Section outline

  • المحور الثالث: آليات التنظيم الدولي:

    توجد مجموعة من الآليات للتنظيم الدولي جاءت في السياقات التاريخية مع التطور لهذه الظاهرة الدولية يمكن أن نذكر منها:

    1-                    اللجوء لعقد المؤتمرات الدولية: 

         تعتبر قمة واستفليا Westphalien سنة 1648[1] منعطف تاريخي وهي المحطة الأولى في هذا المسار حيث عقد هذا المؤتمر الدولي الذي جمع دول أوروبية بعد حرب طويلة الأمد مؤتمر أدى لوقف الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا قرابة 30 سنة، كما أدت لوضع قواعد عامة تلتزم بها جميع الأطراف الموقعة على المعاهدة ومن بينها حل مشاكلها دون اللجوء للحروب، كما تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل اتحاد موسع بين الولايات الألمانية التي كانت تعد بـ 300 إمارة حيث تكتلت لتصبح 39 إمارة ضمن اتحاد موسع تتم بموجبه حل مشاكلها باللجوء لمجلس الولايات الألمانية، والذي تطور حتى تحقق الاتحاد الألماني سنة 1871 على يد "بسمارك".

         مؤتمرات أوتريخت التي امتدت من 1701 حتى 1713 والتي انهت حرب خلافة العرش الإسباني، وأدت لاتفاق القوى الأوربية على تسوية مشاكل خلافة العروش في أوروبا عبر تسويات سلمية، كانت أغلب عروش أوروبا تنتمي لأسرة هابسبورغ النمساوية، مما يجعل ملك النمسا ملكا على كل أوروبا في حال توفي ملك احدى الامارات أو الممالك ولم يترك وريثا، وهو ما حدث سنة 1700 حينما توفي ملك اسبانيا تشارلز الثاني وترك وصيته بتولي الأمير الفرنسي "فيليب" عرش اسبانيا، وهو ما رفضه القيصر تشارلز السادس ملك النمسا على أساس أنه الوريث الشرعي بحكم أنه كبير الهابسبورغ والأقرب نسبا للملك الاسباني المتوفي؛ لقد أنهت هذه المؤتمرات وصاية النمسا على أوربا، كما تراجعت أطماع فرنسا في توسيع مملكتها عبر وارثة العرش الاسباني.

     أما المحطة الرئيسية فكانت بعد معركة واترلو سنة 1815، حيث شهدت أوروبا مجموعة من المؤتمرات لتسوية نزاعات المستمرة، وهو ما أدى لتحقيق سلام المئة سنة.

    وأهم هذه المؤتمرات: مؤتمر فيينا سبتمبر 1814- جويلية 1815، مؤتمر برلين 13 جوان 13 جويلية 1878، مؤتمر برلين 15نوفمبر1884-26 فيفري1885.

    2-                    التحكيم الدولي: 

         إن التحكيم بصورة عامة هو اتفاق الأطراف على طرح نزاع على محكمين للفصل فيه، والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق قد ينشأ لاحقا لنشأة النزاع، وهو ما يُسمى بمشارطة التحكيم، أما إذا نشأ هذا الاتفاق قبل أن يتم مسبقا أي عند التعاقد قبل نشأة النزاع فيُسمى في هذه الحالة بـ "شرط التحكيم". 

         أما التحكيم الدولي فهو لا يختلف عن التحكيم بصفة عامة إلا في وجود العنصر الأجنبي، قد يكون هذا العنصر هو أحد أطراف العلاقة، وقد يكون محل الن ازع ذاته كأن يكون الن ازع بين أطراف من نفس الجنسية على عقار واقع في دولة أخرى، وأيضَا يكون التحكيم دولي عندما يتعلق بالتجارة الدولية.

         إن تحديد كون التحكيم دوليا أو أجنبيا يتحدد وفق التشريع كل دولة، ومن الأهمية بمكان التفرقة بين التحكيم الدولي والتحكيم  وفق للقانون الدولي العام، فالأول يكون المُحكمين أشخاص عاديين، وعادة ما يكونون متخصصين في موضوع النزاع، واطراف النزاع يكونون أشخاص عاديين، وتسوية النزاع تكون وفق للعدالة، أما الثاني فالمحكمون لابد أن يتم اختيارهم من بين القضاة ويتم حسم النزاع وفق الأحكام القانون الدولي العام المعاصر، ويكون أطراف النزاع من أشخاص القانون الدولي العام، أي أن التحكيم في إطار القانون الدولي العام ما هو إلا ضرب من ضروب القضاء وهو ما ذهب إليه الفقهاء.

         وتجربة النظام الدولي مع التحكيم كانت في قضية ألاباما Alabama سنة 1872، حيث اتفقت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على عرض خلافهم على محكمة مكونة من مجموعة محكمين، من جنسيات مختلفة: بريطانية، أمريكية، إيطالية، سويسرية، البرازيلية والتي فصلت في المسألة بفرض تعويضات قيمتها 5,15 مليون دولار.

         وقد أقر مؤتمر لاهاي 1899 و1907 مبدأ التحكيم الاجباري واضعا قواعد واجراءات التحكيم، لكنه فشل في إنشاء محكمة تنظر في المنازعات.

         محكمة التحكيم الدائمة أنشئت سنة 1899، وكانت عبارة عن قائمة بالقضاة الذين يمكن اختيارهم كمحكمين عند اتفاق أطراف النزاع اللجوء إليها.

    3-                    اللجان الدولية: 

         وقد تم انشاؤها لتسيير المرافق الدولية المشتركة، وفي هذا الصدد ظهرت لجنة الراين واللجنة المركزية للملاحة في نهر الراين والتي انشئت سنة 1815، لضمان الملاحة الآمنة في نهر الراين، لجنة الدانوب 1856، لتظهر لجان أخرى كاللجان الصحية، لجنة القسطنطينية، لجنة بوخا رست، لجان الديون كلجنة الدين المصري 1878، لجنة الدين اليوناني 1897، لجنة الدين العثماني 1898.

    4-                    الاتحادات الدولية الإدارية: وهي عبارة عن اتحادات دولية في قطاعات متخصصة، كاتحاد التليغراف 1865، اتحاد البريد 1874.

    5-                    المنظمات الدولية: وهي كيان قانوني أو وحدة قانونية تضم مجموعة من الدول، تنشأ من خلال اتفاق دولي، ويتكون من أجهزة وفروع دائمة، ويتمتع بإرادة ذاتية مستقلة عن الدول، وذلك لرعاية بعض المصالح المشتركة أو تحقيق أهداف معينة.

         العناصر الأساسية لأي منظمة تتمثل في أن تكون تجمعا اراديا وليس إلزاميا، وأن يكون لها شخصية قانونية دولية مستقلة، كما أن لها صفة الدوام والاستمرار، وتتمتع بإرادة ذاتية مستقلة، وذات هيكل إداري دائم، وميزانية مستقلة، وتتمتع بالحصانة القضائية، وحرمة مبانيها والأماكن التي تستغلها المنظمة ومرسلاتها، بالإضافة لتمتعها بحصانات مالية وضريبية، وحصانة موظفيها.

     



    [1]  محمد حافظ غانم، المنظمات الدولية، دراسة نظرية التنظيم الدولي ولأهم المنظمات الدولية، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة 1973، ص 120.