المحاضرة الأولى: مفهوم النقد في الفلسفة الإغريقية
تهدف هذه المحاضرة إلى تعريف طالب السنة الثانية ليسانس
بمفهوم النقد عند مجموعة من الفلاسفة الإغريقيين( سقراط وأفلاطون)
1-مقدمة: كان التفكير الأدبي عند اليونان يمثل جانبا مهما من الحياة الفكرية، كما كان التعمّق في دراسة قضايا الأدب ومشكلاته العامّة يشكل هاجسا ذهنيا قويا لدى الفلاسفة والنقاد اليونانيين، لأنه يمهد لهم الطريق لدراسة الىثار الأدبية على إختلاف انواعها، لذلك كان كثير من النقاد اليونانيين ينتمون إلى طبقة العلماء الفلاسفة، كما كان كثير من الفلاسفة ينتمون إلى طبقة النقاد الذين ذاع سيتهم في الأعمال الأدبية والنقدية، ويعود ذلك إلى اشتمال الأدب اليوناني بشعره ونثره على أفكار وعقائد تمثل الموقف الفكري والديني للشعب اليوناني، لذلك أصبح الفلاسفة إما مؤيدين او معارضين منتقدين لجملة هذه الأفكار وبالشكل الأخص مايتصل بالأعمال الأدبية[1]، ومن ذلك تطوّر مفهوم النقد وتبلور في فيلسوف لآخر كل حسب معتقداته وأفكاره.
إن مفهوم النقد بوصفه ظاهرة من ظواهر التاريخ و المجتمع والثقافة يعود إلى نهاية القرون الوسطى التي مهّدت الطريق لتطوّر مفهوم النقد في أبعاده الإجتماعية والثقافية والفلسفية و السياسية، وجاءت كلمة نقد( critic,kritik) لأول مرّة في اللغة الإغريقية (thchne) بمعنى الإختبار أو الحكم الذي يعتبر أهم المقدرات عند الإنسان التي تحفظه من الخطأ أو الخديعة، وفيها يخص الشخص ذاته وهو ما أطلق عليه ب" النقد الذاتي"، وفي نفس الوقت دلّت كلمة نقد على نوع من الجدل العقلي أو النشاط المتميّز للعقل من أجل الوصول إلى معرفة أخرى، ولقد ظهر عدة فلاسفة عرفوا النقد مثلا: سقراط، أفلطون.....
2-مفهوم النقد عند سقراط:
سقراط هو فيلسوف يوناني شهير وهو أستاذ أفلطون، وجاءت كلمة نقد عنده بمعنى التمييز بين ماهو حقيقي وبين ماهو غير ذلك ، وتشير كلمة نقد تقنية فنkunstأو تقنية الأخلاق إلى معنى الحكم أو إصدار القرارن وهو المعنى الذي انتقل إلى الفلسفة الأخلاقية والحال في الفلسفة منذ قرون هي نظام العمل النقدي الذي ميّزه بلوتارخ في نظريته:« ماهو الجميل/الأصيل عن القبيح المشين، وكذلك ماهوالعادل..» وهو نفس مفهوم التميز الذي تحدثنا عنه سابقا.
3-مفهوم النقد عند أفلاطون:
عاش أفلاطون بين عامي(428-337) ق,م وهو يعتبر ألمع تلاميذ سقراط وأشهر الشخصيات الأدبية والفلسفية التي ظهرت في النصف الأول من القرن الرابع. وقد عرف باعتباره شاعر الفلسفة أو فيلسوف الأب الإغريقي، واسمه الكامل "أرستوكليس" Aristoklesأما أفلاطونPlaton، فهو لقب أطلق عليه لقامته المتينة وأكتافه العريضة، وفي سنة 388 ق,م عرض علية الحاكم الطاغية سيراكوي سيونوسيوس الأول تطبيق مبادئه الفلسفية في نظام الحكم، أي مايعرف بالمدينة الفاضلة فقبل عرضه، غير أنه فشل في مشروعهن ثم اعاد الكرة في زمن ديونسيوس الثانيففشل أيضا، وتعرف على أتباع النظرية الفيثاغورثية في صيقلية وأمضى معهم أياما حيث تكفلت بطبع أعماله لاحقا، وقد امضى بقية أيامه معلما للفضيلة ومعلذما لها.
4-أعماله:
يذكر الباحثون أن أفلاطون باشر بكتابة محاوراته بعد موت سقراط سنة 399 ق,م مباشرة وقد وصلتنا جميع مصنفاته تقريبا وهي مقسمة كما يلي:[2]
أ- القسم الأول ( المحاورات السقراطية): هو قسم ضم دروس سقراط لتلميذه أفلاطون، حيث تلقاها عنه مباشرة سماعا، ويلعب سقراط الدور الرئيسي فيها.
ب-القسم الثاني( المجموعة الأفلاطونية الأولى والثانية): وهي أفكار أفلاطون نفسه والمتمثلة في عالم المثل وغير ذلك...
القسم الثالث( المحاورات الأفلطونية الثالثة): ويبرز سقراط في واحدة منها ويغيب في المحاورات الباقية[3].
مفهوم النقد عند أفلاطون: جاء مفهوم النقد عند أفلاطون بمعنى فلسفي تماما، ولكن ليس بالمعنى الشائع اليوم لكلمة "نقد" وإنّما بمعنى مختلف وهو الحكم، إذ اعتبر أفلطون النقد كقطيعة بين الروح والجسد وربطه بأسطورة الحكمة الإلاهية لليوم الآخر، فالروح حسب أفلاطون تخرج من الجسد في اليوم الآخر حيث يكافأ الإنسان الخيّر بمباركة الآلهة والصعود إلى السما، وإذا كان شريرا تنبذه الآلهة وينزل إلأى الأرض وينال العذاب والجحيم، أو بصورة أخرى فالإنسان يولد من جديد، وعليه لم يخرج مفهوم النقد عند الفلاسفة الإغريقيين ومن بينهم سقراط وأفلاطون عن مفهومه الشائع والذي ينصب في دائرة الحكم على الظاهرة مهما كانت بالايجاب والسلب...