مراحل تطور الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية(الأقطاب و القضايا )
بما أن الأدب المكتوب بالفرنسية كان النصيب الأوفر فيه للرواية الجزائرية فحري بنا أن نقف أولا عند مسار هذه الأخيرة و التي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين هي:
1- مرحلة التأسيس: ظهرت في هذه المرحلة أعمال كثيرة جسدت الأبعاد النضالية و الثورية بالموازاة مع الحالة الاجتماعية المزرية التي كان يعاني منها الشعب الجزائري.و قد تميزت أعمال هذه المرحلة بواقعيتها الانتقادية و خير من مثل هذه المرحلة نذكر:
أ- محمد ديب: ولد في تلمسان عام 1920 ، اشتغل مدرسا ثم محاسبا ثم عامل نسيج.
كتب ثلاثيته الشهيرة :" الدار الكبيرة" و "الحريق" و "مهنة النسيج". تعكس رواياته واقع الشعب الجزائري بكل تفاصيله و قد قال عنه المفكر الجزائري محمد أركون: " مذكرات الشعب الجزائري بل إن المكتبة الوطنية للجزائر هي محمد ديب".
ب _ مولود معمري: هو من مواليد 1917/12/28 بالقبائل الكبرى درس في الجزائر ثم في باريس و حاز على الليسانس في الآداب في أواخر سنة 1962. عاد إلى الجزائر ليدرس في جامعتها. و قد ركز الكاتب في رواياته على المجتمع القبائلي ليجسد مأساة الشعب الجزائري عامة
فقد حاول في روايته "الهضبة المنسية" التي ألفها عام 1952 تجسيد عادات و تقاليد المجتمع البربري كمل صور الحرب التي تفرق بين الأحباب و البشر و ترهن الجماهير في البؤس و العوز. كما كتب "الأفيون و العصا" عام 1965.
ج _مولود فرعون ولد عام 1913 بالقبائل صور في إنتاجه كله الحياة في قرى و مداشر القبائل من عادات و تقاليد ومعاناة نتيجة الاستعمار . أول عمل أنتجه هو روايته "ابن الفقير" عام 1950 و هي رواية تعكس حياته الشخصية نظرا لكونه ابن فلاح فقير.
ثم كتب "الأرض و الدم" عام 1953. عذب و اضطهد إلى أن قتل على يد منظمة الجيش السري الفرنسي عام.1962
د- كاتب ياسين: يعد من أبرز الشعراء و الكتاب الذين عبروا بصدق و عمق عن فترة قاسية من حياة الشعب كما عبّر عن حقيقة مأساة الشعب الجزائري و وصف بشاعة حرب الإبادة و عذابات السجون. وقد ولد كاتب ياسين عام 1929 بقسنطينة ، تعلم اللغة الفرنسية مرغما كما كان كل الجزائريين آنذاك في المدارس الفرنسية و قد شهد مجازر 8 ماي 1945 بسطيف ما جعله يحقد أكثر على الاستعمار الفرنسي و يفضح ممارساته في أعماله الروائية.
و الواقع أن كاتب ياسين في مسعاه الإبداعي ، بدأ معززا برصيد ثري يستمده من تجارب ثقافته الفرنسية العالية في المجال الإبداعي الأدبي و المسرحي بوجه خاص ، ما يعني أن تلك الثقافة لم تقف حائلا بينه و بين إبراز روحه الجزائرية و ثقافته العربية ، روح شعب يتمسك بمقوماته الروحية و طابعه الأصيل .فأعماله كلها يحكمها موضوع واحد بتجليات متنوعة ، ألا وهو "الجزائر"التي تبحث عن نفسها من خلال نضال مستميت .
من أشهر ما كتب: رواية "نجمة " عام 1956 ، و هي رمز للجزائر الجميلة التي مزقتها مآسي و آلام حرب التحرير، و هذه القصة هي صورة للآمال و الأحلام المفقودة.
2- مرحلة أدب المقاومة: في هذه المرحلة الممتدة بين سنة 1958 إلى سنة 1962 تبلور أدب المقاومة و أصبح مفهوم الشهادة في سبيل تحرير الوطن مقدسا و صار الكل يحلم بالاستقلال و الحرية و خير من مثل هذه المرحلة:
أ/مالك حداد ولد عام 1927 بقسنطينة، يعد من بين الأدباء الذين كرسوا أقلامهم و فنهم لبلادهم و قضيتها العادلة فمنذ عام 1958 إلى 1961 كان يكتب بمعدل رواية كل عام و هي على الترتيب:
- الانطباع الأخير 1958
- سأهديك غزالا: 1959
- التلميذ و الدرس: 1960
- رصيف الأزهار لم يعد يجيب:1961
كما أصدر في السنة نفسها مجموعة شعرية اسمها : "استمع إلى ندائي"
قد كان يحز في نفس مالك حداد أنّه يجهل اللغة العربية كما كان يشعر بالغربة لأنه لا يكتب إلا بالفرنسية لغة المستعمر. و في ملتقى اتحاد كتاب العرب شاهد الدكتور الناقد "عبد الله ركيبي" مالك حداد و معه طفل صغير يتحدث بالفصحى فسأله ركيبي من هذا؟ فأجاب مالك حداد قائلا:" هذا انتقامي من الفرنسية ، إنّه ولدي". حتى إنّه في محاضرة ألقاها في دمشق عام 1961 قال: " تفصلني اللغة الفرنسية عن الجزائر أكثر مما تفصلني الجبال و المحيطات. نحن كتاب منفيون في اللغة الفرنسية".
ب_ آسيا جبار ولدت عام 1936 بشرشال ، أسلوبها في الكتابة يشبه كثيرا أسلوب مالك حداد. من أبرز رواياتها : " العطش" عام 1957 و "بعيدا عن "المدينة" و "أبناء العالم الجديد".
شاركت في حرب التحرير و كانت أول فتاة جزائرية تدرس التاريخ في جامعة باريس. اسمها الحقيقي هو "فاطمة الزهراء إيملاني". كانت تدرّس في مركز الدراسات الفرنسية و الفرنكوفونية في ولاية "لويزيانا" الأمريكية. حصلت سنة 2000 على جائزة السلام الألمانية. آخر رواية صدرت " امرأة بلا قبر" ، توفيت في 2015.
و فيما يتعلق بالرواية التونسية فإن "ألبير ممي " كان سباقا لكتابة الرواية بالفرنسية . وقد عكس في كتاباته الصراع القائم بين المستعمر و المستعمر و الاضطهاد الذي دفعه للكتابة عن مآسي الاستعمار خاصة في روايته " تمثال من ملح " .