962)، أحد مؤسّسي الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، إلى جانب محمد ديب ومولود معمري وكاتب ياسين. بل إن الناقد الفرنسي المختصّ في الأدب الجزائري، جان ديجو (1921 - 1993)، يرى في كتابه "الأدب الجزائري المعاصر" أن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، وُلد، في واقع الأمر، مع صدور رواية "ابن الفقير" لـ فرعون مطلع الخمسينيات.

الرواية، التي تُعتَبر باكورة كتبه وأبرزها، تستعرض في ما يشبه السيرة الذاتية، مظاهر البؤس التي عاشها بطلُها "فورولو"، وتنقل في ضوء ذلك، الحياة اليومية في مسقط رأسه، في منطقة القبائل، خلال الفترة الاستعمارية.

صدرت الرواية لأوّل مرّة عن "دار سوي" في باريس عام 1954. وفيها حاول فرعون، كما يقول صديقه الكاتب الفرنسي إيمانويل روبليس (1914 - 1995)، "أن يُدلي بشهادته حول الشعب الذي ينتسب إليه، ويقول بأنهم أناس كسائر البشر".

لعل النجاح الذي حقّقه العمل، الذي تُرجم إلى عددٍ كبير من اللغات من بينها العربية، كان بمثابة حافز له لتأليف مجموعة من الأعمال الأخرى، ذات الصلة بالموضوع المتناوَل؛ خصوصاً: "الأرض والدم" و"الدروب الصاعدة". كما أن مقاطع من "ابن الفقير" أُدرجت، بعد الاستقلال، ضمن المناهج المدرسية الجزائرية، عبر جميع أطوار الدراسة، وهو ما لم يتحقّق للكثير من الكتّاب الجزائريين المعاصرين.

تتميّز كتابات فرعون، بالمزج بين التحقيق الميداني والقصة التوثيقية. كان يعتمد فيها على المراقبة العينية والمعرفة الوثائقية المقرّبة لمنطقة قضى فيها طفولته وجزءاً كبيراً من شبابه. ولعلّه لونٌ من الكتابة اقتضته مآسي الحرب وبؤس حياة السكّان وفظاعة زمن الاستعمار.

يقول: "لقد كتبتُ "ابن الفقير" أثناء سنوات الحرب المظلمة على ضوء مصباح تقليدي. في هذه الرواية، يمكن القول إنني وضعت أفضل ما عندي". وعن سؤال طرحه الكاتب والصحافي الفرنسي موريس مونواييه (1920 - 2016)، عن اعتبار الرواية سيرة ذاتية، يجيب: "نعم، أنا متمسّك، وبشكل كبير، بهذا الكتاب؛ أولاً، لكوني لم أكن آكل إلا عندما كنت أحسّ بالجوع. زيادة على ذلك، جعلتني هذه الرواية أنتبه إلى إمكاناتي. فالنجاح الكبير الذي حقّقته شجّعني على المضي قُدماً في كتابة روايات أخرى".

عاش مونواييه في الجزائر خلال الفترة بين 1948 و1956. وفي الخمسينيات، شغل منصب رئيس تحرير في صحيفة "الجُهد الجزائري"، وقد جمعته صداقة بفرعون وتبادلا العديد من الرسائل التي جمعها الباحث إقبال مهني في كتاب بعنوان: "مولود فرعون، موريس مونواييه: قصّة صداقة" (دار الأمل، 2009).

يصف أوّل لقاء له مع الكاتب الجزائري قبل أن يجري حواراً معه: "كلّمني عنه إيمانويل روبليس. بعد نصف ساعة، دخل إلى مكتبي، يداه كانتا مرتبكتين، كان يحمل مظلّة ومحفظة جلدية. تخلّص من هذه الأشياء قبل أن يصافحني بمحبّة، بدا لي متوجّساً، يكاد أن يكون خجولاً، ولكن ما إن تتوافر أجواء الثقة حتى يتفاعل بنشاط، ويفتح قلبه. إنه الإنسان الأكثر روعة من بين الذين عرفتهم. عندما كان يتكلّم، كنت ألاحظه خفية، من خلف زجاج نظّارته المثيرة للانتباه. كانت عيناه تشعّان بريقاً، حيث يلوح من خلالهما، بصيص قادم من عمق حياة داخلية".

تلك الحياة ستنهيها "منظّمة الجيش السرّي" الإرهابية الفرنسية أياماً قليلة قبل التوقيع على "اتفاقيات إيفيان"، التي تمخّض عنها إعلان وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء تقرير المصير. يعترف مونواييه بأنه، عندما بلغه نبأ اغتيال فرعون، بكى بحرقة، لأنه فقد شخصاً عزيزاً عليه جمعت بينهما صداقة ومحبّة ورسائل كثيرة، وفق قوله.

كان صاحب "الدروب الصاعدة" يعرف أنه مهدّد في أية لحظة بالموت، وكان يتوقّع ذلك، ويواجهه بشجاعة: "أعرف أنني، ربما، سأموت اليوم... قد أُعدم بالرصاص غداً، ولكنني أعلم أنني أنتمي إلى شعب عظيم يملك عزّة النفس، استطاع أن يزعزع قرناً من السبات الذي أغرقه في ظلام دامس، وأن لا شيء يمكنه، منذ الآن، إعادته إلى سابق عهده".

بعد أيام من اغتياله، كتب أحد أبنائه رسالةً إلى روبليس، الذي أسّس بعد عودته إلى فرنسا دار نشر تُعنى بالأدب الفرنكفوني المغاربي، أصدرت معظم أعمال فرعون، ومن بينها يومياته التي ضمّت مجموعة من رسائله، جاء فيها: "كتبتم، يوم الثلاثاء، رسالة إلى والدي، سوف لن يقرأها. إنه شيء فظيع".

في هذه الرسالة، يروي الابن تفاصيل الليلة الأخيرة مع والده: "لقد سهرنا طويلاً معه يوم الأربعاء، وذلك لأوّل مرة منذ وجودنا في فيلا "لنغ". في البداية سهرنا في المطبخ، ثم انتقلنا إلى الصالون، وتذكّرنا كل المدارس التي درّس فيها، وشاهدنا بعد ذلك برنامجاً في التلفزيون يتحدّث عن روايتك، وقد سرّه ذلك كثيراً، وأنا أعرف العلاقة التي تربطكما. بعدها، تحدّثنا عنك، ثم ذهب لينام. كنت في الفراش حين سمعته يقول لأمّي: "اتركي الأطفال ينامون". كانت تريد إيقاظنا لنذهب إلى المدرسة. "كل صباح تُخرجين ثلاثة رجال، هل تعتقدين حقّاً، أنهم سيعيدونهم إليك سالمين". بصقت أمّي على النار، تحاول طرد الشؤم. وكما ترون، لم ينفع ذلك. خرج والدي ولم "يعيدوه" إلينا... رأيته في غرفة الموتى: اثنتا عشرة رصاصة لم تُصب وجهه أيّ منها. أبي كان يبدو جميلاً، لكنه كان جامداً تماماً، ولم يكن يريد النظر إلى أحد. كان هناك نحو خمسين، بل مئة مثله، ممدّدين على طاولات ومقاعد على الأرض، في كل مكان. أمّا هو، فقد أرقدوه على طاولة في الوسط".

تحليل رواية ابن الفقير:

تعد رواية ابن الفقير لمؤلفها الجزائري مولود فرعون من الروايات التي تناولت إحدى الظواهر الاجتماعية، وفقًا لما ورد عن الدكتور بوزيد مولود في قراءته التحليلية لها، وقد لاقت هذه الرواية اهتمامًا واضحًا من النقاد والدارسين ومن القراء أيضًا.

حاول الكاتب في روايته هذه الإشارة إلى صراعات الإنسان القبائلي في الحياة، متمثلةً بالصراع النفسي، والصراع الاجتماعي، إلى جانب الصراع الثقافي بحكم العادات والتقاليد القبائلية. ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:

العنوان

يعدّ العنوان من العناصر الدلالية المهمة في الرواية، وقد جاء عنوان هذه الرواية "ابن الفقير" كاشفًا عن المحتوى العام للنص أو الإطار العام له، وفي الوقت ذاته يعدّ محمّلًا بالدلالات والرموز، فيثير التساؤلات في نفس القارئ حول طبيعة الحياة التي يعيشها ابن الفقير وتفاصيلها ومآسيها.

المكان:

تدور أحداث رواية "ابن الفقير" في قرية "تيزي هيبل" الجزائرية، وقد وصف الكاتب سكان هذه القرية وأحياءها والملامح العامة لها، وبصورة عامة تقسم الأماكن الفرعية الوارد ذكرها إلى أماكن مفتوحة (مثل القرية والأحياء فيها) وأخرى مغلقة (مثل المنزل والمدرسة).

 

الشخصيات الرئيسية:

تدور أحداث رواية ابن الفقير بين عدد من الشخصيات الرئيسية، وهي:

فورلو: يمثل شخصية البطل ومحور الرواية، وحلقة الوصل بين الشخصيات وفي جميع الأحداث، وهو نموذج لأبناء الفقراء؛ فقد عاش طفولة بائسة في أسرة فقيرة، وبالرغم من ذلك كان محبوبًا من عائلته لا يُرفَض له طلب.

رمضان: هو والد فورلو فلاح خشن الشخصية، يمثل رمزًا من رموز الكفاح البائس في سبيل الأسرة والبقاء، كل ما يهمه تأمين قوت عائلته.

فاطمة: هي أم فورلو وزوجة رمضان، بقيت صامدة في وجه الفقر والمعاناة، وقد كانت تُعين زوجها في عمله وتعتني بأولادها.

لونيس: هو عم فورلو، يمثل رمزًا للشخص الطيب والمحبّ، فقد كان يعتني بفورلو ويسهر على تربيته لمواجهة قسوة الحياة.

الشخصيات الثانوية

تدور أحداث رواية ابن الفقير بين عدد من الشخصيات الثانوية، وهي:

حليمة: هي زوجة لونيس عم فورلو، تتصف بالأنانية وحب الذات، بالإضافة إلى متهان السرقة، وقد كانت على عداوة مع فاطمة، كما كانت تكره فورلو لأنها لم ترزق بصبي.

الجدة تسعديت: تجسد شخصية المرأة الحكيمة والرزينة، تهتم بشؤون المنزل وتدبر أمور العائلة، وقد كان الجميع يحبها ويستشيرها في مختلف الأمور.

خالة فورلو: تمثل حالة المعاناة والانهيار العصبي، إذ تُصاب بالجنون بعد موت أختها، وقد كان فورلو يحبها كثيرًا.

نانا: هي خالة فورلو الصغيرة، تمثل رمزًا للمرأة الهادئة والمحبوبة، وقد عانت من المرض أثناء فترة حملها، وتوفيت إثر ذلك.

الأحداث الرئيسية

يحكي الكاتب في هذه الرواية قصة الشاب ابن الفقير "فورولو" الذي كان يعيش حياة صعبة، يحاول فيها أن يحافظ على عاداته وأخلاقه وقيمه التي ورثها عن آبائه وأجداده، وفي الوقت نفسه كان يحاول أن يتأقلم مع المحيط الذي يعيش فيه ويتعلم اللغة الفرنسية، ويتمكن من إكمال دراسته الثانوية في مدرسة فرنسية، لكنه كان دائم الشعور بالخوف من الفشل والإحباط.

العقدة

تبدأ معاناة فورلو بعد الانتهاء من المدرسة الابتدائية، فالمعهد كان بعيدًا عن بيته ولا يوجد مكان يبيت فيه، كما تتدهور أوضاع العائلة المادية فيقرر فورلو السفر إلى فرنسا من أجل العمل، وفي منعطف آخر توفيت خالته الصغرى وهي تلد طفلتها، أما خالته الكبرى فتُصاب بمرض عقلي.

الحل

يعود فورلو من فرنسا بعد عام ونصف، وتصله رسالة من مدير معهد "تيزي" بالموافقة على المنحة، فيغادر المنزل تاركًا عائلته في حزن كبير، ويقضي سنوات الدراسة مع صديقه في نفس الغرفة.

السمات الفنية في رواية نجل الفقير:

بعد قراءة رواية ابن الفقير يلاحظ أنها تتصف بعدد من الخصائص والسمات الفنية، وفقًا لما ورد عن الدكتور بوزيد مولود في قراءته التحليلية لهذه الرواية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:

_ وصف الأماكن الوارد ذكرها في الرواية بدقة متناهية.

_ تأسيس الفضاء السردي على ركائز موضوعية.

_ استخدام تقنيات سردية زمنية متعددة.

تعد رواية نجل الفقير من اشهر روايات مولود فرعون بل وكانت من أهم الأعمال في الجزائر، كانت تتضمن الكثير من القيم الإنسانية والعديد من الأفكار العظيمة.

كانت هذه الرواية تكتب عن الاحتلال الفرنسي وكم التعاسة التي عاشت فيها بلاده فترة الاحتلال عليها، وكانت تحكي عن معركة الجزائر الشهيرة التي قامت عام 1957.

 كان محتوى رواية نجل الفقير عن الفقراء الذين يتواجدون في بلاده، ومعناة الطفل منذ ولادته وحتى يكبر، فتكون حياته عبارة عن معركة إما أن يقاوم ليحي بكرامة ويعيش ويرفض السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال، وإما أن يستسلم لأي احتلال ويعيش ويرضى بالذل الأبدي والإهانة مدى الحياة.

أحداث الرواية تدور حول شاب فقير يدعى (فورلو) كان يعيش حياة فقيرة وصعبة، حيث يحاول التأقلم مع الاحتلال الفرنسي الذي يعيش فيه، ومع ذلك يتم الاحتفاظ بالقيم والأخلاق والعادات التي نشأ عليها وورثها من أجداده، يحاول هذا الشاب تعلم لغات وثقافات أخرى وتعلم اللغة العربية واللغة الفرنسية حتى يستطيع التكملة في المدرسة الفرنسية.

فورلو كان يعاني من الخوف الدائم من الفشل والإحباط، وكان دائما يردد: “وحدي، وحدي في هذه المعركة الرهيبة التي لا ترحم”.

كان فورلو ومولود فرعون قريبين ومتشابهين في الرواية حيث فورلو ولد ونشأ في نفس مدينة مولود فرعون وعاش نفس ظروفه فكبر الكاتب والشخصية الروائية معاً في نفس الظروف وواجهوا نفس الصعوبات.

كان سريعا هذا الشاب ما يتخلص من أي عقد لديه وأي شيء يأخذه إلى السقوط، فكان يتحدى الصعاب ويتحدى الحياة ويقاوم حتى وصل إلى ما كان يريده.

توفى مولود فرعون على يد الاحتلال عام 1962، حيث نشرت هذه الرواية بعد وفاته ولاقت استحسان كبير وشهرة أكبر.

بعد نشر وانتشار الرواية بشكل كبير وسريع وإعجاب الكثير بها والاقتضاء بها، صنف النقاد هذه الرواية على أنها اهم عمل جزائري في هذا العصر.

حيث تم التهافت على هذه الرواية من قبل دور النشر وتمت ترجمة هذه الرواية إلى 25 لغة عالمية، وذلك لما تحمله هذه الرواية من قيم وأخلاق وتحديات للحياة

 

Modifié le: mercredi 10 janvier 2024, 20:22