محاور المحاضرة:

- التعريف بالشخصية

- مفهوم النقد عند هيجل وفلسفته

- نظرية الجمال عند هيجل

- موقف هيجل من الشعر

     إن الهدف من هذه المحاضرة ليس تحليل المشروع الهيجلي فهذه مهمة أصعب من أن نحيط

بها في محاضرة واحدة، لهذا هدفنا هو إظهار الطابع النقدي الخصب الذي انبنى عليه الجدل، من

خلال السعي إلى بلوغ الحقيقة عن طريق الجدل السالب واعتباره قوة خلاقة في الوجود والفكر معا.

1- التعريف بشخصية هيجل:  اسمه جورج فريدريش هيجل (1770/ 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا، حيث يعتبر من أهم مؤسسي المثالية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر.

2 -مفهوم النقد في فلسفة هيجل: يعتبر هيجل مؤسسا ومقعّدا لمفهوم النقد، حيث أنه ساير النظرية الكانطية قبل أن ينتقدها، ويتجاوزها إلى فضاء أرحب من النقد إلى مسائل السياسية والمجتمع معتبرا أن الحرية تتجسّد في تحقق الروح في التاريخ أو تحقيق الإنسان لذاته في المجتمع، وكل هذا لا يتحقق إلا بالجدل( الإثبات، النفي/ التركيب...).

     فكرة السلبnégation تحتل مكانة كبرى في فلسفة هيجل، فلا سبيل لفهم الوعي أو الشعور إلا بطريقة إنكار الذات بمعنى الجدلية باعتباره حركة نافية كما هي مباشرة تظهر الوعي أولا لأنها شيء وقع الوعي فريسته، ففكرة السلب تشغل الانتقال من الفكرة إلى الفكرة المضادة لها، من القضية الموجبة إلى السالبة( الوجود واللاوجود، التشابه والمغايرة)، وقد أوضح هيجل هذه التناقضات وطورها وقصد التوفيق فيما بينها وأصبح إيجابيا أمام استمرار التناقضات في واقع الوجود البشري.

     إن وجود عنصر النفي داخل الفكر هو في رأي هيجل ضمان لتطوره، فالسلب ليس مجرد عملية ذهنية، بل هو عملية في الواقع، كما شيّد هيجل جزءا من مشروعه الجدلي الكبير في كتاب سمّاه" فينومينولوجيا الروح.

le phénoménologie de l’ésprit " الذي كتبه عام 1807 الذي يعدّ مدخلا إلى مذهبه

الفلسفي ، وتضمّن فصولا عن ديانة الفن اليوناني القديم( نظرية الجمال المثالي).  

في البداية تقبّل هيجل الفرضية الكانطية التي تقول أن العالم يظهر لنا كما هو عليه لأن العقل

ينظمه بطريقة معيّنة، لكن بعد مدّة يجد ضرورة في معارضة هذه الفكرة بسبب نقطتين:

1-    بالنسبة لكانط هناك دائما تمايز بين الواقع كما يبدو لنا والواقع كما هو موجود في

 الحقيقة.

2-    الأشياء كما نراها والأشياء كماهي موجودة.

3-فلسفة هيجل:

    استطاع هيجل أن يجعل من العقل قوة ثورية خلاقة لعوالم جديدة، من خلال فتح إمكانات واسعة للوجود الإنساني ضد الفلسفة التي جعلت من العقل قوة محافظة تتقبل الوجود كما هو مستندة إلى تفكير ايجابي ترضخ فيه لأوامره، كما بنى استراتيجيّته المعرفية على مبدأ التضاد بين الأشياء والأفكار، إلا أن هذا المبدأ لا يلبث أن ينتهي إلى تناقض صريح، فأصبح كلّ شيء عند هيجل يريد نقض نفسه ونقض نقيضه الذي يفعل بدوره الشيء نفسه، ولما كانت النتيجة أن النقيضين لن يجتمعا أبدا.

     إن أبرز النظريات التي طرحها هيجل هي نفي الوجود المحض جملة وتفصيلا ذلك لاعتقاده أن كل موجود إنما ينشأ إثر تركيبه من العدم، بمعنى أن الوجود الطبيعي، ولقد سعى الرجل إلى توليف ملتبس يجتمع فيه الضدان والنقيضان ثم ليكون هذا التوليف مؤسسا لفرضيتين أساسيتين:

-       أن كل شيء يكون موجودا ومعدوما في آن واحد.

-       أن التناقض في الموجودات هو أساس حركتها وتكاملها.

وإفصاحا لمقصده يرى هيجل أن كل أمر ذهني هو أمر واقعي في المقابل يرى عكس ذلك صحيحا ما يعني اعتقاده بوجود نحو من التطابق بين الذهن والواقع الخارجي، هنا يطرح معضلة المعرفة أو الإبستمولوجيا والتي تصدّرت مقدّمة كتابه فينومينولوجيا الروح، حيث ينتقد في هذه المقدّمة الإبستمولوجيا التقليدية التي لم تقدّم حلا للمعضلة تحديدا معضلة معرفة الذات sujet للشي objet.

إن هذه المعضلة تقوم على الفصل ما بين الذات المعرفية والشيء المعرفي، مما يسمح للإبستمولوجيا التقليدية بالشك في معرفة الذات للشيء، أو تقديم معيار عام للمعرفة يعيد الثقة بصحة معرفة الذات للشيء، لذلك فإن الحل الهيجلي يظهر في أن الإبستمولوجيا لايمكنها أن تسبق المعرفة بمعنى أننا لا نحتاج إلى معيار قبلي يسبق الإختبار المعرفي.

     حسب هيجل المعرفة ليس أداة أو وسيطا بل هي مسار نشاط الوعي الإنساني بارتباطه بالشيء المعرفي حيث يرفض هيجل أن يكون العلم((sciene  هو المعيار المعرفي بمأنه لا يمكن لأن يثبث ذاته كمعرفة صحيحة... لذلك علينا أن نصف مسار المعرفة في باقي المجالات وليست في العلم فقط، بل في التاريخ وعلم الإجتماع...

     يجادل هيجل في مقدّمة كتابه فينومينولوجيا الروح بأن معيار معرفة الشيء هو مفهوم الشيء أي جوهره أوما يسميه كانط الشيء بحدّ ذاته، فالوعي يدرك الشيء العام(générale) أو الكلي(universal) وليس الخاص(particular)، أي أننا لا ندرك هذه الطاولة مثلا بشكل خاص، بل ندركها بشكل عام، هو إدراك يربط مجموعة من الطاولات أو جميع أشكال الطاولات التي تحمل نفس الأبعاد.

   إن النشاط المعرفي للوعي يهدف إلى المطابقة بين إدراك الذات للشيء من جهة أي ما يتلقاه الوعي عن الشيء ومفهوم الشيء من جهة أخرى، أي ما يقدّم الوعي كجوهر الشيء ومعيار معرفته أي تطابق الشيء مع المفهوم.

     وعليه فإن تعامل هيجل مع المعرفة يجب وصفها في مسار فينومينولوجي بدلا من وصف معرفة ذات الأشياء الخاصّة، فهيجل يأخذ معرفة الشيء كظاهرة بدلا من الشيء الخاص.

4-موقف هيجل من الفن:

     إن الغرض من الفن( شعر، نثر...) بالنسبة لهيجل هو خلق أجسام ومواضيع جميلة بحيث تعطى من خلالها السمة الحقيقية للحرية تعبيرا حسّيا، وبالتالي ليس القصد من الفن محاكاة أو تقليد الطبيعة بل مقصده الأساسي إفساح المجال لنا لنتأمل ونتفكّر ونستمتع بالصور المشكّلة لحرّيتنا الروحية.

     يتيح الفن لنا جلب حقيقة أنفسنا للعقل ولندرك ما نحن عليه حقا، فالفن ليس موجودا بغية الفن فقط، بل بغية الجمال أيضا أو بغية الشكل الحسّي المميّز للتعبير عن الذات الإنسانية وفهمها لنفسها، حيث يعتبر الفن مجازيا بالنسبة لهيجل لأنه يسعى إلى محاكاة الطبيعة، ولكن الغرض منه هو التعبير عن الروح الحرّة وتجسيدها.

5- نظرية الجمال المثالي: 

    يعرّفه هيجل على أنه فكرة عامّة خالدة لها وجود مستقل وتتجلى بشكل حسي في الأشياء الموجودة في الواقع، حيث يتكون منظور هيجل الفلسفي للفن والجمال من ثلاثة أجزاء هي:

·        الجمال المثالي في حدّ ذاته أو كما هو أو الجمال الحق: يعني أن للفن وظائف متعدّدة يؤديها فهو يعلّم ويثقف ويزخرف ويجمّل ويحث...إلا أن اهتمامه الأساسي كان في تحديد الوظيفة الأكثر تميّزا والأكثر ملاءمة للفن وهي إعطاء تعبير بديهي حسي لحرّية الروح وبالتالي فنقطة الفن ليست أن يكون واقعيا- أن يعكس أو يحاكي ويقلّد الحوادث اليومية الطارئة بل ليرينا كيف تبدو الحرية الإنسانية والإلاهية.

·        الأشكال المختلفة التي يتشكل بها التاريخ: يقر هيجل بأن الفن يستطيع في الواقع أن يتخلّف عن هذا الجمال المثالي في حالات كالفن الرمزي، ويتجاوزه في حالات أخرى كالشعر ( الفن الرومانسي)، ويطابقه في حالات كالنحت ( الفن الكلاسيكي).

6- موقف هيجل من الشعر: يندرج الشعر في فلسفة هيجل في دائرة الفن الرومانسي، حيث يعتبره صوت يفهم على أنه علامة تدل على أفكار والتمثّلات الداخلية، الصوت ككلام أو خطاب هو فن الشعرpoésie)).

  خاتمة   يعد هيجل الشعر على أنه" الفن الأكثر جمالا وتماما"، لأنه يزوّدنا بالتعبير الأغنى والأكثر عينية عن الحرية الروحية على عكس النحت الذي في هيئته الكلاسيكية يعطينا الجمال المثالي الأنقى، فالشعر كفيل بإظهار الحرية الروحية كجوانية متمركزة مكثّفة أو كأفعال لها حيّز في الزمان والمكان، وهو موجود بالتساوي في الفن الرمزي والفن الكلاسيكي والفن الرومانسي، فهو أكثر الفنون طلاقة.

     ليس بالنسبة لهيجل عرضا مهيكلا منظما للأفكار بل هو الإفصاح والتعبير عنها في اللغة في الواقع( في اللغة المحكية والمنطوقة عوضا المكتوبة)، وعليه فالجانب المهم لفن الشعر والذي يفرّقه بوضوح عن النثر هو الترتيب الموسيقي للكلمات نفسها أو النظم.

مصادر ومراجع:

1-هيجل ، مقاربات نقدية لنظامه الفلسفي، مجموعة من الؤلفين، المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجبة، دط، 2020.

 

 

آخر تعديل: الأحد، 14 يوليو 2024، 7:13 PM