الأدب المغاربي المكتوب باللّغة الأجنبية؛ بداياته وأقطابه وقضاياه
المحاضرة الأولى:
الأدب المغاربي المكتوب باللّغة الأجنبية؛ بداياته وأقطابه وقضاياه
1* إرهاصات الأدب المغاربي .
تشكل الأدب المغاربي ضمن تحولات تاريخية ، و ذلك بحكم المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها ، و مع التحولات التاريخية المتعاقبة و توالي الحقب الزمنية استطاع أن يأخذ لنفسه مكانة جعلت الاحتفاء به محليا و دوليا أمرا واقعا . إلا أن إشكالية ازدواجية اللغة طرحت تساؤلا عند النقاد . و خصوصا في المغرب العربي ، و خاصة في الجزائر و المغرب و تونس ، عما إذا كان الإبداع المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية يصنف ضمن خزانة الأدب العربي ؟ و هل تعتبر اللغة العربية شرط التصنيف ؟ و في أية ضفة يتموقع هذا الأدب ؟ .
لقد خضع المغرب العربي لاستبداد الاستعمار من خلال فرض سياسة التجنيس في الجزائر ، و سياسة الاستيطان في ليبيا ، و المسيحية في تونس ، و لذلك يدخل الأدب المكتوب باللغة الفرنسية ضمن الفرانكفونية التي انتهجتها فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي من أجل تحقيق أهداف سياسية و اقتصادية .
و مع نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945 نلحظ ذلك التحول الواضح في مواضيع الكتابات الروائية المغاربية باللسان الفرنسي ، و الجزائرية على وجه الخصوص .
إن هذه النقلة النوعية للأدب المغاربي الحديث من حيث الخصوصية و التميز مردها إرادة الأدباء المغاربة في كتابة أدب مغاربي يخلصهم من التبعية للمشارقة ، و قد فعلوا ذلك عندما كتبوا روايات وقصائد باللغة العربية الفرنسية ، فكانت إبداعات
" محمود المسعدي " من تونس و " الطاهر بن جلون " من المغرب ، ثم روايات
" مولود معمري" و" مولود فرعون " و " محمد الديب " و " كاتب ياسين " و مالك حداد و آسيا جبار من الجزائر . وقد بدا ذلك واضحا من خلال رواية " الدار
الكبيرة " لمحمد ديب سنة 1952 .
حيث مثل صدور الرواية منعرجا حاسما في تطور الأدب الروائي الجزائري باللسان الفرنسي من حيث المضمون ، إذا تعد " أول رواية نزلت إلى الطبقات الدنيا في المجتمع ، متحدثة عن هموم البسطاء من عموم الشعب الجزائري ، كما وصفت أحوالهم القاسية و معاناتهم من الفقر و الجوع و الحرمان في الخفاء ، كما أنها أول رواية تتحدث عن النضال السياسي في الجزائر ، و عن مناضلين يعيشون مطاردين من طرف البوليس الفرنسي ، كما تطرح لأول مرة تساؤلات واضحة و صريحة عن الهوية الوطنية ، وعن مفهوم الوطن وسط الزيف الذي كانت المدرسة الاستعمارية تنشره و تلقنه للأطفال الجزائريين في مدارسها ". وبهذا استطاع كتاب هذه المرحلة إذن ، يطوروا مستوى الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية شكلا و مضمونا . و هذا التقدم كان نتيجة لمجموعة من الأسباب و العوامل المساعدة لعل أهمها مذابح 8 ماي 1945 التي قدحت شعلة الوعي الوطني . وبالفعل أدت الاستفاقة على هول مذابح سطيف عام 1945 إلى اتجاه الروائيين باهتمامهم العميقة إلى المسائل السياسية . و لهذا مثل عقد الخمسينيات نقطة تحول في الأدب الجزائري من خلال انصراف الكتاب تدريجيا عن المشكل الاجتماعي ، و الالتزام بالقضايا الوطنية ، أو كما سماه معمري ، " فهذا أدى بهم إلى الانخراط بصورة مباشرة في غمار " واقع الأمة الجزائري العميقة و الثورة " ، و عملوا بجدية من أجل نصرتها و الدفاع عن القضية الوطنية و فكري و ثقافيا .. ويرى بعض الدارسين أن البداية الفعلية لهذه المرحلة تنطلق من سنة 1950 .
2*الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية النشأة و التطور :
يتميز الأدب المغاربي عموما عن بقية الآداب العربية بخاصية منفردة قلما نجدها تجتمع في أدب العروبة قديما و حديثا. و يتمثل ذلك التمايز في جملة من الخصائص المركبة المعقدة أنبتتها صيرورة تاريخية لا مناص منها تدخلت في تشكيل الأدب المغاربي على مرّ العصور ثلاثة عناصر هي:
العنصر المحلّي و العنصر العربي و العنصر اللاتيني الفرنسي. ثم انصهرت العناصر الثلاثة لغة وحضارة عبر التاريخ ثم لبست حلة عربية في مرحلة استرداد السيادة الوطنية في الربع الأخير من القرن العشرين. و إذ نتحدث هنا عن الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية فإن تاريخ الكتابة المغاربية يزخر بأمثلة عديدة من الكتاب الذين كتبوا بلغة غير لغتهم الأصلية، فكتب جلّهم بالفرنسية تقريبا. وقد شكلت الرواية المغاربية ظاهرة ثقافية و لغوية متميزة. منهم من عدها رواية عربية بالنظر إلى مضامينها الفكرية و الاجتماعية . وكثير من النقاد اعتبروها رواية مغاربية مكتوبة بالفرنسية بالنظر إلى أن اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي بها يكتسب الأدب هويته.
و قد كانت هذه الكتابات موجهة إلى "الآخر" الفرنسي حيث تريد أن تشعره أن المغاربي قادر على ممارسة فعل الكتابة كظاهرة حضارية.
3*نماذج عن الكتابات المؤلفة باللغة الفرنسية :
من الأمثلة الروائية المعروفة نذكر من الجزائر : مولود فرعون بروايته ابن الفقير ( 1950 ) و رواية الأرض و الدم (1953) و الدروب الصاعدة ( 1957) . كما نشرت له رواية الأرض و الدم عام1957. و كانت إسهاماته كبيرة في دعم القضية الوطنية و إيقاظ وعي الشعب الجزائري .
أما الكاتب مولود العمري فقد نشر روايته الهضبة المنسية و الأفيون و العصا عام 1965 .
إضافة إلى ذلك نذكر الكاتب المغربي أيضا الطاهر بن جلون في كتاباته بالفرنسية و التي جسدت إشكالية الانفصام الثقافي بين الهوية و الاندماج في مجتمع الآخر و الأشهر ما كتب روايته "حرودة" و "طفل الرمال" و "ليلة القدر" .
إضافة إلى ذلك نذكر التونسي من أصل يهودي "ألبير ممي " وهو من يهود العرب الذين و لدوا و ترعرعوا في البلدان العربية . و من أشهر ماكتب روايته "تمثال الملح " عام 1953 .
أخيرا تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من هؤلاء الكتاب المعبرين باللغة الفرنسية قد وضعوا حلا لإشكال انتماء أدبهم الذي اختار النقاد في تصنيفه و ذلك إما بتعلم العربية و التخلي عن الكتابة بالفرنسية مثلما حصل مع الكاتب المغربي "عبد اللطيف اللعيبي " أو مع الجزائري " الرشيد بوجدرة " . و منهم من توقف عن الكتابة أصلا لعجزه عن تعلم العربية كما حدث مع " كاتب ياسين " و منهم من واصل الكتابة الفرنسية مع كرهه لذلك مثل " مالك حداد " و لكنه قرر بداية السبعينيات من القرن الماضي أن يعتزل الكتابة كليا .