المحاضرة الثالثة عشر: المؤثرات الصوتية والبصرية في الأدب التفاعلي
Section outline
-
لا يخفى على أحد أن الأدب في ظل الثورة الإلكترونية التي شهدها العالم عمل على تطوير وسائل تفكيره من أجل تجديد صورته مما ولد لنا أدبا جديدا يدعى الأدب الرقمي، هذا الأخير يرمي إلى تفجير الطاقات الابداعية على مستوى الحامل الإلكتروني تتجاوز في جمالياتها تلك التي تتوفر في الحامل الورقي، وذلك من خلال استثمار معطيات تقانة الرقمية ونقصد بلك الصوت والصورة والموسيقى والإخراج، واللافت للنظر أن كل الأجناس الأدبية أصبح لها حضورا رقميا غير أن الشعر سجل حضورا كبيرا مقارنة بغيره من الأجناس، كما عرف بناء فنيا وشكلا تعبيريا استثنائيا يسمح بتفاعل التقنيات الحاسوبية سواء السمعية أو البصرية "فبعدما كانت الكلمة في المقدمة أصبح مركزها في مرحلة متأخرة بعد الصورة والصوت والرسم والتلوين، وأصبحت جميعها تتقاسم الدور لإنتاج نصوص أدبية جديدة، ومن طبيعة جديدة لا يمكن تصنيفها ضمن النصوص القديمة، وبالتالي ضمن الأجناس التقليدية، ما ولّد جنسا هجينا، حيث نجد الأدبية الرقمية تقترح اندماجا وتفاعلا بين النص الأدبي واللوحة أو الرسم والموسيقى المصاحبة لكل نص والتقنية الحاسوبية في تناسق وتفاعل تام، ولا يزال الباحثون منهمكون في محاولة معرفة كنهه لأجل ضبط ما يتصل به، وفق ما تمليه رغبات الإنسان وحاجات العصر المتسارعة"[1]
وعلى ضوء هذا التغيير الحاصل في نمط الكتبة الإبداعية "لم تعد الكتابة في الرواية الرقمية مثلا أفقية خطية، بل تعددت أبعادها وروابطها باستخدامها المكثف للنظريات الرياضية والقوانين العلمية، لذلك فكاتب العصر الرقمي لا يحتاج للموهبة الأدبية فقط، وإنما لابد له من الإلمام بمختلف تقنيات وبرامج الحاسوب، إذ ستقوم الرواية الرقمية على توظيف كافة الفنون البصرية، وإدماجها خاضعا لخطة الكاتب في تطوير أدائه السردي، فهو في هذه الحالة لن يعتمد على التصوير اللغوي وحده، ولكنه يستعير المؤثرات الصوتية وسيغترف من الإمكانيات الواسعة لخلق الصورة، ودعمها بالإضاءات المعبرة عن الأجواء القاتمة أو المبهجة حسبما تسير خطة الرواية"[2]
وهذا الأمر من شأنه أن يطبع النص الأدبي الرقمي بجملة من الخصائص منها أن "النص الأدبي الرقمي يمتاز بطواعية كتابته، من خلال دخول الصورة، الحركة، والسماع في طريق تشكيله، كما يمنح منتج النص خيارات عديدة سواء من حيث العناصر المكونة له أو من حيث عدد الروابط والشذرات وطريقة توزيعها في جسد النص، مما يتيح إمكانيات تشكل كثيرة ومتنوعة، كما للأدب الرقمي خصوصيته التي تتلخص في اعتبار التقنيات الرقمية ولغات البرمجة جزءا لا يتجزء من النص الأدبي، فلا يمكن ترجمة النص بفاعلية بعيدا عن هيئته التي جعلت هذا النص يتحدث عن نفسه بالكلمة والصوت والصورة"[3]
وفي هذا السياق يؤكد جمال قالم أن النص الأدبي الرقمي على اختلاف أجناسه "لا يقتصر في التعبير عن مدلولاته على اللغة الطبيعية وحدها(الكلمة المكتوبة)، بل ينضوي داخل النص ما هو لغوي وما هو صوتي، وما هو حركي(الصورة).., إلخ أي أنه يتجاوز البعد اللفظي، كما يتجاوز الاتجاه الخطي للعلامات التي يحتوي عليها، إلى اتجاهات أخرى متعددة الأبعاد من خلال الانتقال شجريا أو هرميا وبطريقة التوازي من نص إلى آخر، أو من فضاء نصي إلى فضاء آخر من الكلمات أو الأصوات أو الصور أو الحركات"[4] :
جماليات المؤثرات السمعية والبصرية في الأدب الرقمي:
إن الحديث عن توفر جماليات في الشعر الرقمي من المسائل الخلافية بين الدارسين على عكس الأدب المقدم عبر الحامل الورقي، ذلك لأن "بنية النص الرقمي تختلف كثيرا عن نظيرتها في النص الورقي، وهو ما جعل قراءته وكتابته أمرا مختلفا تماما، ومسألة تشظية النصوص الرقمية وتشذيرها ولدت رهبة لدى الكثير من الدارسين ودفعتهم للتشكيك في أدبية هذا النص، لكن التعرف على الأدبية الجديدة لهذا النص ستزيل الكثير من العقبات. إن الجمالية المادية تتكامل، والجمالية اللغوية متفق عليها سلفا، وقضية مشاركة المتلقي هي التي تصنع الفارق مع هذا النص الأدبي الجديد، فالمساحة التي أمّنتها هذه النصوص له لم تكن متوفرة مع النصوص الورقية، لكن عدم توفر نموذج حقيقي له جعل فكرة التفاعل غير متجددة بل تكاد لا تخرج عن دائرتها المتفق عليها"[5].
وعلى ضوء هذا نجد بعض الدراسات تنافح عن جماليات النص الشعري الرقمي وجعله يحظى بأهمية لافتة في الفضاءات التواصلية- التفاعلية، وتصويره كنص متجدد ضمن منظومة إستيطيقيا، بحجة أنه بناؤه الجمالي يقوم على جملة من العناصر السيميائية التي تتضافر من أجلها العديد من الأدوات والوسائط المتنوعة المتوفرة في العالم الرقمي كالصوت، والصورة، والحركة، وغيرها كما سنوضح لاحقا.
يعمل الشعر الرقمي التفاعلي على أن يصنع لنفسه علامات خصوصية ينفرد بها دون سواه، إذ "يسعى المحكي التفاعلي في ضوء هذا النزوع إلى مساءلة مفهوم الأدبية، وذلك عبر زحزحة مبادئ الجمالية الأدبية، والانتقال من جمالية اللسان إلى جمالية المادة النصية، وبناء على هذا التحول يمكن للمحكي التفاعلي أن يعيد مساءلة مفهوم النقد عبر تحويل مجال اشتغاله من نقد النص نحو نقد دعامة النص، كما يمكن لمعايير القيمة أن تثمن البعد الإبداعي من خلال استكشاف الأبعاد الدلالية للدعامة الرقمية"[6]، هذه الأخيرة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من بنية النص.
ومهما يكن فإنه لا يمكن الحكم على جمالية النص الشعري الرقمي إلا بالعودة إلى وظيفتان أساسيتان هما: الوظيفة الأدبية والوظيفة الرقمية، ومن جهة أخرى لا يمكن تقويم الأدب الرقمي إلا في ضوء ثلاثة معايير أساسية هي: المعيار التقني، المعيار السيميوطيقي، والمعيار التفاعلي"[7]، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نوجز هذه الجماليات التي يحوزها عليها النص الشعري الرقمي فيما يلي:
اللون والصورة والحركة:
يعمل مخرجو القصائد الشعرية على اليوتيوب على تحويل المادة المكتوبة إلى مادة إلكترونية نابضة بالحياة والجاذبية والحركة عن طريق توزيع الوحدات المختلفة على الصفحة الإلكترونية الفارغة إلى لوحات فنية تنبض بالجمال والمعنى بما يتناسب مع قدرات المتلقي في استخدام حواسه المختلفة وخاصة العين، والأذن، ويجب المحافظة على عنصر التوازن سواء كان متماثلا أو متباينا في الصفحة الإلكترونية، ... وعنصر اللون الذي يميز بين المكونات ويبرز العناصر ويسهل إدراك العلاقات، ويسهم في جذب الانتباه والتشويق[8] .
لهذا كان أكثر ما يتكئ عليه الشعر الرقمي هو "ثقافة الصورة" أو ما يسمى بـ: "الثقافة البصرية"، ذلك لأن البصر على خلاف السمع ليس له سوى بُعد واحد، بينما البصر له عدة أبعاد، له وظيفة توثيقية، وله وظيفته في جلاء البصيرة.. تتشكل البصيرة في ما تتشكل به، والثقافة البصرية، تلك التي تعتمد على الرؤية والمراقبة والقراءة. والبصر يتشارك مع غيره على الشاشة)[9]، فالخطاب البصري يجذب المتلقي أكثر من غيره من الخطابات، كون الصورة تلعب دورا هاما في تحريك النص العنكبوتي في الأنترنيت سواء بمصاحبة النص القابل للتحريك، أو من خلال وجودها كعنصر رئيس من عناصر النص، وهي تمتلك الصدقية أكثر من اللغة، كما تمتلك التأثير الواسع على المشاهد/ القارئ، إذ لم تعد الصورة ملحقا تزيينيا بالنص العنكبوتي على عكس وضيفتها في النص المطبوع[10]
عمل تميم البرغوثي على استثمار هذه التقنية في قصيدة "كيف عشقت امرأة لم ألقها؟" حيث شكلت الصورة البصرية بمختلق مكوناتها عنصرا مهما يجسد هيئة القصيدة وفنياتها، من خلال تفاعلها مع باقي المكونات الرقمية لتعطي إيحاءات وأبعاد دلالية كثيفة، من بين الصور الموظف مايلي:
من خلال هاته الصور يتضح أن الشاعر حاول أن يتخير الأشكال والألوان التي تتناسب مع مضمون القصيدة لأن الصور كانت تتحرك بالتناسق مع الأداء الشعري، فقد حاول التعبير عن المرأة بصورة الفراشة ذات الألوان البهيجة التي تعكس حسنها، وهو لأنه كان لم يرها من قبل استعمل رمز الفراشة التي تدل عن الجمال للتعبير عن هذه المرأة، وقد جعلها تتحرك لتحط على يده للتعبير عن حالة الحب التي سكنت قلبه، وتملكت مشاعره، أما في الصورة الثانية، فيحاول الشاعر التعبير عن حالة الانكسار التي غالب ما تصيب من وقع في الحب، فهو يخشى على نفسه من أن يكون هذا الحب غير متبادل، وهذا ما تحمله دلالة اللون الأسود الذي طبع شكل الانكسار الموضح في الصورة، لأن الحب إن أصاب القلب جعل صاحبه أسيرا في يد محبوبه، لا يقو على فراق كما جاء في الصورة الثالثة، أما في الصورة الثالثة فإن الشاعر يعكس الحالة التي يتمنى أن يعيشها مع محبوبته، حيث يتمنى أن يعرف كل منهما قدر الآخر، ويبادله الحب الذي يجعلهما في سعادة لهذا جعل الفراشة تحط في كفّيه وكأنها في رعايته، وأن حبها دخل قلبا آمنا، وهذا كله تماشيا مع ما قاله الشاعر:
كيف عشقت امرأة لم ألقها؟
عشقتها حتى خشيت عشقها
والعشق إن مس القلوب شقها
وإن تكن حرائر استرقها
فما أجلها وما أرقها
إن عرفت حقي عرفت حقها
من خلال هذه الصور يتبين لنا أن التركيز على خطاب الصورة في القصيدة الرقمية "له مبرراته العلمية والجمالية، فقد أضحت الصورة المصدر الأساس في نقل الثقافة، بل وفي نشر المظهر الحضاري نظرا لما تمتلكه الصورة من عناصر التشويق، وسرعة التبليغ، وتجميل الموضوعات المصورة، يضاف إلى هذه الخصائص الفنية الإبداعية والجمالية ضرورة التكامل والتضافر ما بين النصين أو الخطابين: خطاب اللغة وخطاب الصورة"[11]، وكلامنا هذا لا يعني تراجع حضور الكلمة لصالح الصورة وما يترتب عنها من ألوان وحركة وإنما تتشارك هذه العناصر كلها فيما بينها مع الكلمة بشكل يفسر كل منهما الآخر، كما في الصور التالية:
حاول الشاعر من خلال هذه الصور بما تحمل من ألوان باهتة وغير حيوية أن يعكس الحالة الحزينة التي أصبح عليها هذا المحب، إذ يصوره في علبة زجاجية قد وصلت به إلى قاع البحر، فهو أشبه بالسجين وبالغريق الذي نال منه الحب، فضلا عن هذا فإنه يصوره في حالة تمني، إذ يتمنى أن يكون هذا المحبوب يستحق كل هذا الحب الذي يكنه له إذ يقول: "النفس كالطير تحب جنسها"، ويقدم لنا لتقريب هذه الفكرة صورة عصفوران يتبادلان الحب، فهو يتوسم في حبيبته أن تبادله نفس المشاعر، وما هذه الصور المرفقة إلا إسقاط لقوله:
والعشق إن سر القلوب ضرها
وليس يستعبد إلا حرها
إن عرفت قدري عرفت قدرها
النفس كالطير تحب جنسها
قد عرفت بالغيب نفسي نفسها
وأصبحت غربتها وأنسها
فليس يسه القلب عنها إن سها
أعيا هواها إنسها وجنها
حسناء إن لم تنسني لن أنسها
نستنتج من خلال الصور أعلاه أن الخطاب البصري المرفق بالقصيدة يحمل دلالات أوسع من الخطاب اللغوي، فالصور المستعملة بما تحمله من ألوان وحركة تشكل عنصرا نفسيا فيزيولوجيا محددا لعملية التلقي، حيث "أضحت الصورة المتحركة فضاء ينبني على الكثير من عناصر الغواية وتربية الذوق الإنساني الذي تنشده كل نفس تواقة إلى كل جمالي ومبهج، ومن ذلك الجمالي المبهج في الصورة الرقمية المتحركة تناغم وتناسب ألوانها-الألوان المحوسبة- التي تشكل خلفية ترسخ المكاني وتؤطره، فاتحة المشهد على الرؤية البصرية العفوية التي تتلذذ بالكلي بصفته رؤية تنفتح على المحتمل المعادل للواقع، وقد ذهبت التقنية الرقمية الحاسوبية مذهبا رهيبا في هذا، وخاصة على مستوى إيقاع الألوان وموسيقاها البصرية"[12]، فالحياة المتحركة من شأنها أن تجعل النص نابضا بالحياة وبالجمال.
الصوت والموسيقى:
يعتبر المستوى الصوتي من أهم العناصر التي يركز عليها الشعر الرقمي كونه مثقل بالدلالات والمعاني، فضلا عن كونه الركيزة الأساسية للنص من خلال المقطوعات المصاحبة التي تكون في خدمة الخطاب اللغوي، وفي خدمة الصورة المرفقة به، وعلى الرغم من هذه الأهمية إلا أنه كان ينظر إلى الصوت والصورة على أنهما عناصر تكميلية، أي أنها ليست ضرورية في بنية النص، "ولم تبلغ النصوص الأدبية المتوسلة بالآلة التكنولوجية المستوى الذي يعبر عنه حقيقة عن العصر التكنولوجي شبه الكامل الذي نعيشه إلا عندما أصبحت تنظر إلى العناصر التي تستعيرها من الفضاء الالكتروني بوصفها جزءا أساسيا في
بنية النص، وعنصرا مهما من عناصره، يفقد النص بفقدانه أو تعطيله جزءا من قيمته الفنية والمعنوية"[13].
قدم الشاعر تميم البرغوثي خطابه الشعري مرفقا بموسيقى البيانو الهادئة، ليزيد الأداء الشعري تميزا، ويدعم الصورة المدمجة مع الخطاب اللغوي، لتحقق من خلال تفاعلها مع باقي العناصر دلالات وإيحاءات تتصل بالمعاني الخفية، فضلا عن هذا فإنها توحي بالتأثير الفني والجمالي في المتلقي، وتتحكم في عملية استقباله، فموسيقى البيانو المدرجة في المقطع تحمل شحنات عاطفية كثيفة، وتعكس طاقة الحب التي تراود الشاعر والتي تجعله في حالة بوح لمشاعره وأحاسيسه.
الإخراج:
إن تحقق كل العناصر التي سبق صوتها (اللغة، الأسلوب، الصورة، الصوت الحركة...إلخ) لا يعطينا الحق في قول بأدبية هذا النص أو ذاك ما لك يتم إخراج هذه العناصر بشكل يليق بها، لهذا فإنه "من الأمور المهمة في العمل التفاعلي الرقمي الرؤية الإخراجية، لأن منتجه يسعى إلى تقديم عوالم افتراضية يتعايش معها المتلقي بنحو كامل أو شبه كامل، ولا يتحقق ذلك إلا عبر قدرة خلاقة يستمكن من أدواتها المنتجة، وعليه يمكن له أن يستعين بمنفذ تقني أو مخرج فني يعينه على تحقيق رؤيته النهائية للعمل، ولكن شريطة ان يكون التخطيط منه والرؤية الإخراجية أيضا منه، وإلا سيبقى محققا للنص الحرفي فقط، وهو مستوى من مستويات التفاعلية الرقمية، أما إذا استطاع أن يحوز التصميم والتنفيذ فذلك لا محالة أكمل"[14].
وللإفادة فإن "هذا التوليف بين مختلف العناصر البنائية المكونة للنص المترابط، والمتمثلة أساسا في اللغة والصورة والصوت سيكون ناجحا كلما أفضى إلى حركة عارمة في النص، وبالتالي جعله ينبض إبداعا وتجددا، فالأدب الرقمي في نهايته ليس إلا تنسيقا بين مكوناته البنائية بشكل بارع يجعلها قابلة لإعادة بناء وتشكيل"[15]، فلا يمكن النظر إلى خطاب اللغة، وخطاب الصورة، أو خطاب الموسيقى في النص الشعري الرقمي على أنها خطابات منفصلة عن بعضهما البعض، ذلك لأن خطاب الصورة مثلا يلعب "دورا تكميليا توضيحيا مرافقا لخطاب اللغة، وهو ما يحرص الشعر الرقمي أن يفنده، بل وسعى ليطرح نموذجا تتضافر فيه هذه الخطابات (خطاب اللغة، خطاب الصورة، خطاب الصوت...) وتسقط الحدود بينهما لتمتزج في شكل موحد"[16].
وفي الأخير نشير إلى ان استخدام هذا النمط الكتابي الجديد بكل معطياته الرقمية يلزم على المبدع " تطوير إنتاجه الأدبي ليتلاءم مع العصر من خلال استثماره منجزاته التكنولوجية في تطوير إبداعاته فيدمج في إبداعه الأدبي الصورة والصوت بمختلف الصيغ والأشكال التي تفتح له آفاق جديدة في الإبداع والتعبير "[17]، فإذا كانت بلاغة النص سابقا تقاس بمقدرة الكاتب على توظيف الكلمة لتوليد المعاني والافكار والصور الفنية، والمحسنات اللفظية كالاستعارة والمجاز والكناية والجناس والطباق، وقدرته على الإقناع والحجاج، أصبحت اليوم تقاس وفق معايير وآليات أخرى. فلم يعد الكاتب يكتب بالكلمة فقط، بل أصبح بإمكانه أن يتوسل بوسائل أخرى للتعبير. فيوظف اللون كرمز، والحركة كمعنى والموسيقى كإيحاء، والصورة ككناية. والشيء نفسه بالنسبة للروابط، اذ أصبح بمقدور الكاتب أن يضمن نصه بعض الروابط فيجعل منه لوحة فسيفسائية تتداخل وتتشابك فيها نصوص كثيرة، وهو ما بات يعرف اليوم بـ “الهايبريد تكست” (Hybrid text) أي “النص الهجين” أو “الجامع للأجناس”، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك فأطلقوا عليه اسم ((Archiart أي النص الجامع للفنون بحيث تتضافر فيه أنواع الفنون كافة، مثل فن الموسيقى الى جانب فن الاخراج السينمائي إلى جانب فن الرسم إلى جانب فن المسرح، مما أدى إلى تغيير مفهوم التناص كأحد الأساليب البلاغية، فبدأنا نسمع اليوم الحديث عن “التناص التقني[18].
إن دخول الأدب إلى هذا المجال واغترافه من كل الفنون أربك النقاد فيما يخص مسألة تصنيفه هل هو أدب حقا أم فن؟ ذلك لأن الرقمية "نقلت النص من دائرة الادب إلى دائرة أشمل وأعمّ وأكبر هي دائرة الفن، فأصبح الأدب الرقمي أحد فروع الفن الرقمي، ولم يعد النص ينتج ليقرأ فقط، بل ليُرى ويُشاهد ويُسمع أيضًا[19]
[1] جمال قالم، النص الأدبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص108.
[2] سمير الفيل، الرواية الرقمية: تصورات وتنبؤات حول صورتها في المستقبل، ملتقى القاهرة للرواية والأبحاث، 17، 20 فبراير، 2008، ص29.
[3] جمال قالم، النص الادبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص98.
[4] المرجع نفسه، ص96.
[5] خديجة باللودمو، الأدب الرقمي العربي الموجه للأطفال (دراسة في المنجز النقدي)، ص152.
[6] عبد القادر فهيم شيباني، المحكي المترابط نحو آفاق رقمية للرواية، مجلة سمات، ع2، ماي2013، ص2287/288.
[7] جميل حمداوي، الأدب الرقمي بين النظرية والتطبيق(نحو المقاربة الوسائطية) ص162.
[8] ينظر، أحمد فضل شبلول، تكنولوجيا أدب الطفل، دار الوفاء دنيا الطباعة والنشر، الاسكندرية، مصر، ط2، دت، ص107.
[9] السيد نجم، ثقافة الصورة سحر لا يقاوم(الشاشة.. قمة التحول المعرفي)، جريدة البيان، 12 ديسمبر 2010، ص10.
[10] عز الدين المناصرة، علم التناص المقارن(نحو منهج عنكبوتي تفاعلي)، ص434.
[11] عميش عبد القادر، قصة الطفل في الجزائر(دراسة في الخصائص والمضامين)، دار الأمل، الجزائر، ط2، ص205.
[12] عبد القادر عميش، شعرية تلقي الصورة الرقمية في قصة الطفل
www.amicheabdelkader.com/index.php?option=com. شوهد بتاريخ: 04/01/2021، على الساعة: 09.33.
[13] السيد نجم، الصورة وواقع الأدب الافتراضي
www.startimes.com/?t=28689808 شوهد بتاريخ: 04/01/2021، على الساعة: 10.11.
[14] ناظم السعود، سحر الأيقونة، مقعد حواري أمام الشاعر الرائد مشتاق عباس معن، دار الفراهيدي، بغداد، 2010، ص76.
[15] خديجة باللودمو، الأدب الرقمي العربي الموجه للأطفال (دراسة في المنجز النقدي)، ص167.
[16] المرجع نفسه، ص164.
[17] سعيد يقطين، النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية، ص92.
[18] إبراهيم ملحم، الأدب والتقنية، مدخل إلى الأدب التفاعلي، إربد، عالم الكتب الحديث. (2013)، ص26.
[19] Roberto Simanowski(2010). Reading Moving Letters, London: Transaction Publisher. (2010), p. 17
-
المؤثرات الصوتية، المؤثرات السمعية، الصوت، الصورة، الألوان، الحركة، الطواعية في الكتابة، الكتابة الخطية،