المحاضرة الأولى: القانون - الماهية، المصادر، التطور، الخصائص، التقسيم
القانون: الماهية، المصادر، التطور، الخصائص، التقسيم
1- القانون:
1-1- ماهية القانون:
تعتبر مقولة "ابن خلدون" أن الإنسان مدني بطبعه، أي كائن اجتماعي لا يمكنه الاستغناء عن الحياة في المجتمع مهما كانت وضعيته، إذ تدفعه غريزته إلى التنوع وحب البقاء من جهة وعجزه عن إشباع حاجاته العضوية وغرائزه بمفرده من جهة أخرى، إلى ضرورة العيش مع غيره لإشباع هذه الغرائز والحاجات العضوية.
غير أن عيش الناس ضمن مجتمع يتطلب وجود علاقات بين أفراده، ولا يمكن وجود واستمرار هذه العلاقات دون أن تكون هنالك قواعد سلوك (Règles de Conduite) لتنظيم الأفراد مع بعضهم البعض، توضح وتحمي ما لكل واحد منهم من حق وما عليه من واجب، للحيلولة دون أي تداخل وتعارض بين مصالحهم ولتجنب الفوضى واختلال المجتمع، بحيث يشرف على احترام هذه القواعد وتنفيذها والمحافظة عليها سلطة لرعاية شؤون المجتمع. ومن أجل هذا ظهرت الحاجة إلى فرض تلك القواعد لإلزام كافة أفراد المجتمع بها لتحقيق النظام والاستقرار له ولأفراده[1]. ولذلك كان "القانون" باعتباره مقررا لحقوق ووجبات هؤلاء الأفراد أمرا حتميا في كل مجتمع، فالقانون يوجد بوجود المجتمع ولهذا قال الرومان عبارتهم المشهورة: "لا يوجد مجتمع بدون قانون، ولا يوجد قانون من دون مجتمع"[2].
1-2- ضرورة وجود القانون واحترامه:
وجود المجتمع ضرورة لوجود الإنسان وتقتضي الحياة الاجتماعية علاقات وأحيانا وجود مصالح متعارضة مما يجعل وجود القانون لحكم وتنظيم هذه المصالح والتوفيق بينها أمرا ضروريا، وإن إلزامية القواعد التي تحكم علاقات الأشخاص هي خاصية أساسية لا يوجد قانون دون توافرها، حق الأشخاص في المجتمع حفاظا على كيانه غالبا ما يعملون على احترام هذه القواعد طواعية كما يحترمون مبادئ الدين والأخلاق ومع ذلك فإن القاعدة القانونية تقتضي أن يكفل لها احترام دائم ولو باستعمال القوة إن لزم الأمر، ولا يأتي ذلك إلا بالسلطة العامة الممثلة للمجتمع[3].
1-3- تعريف القانون:
إن كلمة القانون توحي بأكثر من معنى، وتعطي أكثر من مدلول، فهناك المعنى اللغوي، وهناك المعنى الفقهي، كما أن هناك من يراه علما.
1-3-1- المعنى اللغوي لمصطلح قانون: للقانون في اللغة معنى عام وآخر خاص:
1-3-1-1- المعنى اللغوي العام لمصطلح قانون: يرجع أصل مصطلح "قانون" إلى اللغة اليونانية، فهو كلمة معربة أخذت من الكلمة اليونانية (Kanun) ومعناه "العصا المستقيمة"[4]، وقد انتقلت إلى اللغة اللاتينية بكلمة (Canon) بمعني قاعدة دينية خاصة بالعقيدة أو مجموعة الكتب المستلهمة من الله[5] ، ولذلك كانت تطلق في العصر المسيحي على القرارات التي تصدرها الكنيسة[6]. ولهذه الكلمة في هاتين اللغتين معنى مجازي يدل على القاعدة أو النظام والتنظيم أو المبدأ أو الاستقامة في القواعد القانونية.
ويظهر مما سبق أن كلمة "قانون" الدالة على الاستقامة في أصلها اليوناني، تستخدم في اللغة القانونية كمعيار لقياس مدى احترام الفرد لما تأمره به القاعدة القانونية أو تنهاه عنه، أو انحرافه عن ذلك: فإذا هو تقيد بها كان سلوكه مستقيما كالعصا، وإن هو تحرر منها كان سلوكه معوجا.
وعلى الرغم من الأصل اليوناني لهذه الكلمة الدالة على الاستقامة، فان اللغات الغربية لم تستعمله، بل استعملت كلمات أخرى تدل نفس المعنى، فاستعملت اللغة الفرنسية كلمة (Droit) واستعملت الانكليزية كلمة (Law)[7].
وفي هذا المجال يلاحظ أن كلمة ( Droit) في اللغة الفرنسية تستعمل للدلالة على كل من كلمتي "القانون" و"الحق" مما قد يؤدي إلى الخلط بينهما، وتفاديا لهذا الخلط يضيف الفقهاء الفرنسيون إلى كلمة (Droit) كلمة (Objectif ) عندما يريدون التعبير عن "القانون" (Droit Objectif) أي أن القانون هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات الاجتماعية في المجتمع بأحكامه ملزمة. ويضيفون كلمة (Subjectif) للتعبير عن "الحق" (Droit Subjectif) أي أن الحق هو السلطة التي يمنحها القانون لشخص معين ويكفل له حمايتها[8]. فالقانون والحق مفهومان مترابطان، إذا الحق وليد القانون لأن تطبيق القانون يفضي إلى تقرير الحقوق والوجبات على الأشخاص في المجتمع، فليس هناك حق أو واجب إلا بموجب القانون، ولذلك يقول الفقيه "دونو" (Doneau) ينبغي النظر إلى القانون باعتباره نظاما للحقوق وليس للدعاوي كما كان يفعل الرومان"[9].
1-3-1-2- المعنى اللغوي الخاص لمصطلح قانون: قد ينصرف اصطلاح القانون إلى غير المعنى اللغوي العام، فيطلق للدلالة على معنى لغوي خاص، وذلك في إحدى الحالتين[10]:
- يلاحظ أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحي (Loi) و (Droit)، فالأول يقصد به "التشريع" وهو مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة لتنظيم أمر معين. أما الثاني – كما رأينا – فيقصد به "القانون" وهو مجموعة القواعد المنظمة لسلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، بغض النظر عن مصدرها، وعن كونها مكتوبة أو لا.
- ويلاحظ أيضا أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحي (Code) و (Droit)، حيث تقصد بـ (Code) "التقنين" أي مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة في كتاب واحد – بعد تبويبها وتنسيقها – بهدف تنظيم نوع معين من أنواع نشاط الأفراد، كتلك التي تنظم العلاقات فيما بين التجار فيقال التقنين التجاري، أو تلك التي تحكم العلاقات الخاصة فيما بين غير التجار فيقال التقنين المدني، أو تلك التي تحدد الجرائم والعقوبات فيقال تقنين العقوبات ...الخ. ومنه يتضح الفرق بين كل من كلمة "قانون" و "تقنين"، فالأولى أعم من الثانية، فإذا كان كل تقنيين قانونا فإن العكس ليس صحيحا. حيث يرى "عبد الكريم معزيز" أنه في لغة القانون العربية لا يزال يستعمل لفظ القانون بدلا من لفظ تقنين، بل المشرع الجزائري نفسه لا يزال يخلط بين المصطلحين، فيطلق الأول وهو يقصد الثاني في الصياغات العربية لكثير من تشريعاته، بينما نجده في الصياغات الفرنسية قد أحسن استعمال المصطلح حيث يجب؛ فهو يطلق مثلا على القواعد المنظمة للجرائم والعقوبات عبارة " قانون العقوبات" في النسخة العربية وعبارة (Code Pènal) في النسخة الفرنسية[11].
1-3-2- المعنى الفقهي لمصطلح قانون:
ليس هناك إجماع أو اتفاق بين فقهاء القانون على تعريف موحد لمصطلح "القانون"، فهناك فقهاء المدرسة المثالية، وهناك فقهاء المذهب التاريخي فضلا عن الشراح:
- المدرسة المثالية هي مدرسة القانون الطبيعي، وقوام فكرتها الاعتقاد بوجود قانون ليس من وضع الإنسان بل يعلو عليه، وأنه مثل عليا للعدل، وأنها ثابتة لا تتغير وهي صالحة لكل زمان ومكان ولكل الشعوب، ويكون القانون الطبيعي هو الموجه أو المصدر المادي للقانون الوضعي. وما تجدر الإشارة إليه هو أن هناك اختلافا بشأن الكيفية التي تمكن الإنسان من الكشف أو التعرف على هذه المثل العليا: فالبعض يرى أن القانون الطبيعي هو قانون العقل لك لأن الكشف عنه يتم عن طريق العقل. بينما يرى البعض الآخر أنه قانون وضعه الله يمكن إدراكه عنه عن طريق الوحي أو الشعور، ويرى بعض آخر ثالث أن العبرة بالحالة الفطرية للإنسان. ففقهاء المدرسة المثالية يرون بأنه لا يمكن تعريف القانون إلا على أساس الغاية التي يسعى القانون إلى تحقيقها وهي عندهم تحقيق العدل. فيشير إلى ذلك "عبد الكريم معزيز" على أنه لا بد من تفادي الخلط بين العدل والعدالة، فالمقصود بالعدالة (l’Equitè) هو الإنصاف أي ما يعتبره الشخص عدلا من وجهة نظره فقط، وفي ضوء ما تقتضيه مصلحته لا غير. بينما يراد بالعدل مساواة الأفراد أمام القانون، بحيث يتم تحديد حقوق ووجبات كل فرد من أفراد المجتمع على أسس واعتبارات موضوعية. ويجب عند تقرير الحقوق والوجبات استبعاد كل الاعتبارات الشخصية التي تجعل فردا أفضل من غيره، أو في مركز متميز"[12]. والخير العام، فعرفوه بأنه: "مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص في المجتمع تنظيما عادلا يكفل حريات الأفراد ويحقق الخير العام [13]. فهم بالتالي قد ذهبوا للقول بأنه لا احترام للقواعد القانونية إذا لم تكن تهدف إلى تحقيق العدل، فالعدل هو الذي يفرض احترام هذه القواعد[14].
- المذهب التاريخي هو المذهب الذي يرى أن القانون من صنع الزمن، فهو وليد التاريخ. ولذلك يقول "ميال" (Miaille): "القانون ليس من وضع الإنسان ولا من اكتشاف عقله، ولا هو بوحي سماوي ولا مثل عليا، بل هو من صنع الزمن، فهو ناتج عن التاريخ، وهو وليد حاجة المجتمع. وقد ظهر هذا المذهب على يد الفقيه الألماني "سافيني" (Savigny) عند محاربته لفكرة التقنين وذلك نقدا لتقنين نابليون. وما يجب التنبيه إليه هو أن المذهب التاريخي هو أحد مذهبي المدرسة الواقعية أو الوضعية (المذهب الثاني هو مذهب التضامن الاجتماعي الذي يرى أن القانون هو وليد حاجة الأفراد غلى التضامن فيما بينهم)، وقوام فكرة هذه المدرسة الاعتماد على الواقع الذي تسجله المشاهدة أو المعاينة من جهة وتؤكده التجربة من جهة ثانية. فهي لا تؤمن إلا بالمعرفة اليقينية المستندة للواقع المحسوس، ولا تؤمن بالمعرفة الغيبية المستندة للوحي وللشعور. ولذلك فهي تفسر وتكشف عن حقيقة الظواهر بالمشاهدة العلمية، ولذلك فهي ترفض القانون الطبيعي ولا تعترف إلا بالقانون الذي تضعه السلطة السياسية. ففقهاء المذهب التاريخي[15]، فيرون بأن الجزاء هو أساس تعريف القانون، فعرفوه بأنه: "مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها"[16]. فهم بالتالي قد ذهبوا للقول بأن الجبر والإلزام هو الذي يفرض احترام القواعد القانونية[17].
- أما الشراح فيرون بأن النظر إلى الخصائص التي تميز قواعد القانون عن غيرها من قواعد السلوك الاجتماعي الأخرى هي أساس تعريف القانون، فعرفوه بأنه: "مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند الاقتضاء"[18].
1-3-3- القانون كفن وعلم:
الملاحظ للقانون يجد أن مختلف العلماء والمفكرين الذين تناولوه بالبحث والدراسة لا يخرجون عن إطار تناوله كـ "فن"، أو كـ "علم"، أو مزيج بينهما:
- الفن هو إبداع وتجسيد للمثل التي يطمح إليها الإنسان، ولذلك يتميز بكونه من صنع الإنسان وإبداعه، فهو تقنيات من إبداع الإنسان يستعملها لتجسيد تصوراته وتخيلاته لشيء ما[19]، لأن مقومات الفن تتمثل في مجموعة من الوسائل تصلح لتحقيق غرض معين اختاره الإنسان بإرادته[20]، فالفن يتصف بإبداع العقل البشري للوصول إلى نتيجة يرتضيها أو يرها ضرورية[21].
وعليه فمقومات الفن تتوفر في القانون: فله غرض معين هو حفظ النظام في المجتمع، وهنالك وسيلة لتحقيق هذا الغرض هي القواعد القانونية التي يأتمر بها الأفراد وتمكن من الوصول إلى تحقيق ذلك الغرض على أحسن وجه ممكن، وهذه القواعد وجدت لتطبق في المنازعات اليومية بين الأفراد، ولذلك صيغت صياغة فنية دقيقة حتى يستطيع القائمون على تطبيق القانون فهمها فيسهل عليهم تطبيقها[22]. ولذلك كان الرومان يعرفون القانون على أنه طفن لما هو عادل وجيد"[23]، يقول الفقيه الروماني المشهور "سلسن": "القانون هو الفن الذي يهدف إلى تحقيق الصالح العام وتقرير العدل والمساواة بين الناس[24].
ولذلك يعد القانون فنا من حيث أنه يحتاج إلى صياغة -من إبداع رجال القانون- تمكنه من تجسيد الأفكار التي يستند إليها وتحويلها إلى قواعد عملية قابلة للتطبيق الفعلي، عن طريق تحديد وتعريف المفاهيم والنظم واللجوء إلى الافتراض والحيل. وتعتبر هذه الصياغة فنا، إذ يكون رجل القانون بمثابة تقني يستعمل بمهارة المفاهيم والنظم والافتراضات والحيل القانونية.
- العلم هو إدراك الشيء ومعرفته يقينا بطريقة منتظمة، ولذلك فهو يكشف عن واقع موجود لأنه يستند إلى مشاهدته وتسجيله ودراسته[25]. فالعلم مجاله يقتصر على ملاحظة وقائع أي إلى المعرفة التقنية لهذه الظواهر ووضع أسس لها. ومن المعروف أن الظاهرة التي تصلح للدراسة العلمية هي الظاهرة التي يمكن أن تتصف بالعموم بحيث تشمل جميع الأفراد التي تدخل في مجال تطبيقها فضلا على أنها تكون مع غيرها من الظواهر المرتبطة بها وحدة متسقة ومتكاملة[26].
جرى التعبير عن القانون المطبق فعلا في بلد معين وفي زمن معين بـ "القانون الوضعي"، فإذا أضيفت كلمة "الوضعي" إلى كلمة "القانون" فإن معنى هذا الاصطلاح حينئذ يقصد به مجموعة القواعد القانونية السارية في بلد معين وفي زمن معين، ويلاحظ أن الاصطلاح الفرنسي (Droit Positif) بمعنى فعال أو ايجابي، أكثر توفيقا من نظيره العربي الذي يوحي بأن المقصود بالقانون الوضعي هو القانون الذي يضعه الإنسان بالمقابل مع القانون السماوي الصادر عن الله تعالى. إن الدور الأول للبحث العلمي في القانون هو اكتشاف ودراسة ومعرفة القانون الوضعي (Droit Positif)[27]، أي القواعد القانونية المختلفة السارية المفعول في الماضي والحاضر بل والمستقبل أيضا، فعلم القانون لا يقتصر على معرفة وفهم وتفسير وتطبيق القواعد القانونية فقط، بل يشمل أيضا معرفة الظاهرة القانونية الوثيقة الصلة بالظاهرة الاجتماعية[28]. فالظاهرة القانونية تتصف بالعموم نتيجة لتجريد القواعد القانونية وعموم تطبيقها مما يؤدي إلى اطراد تطبيقها كلما توافرت الشروط المطلوبة، فضلا عن أن القواعد القانونية تكون وحدة متسقة نتيجة لأنها تستلهم مجموعة من المبادئ الأساسية والقواعد الكلية المتجانسة وتبغي تحقيق هدف واحد.
ولذلك يعد القانون علما من حيث أن علماءه قد عمدوا إلى تحليل القواعد القانونية المختلفة للوقوف على الغرض الذي وضعت من أجله كل منها، ثم فصلوا القواعد التي تهدف إلى تحقيق غرض واحد، وترتب على ذلك أن تبلورت معالم ومعاني الأفكار والمبادئ القانونية المختلفة، وتحديد مجال تطبيق كل منها فظهرت النظريات القانونية العديدة، والنظم القانونية المتعددة[29]. فإذا كان العلم يعني مجموعة أفكار مرتبطة وطريق تحليل منسقة يكون القانون كذلك، إذ يستند إلى تعاريف دقيقة لتحديد الظواهر القانونية، فضلا عن تقسيمها وتصنيفها[30].
إن القانون ليس فنا فحسب بل هو علم أيضا فلسن التشريع أو لوضع تشريع ملائم لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية تكون أمام المشرع عدة حلول وعليه اختيار الحل الذي يراه مناسبا مستندا في ذلك على طاقته الإبداعية لإيجاد المخارج المرضية. فعمل المشرع يتصف بجانب فني وبجانب علمي.
1-4- التطور التاريخي للقانون:
إن القانون له صلة وثيقة بالمجتمع البشري بل هو لصيق به ولا يتصور بدونه. وقد تطرأ عليه تغيرات مع الزمن، وذلك لأنه كما يقول مؤسس المذهب التاريخي في القانون الفقيه الألماني "سافيني" (Savigny): "لم يكن (القانون) وليد رأي واحد أو يوم واحد، إنه وليد التاريخ وتداول الأيام والعصور". وعليه فإن القانون يخضع مثله مثل المجتمع البشري لمبدأ التطور المستمر، وهو في الحقيقة يتكيف مع المجتمع الذي يتغير أفكاره وعادته ونظمه مع مر الزمان[31].
ومن أجل ذلك يدخل تاريخ القانون ضمن نطاق علم القانون، لأنه يهتم بدراسة القانون من حيث التطورات التي مرت بها المصادر التاريخية والنظم القانونية:
- أما تاريخ المصادر فهو يهدف إلى معرفة القاعدة القانونية وتطورها عبر مختلف العصور، وهذه المصادر قد تكون ناشئة عن الدين، أو عن العرف، أو عن التشريع، أو عن قضاء المحاكم، أو عن الاستنباط الفقهي.
- وأما تاريخ النظم القانونية فهو يهدف غلى معرفة مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات المتعلقة بالقانون العام (كنظام الحكم وما يتعلق به)، والعلاقات المتعلقة بالقانون الخاص (كنظام العقود والأسرة...الخ).
هذه المصادر وهذه النظم هي التي تشكل محور البحث في الحضارات فقد عرفت البشرية منذ فجر تاريخها تعاقب حضارات كبيرة. وتعتبر الحضارات القديمة من حضارة بلاد النهرين، وحضارة الفرعنة، وحضارة اليونان، وحضارة الرومان من أهم الحضارات التي كان لها أثرا عميقا في التطور التاريخي للقانون[32].