المحاضرة الرابعة عشر: الأدب التفاعلي في البيئة العربية(تجارب)
Section outline
-
لقد دخلت الدراسات الأدبية مرحلة جديدة من البحث وتولدت مصطلحات ومفاهيم جديدة، لكننا ما نزال منأى عن التفاعل معها، أو استيعاب الخلفيات التي تحددها، ظهرت مفاهيم تتصل بالنص المترابط، والتفاعلية، والفضاء الشبكي، والواقع الافتراضي، والأدب التفاعلي، ونحن ما نزال أسيري مفاهيم تتصل بالنص الشفوي أو الكتابي، ولم نرق بعد إلى مستوى التعامل مع النص الإلكتروني "فما يزال دخولنا عصر المعلومات متعثرا بطيئا، ولا يواكبه نقاش معرفي يمكن أن يوجهه ويؤطر مساراته، ويجدد من ثمة رؤيتنا إلى طرائق تفكيرنا وتساؤلنا بصدد مختلف القضايا التي تهمنا، إنه لا يعقل أن ندخل عصرا جديدا بأفكار قديمة وبلغة قديمة"[1]
إن عملية التأليف الأدبي الرقمي تعرف انتشارا مهما في التجربتين الأمريكية والأوروبية بفعل إيجابية الشروط التقنية والمعلوماتية للمجتمعات الأمريكية والأوروبية، والتي تسمح بالانخراط الموضوعي إنتاجا وإبداعا في الثقافة الرقمية، في حين أن التجربة العربية ما تزال تعرف بطأً من حيث إنتاج الإبداع الرقمي، وذلك لأسباب بنيوية ذات علاقة بموقع التكنولوجيا في الحياة العامة والعلمية في المجتمعات العربية، إلا أنه يلاحظ ظهور بعض التجارب الإبداعية القليلة، لكن يسجل على أنه إنتاج وإن كان ضئيلا، فإنه يعبر عن تحد حضاري تقني وإبداعي كبير، يفرض شرط احترامه وتقدير ريادته في الزمن العربي الحالي، ولهذا فإنه إنتاج يحرر النقد العربي أيضا من أسئلته المعتادة[2]
ويرجع سعيد يقطين في كتابه من النص إلى النص المترابط(مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي) مسألة تردي الواقع الأدبي العربي إلى مشكلة التخلف التواصلي، وهذا يعود بشكل أو بآخر إلى وحدات التواصل- بحسب رومان ياكبسون- فالعملية التواصلية الإبداعية أو غيرها تقوم على أساس تلك الوحدات الثلاثة، وهي: المرسل والنص والمتلقي، وإذا رجعنا إلى هذه الوحدات سنجد دون شك أن التفاوت حاصل وبخاصة وحدة التلقي، فالعالم ترقّى تواصليا بعد أن تطورت منظومة الاتصال والمعلوماتية عبر الشبكة العنكبوتية وغيرها ومن الوسائل الحديثة، في حين مازال النص يرسل من منتجه بالطريقة التقليدية-أي الورقية- فدور النشر تعاني كثيرا من المنتج الرقمي بكل وسائله المخزنة بالأقراص المدمجة أو المخزونة على الشبكة، لأن أغلب المتلقين عزفوا عن التلقي التقليدي(الورقي) ومالوا بشكل كبير إلى المنتج المنسجم مع التغير الحاصل في المجال التقني، أي منتوج التكنولوجيا وتقنيات المعلوماتية الحديثة"[3]
وفي هذا السياق يصرح عز الدين المناصرة بما يلي: "نحن العرب نعيش مرحلة الدهشة في ظل مرحلة انتقالية يتصارع فيها الورقي مع الإلكتروني، ويتصارع القديم مع الجديد، وبالتالي فإن من خصائص المرحلة الانتقالية العالمية الارتباك والدهشة والقبول والرفض الحاد... فثورة الاتصالات ثورة عالمية لا مثيل لها في التاريخ، وهي التي سوف تحقق التقدم والحداثة، بالإنسان وبدونه"[4] ورغم ذيوع الحاسوب والفضاء الشبكي وانتشارهما في الفضاء العربي، فإن المتابعة والمواكبة والمساهمة الجادة في هذا التطور عربيا ما تزال ضعيفة جدا، وقاصرة وناقصة[5]، لذلك فما تزال كتابة (النص المترابط) في ثقافتنا العربية محدودة جدا بل أشبه بالمنعدمة، ودونها الكثير من القيود التي تقلل من أهمية الانتقال إليها في الوعي والممارسة[6]
ولكن وعلى الرغم من الظروف التي كرست هذا التردي في خلق تراكم من النصوص الأدبية والرقمية "بدأت تلوح في أفق الإبداع الرقمي العربي بعض التجارب الإبداعية الرقمية التي حاول أصحابها ردم الهوة وسد الفجوة التي يعاني منها الإبداع العربي في الوسط الرقمي"[7]، من بينها التجربة القصصية لأحمد خالد توفيق بعنوان "قصة ربع مخيفة" (2005)، وقصة "احتمالات"(2009)، لمحمد أشويكة، والمجموعة القصصية "حفنات جمر" (2015) لإسماعيل البويحياوي، إلى جانب روايات جماعية من قبيل "على قد لحافك"، ورواية "الكنبة الحمرا".
أما في مجال الشعر نستحضر الشاعر المغربي منعم الأزرق الذي كتب العديد من القصائد الرقمية من بينها: "سيدة الماء"، "الدنو من الحجر الدائري"، "نبيذ الليل الأبيض" و"شجر البوغار"، وكلها منشورة في منتديات موقع “المرساة[8]، إلى جانب قصائد لعباس مشتاق، منها: "تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق"، و"لا متناهيات الجدار الناري((2017"[9]
إلى جانب ذلك ظهر ما يعرف بأدب شبكات التواصل الاجتماعي(رواية الفيسبوك) ونذكر منها رواية “على بعد ملمتر واحد” (2013) للكاتب المغربي محمد أستيتو، وكذلك (أدب التويتر) وهو ما يعرف بالانجليزية بـ (Twitter Bobs ) واشتهر فيه الكاتب السعودي محمد حبيبي. وفي هذا السياق نذكر أيضا (رواية المنتديات)، وهي رواية تنزل على شكل أجزاء متسلسلة في منتدى معين، وغالبًا ما تنشر تحت أسماء مستعارة، وتكون أحيانا باللهجة العامية. وقد لاقى هذا النوع من الأدب رواجًا كبيرًا في المجتمع الخليجي على وجه خاص[10]، ونذكر من روايات المنتديات "ملامح الحزن العتيق" و "للأيام قرار آخر" اللتين نشرتا في منتدى "ألم الإمارات"، وغيرهما الكثير.
بالرغم من هذه النصوص الرقمية المنتجة في العالم العربي وما تبعها من نقد، إلا أنها وباتفاق جميع الدارسين تبقى ضئيلة مقارنة بالإنتاج الغربي إن على مستوى الإبداع أو النقد، فعدد اليوم يحصى على أصابع اليد، فهي لا تكاد تتجاوز 30 نصا رقميا في حين نرصد في العالم الغربي مئات النصوص الادبية الرقمية مردفة بعدد لا حصر له من القراءات النقدية الجادة، دون ان ننسى عدد المواقع والمجلات التي تهتم بهذا النط الكتابي الجديد، و"تعود حالة الضمور التي يعاني منها الأدب الرقمي في العالم العربي إلى عوامل مختلفة تندرج كلها تحت مظلة واحدة هي الفجوة الرقمية [11](Digital Divide) ، التي تفصل بين الشرق والغرب بتبعياتها المختلفة في جميع مجالات الحياة[12]، وهذه العوامل منها ما هو مرتبط بالأدب الرقمي من حيث صفاته وخصائصه، ومنها ما هو مرتبط بعوامل خارجية اجتماعية وثقافية كما أشرنا في محاضرات سابقة.
[1] سعيد يقطين، النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية، ص96.
[2] جمال قالم، النص الأدبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص87.
[3] ينظر، سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط(مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي)، ص23 ومابعدها.
[4] عز الدين المناصرة(علم التناص المقارن(نحو منهج عنكبوتي تفاعلي)، ص423.
[5] سعيد يقطين، النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية، ص87.
[6] محسن الزبيدي، الشعرية الرقمية بنسختها العربية على يد الشاعر مشتاق عباس معن، هل تأخر حقا؟ نشر بتاريخ: 2007-09-28، اطلع عليه بتاريخ: 28/02/2023، على الساعة: 12:17، الرابط: https://maakom.link/article/lsh-ry-lrqmy-l-yd-d-mshtq-m-n-d-mhsn-lzbydy
[7] جمال قالم، النص الادبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص85.
[8] متوفرة على هذا الرابط http://imzran.org/mountada/
[9] متوفرة على هذا الرابط http://dr-mushtaq.iq/My-poetry-works/Interactive-digital/
[10] سمير قطامي، تأثيرات التكنولوجيا في الرواية العربية، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، 2009، ص 159.
[11] ينظر، نبيل علي، نادية حجازي، الفجوة الرقمية، ص 26.
[12] المرجع نفسه، ص 32.
-
التجارب العربية، الشعر الرقمي، الرواية الرقمية، القصة الرقمية، النص المترابط، التخلف التواصلي
-