Topic outline

  • تعليمية اللغة - أعمال موجّهة - لسانيات عامة - الفوج 1 - 2024//2025

  • بطاقة فنية للمقياس

    عنوان الماستر : اللّسانيات العامة

    السّداسي : الثّالث

    اسم الوحدة : وحدة التّعليم المنهجية

    الرصيد : 03

    المعامل :02

    الأستاذ المسؤول عن المادة : محمّد نمرة

    المادّة : تعليمية اللّغة   /    أعمال موجّهة

    الفوج الأوّل

     

  • مساحة التواصل والدردشة

     

    فضاء التواصل

     

     

    الأستاذ : نمرة محمّد

        M.NEMRA@UNIV-DBKM.DZ  : البريد المهني

    أيام تواجد الأستاذ في الكلية : الأحد والإثنين

     

  • الحصّة 1 و2 : تعليمية اللّغة العربية

    تــــــــــــعـــــــلـــــيــــــــمــــيـــة الـــلّـــــــــغـــــــــة الــــــــعــــــــــربـــــــــــيّـــــــــــــة

     (Didactique de la Langue arabe)

    1. التّعليمية  )La Didactique( :

    عرفت العقود الأخيرة من القرن الماضي جهودا مكثفة على الصّعيد العالمي لتحسين مردودية التّنظيم  التّربوي، وقد أدّت هذه الحركة إلى تبلور نظرة جديدة للعملية التّعليمية – التّعلمية، وهذا من خلال التّكفل الجدّي بالأقطاب الثّلاثة المكونة لها (المعلم، المتعلم، المعرفة)، وبالتّأثيرات المتبادلة بين هذه الأقطاب من جهة، وانفتاحها على الواقع الطّبيعي، والاجتماعي، وخضوعها لتأثيراتها من جهة أخرى. وهكذا اتّضح قصور التّصور السّائد في أوساط كثير من الباحثين، والّذي كان يرى كفاية المعرفة لتدريسها بنجاعة وفعالية.

    أ. مفهومها: لغة واصطلاحا

    يعود الأصل اللّغوي للتعليمية إلى الكلمة الأجنبية (Didactique) ذات الاشتقاق اليوناني (Didactikos). والّتي كانت تُطلق على ضرب من الشّعر، وهو أشبه بمنظوماتنا الشّعرية،        أو الشّعر التّعليمي الّذي كان يهدف إلى تسهيل عملية التّعلم، عن طريق حفظ المعلومات المنظومة شعرا، كالمنظومات النّحوية، والفقهية.

    وقد عرفت التّعليمية لدى الباحثين في بادئ الأمر كمرادف لفنّ التّعليم، وقد استخدمها كومنيوس (Comenius) أوّل مرة منذ خمسين وثلاثمائة سنة في كتابه التّعليمية الكبرى.

    واستمر مفهوم التّعليمية كفنّ للتعليم حتّى أواسط القرن التّاسع عشر، عندما وضع هيربارت (F.Herbert, 1841) الأسس العلمية لها كنظرية للتعليم، فهي نظرية تخص الأنشطة     التّعليمية – التّعلمية لتزويد المتعلمين بالمعارف المختلفة.

    وبظهور المدرسة التّربوية الحديثة في بداية القرن الماضي مع مؤسّسها جون ديوي (J.Dewey, 1959)، والّذي أكّد على أهمية دور المتعلم في العملية التّعليمية – التّعلمية واعتبر التّعليمية نظرية للتعلم لا للتعليم.

    أوّلا: لغة

    لفظة (التّعليمية) مصدر صناعي للفظة (تعليم)، وهي مشتقة من (علم)، أي بمعنى وضع سمة أو علامة من العلامات للدلالة على الشّيء.

    ثانيا: اصطلاحا

    تتعدّد مُسمّيات (التّعليمية) في مقابل المصطلح الأجنبي (Didactique)، وهذا لتعدّد مناهل التّرجمة؛ ففي حين اختار بعض الباحثين ترجمتها بمصطلح (ديداكتيك)، اجتهد البعض الآخر ليضع له مسميات مختلفة مثل: علم التّدريس، علم التّعليم، التّدريسية، تعليميات، تعليمية، على أنّ المسمى الأخير هو الأكثر شيوعا، وتداولا في الأدبيات التّربوية.

    تطور مفهوم التّعليمية، ولم يعد يدلّ على النّظم الشّعرية والفنية – كما جاء في المفاهيم   القديمة - بل أصبحت علما له موضوعه، ومنهجه شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى، وهي تعمل على تقنين العملية التّعليمية – التّعلمية، وتحليلها، ومراقبتها، وتقديم المناهج المناسبة، والسّهر على تنفيذها.

    يُعرّفها سميث (Smith, 1962) على أنّها:"فرع من فروع التّربية، موضوعها خلاصة المكونات والعلاقات بين الوضعيات التّربوية وموضوعاتها ووسائطهما ووسائلهما وكلّ ذلك في إطار وضعية بيداغوجية، وبعبارة أخرى يتعلق موضوعها بالتّخطيط للوضعية البيداغوجية وكيفية مراقبتها وتعديلها عند الضرورة".

    ويعرفها ميالاري (Mialaret, 1979) بأنّها:"مجموعة طرق وأساليب وتقنيات التّعليم".

    أمّا بروسو (Brous seau, 1983) فيرى أنّ الموضوع الأساسي للتعليمية هو:"دراسة الشّروط اللّازم توفرها في الوضعيات أو المشكلات الّتي تُقترح للتلميذ قصد السّماح له بإظهار الكيفية الّتي يشغّل بها تصوراته المثالية أو برفضها".

    كما تعني التّعليمية:"الدّراسة العلمية لطرائق التّدريس وتقنياته، ولأشكال تنظيم حالات التّعلّم الّتي يخضع لها المتعلّم بغية الوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة".

    يُستنتج من التّعريفات السّابقة :

    - التّـعليمية دراسة علمية منظّمة، انتقلت من الفنية إلى العلمية لتنظيم العملية          التّعليمية – التّعلمية بكل مكوناتها وأسسها (المنهاج- الكفايات- الطّرائق- الوسائل التّعليمية- التّقويم البيداغوجي- المعالجة التّربوية ...).

    - التّـعليمية علم مستقل بذاته مبني على قواعد ونظريات، وهو يستفيد من حقول معرفية عدّة (اللّسانيات التّطبيقية - علم النّفس- علوم التّربية - علم الاجتماع ...).

    ب. العلاقة بين التّعليمية والبيداغوجيا:

    لا يمكن الحديث عن العملية التّعليمية – التّعلمية إلاّ بالتّوقف عن مفهومين أساسيين، وهما البيداغوجيا، والتّعليمية. وما فتئ هذان المصطلحان يُثيران إشكاليات عدّة على مستوى المفهوم، والتّصور النّظري، والتّطبيق العملي، إذ يصعب التّفريق بينهما بشكل دقيق؛ نظرا لتداخلها في كثير من الدّراسات العلمية، والمعاجم، والقواميس التّربوية، ويصعب معه –كذلك- تبيان الحدود الفاصلة بينهما بشكل جليّ، وواضح.

    البيداغوجيا كلمة يونانية مركّبة من مقطعين (Ped) بمعنى الطفل، و(agogie) بمعنى القيادة، والتّوجيه، وهي تعني بذلك توجيه الأطفال، وقيادتهم.

    وهو مفهوم متداول عند المهتمين بالتّربية في بلاد المغرب العربي، ومصدره فرنسي (pédagogique) المأخوذ بدوره عن اليونانية (paidagogia)، كما أنّها لفظة غير مستعملة في المشرق العربي، وتأخذ مكانها (التّربية)، ولعل ذلك راجع إلى تأثّر هذه البلدان بالثّقافة الأنجلوسكسونية خلافا لبلدان  المغرب العربي المتأثّرة بالثّقافة اللّاتينية أساسا.

    وحسب التّقليد الإغريقي، تشير البيداغوجيا إلى:"مجموع الخطابات والممارسات الّتي كانت ترمي إلى تدبير انتقال الطّفل من حالة الطبيعة إلى حالة الثّقافة، وأن تخلق منه باختصار مواطنا صالحا".

    ويعرّف دوركايم (Durkheim) البيداغوجيا بأنّها:"علم نظري ذو هدف عملي يقدّم لنا الحل لمشكلة التّعليم الفني".

    وأمّا فولكييه (Foulquié) فيرى أنّ البيداغوجيا : "هي الأسلوب أو النّظام الّذي يُتّبع في تكوين الفرد، لذا فهي تتضمّن إلى جانب العلم بالطّفل المعرفة بالتّقنيات التّربوية، والمهارة في استعمال تلك التّقنيات".

    ممّا سبق يمكن القول إنّ البيداغوجيا هي علم، وفن التّربية، الّتي تنصّب على جميع الطّرائق، والوسائل، والتّقنيات، والمناهج، والتّطبيقات التّربوية الّتي تُنظّم عمل المعلّم، وتُوجّهه بغية تحقيق الأهداف المنشودة داخل المؤسسة التّعليمية.

    أما التّعليمية فتهتم على الخصوص بالمادّة الدّراسية، من حيث طبيعتها، وبنيتها وكفاياتها، وبكيفية بناء، وتنظيم، وضعيات تعلّمها.

    ويمكن أن نميّز الفروق بينهما في الجدول الآتي:

    التّعليمية

    البيداغوجيا

    تهتم بالجانب المنهجي لتوصيل المعرفة بمراعاة خصوصية التّعليم والتّعلم.

    لا تهتم بدراسة وضعيات التّعليم والتّعلم من زاوية المحتوى بل بالبعد المعرفي للتعلم وأبعاده الاجتماعية.

    تتناول منطق التّعلم من منطق المعرفة.

    تتناول منطق التّعلم من منطق

     القسم- معلم- متعلم.

    تركّز على شروط اكتساب المعرفة.

    تركّز على الممارسة المهنية، وتنفيذ الاختبارات التّعليمية الّتي تسمح بقيادة القسم في أبعاده المختلفة.

    تهتم بالبعد التّعليمي من منطق العلاقة التّعليمية (تفاعل المعرفة- معلم- متعلم).

    تهتم بالعلاقة التّربوية من منظور التّفاعل داخل القسم (معلم-متعلم).

    ج. أنواعها:

    يميّز الباحثون في التّعليمية بين نوعين مختلفين، ومتكاملين في آن واحد، وهما التّعليمية العامة (الدّيداكتيك العامة)، والتّعليمية الخاصة (الدّيداكتيك الخاصة).

    أوّلا: التّعليمية العامة (La Didactique générale)

    تهتم التّعليمية العامة بكل ما يجمع بين مختلف مواد التّدريس أو التّكوين، وذلك على مستوى الطّرائق المتّبعة، وهو ما يجعل هذا النّوع من التّعليمية يهتم بدراسة كلّ ما هو عام، ومشترك في تدريس جميع المواد، أي القواعد، والأسس العامّة الّتي يتعيّن مراعاتها دون أخذ خصوصيات هذه المادّة  أو تلك. ويمكن أن يدخل ضمن هذه القواعد، والأسس العامة كل ما يرتبط بأساليب، وأشكال التّدريس، والوسائل، والتّقنيات البيداغوجية الموظّفة.

    ثانيا: التّعليمية الخاصة (La Didactique spéciale)

    التّعليمية الخاصة والّتي تسمى أيضا في الأدبيات التّربوية الفرنسية بتعليميّة المادّة الدّراسية، وهي تهتم بالنّشاط التّعليمي داخل القسم في ارتباطه بالمواد الدّراسية، والاهتمام بالقضايا التّربوية في علاقاتها بهذه المادّة أو بتلك، مثل: التّعليمية الخاصة باللّغة العربيّة، والتّعليمية الخاصة بالرّياضيات، والتّعليمية الخاصة   بالتّاريخ ....

    تهتم تعليميّة المادّة الدّراسية بدراسة الوضعيات الحقيقية الّتي تعيشها المدرسة، قصد فهم عمليات النّجاح أو الفشل المدرسيّ، وتحاول بذلك تقديم تفسيرات علمية وحلول ناجعة لمشكلة الفشل المدرسي، وتدني المستوى التّحصيلي للمتعلمين في مختلف المواد الدّراسية.

    كما تهتم أيضا بكل المشكلات الّتي لها علاقة بعرقلة التّحصيل الجيّد للمعلومات، والمعارف داخل الصّف من خلال الملاحظة المستمرة لما يحدث في القسم أثناء عملية شرح الدّرس، وهي بذلك ترتكز في دراستها للمكتسبات المدرسية في إطار زماني، ومكاني محدّدين.

    وتستهدف بذلك الكشف عن عوائق ومشكلات التّحصيل الدّراسي، بالإضافة إلى تحديد وتصميم نماذج دقيقة، تُحدّد فيها نوعية العقبات، والعراقيل انطلاقا من وصف الأخطاء، وتصنيفها، وتبويبها في إطار تحليلي، وتفسيري، يوضّح للمعلم، و المتعلّم الخلل، وطبيعته، وهذا لأجل استيعاب المعارف، وتحصيلها باستخدام الوسائل، والتّقنيات الآتية:

    - الشّبكات الوصفية التّحليلية للخطأ.

    - تصميم جداول توضيحية تساعد المتعلّم على تمثيل المعارف بسهولة.

    - تصميم بطاقات الملاحظة الفردية لمراقبة الأداء القبلي، والبعدي للمتعلّم.

    تتّسم هذه الوسائل، والتّقنيات التّشخيصية، والتّحليلية، والتّفسيرية بالتّطبيقية (العملية) لدورها في مراقبة الأداء التّحصيلي للمتعلمين، والأداء البيداغوجي للمعلم؛  والّذي ينعكس إيجابا على مستوى المتعلّمين بشكل مستمر.

    د. مكوناتها (أقطابها):

     


    يرى الباحثون أنّ التّعليمية تتكوّن من ثلاثة أقطاب أساسية: المعلّم، المتعلّم، المعرفة، وهي ما يعرف بالمثلّث الدّيداكتيكي.

    ولكل قطب من هذه الأقطاب خصائصه، وميزاته الّتي تختلف عن خصائص غيره، ويمكن حصر هذه العناصر في الأقطاب الثّلاثة الآتية:

    - القطب النّفسي: ويخص المتعلّم، وما يتضمنه من استعدادات نفسية، وقدرته على الإدراك والتّفكير .

    - القطب المعرفي: ويتعلق بالمادّة المعرفية المطلوب تدريسها، وخصائصها البنيوية، والوظيفية، ودرجة تعقيدها.

    - القطب البيداغوجي: ويرتبط بالمعلم من حيث تكوينه، وطرق تدريسه، ووسائله التّعليمية، وأساليب تقويمية.

    والتّعليمية لا تنظر إلى هذه الأقطاب إلاّ وهي مجتمعة في إطار تفاعلها، وتداخلها، نظرا للعلاقات القائمة بينها، وهي كالآتي:

    هـ. العقد الدّيداكتيكي (علاقة المعلم بالمتعلم) :

    العقد الدّيداكتيكي هو:"مجموع القواعد المنظمة للعلاقات بين مختلف أطراف الوضعية الدّيداكتيكية"، أمّا بروسو (Brous seau) فيرى أنّه:"مجموع التّصرفات أو السّلوكات الصّادرة عن المعلم والمرتقبة من طرف المعلم، ويتمثّل هذا العقد في مجموعة من القواعد الّتي تحدّد بشكل ضمني (أو صريح) دور كل واحد في العلاقة الدّيداكتيكية الّتي تربطهما".

    فالعقد الدّيداكتيكي يعبر عن التّصرفات، والسّلوكات الصّادرة عن المعلم والمتعلم على حد سواء، فإنه يرتبط أشد الارتباط بالمعايير الّتي تربط علاقة المعلم بمتعلميه داخل القسم، ويتصرف المتعلمون وفق المعايير  الّتي يعرفونها عن معلمهم ويخضعون لمطالبه (طريقة العمل، التّقييم، العلاقة داخل القسم)، ويتنازلون عن رغباتهم الخاصة إذا أدركوا أن هذا سوف يؤدي إلى نجاحهم.

    ويتميّز هذا العقد الدّيداكتيكي بالحركية نتيجة التّطورات الّتي تظهر خلال وضعية ديداكتيكية ما، وقد يفسخ العقد نتيجة أيّ إخلال بالالتّزام الّذي يربط بين الأطراف المتعاقدة في العملية التّعليمية – التّعلمية.

    و. النّـقل الدّيداكتيكي (علاقة المعلم بالمعرفة) :

    أوّل من استعمل هذا المصطلح عالم الاجتماع فيري (Mickel Verret, 1975)، في ميدان الدّراسات الاجتماعية، وهي عملية تكييف، وتحويل المعرفة العلمية (Savoir savaut) إلى موضوع قابل للتعلم، وهذا بتحويل المعرفة إلى نشاط تعليمي صفي. وقد أكد شوفلر (Chevillard) أنّ المعرفة الـمـُتـَعلَّمَة (Savoir enseigner) لا بدّ أن تكون قريبة من المعرفة العلمية.

    وأنّ عملية تحويل، وتكييف المعرفة العامّة لتصبح معرفة مدرسية قابلة للتدريس، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مجموعة المتغيرات الخاصة بالمتعلّم من الجانب العقلي، والنّفسي، والاجتماعي، ومن جهة أخرى المعرفة التّكوينية للفاعل التّعليمي باعتباره المشرف التّربوي على العملية             التّعليمية – التّعلمية.

    كما أنّ محتوى المعرفة الّتي يتعامل معها المتعلّم في إطار العملية التّعليمية – التّعلمية يختلف عنه محتوى المعرفة الّتي يتعاطاها المختصون، وهذا بحكم أنّ المعرفة تمرّ بمراحل عدّة حتّى تصبح جاهزة للتعلّم.

    ويميّز شوفلر (Chevillard) في هذا الصّدد بين المراحل الآتية:

    - مرحلة المعرفة العلمية.

    - مرحلة المعرفة الواجب تدريسها.

    - مرحلة المعرفة المتداولة في القسم.

    - مرحلة المعرفة الّتي يكتسبها التّلميذ.

    ز. التّمثلات (علاقة المتعلّم بالمعرفة) :

    لا يمكن تحديد مفهوم دقيق للتمثّل، وهذا لحضوره في مجالات معرفية عدّة كعلم النّفس، وعلم الاجتماع، واللّسانيات، والبيداغوجيا ...، وتداخله مع مفاهيم أخرى، مما يجعله مفهوما مركّبا.

    والتّمثل حسب ميسكوفيسي (Misco fisie) هو:"مجموعة من التّصورات، والعبارات الشّارحة، والتّفسيرية الّتي تنبثق من الحياة اليومية أنها تماثل في مجتمعنا أساطير، وأنظمة المعتقدات في المجتمعات التّقليدية، بل بإمكاننا أن نذهب أكثر من ذلك إلى حد اعتبارها التّعبير المعاصر عن الحس المشترك".

    وعموما يمكن القول بأنّه:"الكيفية الّتي يوظّف بها الفرد معارفه السّابقة لمواجهة مشكل معيّن في وضعية معيّنة، وبالتّالي فهو منظومة معرفية تسمح للفرد بتفسير الظّواهر، ومواجهة المشاكل الّتي يصطدم بها في محيطه".

    إنّ أهمية معرفة تمثّلات (تصوّرات) المتعلّمين تنبع من أنّها تحيلنا إلى أنّ منطق المتعلّمين لا يكون دائما مماثلا لمنطق الكبار من جهة، وإلى ضرورة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في ممارستنا التّعليمية اليومية من جهة أخرى.

    وهذا ما أكّدته نتائج دراسات علم النّفس المعرفي، وعلم النّفس الاجتماعي، على أنّ المتعلمين يعالجون المعارف الجديدة بتصوّراتهم الشّخصية، باعتبار ذهن المتعلّم لا يكون خاليا من المعارف والمعلومات قبل دراسته لموضوع جديد، بل غالبا ما تكون له تصوّرات أوّلية تسمح له بفهم العالم الّذي يحيط به بطريقته الخاصة.

    وتتشكّل التّمثلات المعرفية حسب برونر (Bruner) عبر مراحل ثلاث، وهي كالآتي:

    - المرحلة العلمية: وتتأسّس على الفعل الحسّي – الحركي، والتّفاعل المباشر مع الأشياء، وهي مرحلة تشكّل المفهوم.

    - المرحلة الأيقونية: وتنبني على الصّورة الدّاخلية أو الذّهنية للأشياء حيث يستحضر الفرد صور الأشياء عوض المفاهيم.

    - المرحلة الرّمزية: وهي مرحلة التّجديد، واستخدام الرّموز، وتركيز الخبرات المكتسبة، وتكثيفها في معادلات رياضية رمزية أو في جمل وعبارات ذات دلالة رمزية.

    ويميّز أوزبيل (Ausebel) بين مرحلتين في تشكيل التّمثلات المعرفية للمفاهيم:

    - معرفة تشكيل المفهوم.

    - معرفة تعلّم اسم المفهوم.

    وينبني مفهوم التّمثل في المجال الدّيداكتيكي على مجموعة من الأسس منها:

    - ترتبط تمثّلات المتعلّمين ببنية ذهنية ضمنية.

    - تمثّل شكلا أو نمطا تفسيريا للوضعيات التّعليمية – التّعلمية.

    - تعتبر من حيث التّكوين ذات طابع فردي، واجتماعي.

    إنّ احترام خصوصيات المتعلّم، والاهتمام بتمثّلاته، وتصوّراته الذّهنية، يجب أن تكون أولوية ديداكتيكية، وبيداغوجية في العملية التّعليمية – التّعلمية، كي يتمكن المعلّم من الاستجابة لحاجات متعلميه، والّتي تختلف من متعلّم لآخر، وتبقى مراعاة تمثّلات المتعلّمين عنصرا أساسيّا، وهامّا لا يمكن أن يتجاهله المعلّم أثناء تواصله معه.

    ولن يحصل هذا الأمر إلاّ إذا أدمج المتعلّم موارده المعرفية، وكفاياته الجديدة معتمدا في ذلك على تمثّلاته، وعملياته الذّهنية الأوّلية، وهذا باعتبار التّمثل ذكاء في حدّ ذاته، فعندما يحاول المتعلّم أن يتدخّل، ويشارك بأفكاره، وطرح حلول قد تكون صائبة أو خاطئة، فإنّه يدنو من الإجابة ليبني معارفه.

     

  • الحصّة 3 و 4 : التّعلم

    التّعلم (L’apprentissage):

           يعتبر التّعلم من الموضوعات المرتبطة بعلم النّفس، وقد حظي باهتمام الباحثين، والمفكرين، ورجال التّربية على حدّ سواء. وقد بلغ هذا الاهتمام ذروته في أوائل القرن الماضي؛ وهو موضوع يثير الكثير من الجدل حول ماهيته وطبيعة القوانين الّتي تحكمه، وتحدّد نظرياته، وتطبيقاته التّربوية.

    لذلك فمهمة المعلم لا تنتهي بمجرد نقل الموارد المتوخاة إلى المتعلم، بل هي عملية مستمرة يتبيّن من خلالها للمعلم مدى تفاعل المتعلم مع الموارد المكتسبة، ومدى قدرته على توظيفها في مواقف مشابهة.

    أ. تعريف التّعلم: لغة واصطلاحا

    أوّلا: لغة

         التّعلم من علّم، يقال: علّم المتعلم العلم تعليما فتعلّم: أي علّمه وأتقنه وتعلّم، وعَلِمَ يَعْلَمُ عِلْما، نقيض جَهِلَ، ونقول ما علمت بخبرك، أي ما شعرت به، وأعلمته بكذا، أي أَشْعَرْتَهُ وعلّمته تعليما. وعلّم تعليما وعلاّما: لقّنه إياه وجعله يعلمه، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

    ثانيا: اصطلاحا

         إنّ التّعلم لا يقتصر على التّعلم المدرسي فحسب، فكل تغيير نحو اكتساب مقدار أوفر وأعقد من المهارات يعتبر تعلّما. ويختلف المختصون في تعريفاتهم للتعلّم باختلاف مدارسهم.

    وقد قدم الباحثون مجموعة من التّعريفات نذكر منها:

                  ·     التّعلم من منظور المدارس الكلاسيكية:

                  ·     جيلفورد (Guilford): تغيير في السّلوك ناتج عن استثارة هذا التّغيير في السّلوك قد يكون نتيجة لأثر منبهات بسيطة وقد يكون لمواقف معقدة.

                  ·     هيلغارد (Hilgard): عبارة عن العملية الّتي ينتج عنها ظهور سلوك جديد أو تغيير دائم نسبيا في سلوك قائم عن طريق الاستجابة إلى موقف معين، شريطة أن لا تكون صفات التّغيير ناتجة عن الغريزة الفطرية أو النّضج الفسيولوجي أو الحالات المؤقتة للعضوية.

                  ·     عملية تفاعل بين المعلم وطلابه، عملية أخذ وعطاء وحوار وتتفاعل، بها ينشأ فعل أو سلوك أو تصرف أو تطور أو تغيير، وذلك بمكافحة ظرف من الظروف وممارسة الاستجابة له.

                  ·     تغيير دائم في سلوك الإنسان واكتساب مستمر لخبرات ومهارات جديدة تؤدي بالضرورة إلى إدراك جديد ومعرفة عميقة للمحيط الطّبيعي، والاجتماعي الّذي يعيش فيه الإنسان من حيث هو كائن حي مكلف، يحمل رسالة مقدسة في هذا الكون.

                  ·     التّعلم من منظور النّظرية البنائية: هو عملية بناء المعرفة الّتي يقوم فيها المتعلم بدور محوري من خلال تفاعله مع محيطه الخارجي، ويشكل النّمو المعرفي أهم عناصر الأداء المرتبط بالمرحلة النّمائية لدى المتعلم، ويتحقق بالبحث عن التّوازن بين المتعلم ومحيطه وفق آليات ثلاث (الاستيعاب- الملائمة- التّوازن).

                  ·     التّعلم من منظور النّظرية البنائية الاجتماعية: هو سيرورة بناء المعارف، والّتي تتحقق عبر التّفاعل القائم بين المتعلم ومحيطه الاجتماعي والثّقافي، ويتعيّن فيها على المتعلّم أن يستخدم مكتسباته السّابقة كوسيلة للوصول إلى تحقيق الكفايات التّعلمية اللاحقة.

           ومن خلال ما سبق يمكن تعريف التّعلم على أنّه مفهوم واسع يتعدّى مفهوم التّعديل المستمر للسلوك وتغييره، بل هو عملية بنائية مستمرة يلعب فيها المتعلم دورا محوريا في العملية          التّعليمية - التّعلمية من خلال موارده المعرفية السّابقة ليتسلح بكفايات مهارية، ومعرفية، ومنهجية لمواجهة وضعيات مركّبة جديدة، ومتنوّعة.

    ب. شروط التّعلم :

         تحدث عملية التّعلم نتيجة تفاعل المتعلّم مع بيئته، واكتسابه لكفايات جديدة تساعده على التّكيّف في وسطه الاجتماعي، وعليه فالتّعلم لا يحدث صدفة لكنه يخضع لشروط موضوعية معينة، تُساعد معرفتها على أداء العملية التّعليمية – التّعلمية على أكمل وجه، وأهم الشّروط اللازمة لتحقيق تعلم جيّد: النّضج، الاستعداد، الدّافعية.

             ·          النّضج: يتعلق النّضج بنمو مختلف أجهزة المتعلّم الدّاخلية، ويشمل النّمو الجسمي، والحركي، والعقلي، والانفعالي، والعصبي، واللّغوي، ولا يتحقّق التّعلم إلاّ إذا كان الفرد على مستوى من النّضج، يُمكّنه للقيام بالنّشاط التّعلمي، وقد يكون عقليا أو فيزيولوجيا أو انفعاليا أو اجتماعيا تبعا لنوع النّضج الّذي يتطلّبه التّعلم المراد تحقّقه.

             ·          الاستعداد: وهو وصول المتعلّم إلى مرحلة يستطيع فيها القدرة على التّعبير عمّا يجول في نفسه من أفكار، ورغبات عند سماعه أو رؤيته أيّ شيء، فالتّعلم يتطلّب استعدادا شخصيا لاكتساب مهارات، وقدرات لغوية أو رياضية أو علمية، وتتحدّد أربعة عوامل رئيسية تؤثّر في استعداد المتعلم للقراءة والكتابة، وهي كالآتي: الاستعداد العقلي، الاستعداد الجسمي، الاستعداد الشّخصي الانفعالي، الاستعداد في الخبرات والقدرات.

             ·          الدّافعية: إن وجود الدّافعية عند المتعلم شيء ضروري في العملية التّعليمية- التّعلمية، ولا يمكن أن تتم بدونه لذلك وضعت التّربية الحديثة نصب أعينها ضرورة استثارة دوافع المتعلمين نحو مختلف المواقف التّعلمية عن طريق احتواء الدّروس على خبرات تثير دوافع المتعلمين، وتشبع حاجاتهم، ورغباتهم، فكلما كان الدّافع قويا كان النّشاط المؤدي إلى التّعلم قويا أيضا. ومن هنا تأتي القاعدة السّيكولوجية لا تعلم بدون دافع.

    تعتبر دراسة شيو (chiu) الّتي أجراها في عام (1967م )أوّل دراسة أجريت بهدف تحديد مكونات الدّافعية انطلاقا من المنظور النّفسي الاجتماعي، وقد اعتمد على أسلوب التّحليل العاملي لاستخراج أهم العوامل المفسرة للدافعية للتعلم، فبعد صياغة خمسمائة عبارة لقياس الدّافعية، والّتي استنتجها من مختلف اختبارات الشّخصية توصّل إلى تحديد خمسة عوامل مثيرة للدافعية للتعلم، وهي كالآتي:

    ·    الاتجاه الإيجابي نحو الدّراسة.

    ·    الحاجة إلى الاعتراف الاجتماعي.

    ·    تجنب الفشل.

    ·    حب الاستطلاع.

    ·    التّكيف مع مطالب الوالدّين، والأساتذة، والأقران.

    ج. أنواع التّعلم:

    إذا كان التّعلم يتضمّن تغيرات في جوانب شخصيتنا فهذا يعني أنّنا نتعلّم سمات الشّخصية من ميولات، وقيم، ودوافع، واتجاهات، في كل مواقف الحياة، وأنّه لا يقتصر على مكان واحد فقط، وهو ينقسم إلى خمسة أنواع، وهي كالآتي:

    ·    التّعلم المعرفي: اكتساب مجموعة من الخبرات، والمعارف، والأفكار، والمعاني، والمعلومات.

    ·    التّعلم اللّفظي: اكتساب اللّغة، والنّطق الصحيح، والقدرة على القراءة، والمخاطبة، والاتصال.

    ·    التّعلم العقلي: حل المشكلات عن طريق تنمية القدرات العقلية، وذلك باستخدام أسلوب علمي في التّفكير، والنّقد، والاستدلال، والبرهان.

    ·    التّعلم الاجتماعي، والأخلاقي: القدرة على التّوافق الاجتماعي باكتساب السّلوك، والعادات، والتّقاليد الاجتماعية، والأخلاق الّتي تتماشى، والتّوجهات الثّقافية، والدّينية، والسّياسية للمجتمع.

    ·    التّعلم الوجداني، والانفعالي: وينتج عن إشباع الحاجات النّفسية، والوجدانية، وتحقيق الذّات.

    د. الفرق بين التّعليم والتّعلم:

          يرتبط التّعليم بحياة الإنسان في شقيها الفردي والجماعي، فإنّه يتطوّر تبعا لتطوّر الحياة، وتُطوّر النّشاط الفكري الّذي يُحرّك الحياة، ويُوجّهها. ويسعى إلى تمكين الأفراد من المعارف، والمهارات الّتي يحتاجونها في حياتهم اليومية، لجعلهم يرتبطون بماضيهم، ويتكيّفون مع حاضرهم ويتهيأوون لمعايشة مستقبلهم.

          وللتعليم تعريفات كثيرة تختلف باختلاف الباحث، وخلفياته الفلسفية، والتّربوية، نذكر منها:

    التّعليم:"نشاط تواصلي يهدف إلى إثارة التّعلم وتحفيزه وتسهيل حصوله، إنه مجموعة الأفعال التّواصلية والقرارات الّتي يتم اللّجوء إليها بشكل قصدي ومنظّم، أي يتم استغلالها، وتوظيفها... من طرف الشّخص (أو مجموعة من الأشخاص) الّذي يتدخل كوسيط في إطار موقف تربوي - تعليمي".

    التّعليم: "مشروع إنساني هدفه مساعدة الأفراد على التّعلم، وهو مجموعة من الحوادث تؤثر في المتعلم بطريقة ما تؤدي إلى تسهيل التّعلم، وفي العادة تكون هذه الحوادث المتتالية  - كونها خارجة عن نطاق المتعلم - مطبوعة أو مسجلة أو منطوقة، وغالبا ما تدعم العمليات الدّاخلية للمتعلم.

    من هنا أمكن القول إنّ التّعليم هو مهنة يقوم بها المعلم، وهي تتضمن مجموعة الطّرائق، والفنيات، والوسائل، والأدوات لإثارة عملية التّعلم لدى المتعلّم.

    قد حدّد الباحث التّربوي خير الدّين هنّي مجمل الفروق بين التّعليم والتّعلم في الجدول الآتي:

    المميزات

    التّعليم

    التّعلم

    التّعريف

    -هو مجموع التّمشيات البيداغوجية الّتي ينظمها المعلم لفائدة التّلاميذ كي يساعدهم على التّعليم.

    -عملية تحديد وتقنين خصائص وشروط ومتغيرات الموقف التّعليمي الّتي تسهل عملية التّعلم.

    -هو مجموع التّمشيات (السّيرورات) المعرفية الّتي يستثمرها المتعلم (التّلميذ) لاكتساب معرفة أو مهارة، أو كفاءة.

    -هو تغيير في سلوك المتعلم وتطور في آليات تفكيره وقدراته نتيجة للخبرة ولنشاط النّابع من ذات المتعلم.

    مبحث النّظرية

    -دراسة المبادئ الإجرائية (العملية) الضرورية للتعلم، والقصد من ذلك هو الفرضيات الّتي تحدّد طرائق التّدريس الفعالة وتقويمها.

    -دراسة المبادئ النّظرية وهي مجموع الفرضيات الّتي تساعد المعلم على معرفة ما يحدث في ذهن المتعلم من عمليات ذهنية حتى تتم عملية التّعلم.

    العلاقة بينهما

    -يتصل التّعليم بالتّعلم، ينمي التّعليم قدرة التّلميذ على التّعلم (التّعليم في خدمة التّعلم)

    -يتصل التّعلم بالتّعليم ولكنه ليس النّتيجة الحتمية له.

    التّطبيقات البيداغوجية

    -يعتمد التّعليم على تمرير المعارف وتكثيف التّطبيقات الآلية.

    -يتم التّعلم انطلاقا من مشروع أو من أنشطة، يكون فيها المتعلم فاعلا.

    دور المعلم

    -يمثل المعلم محور النّشاط في الفصل.

    -يجهز المعارف ويمررها إلى التّلاميذ.

    -يعتبر المصدر الأوّل للمعرفة في القسم، ويوجه التّلاميذ في انتظام.

    -يكون المتعلم هو المحور الأساسي في النّشاط، ينظم الوضعيات يبني السّياقات المناسبة للتعلم، يمثل موردا لمساعدة التّلاميذ على التّعلم.

    دور المتعلم

    -يكون متقبلا سلبيا للمعارف، يحفظ المعارف ويستظهرها مجزأة عند الحاجة.

    -يساهم بفعالية في أنشطة الفصل، يبني معارف جديدة بالاعتماد على المعارف السّابقة، يحسن توظيف المعارف في الوضعيات الجديدة.

    مؤشر النّجاح

    -كثرة المعارف، حفظها، واستظهارها.

    -التّحكم في الكفاءات، القدرة على استثمار المعارف والمهارات في الوضعيات الجديدة.

    أنماط التّقويم

    -تقويم جزئي يهدف إلى استظهار المعارف.

    -تقويم تكويني يهدف إلى التّثبت من درجة التّحكم في الكفاءات، تشخيصها وتطويرها.

        

         ومن خلال هذه المقارنة نجد أنّ التّعليم هو تلك الإجراءات العملية الّتي يقوم بها المعلم من مواد دراسية، وطرائق بيداغوجية، ووسائل، وسندات قصد تسهيل عملية التّعلم، والمتمثّلة في عملية بناء المعرفة لتغيير سلوك المتعلّم، وتطوير مهاراته، وقدراته، وآليات تفكيره، وإكسابه كفايات تساعده على التّفاعل مع محيطه الخارجي. 

  • الحصّة 5 و 6 : النظرية البنائية والنظرية البنائية الاجتماعية

    النّظرية البنائية والنّظرية البنائية الاجتماعية:

    أ‌.    النّظرية البنائية:

         لقد ظهرت النّظرية البنائية في علم النّفس كرد فعل على النّظرية السّلوكية، ويعتبرون أنّ الإنسان ليس مجرد مستجيب للمثيرات البيئية الّتي يتلقاها، بل إنّ الإنسان يعمل بنشاط على بناء موارده، وتحليلها، وتفسيرها، وتأويلها إلى أشكال معرفية جديدة.

          و هي تعتبر من أحدث نظريات التّعلم الّتي ينادي بها العديد من المنظرين التّربويين، على الرّغم من جذورها الممتدة حتى أوائل القرن الماضي حيث تعدّ في الأساس نموذجا بيولوجيا ينظر إلى أنّ الفرد بناء ذاتي التّنظيم، وهو مصدر كل الأنشطة الّتي يقوم بها؛ فالإنسان لديه القدرة الذّاتية على إعادة تنظيم نفسه، فلا تعنى هذه النّظرية بالعلاقات أو الارتباطات بين المثيرات، والاستجابات فهي لا تؤمن أبدا بأن مثيرات معينة تحدث استجابات معينة على نحو آلي، وإنما ترى أن الاستجابات هي نتاجات للأبنية المعرفية الّتي يشكلها الفرد في ضوء عمليات النّمو.

            البنائية هي اتجاه تفكير يعود إلى علم النّفس الحديث الّذي يتساءل حول تشكّل المعرفة.     و مؤسّسها جان بياجيه، وهو واحد من أبرز أقطاب علم النّفس، والتّربية المعاصرين، وقد قام بتطوير نظريات النّمو، وموضوع نشوء المفاهيم، وطبيعتها، وتكوينها الأساسية، وارتقائها عند الطّفل، وتطبيقاتها العلمية في الحياة التّربوية، والاجتماعية.

          فقد تأثر بكتابات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الّذي كان يرى أفكار لوك، وهيوم غير كاملة فهو يرى أنّ الإنسان لا يمكن أن يكتسب المعرفة دون استخدام حواسه، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الوحدة المسؤولة عن تنسيق المعلومات داخل العقل بل أنّ الإنسان له قدرات معينة تعطي معنى ونظاما له يستقبله من مثيرات.

          يرى أنصار هذا الاتجاه أنّ التّعلم ليس فقط ما ينتج من استجابات الفرد للمثيرات الخارجية، وإنما يوجد شيء ما يحدث في الذّهن ما بين المثير والاستجابة، وهو التّصورات. فالتّعلم وفق هذا النّموذج، يعتمد على تصورات المتعلم، لإعادة النّظر في الخاطئة منها.

    تعتبر أعمال بياجيه من أهم الإسهامات في النّموذج البنائي، إنّها التّساؤل حول تطوّر الذّكاء عند الطّفل، أي ما يسميه الابستيمولوجيا الجينية، وبناء المعلومات أثناء النّمو البيولوجي للإنسان.

           ويمكن تلخيص أفكاره فيما يأتي:

    -         النّمو المعرفي هو عملية بناء المعرفة يقوم فيها المتعلم بدور نشط من خلال تفاعله مع محيطه.

    -         تتحكّم في هذا النّمو الميكانيزمات الدّاخلية للفرد، ولا تتأثر بالعوامل الخارجية منها إلا في حدود نسبية جدا.

    -         يعتبر النّمو العقلي المعرفي مسارا ديناميكيا، يتحقّق عبر مراحل متدرجة متسلسلة وضرورية (النّضج) في شكل بنيات معرفية تأخذ منحى التّجريد التّدريجي.

    -         يكون التّعلم دائما تابعا للنمو.

    -         يتحقق التّعلم بالبحث عن التّوازن بين الطّرفين المتفاعلين (المتعلم والمحيط) وفق ثلاث آليات هي: الاستيعاب والملاءمة والتّوازن.

    رغم الأهمية الكبيرة لأعمال بياجيه لاحظ النّقاد جوانب من القصور في نظريته، نذكر من أهمها ما يأتي:

    -         التّفكير داخل إطار علم النّفس التّقليدي من حيث اعتباره الذّكاء واحدا وحصره في العمليات الذّهنيات المتعلقة بالفهم واللّغة والمنطق الرياضي.

    -         إغفال ذكاء الراشدين الّذي يختلف عن ذكاء الأطفال من حيث آلياته وطرق تكوينه.

    -         إغفال دور الثّقافة في تشكيل الذّكاء وآلياته وطرقه ومراحل انتقاله ونموه واختلافه من ثقافة إلى أخرى.

    ب‌.النّظرية البنائية الاجتماعية:

          ظهرت النّظرية البنائية الاجتماعية كرد فعل على النّظرية البنائية لجان بياجيه، على أساس أنّ

    هناك تفاعلا بين البنية والمجتمع، وقد تشكّلت هذه النّظرية مع الرّوسي فيجوتسكي، الّذي يعيد النّظر في النّماذج النّفسية للنمو المعرفي، ويرى أن التّطور الاجتماعي لدى الطّفل ليس راجعا إلى المكونات البيولوجية والوراثية والعقلية والذّاتية، بل تتعداها إلى اندماج الطّفل في المجتمع، ليكون بذلك التّعلم اجتماعيا وليس فرديا.

         تعتبر النّظرية البنائية الاجتماعية لفيجوتسكي من أهم الأسس النّظرية الّتي قامت عليها المقاربة بالكفايات الّتي اعتمدتها الجزائر في بناء مناهج الجيل الثّاني الحالية.

         استفادت دراسات النّمو المعرفي من هذا التّصور، خاصة فيما يتعلّق بسيرورة جودة التّعليم الّذي يتلقاه الطّفل من الآخرين. لم يحدّد فيجوتسكي بالضبط الطّريقة الّتي يشتغل بها الرّاشدون، والأطفال داخل منطقة نمو الإمكان لكن الأبحاث أضافت مفهوم الدّعم كسيرورة تفاعلية.

        تُعالج نظرية فيجوتسكي ثلاثة مواضيع أساسية، وهي كالآتي:

    -         يركّز فيجوتسكي على منهج النّمو المعرفي في أصوله العقلية الوراثية، لكن مع التّأكيد على فكرة أن هذا النّمو في الواقع هو سيرورة تاريخية اجتماعية وليس بناء فرديا كما هو الأمر عند بياجيه.

    -         يتعلق النّمو المعرفي لدى الطّفل حسب فيجوتسكي بتفاعلات الطّفل مع الآخرين الّذين هم أكثر منه خبرة حيث يتأثر بالتّثقيف، والمساعدات الّتي يقدمونها له. ينطلق هنا من فكرة أن الطّفل مزود فطريا بمجموعة من المهارات، لكن تطوّر هذه المهارات يكون محدودا، دون تدخل محيطه، ودون التّفاعل معه.

    -         العنصر الأساسي الثّالث في نظرية فيجوتسكي هو مفهوم الوساطة القائم على فكرة أن كلّ نشاط إنساني، ذو طبيعة فردية واجتماعية في آن واحد، يستعمل وساطة أدوات رمزية كاللّغة والأعداد، والفن، والمنتوجات الثّقافية الأخرى.

    أما التّعلم في النّظرية البنائية الاجتماعية فهو يقوم على مجموعة عناصر مُهمّة، وهي:

    -         التّعلم هو سيرورة بناء المعارف، يتحقّق عبر التّفاعل القائم بين الفرد (المتعلّم) الّذي يفكّر، والمحيط الّذي ينمو فيه، وبشكل ذاتي، فهو فاعل يبني معلوماته بنفسه، ولديه دافع قوي إلى ذلك.

    -         التّعلم يفترض إحداث روابط بين المكتسبات الجديدة والمكتسبات القبلية (التّصورات)، وكل ذلك في إطار المحيط الثّقافي، والاجتماعي، والتّعليمي للفرد.

    -      التّعلم يتطلّب التّنظيم المستمر للمعلومات.

    -     لبناء المعارف يتعيّن على المتعلّم أن يستخدم مكتسباته السّابقة كوسيلة تصور، وتفكير للوصول إلى استيعاب المعلومات الجديدة (التّصورات).

    -         دور المعلم من هذا المنظور، يتمثّل في إعداد الوضعيات المشكلات، وفي الملاحظة، والتّشخيص، وممارسة التّقويم التّكويني مع الاستعانة بالبيداغوجية الفارقة وتجنّب إعاقة السّيرورة الدّاخلية لنمو المتعلّم لدفعه على الاعتماد على نفسه في بناء معارفه.

    -         ضرورة اللّجوء إلى التّعلم التّعاوني، سواء تباينت مستويات المتعلمين أو تكافأت، لأن ذلك يُساعد على:

    ·    استثارة المنافسة بين المتعلمين.

    ·    مناقشة الإنتاج بالتّزامن مع التّقدم في خطوات الإنجاز.

    ·    مساندة التّلاميذ المتأخرين.

    ·    الاعتماد على تقويم إنتاج المتعلّم للحكم على مدى قدرته على تجنيد معلوماته (موارده) بشكل مدمج لحل وضعية مشكلة تطرح عليه.

    ·    توزيع الأدوار على غرار ما يمارس في الواقع.

  • الحصّة 7 و 8 : المقاربة بالكفايات

    الــــــمــــقـــــــــاربــــــــــــــــة بالــــــــــــــكــــفــــــــــايــــــــــــــات

    (L’approche par compétences)

    1. من المقاربة بالأهداف إلى المقاربة بالكفايات: انحراف النّموذج وضرورة البديل

             بدأ العمل في بلادنا بالمقاربة بالأهداف في غضون ثمانينيات القرن الماضي، أمّا في فرنسا فقد بدأ العمل بها في السّتينيات، وقبل ذلك بقليل في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استوحى الباحثون التربويون المقاربة بالأهداف على يد ماجر(Mager)، وأيضا من خلال بيداغوجيا التّحكم الّتي عُرف بها بلوم (Blomm)، والّتي لاقت نجاحا منقطع النّظير في فرنسا، والدّول الفرانكفونية، حيث تهافت الباحثون على نقل، وترجمة هذه المقاربة الجديدة، وتطبيقها في بلدانهم.

              وقد ساهم التّدريس بالأهداف إلى تحقيق تقدم ملموس في تنظيم وعقلنة العملية التّعليمية – التعلمية، وهذا بالتّحديد الدّقيق للأهداف التّعليمية، والعدّة البيداغوجية اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة، غير أنّ الإفراط في استخدام الأهداف البيداغوجية – في الكثير من الحالات- أدّى إلى نقائص عديدة، نذكر منها:

    - تجزئة أو تفتيت الفعل التربوي إلى درجة يصبح معها غير ذي دلالة بالنسبة للمتعلّم.

    - فصل الأهداف عن المحتويات التّعليمية.

    - التنظيم الخطي والجامد للنشاط التّعليمي.

        ونتيجة لهذه الانتقادات الموجّهة لهذه المقاربة ظهرت حركة التّربية القائمة على الكفايات في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا سنة (1968م)، وانتشرت بعد ذلك في جميع دول العالم، وقد عَرِف هذا المفهوم نموّا هاما خلال ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بالتّأكيد على الكفاية بالمعنى الّذي يتحقّق في النّهاية (النّهايات العظمى للتربية المحدّدة في النّصوص الرّسـمية)، والمبنية على الموقف المشكل الدّال بالنسبة للمادّة أو المشترك في مجموعة من المواد الّذي تمّ اختياره على أساس علميا، واجتماعيا، وأخلاقيا في الوقت نفسه.

       ولإضفاء صبغة عالمية على هذه المقاربة الجديدة (المقاربة بالكفايات) عملت المنظمات الدّولية الكبرى كالبنك الدولي، واليونسكو، واليونسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمات أخرى، للترويج، وتسويق هذه المقاربة من طرف الأنظمة التّربوية، على أنّها مقاربة تُزاوج بين الكم المعرفي، والكيف المنهجي، وتؤهّل المتعلّم ليكون مُتأقلما، وفعّالا في مجتمع يغلب عليه التّطور المستمر.

        وقد لقيت هذه المقاربة إقبالا واسعا عند مختلف دول العالم، وقد اعتمدت كممارسة بيداغوجية لأوّل مرة في مقاطعة كيبيك بكندا، ثم في الدّول الأوروبية، وأوّلها فرنسا سنة (1992م)، وذلك لأسباب كثيرة منها الفشل الدّراسي، وتدني مستوى المتعلّمين في الثّانويات، وشيئا فشيئا اتخذتها أغلب دول العالم في أنظمتها التّربوية.

        والجزائر كبقية دول العالم، سعت إلى تجديد الممارسات البيداغوجية، ومواكبة التّطورات المتلاحقة في مجالات التّعلم والتّكنولوجيا والاتصال، وإلى رصد أرقى التّجارب العالمية في مجال تجديد الأنظمة التّربوية ، قصد النّهوض بمردود المدرسة الجزائرية، وبناء مدرسة فعّالة بتبنّي المقاربة بالكفايات كخيار استراتيجي في بناء مناهج تعليمية جديدة، والّتي شُرع في تطبيقها ابتداءً من الموسم الدّراسي (2003م-2004م).

    2. المقاربة بالكفايات: قطيعة أم استمرار؟

          لعل من أكثر المقاربات التّعليمية الأكثر انتشارا بين الدول هي المقاربة بالأهداف، والّتي ترى أنّ اكتساب المعارف والمهارات يتمّ وفق صيغة خطية وتراكمية، ولا يزال هذا التّصور إلى يومنا هذا من بين التّصورات الغالبة عند مختلف الأنظمة التّعليمية الحالية. وهو مشتق من النّظرية السّلوكية الّتي تعتبر التّعليم  تغيرا في سلوك المتعلّم بفعل مثير ما، دونما اعتبار لقدرات، وإمكانيات المتعلّم، وسيرورته المعرفية الّتي تؤدّي بدورها للتوصّل إلى سلوك جديد.

          تعتبر المقاربة بالكفايات، وإلى عهد قريب، موضوع اهتمام المجال المهني، قبل أن تتوسّع تدريجيا لتصل إلى ميدان التّربية  والتّعليم ، والّذي انطلق في بعض دول العالم في العقود الأخيرة من القرن السّالف، والّذي اصطدم بالممارسات المتمركزة على السّلوكات القابلة للملاحظة، والّتي ترسّخت في أذهان المعلمين لعقود كثيرة، وهي ما تعرف بالمقاربة بالأهداف، والّتي يرى مؤيدوها أنّ هذا التّغيير يمثل قطيعة مخلّة بالتّوازن، وأضحت المقاربة بالكفايات اليوم رمز الامتياز، وشكلت الاختيار الأوّل لمختلف الأنظمة التّعليمية، والّتي تُبنى أساسا على مبادئ النّظرية البنائية، والبنائية الاجتماعية، من خلال تعلّم يتمركز حول المتعلم دون سواه.

        عرفت المقاربة بالكفايات، وجود تيارين بارزين، وهما :

           التّيار الأوّل (التّيار الحصري): ويمثله كلّ الباحثين والتّربويين، أمثال لوبوتيرف (Leboterf)، وجونير (Jonnaert)، والّذين يعتبرون المقاربة بالكفايات قطيعة مع المقاربة بالأهداف، وأنّها صنيعة البنائية، والبنائية الاجتماعية فقط.

            التّيار الثّاني (التّيار المتضمن): ويمثله الباحثون، والتربويون في بعض المناطق من أمريكا الشّمالية، وأوروبا الغربية، الّذين يرون أن المقارنة بالكفايات لا تشكل قطيعة مع المقارنة بالأهداف، وأنّها لا تقتصر على البنائية، والبنائية الاجتماعية، بل تتعداها إلى السّلوكية، ونظريات أخرى، وظهر هذا التّيار في نهاية ثمانينيات القرن الماضي من خلال أعمال دوكيتيل (De ketele).

            ويضم الباحث المغربي محمّد الدّريج رأيه لأصحاب التّيار الثّاني معتبرا أنّ المقاربة بالكفايات تمثّل الجيل الثّاني من المقاربة بالأهداف، كما نجد العديد من الباحثين في المقاربة بالأهداف، والمقاربة بالكفايات يتفقون على أنّ المقاربة بالكفايات ما هي إلا امتدادا للمقاربة بالأهداف، وتمثل حركة تقويمية لها.

            إنّ انتقال المنظومة التّربوية  الجزائرية من المقاربة بالأهداف إلى المقاربة بالكفايات لا يعني أبدا الانتقال إلى تصوّر يُشكل قطيعة مُطلقة بين هاتين المقاربتين، لأنّ المقاربة بالكفايات مقاربة مرنة لا تقصي المقاربات التّعليمية الأخرى، ولا تتعارض مع تقديم الأنشطة التّعلمية المعتادة، وهي متفتحة على الطّرائق البيداغوجية المختلفة. وللتميّيز بين المقاربة بالأهداف، والمقاربة بالكفايات، نورد الجدول التّالي:    

     

    المقاربة بالأهداف

    المقاربة بالكفايات

    المعرفة

    - متمركزة حول المتعلم.

    - متمركزة حول معرفة الفعل.

    التّعلمات

    - تحديد دقيق للتعلمات.

    - ارتباط دقيق بالسّلوكية.

    - تعلم يتطور اعتمادا على تمارين نظرية.

    - تحديد شمولي أقل دقة.

    - ارتباط وثيق بعلم النّفس المعرفي.

    - تعلم مرتبط أساسا بالأنشطة التطبيقية.

    المتعلّم

    - وضوح النّتائج الممكن التّوصل إليها (دقيقة واضحة).

    - غالبا ما يكون حافز التّعلم خارجي مركز.

    -تمركز حول بعض التّعليمات الدّقيقة وتعطي الأولوية للإحساس بالأمن.

    - يصعب معرفة النّتائج الممكن التّوصل إليها (شمولية غير واضحة).

    - غالبا ما يكون حافز التّعلم داخلي.

    - التّمركز على تعليمات عامة تعطي الأولوية للمبادرة (يمكن أن يتعلّم المتعلّم في بداية التّعلم في حالة لا أمن).

    المدرّس

    - أهمية التّعلم التقريري.

    - مقاربة تعتمد تخطيط الأنشطة انطلاقا من مضامين المقررات.

    - أهمية التّعلم التّفاعلي (متمركزة على أنشطة التّعلم والتّقويم التكويني).

    - مقاربة شمولية.

    - تخطيط لأنشطة اعتمادا على الكفايات كمنطلق ثم بعد ذلك مراعاة محتوى المقررات.

    التّقويم

    - التّقويم سهل نسبيا.

    - قياس موضوعي.

    - في بعض الحالات يفصل بين التعلم والتّقويم.

    - يعتمد التّقويم على الأسئلة وعلى تقنيات أخرى في حالات أخرى.

    - تقويم معماري يعتمد المقارنة بين التلاميذ.

    - تقويم كمي.

    - يبحث صلاحية المضامين (يغطي مجموعة مضامين المواد).

    - يخبر بالنتائج في علاقتها بالأهداف.

    - تقويم صعب، ضروري، مفروض.

    - قياس ذاتي (يعتمد على الحكم).

    - يبحث عن الإدماج بين التعلم والتّقويم.

    - تقويم بمهمات مدمجة.

    - تقويم مقياسي – محكي يعتمد مقارنة النتائج بمقياس النجاح.

    - تقويم كيفي- نوعي.

    - ينتقي المضامين ويبحث إدماج القدرات.

    - يبحث درجة تطور الكفاية وكذلك استراتيجيات التعلمات.

           نجد من خلال المقارنة بين المقاربتين، إنّ المقاربة بالكفايات تُمثّل تواصلا، وإثراءً للمقاربة بالأهداف. لذا حاولت تجاوز نقائصها الّتي تركّز فيها على اكتساب المعارف، والمهارات، وفي الوقت نفسه تهمل تسلّح المتعلّم بالكفايات اللازمة لمواجهة الوضعيات المركبة الّتي يصادفها في صفّه الدّراسي وأسرته ومحيطه. ومن ثمّ فإنّ اكتساب الكفايات هو السّبيل الحقيقي لتحصيل النّجاح، ومجابهة المواقف المختلفة الّتي يواجهها في محيطه بحلول مُناسبة.

           وفي السّياق ذاته نجد أنّ جون ماري دوكيتيل (Jeau-marie Deketele) يوضّح العلاقة بين المقاربة بالكفايات، والمقاربة بالأهداف في المعادلة الآتية :

    الكفاية  =   (القدرات × المحتويات)  ×   وضعيات معينة.

              = (أهداف خاصة)  × وضعيات معينة.

    3. ما الكفاية ؟

    أ. الكفاءة أم الكفاية ؟

        عرفت المنظومة التّربوية الجزائرية مصطلحا حديث التّداول في أدبيات علوم التّربية، وهو مصطلح (compétence)، إلاّ أنّ ترجمته إلى اللّغة العربيّة جاءت في لفظ (كفاية) في المؤلّفات المغربية، والتّونسية، والمشرقية، بالإضافة إلى بعض المؤلّفات الجزائرية غير الرّسـمية. وجاء في لفظ (الكفاءة) في كل المؤلّفات الرّسـمية الجزائرية الصّادرة عن وزارة التّربية الوطنية، بالإضافة إلى معظم المؤلّفات الجزائرية.

        لقد تمكن الباحث المغربي عبد الرّحمن التّومي (2003م) من الفصل في هذا الموضوع بطريقة علمية حينما بيّن ضمن مختلف المرجعيات اللّغوية أنّ لفظ (الكفاءة) يعني المثيل والنّظير، في حين يدل لفظ (كفاية) على ما فيه سدّ الخّلة وبلوغ المراد في الأمر، ويخلص في ختام استنتاجه اللّغوي إلى أنّه وقف على حقيقة الأمر في العديد من المعاجم اللّغوية، فوجد الصّواب لفظ (الكفاية) من الفعل (كفى).

        كما يُفضل الباحث الجزائري مزياني الونّاس استعمال لفظ (الكفاية) بدلا من لفظ (الكفاءة) في ميدان التّربية، والتّعليم لأنّ الكفاءة تخصُّ الفئة الممتازة دون غيرها من الفئات الأخرى، وهو ما يجعل التّعليم  في هذه الحالة نُخبويّا، ومهملا لمبدأ الفروق الفردية بين المتعلمين.

        يؤكّد الباحثان الجزائريان محمّد بن يحي زكريا وعبّاد مسعود أنّ: "الكفاية أبلغ وأوسع وأشمل وأوضح من مصطلح الكفاءة في مجال العملية التّعليمية – التّعلمية، حيث أنّ الكفاية تعني تحقيق الأهداف، والنّتائج المرغوب فيها بأقل التّكاليف، وبأقل جهد، وتعني في الوقت نفسه النّسبة بين مدخلات ومخرجات التّعلم، فهي بذلك تعني الجانب الكمي، والجانب الكيفي معا وفي نفس الوقت"، بينما الكفاءة تمثّل الجانب الكمي فقط.

        كما أنّ الكفاءة في اللّغة العربيّة  لا تُستخدم إلا بمعنى الشّبيه والنّظير، ولم يُقر مُجمّع القاهرة استعمال الكفء بمعنى القوي القادر، وإنّ مجمع اللّغة العربيّة  بدمشق خطّأت كلّ من يقول فلان كفء لملء هذا المنصب، لأنّ الكفء لا تعني إلاّ المثيل والشّبيه، واستشهد بقوله تعالى:

    ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ﴾، والصّواب هو صاحب الكفاية. 

        ولهذا كلّه استعملنا مصطلح (الكفاية) بدلا من مصطلح (الكفاءة) كمصطلح تربوي، ولساني في بحثنا هذا، وبهذا نكون قد تجاوزنا التّوظيف الشّائع، والخاطئ لترجمة مصطلح (compétence) في بلادنا.

    ب. الكفاية: لغة واصطلاحا

    أوّلا: الكفاية لغة

        جاء في لسان العرب: كفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر، ويقال: اسْتَكْفَيْتُهُ أَمْرَاً فَكَفَانِيهِ. ويُقال: كَفاكَ هذا الأمر أي حَسبكَ، وكَفاكَ هذا الشيء ... والكُفاةُ: الخَدَمُ الّذين يقومون بالخدمة، جمع كافٍ. وكفى الرّجُلُ كفايةً، فهو كافٍ وكُفًى....

        وفي الحديث: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه، أي أغنتاه عن قيام اللّيل، وقيل: أنها أقل ما يجزئ من القراءة في قيام اللّيل، وقيل تكفيان الشر وتقيان من المكروه. وفي الحديث: سيفتح الله عليكم، ويكفيكم الله، أي يكفكم القتال بما فتح عليكم.

        وتجدر بنا الإشارة إلى أنّ القرآن الكريم استخدم مشتقات لفظ (كفاية) في العديد من الآيات في القرآن الكريم، نذكر منها قول الله تعالى:﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)﴾ ، أي أنه شهادة الله تعالى تغني عن سواه، وقوله أيضا: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، كفى بالله شهيدا على أفعال وأقوال عباده.

        وعليه فإن لفظة (الكفاية) في اللّغة العربيّة تعني القيام بالأمر على أحسن وجه، وهذا بالاستغناء عن الآخرين.

    ثانيا: الكفاية اصطلاحا

          لقد تمّ إقرار لفظة (كفاية) في اللّغة الفرنسية منذ أواخر القرن الخامس عشر، وهي تعني مشروعية، وسلطة المؤسسات العامة لمعالجة القضايا المختلفة، ومنذ أواخر القرن الثّامن عشر امتدت دلالتها لتشمل الأفراد أيضا، حيث أصبحت تشير إلى كل قدرة ناتجة عن المعرفة والتّجربة، أمّا مفهوم لفظة (الكفاية) فقد ظهرت نهاية القرن التّاسع عشر في مجال الشّغل، ثم تبلورت مطلع القرن الماضي عندما استعملت في مجال التّكوين المهني، حيث ارتبط استعمالها بالكفاية المهنية، كما صارت مرتبطة بالتّدريبات العسكرية، والمناورات القتالية هجوما ودفاعا، ثم طورت ووظفت أخيرا في ميدان التّربية والتّعليم، إذ أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا ببناء المناهج التّعليمية، وهو ما اصطلح على تسميتها في الوسط التّربوي بالمقاربة بالكفايات.

          إنَّ الجدير بالذّكر أنّه لا يمكن لأيّ أحد أن يدّعي إعطاء تعريف نهائيّ للكفاية، بل كما وصفها لوبوتيرف (G.Le Boterf) بالمفهوم الحربائي، وهذا ما يدلّ على تنوّع، وتعدّد دلالته، أمّا بيرنو (F.Pernnoud) يصفها بزئبقية المفهوم، فمفهوم الكفاية كما يوضّح برنار ري (Bernard Rey) لا يستقر على تعريف واحد بل يعرف العديد من التّحديات المختلفة.

    الكــفايـــة في مجــال الـعمل والـمــقاولات:

    يَعتبر فيليب كاري (Philippe Carré, 1994) أنّ الكفاية هي: "كلّ ما يسمح لحل المشكلات المهنية داخل سياق معيّن من خلال تعبئة، وتجنيد قدرات متنوعة بكيفية مندمجة".

    الكــفايـــة من منـظـور لـساني (النّظرية التّحويلية التّوليدية):

    الكفاية عند تشومسكي هي:" قدرة المتكلّم. المستمع. المثالي على أن ينتج، انطلاقا من قواعد ضمنية، عددا غير متناه من الجمل تقود عملية التّكلم".

    ويعتبر تشومسكي أوّل الباحثين المعاصرين السّباقين لاستعمال مفهوم "الكفاية اللّغوية"، والّذي قابله بمفهوم " الآداء اللّغوي" ليشكل بذلك ثنائية شبيهة بثنائية "اللّغة والكلام" عند دي سوسير.

    الكــفايـــة من مــــــنـــظـــــور تـــــربـــــــــوي:

          كزافيي روجرس (Xavier Rogiers) مدير بياف* (Bief ): "إمكانية تعبئة الشخص، بكيفية باطنية، لمجموعة مندمجة من الموارد، بهدف حل صنف من الوضعيات المشكلات".

          آندري جيلي (André Guillet): "ترتبط بالاعتماد الفعال للمعارف والمهارات لإنجاز ما، نتيجة خبرة مهنية، ويستدل على حدوثها من خلال مستوى الأداء المتعلق بها، كما تكون قابلة للملاحظة انطلاقا من سلوكات فعالة ضمن النشاط الّذي ترتبط به".

           فيليب بيرنو (philippe pernoud): "القدرة على التّصرف بفعالية في نمط معيّن من الوضعيات".

            مركز الدراسات البيداغوجية للتجريب والإرشاد (CEPEC): "نسق من المعارف المفاهيمية والمهارية (العملية)، والّتي تنتظم على شكل خطاطات إجرائية تمكن داخل فئة من الوضعيات (المواقف)، من التعرف على مهمة – مشكلة وحلّها بإنجاز (أداء) Performance ملائم".

    وزارة تربية مقاطعة كيبك الكندية: "هي التّمكن من أداء عمل مركّب، يعتمد استحضار مجموعة من الطّاقات وتوظيفها بفعالية".

           مصر وبعض الدّول العربية ودول الخليج: "مهارة تكتسب، ويتعامل معها على هذا الأساس في بناء المناهج وفي عملية التّعليم والتعلّم، وأيضا في تقويم مكتسبات التلاميذ".

           المعجم التّربوي الجزائري: "نشاط معرفي أو مهاري يمارس على وضعيات، أو هي إمكانية بالنسبة للتلاميذ لتوظيف جملة من المعارف الفعلية منها والسّلوكية لحل وضعية – مشكل، للتأكّد من أن التلميذ قد اكتسب كفاءة، إن المعلم يطلب منه أن يحل وضعية – مشكل".

           ممّا سبق يمكن القول إنّ الكفاية هي قدرة المتعلّم على تجنيد، وتوظيف مجموعة منظّمة من الموارد، والقدرات، والاستعدادات، والمهارات لمواجهة وضعية مشكلة مركّبة أو إنجاز مشروع ما، أمام وضعية من الوضعيات الّتي يواجهها داخل أو خارج محيطه المدرسي.

    ج. المفاهيم الأساسية المرتبطة بمفهوم الكفاية:

           يصطدم مصطلح (الكفاية) بمصطلحات مُجاورة عدّة، ولأجل ضبط هذه المصطلحات، وإزالة الغموض عنها، سوف نتطرق لأكثر تلك المصطلحات تداخلا معها، وهي كالتّالي:

    أوّلا: القدرة (La capacité)

        القدرة: "هي كل ما يستطيع الفرد أداءه في اللّحظة الرّاهنة من أعمال عقلية أو (جسدية- حسية)، أو اجتماعية. وقد تكون القدرات فطرية أو مكتسبة أو هما معا"، وهي أيضا ترادف مصطلح الأهداف العامة في التّربية، وهي ما سيكون المتعلم قادرا على فعله عندما يكتسب عددا معينا من أنماط السلوك الّتي يكون قد اكتسبها وتعلمها.

        كما تعرّف بكونها مجموعة المهارات والسمات، الّتي تمكن طرفا معينا من أن يكون له تأثير في مجال معين، مما يؤهله للحصول على الثقة لأداء مهام ترتبط بهذا المجال. وإذا كانت جل القدرات الّتي تتم تنميتها في التّعليم  قدرات عقلية، فإن ذلك لا يجب أن ينسينا قدرات أخرى كالقدرات الحس-حركية والقدرات السّوسيو وجدانية.

    ثانيا: المهارة (L’habileté)

        المهارة هي موضوع ذو صلة بالتعلم من حيث الاستعمال الفعال للسيرورة المعرفية، الحسية، الأخلاقية، الحركية. والمهارة ثابتة نسبيا لإنجاز فعّال لمهمّة أو تصرّف، وهي أكثر خصوصية من القدرة، لأنه يمكن ملاحظتها ببساطة، ويقصد بها: "التمكن من أداء مهمة محددة بشكل دقيق يتسم بالتناسق والنجاعة والثبات النسبي، ولذلك يتم الحديث عن التمهير، أي إعداد الفرد لأداء مهام تتسم بدقة متناهية". ولها ثلاثة مستويات، وهي  :    

    - مهارات التّقليد، والمعالجة، والمحاكاة، ويتمّ تنميتها بواسطة تقنيات التّكرار، والمحاكاة.

    - مهارات الإتقان، والدّقة، وتنمى بالتّكرار، والتّمهير، والتّدريب.

    - مهارات الابتكار، والتّكيف، والإبداع، وتنمى بالفعل الذّاتي، والجهد الشّخصي، والموجّهين.

    ثالثا: الأداء أو الإنجاز (La performance)

        الأداء أو الإنجاز هو: "هدف بيداغوجي، وهو المؤشر على القدرة والاستعداد، ويمكن القول عنه بأنّه ما يتمكن الفرد من القيام به آنيا"، ويشير غود (good) أنّه: "مجموعة الاستجابات الّتي يقوم بها الفرد في موقف معين، وهذا الأداء ما نلاحظه ملاحظة مباشرة"، أمّا المنظمة العربية للتربية والثّقافة  والعلوم قد عرّفت الأداء على أنَّه: "الفعل الإيجابي النشيط لاكتساب المهارة أو القدرة  أو المعلومات والتمكن الجيد من أدائها تبعا للمعايير الموضوعية"، وبذلك يكون الأداء مختلفا عن الكفاية. لأنّ الأداء يقتصر على إظهار السّلوك فقط.

    رابعا: الاستـعداد (L’aptitude)

        الاستعداد مفهوم وثيق الصّلة بالتّربية وعلم النّفس، وهو: "التّهيؤ أو القابلية أو الأساس أو الجوهر المكّون للشيء الّذي تنشأ انطلاقا منه".بما أنّ القدرة تُفعّل الاستعداد، أي تنقله من حيّز الكمون إلى حيّز الفعل الظّاهر القابل للملاحظة، والقياس، ويرتبط هذا التّفعيل بجملة من الشّروط، والعوامل، سواء أكان ذلك على المستوى الفيزيولوجي (النّضج العصبي، أو النّمو الجسدي...)، أو على المستوى النّفسي (الحافز، أو شروط التّعلم).

        كما أنّه: "القدرة الكامنة في الفرد، وهي نظرية، ويُقابل الاستعداد في المعنى البيولوجي مصطلح النّضج، والّذي هو مستوى معين من الاستعداد لتعلّم شيء ما، إذ لا يمكن حدوث التّعلم ما لم تكن العضوية مستعدّة أي ناضجة"، ويكون الاستعداد نفسيا، وبيولوجيا، ويتحوّل بدوره إلى قدرة إذا توفرت للمتعلم فُرص التعلّم المناسبة.

    4). مكونات الكفاية وخصائصها:

    أ. مكوناتها:

    تتكوّن كل كفاية من:

    - معارف، ومعلومات، وحقائق، ومفاهيم، وقوانين، ونظريات يستند إليها الأداء السّلوكي.

    - سلوك أدائي يعبّر عنه بمجموعة من الأفعال، والأداءات.

    - إطار من الاتجاهات، والقيم، والمعارف، والمعتقدات، والسّلوك الوجداني، والمهاري.

    - مستوى معيّن لنتائج الأداء.

    ب. خصائصها:

    ويلاحظ من مكوّنات الكفاية خصائص أساسية، وهي كالآتي:

    - تعبئة مجموعة من الموارد (معارف، حقائق، مفاهيم، اتجاهات، مهارات، وغيرها...) وتكون هذه الموارد في غالب الأحيان مجموعة مدمجة.

    - الكفاية عبارة محددة ومضبوطة: ومعناه أنّ الكفاية لا تحدث عن طريق الصّدفة أو الاعتباطية ولا تنفصل عن إمكانية الفعل، إذ لا جدوى من أي فعل أو نشاط إذا لم يتمظهر في وضعيات مشابهة لتلك الّتي تمّ فيها تعلمها أو في وضعيات جديدة.

          ويعني ذلك إمكانية تطبيقها في سياقات مختلفة سواء كان السّياق شخصيا أو اجتماعيا       أو مهنيا.

    - قابلية التّقويم: ويعني ذلك ترجمة الكفاية بتحقّق نشاط قابل للملاحظة، والقياس بعد تحديد مجموعة من المؤشّرات الدّالة على تحقّق الكفاية في إطار من المعايير الدّالة على جودة المنتج المستهدفة.

    5. أنواع الكفايات ومستوياتها:

    أ. أنواعها:

           تُترجم الكفايات قيم، وغايات المجتمعات، وتستمد مقوّماتها من مشروعها المجتمعي، ومن أبعاده الاستراتيجية، والتّواصلية، والسّياسية، والثّقافية، والاجتماعية. وتعدّد أنواعها حسب ما يلي:

    أ. كفاءات ذات طابع تواصلي: الكفاءة ذات الطّابع التّواصلي تعني كلّ ميادين التّواصل، والتّعبير، والتّبادل الشّفهي، وغير الشّفهي. فاللّغات: العربية، الأمازيغية، والأجنبية، ومختلف اللّغات التّعبيرية إنّما تعتبر وسائط لتنمية الكفاءات ذات الطّابع التّواصلي.

        واللّغة العربيّة هي المفتاح الأوّل الّذي يجب أن يمتلكه المتعلّم ليتمكن من الوصول إلى مختلف ميادين التعلّم. فهي ليست المادّة التّعليمية الّتي تحمل التعلّمات فحسب، بل هي أيضا وسيلة نسج، وصيانة علاقات منسجمة مع محيطها، وهي بهذه الصّفة تكون الكفاءة العرضية القاعدية الأولى.

    ب.كفاءات ذات طابع منهجي: وهي كفاءات تتكوّن من قدرات، ومعارف إجرائية تهدف إلى تجنيد القدرات لتطبيق الإجراءات في حلّ وضعيات مشكلة، وتكييف وإعداد إجراءات جديدة قصد حلّ وضعيات مشكلة جديدة لم يسبق حدوثها.

    ج. كفاءات ذات طابع معرفي:  وهي عبارة عن مجموع الكفاءات القاعدية المرتبطة بمختلف المعارف الّتي يمكن تجنيدها كموارد في تنمية الكفاءات.

    د.كفاءات ذات طابع اجتماعي (الجماعية والشخصية): وهي مجموع الكفاءات الإدماجية الّتي في إمكانها أن تجند الموارد الشخصية و/أو الجماعية للفوج حول تحقيق مشروع.

        ونشير إلى أنّ هذه الكفاءات من مختلف الطّبائع لم تفصل هنا إلاّ على سبيل العرض ومنهجية التّقديم، ولكنّها في الحقيقة تتفاعل، وتتكامل في النّشاطات الّتي تستخدمها بدرجات مختلفة، مع غالبية إحداها على الأخرى.

    ب. مستوياتها:

            تعتبر الكفاية مفهوما تطوريا، يُبنى تدريجيا عبر مستويات، وهي تنمو في شكل هرمي يبدأ من قاعدته، وينتهي عند قمته. فنبدأ في البداية في بناء الكفاية القاعدية على مستوى الوحدات الدّراسية، ثم الكفاية المرحلية، وانتهاءً بالكفاية الختامية. وهي على النّحو الآتي:

    - الكفاية القاعدية  (La compétence de base): وهي الكفاية البسيطة المرتبطة مباشرة بالوحدة التعلّمية (درس أو مجموعة دروس) الّتي تحتوي على الحدّ الأدنى من المعارف، والسّلوكات الّتي تجعل نشاطات المتعلّم، ووضعياته تتمحور حولها.

          إنّها الكفاية الّتي من الضروري أن يتحكّم فيها المتعلّم لاكتساب الكفايات اللاحقة فهي مجموع نواتج التعلّم الأساسية المرتبطة بالوحدات التّعليمية الّتي توضّح بدقّة ما سيفعله المتعلّم، أو ما سيكون قادرا على أدائه، أو القيام به في ظروف معيّنة، وكلّما تحكّم فيها استطاع -دون عوائق أو صعوبات- اكتساب تعلّمات جديدة لاحقة، فهي الأساس الّذي يُبنى عليه التعلّم.

    - الكفاية المرحلية (La compétence d’étape): تتشكّل من مجموعة من الكفايات القاعدية، وتتحقّق عبر مرحلة تعليمية – تعلمية قد تدوم شهرا أو فصلا أو مجالا تعليميا معيّنا.

    - الكفاية الختامية (La compétence finale): وتتكوّن من مجموعة الكفايات المرحلية، وتدوم سنة أو طورا أو مرحلة تعليمية معينة.

        بالإضافة إلى الكفايات الأفقية (Les compétences transversales) وهي:"مجموعة المواقف، والمعارف، والخطوات الفكرية، والمنهجية المشتركة بين مختلف المواد. ويرمي التّحكم في الكفاءات الأفقية إلى دفع المتعلّم نحو اكتساب المعارف، وحسن الفعل، والتّعلم باستقلالية متزايدة... ".

    6. المقاربة بالكفايات: مبادؤها ومميزاتها

            إنّ المقاربة بالكفايات هي: "بيداغوجية وظيفية تعمل على التّحكم في مجريات الحياة بكل ما تحمله من تشابك في العلاقات، وتعقيد في الظواهر الاجتماعية. ومن ثم، فهي اختيار منهجي يمكّن المتعلّم من النّجاح في هذه الحياة على صورتها هذه، وذلك بالسّعي إلى تثمين المعارف المدرسية وجعلها صالحة للاستعمال  في مختلف مواقف الحياة"، وهي أيضا تصوّر تربوي بيداغوجي ينطلق من الكفايات المستهدفة في نهاية نشاط تعليمي، أو نهاية مرحلة تعليمية – تعلمية قصد ضبط استراتيجية واضحة من حيث مقاربات التّدريس، والوسائل التّعليمية، والمناهج، والتّقويم....

        وعليه فإنّ المقاربة هي تكوين بيداغوجي على الكفايات، وهذا بتفعيل قدرة المتعلّم في وضعيات مركّبة، ومتنوعة، وليس الاهتمام فقط بموقفه الـمُبرهن لمهارة، أو دراية ما، باعتبارها لا تمثل الكفاية لذاتها، لأنّ الكفاية هي بالضرورة سيرورة إدماج للمعارف، والمهارات، والمواقف، لأجل الإجابة عن وضعيات جديدة بشكل مناسب.

    أ. مبادؤها:

        تقوم المقاربة بالكفايات على جملة من المبادئ، وهي كالآتي:

    - الشّمولية: وتعني تحليل عناصر الكفاية انطلاقا من وضعية شاملة، تسمح بالتّحقق من قدرة المتعلّم على تجميع مكوناتها (السّياق- المعرفة - المعرفة السّلوكية- المعرفة الفعلية (المهارة) – الدّلالة).

    - البناء: تفعيل المكتسبات القبلية، وربطها بمكتسباته الجديدة، وحفظها في الذّاكرة.

    - التّـناوب: يسمح هذا المبدأ بالانتقال من الكفاية إلى مكوناتها، ثم العودة من مكوناتها إلى الكفاية نفسها.

    - التّطبيق: وهذا بمعنى التّعلم بالتّصرف، أي ممارسة الكفاية بغرض التّحكم فيها، فإذا كانت الكفاية تعرّف على أنّها القدرة على التّصرف، وعليه وجب على المتعلّم أن يكون نشطا في عملية التّعلم.

    - التّكرار: أي وضع المتعلّم أمام مهام إدماجية لعدّة مرّات متتالية، وعليه يسمح مبدأ التّكرار بالتّدرج في التّعلم للتعمّق فيه على مستوى الكفايات، والمحتويات.

    - الإدماج: ويكون بربط العناصر المدروسة ببعضها البعض، وهذا لأنّ إنماء الكفاية يكون بتوظيف مكوناتها بشكل إدماجي.

    - التّمييز: يُتيح هذا المبدأ للمتعلم التّمييز بين مكوّنات الكفاية، والمحتويات، وذلك قصد امتلاك الكفاية، والوقوف على مكوناتها.

    - الملاءمة: يسمح هذا المبدأ باعتبار الكفاية أداة لإنجاز مهام تعلّمية، وهذا من واقع المتعلّم المعيش لإدراك المغزى من تعلّماته.

    - التّرابط: وهذا بالرّبط بين أنشطة التّعليم، وأنشطة التّعلم، وأنشطة التّقويم لإنماء الكفاية.

    - التّحويل: ويكون بالانتقال من مهمة أصلية إلى مهمة أخرى باستعمال معارف، وقدرات مكتسبة في وضعيات مُغايرة.

    ب. مميزاتها:

    تتميّز المقاربة بالكفايات بالعناصر الآتية:

    - تفريد التّعليم : وهذا بجعل المتعلّم يشعر بالاستقلالية خلال تعلّماته في مختلف الأنشطة، وجعله محورا مهما في العملية التّعليمية – التّعلمية لإنجاز الأنشطة التعلّمية بنفسه، مع مراعاة الفروق الفردية بينهم.

    - قياس الأداء: ويكون بتقويم أداءات المتعلمين الّتي تتم فيها توظيف المعارف، والمهارات، والقدرات بدلا من قياس المعارف النظرية.

    - تحرير المعلم من القيود: وهذا بالسّماح للمعلّم لدور أكثر فاعلية من خلال التّخطيط، والإعداد للأنشطة التّعليمية – التّعلمية، وبناء التّعلمات المستهدفة، وتقويم الأداء، وابتكار الظّروف المواتية للتعلّم.

    - دمج وتوظيف المعارف: وهذا بتوجيه أنشطة التعلّم في إطار مندمج لتنمية الكفاية، وتوظيفها في حلّ مشكلات مختلفة ( وضعيات إشكالية – مواقف مدرسية- مواقف اجتماعية...).

    - تحويل المعارف: أي تحويل المعارف النّظرية إلى معارف عملية، وتطبيقية يستفيد منها المتعلّم داخل المدرسة، وخارجها.

    - اعتبار المتعلّم محورا أساسيا في العملية التّربوية : يُعتبر المتعلّم في ضوء المقاربة بالكفايات محورا أساسيا، وفعّالا في العملية التّربوية  من خلال تحديد الكفايات المتوخاة، وتقويم أعماله، وإنجاز وحلّ مختلف الوضعيات المشكلة الّتي يواجهها في جو تنافسي، وإيجابي.