Section outline

  • يطرح الأدب التفاعلي العديد من القضايا والإشكالات كونه نمط كتابي مستحدث فرضته الثورة التكنولوجية بمختلف معطياتها الرقمية، ولعل اهم إشكالية تثيرها هذا الموضوع هو  إشكالية تجنيس الأدب التفاعلي حيث إن "توظيف الأدب الرقمي لإمكانات الوسائط المتعددة قد يؤدي إلى إشكالية عسيرة في تصنيفه ضمن جنس أدبي معين، وهذا الأمر يحدث خللا في نظرية الأنواع الأدبية ذاتها، فبمقدوره أن يهضم الأجناس الأدبية الأخرى ويشكل جنسا أدبيا جديدا ، له طابعه الخاص، وآلياته الخاصة، غير أن هذا الأمر لا يعني البتة تجريد الأدب الرقمي من أدبيته، ولكن نظرية الأنواع الأدبية تحتاج إلى صياغة جديدة، نظرية جديدة ومختلفة تجمع كل الأجناس الأدبية السابقة من رواية وقصة وشعر ومسرح وغيرها لتدمجها في جنس إبداعي جديد، بوعي جديد، لأن لكل عصر وسائله وأسلوبه وطريقته في الإبداع، لذلك نحن بحاجة إلى جنس أدبي جديد وكتابة جديدة عابرة للأجناس الأدبية السابقة"[1]

     

     

    وهذا الطرح هو نفس ما يذهب إليه محمد سناجلة حيث يؤكد في كتابه رواية الواقعية الرقمية أن "هذا العصر سينتج أدبا جديدا قادرا على هضم كل ما سبق ومزجه مع ما توفره الثورة الرقمية من إمكانيات كبيرة لخلق جنس إبداعي جديد، قادر حقا على حمل معنى العصر الرقمي بمجتمعه الجديد وإنسانه المختلف"[2].

    إن تلبس الأدب بالتكنولوجيا خلق لنا ما يسمى بالأدب الرقمي الذي يمكننا أن "نتحدث عن ممارستين مختلفتين حيال الأجناس الأدبية: فهناك من جهة أنواع قديمة(الشعر، السرد، الدراما)، أي الأجناس الكلاسيكية والتي بدأت تتلبس بالآليات الرقمية وتوظفها لفائدتها، متخذة بذلك مظهرا جديدا للأدب ومقدمة صورة جديدة للإبداع الأدبي، وقد تنوعت التجارب في هذه الأجناس وصارت متعددة ومتفرعة، يتداخل فيها اللفظي بالصوري بالحركي، والصوتي بالسمعي والثابت بالمتحرك... كما بدأت تظهر أجناس جديدة من جهة أخرة متصلة بالحاسوب والفضاء الشبكي مثل الروايات المشتركة والكتابات التفاعلية الجماعية التي يشارك العديد من القراء والكتاب في كتابتها"[3]

    إن هذه الجدة التي طرأت على الأدب بمختلف أجناسه وألبستها ثوبا مغايرا لما هو معهود هي التي أثارت ولا تزال تثير رغبة النقاد والمتلقين على حد سواء في متابعة هذا الأدب الجديد لسبر أغواره ومعرفة كنهه وآليات تشكيله، "وإن تعدد هذه الأشكال والأجناس التعبيرية يجمع بينها عنصران مركزيان هما: البعد الرقمي الذي يجعلها تتحقق بواسطة الوسيط الجديد من جهة، والبعد التفاعلي الذي يتجلى بصور وأشكال متعددة من جهة ثانية، وهي مرشحة للمزيد من التطور والتنوع، نظرا لما يختزنه هذا الوسيط من إمكانيات وما يوفره من خدمات تساعد على تفتق الإبداع وتطويره"[4]

    وللإفادة فإن التشكيلات البنائية التي تتمظهر فيها هذه النصوص الأدبية الرقمية  "تختلف من نص أدبي إلى آخر، ومن جنس أدبي إلى جنس أدبي، هذا على افتراض أن مفاهيم الأجناس الأدبية السائدة والمألوفة ما زالت قادرة على التعبير عن الأشكال الإبداعية الرقمية، وقد حاول كثير من النقاد والدارسين تقسيم الأجناس أو الأشكال التي تندرج تحت تصنيفات الأدب الرقمي، ومنهم من اجتهد في حدود النماذج والتجارب المتاحة، ومنهم من أخذ عن غيره، ولم يهتم بالتثبت من هذه التقسيمات"[5]، من بينهم فاطمة البريكي، وعبير سلامة، وغيرهما وهذه التقسيمات متمثلة في (القصيدة الرقمية، الرواية الرقمية، المسرحية الرقمية).

    وبطبيعة الحال فإن هذه التقسيمات المطروحة في الساحة النقدية إنما تعتمد على "الأنواع السائدة والمألوفة من الأجناس الأدبية بعد أن ارتدت حلة عصرية، وتلبست بلبوس التكنولوجيا. وقد تكون هذه الأنواع سهلة المأخذ والفهم من قبل المتلقي الذي يفهم دلالة (القصيدة، والمسرحية، والرواية) ويبقى عليه مهمة استيعاب الوسيط الجديد الذي تقدم عبره، واشتراطات (التفاعلية) التي باتت تتطلبها الأشكال الجديدة، ولعل هذا ما دفع بعض النقاد ليرى أن المسألة لا تتجاوز أن تكون " أيقونات جديدة لمحتويات قديمة"[6]، وبالتالي فإن مسألة تجنيس النص تعود إلى المتلقي، وفي هذا الصدد تشير زهور كرام  إلى أن المسؤول عن تجنيس نص ما هو القارئ ، وهذا يقودها إلى طرح أسئلة تسمها بالخطيرة، حيث تقول: " هل أجناسية النص المترابط التخييلي مسألة غير ثابتة ، ذات علاقة بتحولات تفاعلية للقارئ ، وحالاته الثقافية والنفسية والمعرفية والجمالية مع النص المترابط ؟.[7]

    وقد أرجع إيمان يونس هي الأخرى هذه المسألة ( التجنيس) إلى القارئ الذي يملك مفاتيح النص شكله وجنسه بتفاعله مع النص، ليأتي الوسيط التقني في مرحلة لاحقة عن القراءة للتحديد والتجنيس[8]

    إن عدم القدرة على تقديم تحديد أجناسي للأدب الرقمي مرده إلى قصور النظرية النقدية وفي هذا السياق يقول رائد الإبداع الرقمي العربي محمد السناجلة: " كيف يمكن أن تحدد هكذا كتابة بجنس أدبي استنادا إلى نظريات نقدية سابقة لم تعرف التحولات التي أحدثتها الثورة الرقمية على الكون والإنسان والوجود؟"[9]

    نفس الطرح تذهب إليه إيمان يونس في دراسة لها بعنوان تأثير الأنترنيت على أشكال الإبداع والمتلقي حيث تقول: إن النظريات النقدية قبل الرقميات لم تعد صالحة لاقتحام كثير من عوالم النص الأدبي الجديد، وكذلك فإن المصطلحات والمفاهيم النقدية الرائجة استعمالا لم تعد بذات الحمولات الدلالية، وعند هذا الحد تصبح الحاجة ماسة للمناداة بنظرية نقدية جديدة كل الجدة، بعد أن ظهر من يقول :" نحن بحاجة إلى جنس أدبي جديد ، ليس هو بالرواية وليس بالشعر وليس هو بالمسرح ولا السينما، ولا أيضا اللغة التقنية الجديدة بل هو مزيج من كل هذا معا ، كتابة جديدة عابرة للأجناس الأدبية السابقة، وعصية على التجنيس إن نحن حاكمناها باستخدام النظريات النقدية السابقة. ذلك أننا أمام لغة (كتابية) جديدة ومختلفة لم تعد الكلمات سوى جزء من كل فيها، كتابة تجد فيها الصورة والحركة والموسيقى والأغاني والمشهد السينمائي وفن الجرافيكس وبرامج تقنية متعددة ومختلفة إضافة إلى الكلمة"[10]

      في ظل هذا الوضع النقدي ارتفعت في الساحة النقدية أصوات تطالب بإلغاء كل ما هو سائد ومألوف من النظريات النقدية، والتوجه نحو نقد رقمي يناسب التحولات وحجمها وشكلها، ويلخص ذلك أحد النقاد بقوله:" نحن بحاجة إلى قراءة نقدية إلكترونية تفاعلية، تضاهي طبيعة القصيدة الإلكترونية التفاعلية، وإلا كانت قراءة تقليدية لنص غير تقليدي ولا مألوف ولا مهيأ لمعظم القراء، وسيتعذر على القارئ متابعة ما نقدم إليه إلا في نطاق نخبوي ضيق"[11] ، وقريبا من هذا الرأي يقول محمد المبارك: " المفهوم التقليدي للنقد وآلياته لم يعد يصلح لمقاربة النص الجديد، ...، فنظرية القراءة حتى وإن ارتبطت بالأدب المطبوع فهي لا تزال غضة طرية وما زال الكلام فيها متسعا وقد يحمل بعض نقادها المتحمسون شتاتها ليلقوه إلى ذاكرة القرن الواحد والعشرين"[12]

    وعليه تقترح الباحثة إيمان يونس وجوب "التفكير باتجاهات نقدية جديدة تعنى بدمج التكنولوجيا والأدب معا والتفكير بنظريات حديثة ومدارس نقدية جديدة تتخذ من الميزات التقنية معايير أساسية لتقييم العمل الفني"[13]  بحكم أن للنص الأدبي الرقمي معايير وخصائص لم تتطرق إليها المدارس والمذاهب النقدية الموجودة.



    [1] جمال قالم، الأدب التفاعلي وإشكالية تداخل الاجناس، ص93

    [2] محمد سناجلة، الأدب الرقمي يكتب ويقرأ ويشهد معا، ص187/196

    [3] جمال قالم، الأدب التفاعلي وإشكالية تداخل الاجناس، ص93.

    [4] سعيد يقطين، النص المترابط  ومستقبل الثقافة العربية، ص196.

    [5] أحمد زهير الرحاحلة، المتلقي وإشكالية الأجناس الأدبية الرقمية، نشر بتاريخ، 1 جوان2017، اطلع عليه بتاريخ: 16 أوت2023، على الساعة: 15:47 http://www.qabaqaosayn.com/node/11819

    [6] أحمد زهير الرحاحلة، المتلقي وإشكالية الأجناس الأدبية الرقمية.

    [7] زهور كرام  الأدب الرقمي : أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية ، ص78.

    [8] إيمان يونس، تأثير الانترنيت على أشكال الإبداع والتلقي، ص344.

    [9] محمد سناجة الرواية الواقعية الرقمية، ص68.

    [10] إيمان يونس، تأثير الانترنيت على أشكال الإبداع والتلقي، ص160

    [11] عبد الله بن أحمد الفيفي، شعر التفعيلات وقضايا أخرى، دار الفراهيدي للطباعة والنشر، بغداد، الطبعة الأولى، 2011، ص 103.

    [12] محمد المبارك، استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات، لبنان، ط1، 1999، ص123

    [13] إيمان يونس، تأثير الانترنيت على أشكال الإبداع والتلقي، ص345.