Section outline

  • النّظرية البنائية والنّظرية البنائية الاجتماعية:

    أ‌.    النّظرية البنائية:

         لقد ظهرت النّظرية البنائية في علم النّفس كرد فعل على النّظرية السّلوكية، ويعتبرون أنّ الإنسان ليس مجرد مستجيب للمثيرات البيئية الّتي يتلقاها، بل إنّ الإنسان يعمل بنشاط على بناء موارده، وتحليلها، وتفسيرها، وتأويلها إلى أشكال معرفية جديدة.

          و هي تعتبر من أحدث نظريات التّعلم الّتي ينادي بها العديد من المنظرين التّربويين، على الرّغم من جذورها الممتدة حتى أوائل القرن الماضي حيث تعدّ في الأساس نموذجا بيولوجيا ينظر إلى أنّ الفرد بناء ذاتي التّنظيم، وهو مصدر كل الأنشطة الّتي يقوم بها؛ فالإنسان لديه القدرة الذّاتية على إعادة تنظيم نفسه، فلا تعنى هذه النّظرية بالعلاقات أو الارتباطات بين المثيرات، والاستجابات فهي لا تؤمن أبدا بأن مثيرات معينة تحدث استجابات معينة على نحو آلي، وإنما ترى أن الاستجابات هي نتاجات للأبنية المعرفية الّتي يشكلها الفرد في ضوء عمليات النّمو.

            البنائية هي اتجاه تفكير يعود إلى علم النّفس الحديث الّذي يتساءل حول تشكّل المعرفة.     و مؤسّسها جان بياجيه، وهو واحد من أبرز أقطاب علم النّفس، والتّربية المعاصرين، وقد قام بتطوير نظريات النّمو، وموضوع نشوء المفاهيم، وطبيعتها، وتكوينها الأساسية، وارتقائها عند الطّفل، وتطبيقاتها العلمية في الحياة التّربوية، والاجتماعية.

          فقد تأثر بكتابات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الّذي كان يرى أفكار لوك، وهيوم غير كاملة فهو يرى أنّ الإنسان لا يمكن أن يكتسب المعرفة دون استخدام حواسه، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الوحدة المسؤولة عن تنسيق المعلومات داخل العقل بل أنّ الإنسان له قدرات معينة تعطي معنى ونظاما له يستقبله من مثيرات.

          يرى أنصار هذا الاتجاه أنّ التّعلم ليس فقط ما ينتج من استجابات الفرد للمثيرات الخارجية، وإنما يوجد شيء ما يحدث في الذّهن ما بين المثير والاستجابة، وهو التّصورات. فالتّعلم وفق هذا النّموذج، يعتمد على تصورات المتعلم، لإعادة النّظر في الخاطئة منها.

    تعتبر أعمال بياجيه من أهم الإسهامات في النّموذج البنائي، إنّها التّساؤل حول تطوّر الذّكاء عند الطّفل، أي ما يسميه الابستيمولوجيا الجينية، وبناء المعلومات أثناء النّمو البيولوجي للإنسان.

           ويمكن تلخيص أفكاره فيما يأتي:

    -         النّمو المعرفي هو عملية بناء المعرفة يقوم فيها المتعلم بدور نشط من خلال تفاعله مع محيطه.

    -         تتحكّم في هذا النّمو الميكانيزمات الدّاخلية للفرد، ولا تتأثر بالعوامل الخارجية منها إلا في حدود نسبية جدا.

    -         يعتبر النّمو العقلي المعرفي مسارا ديناميكيا، يتحقّق عبر مراحل متدرجة متسلسلة وضرورية (النّضج) في شكل بنيات معرفية تأخذ منحى التّجريد التّدريجي.

    -         يكون التّعلم دائما تابعا للنمو.

    -         يتحقق التّعلم بالبحث عن التّوازن بين الطّرفين المتفاعلين (المتعلم والمحيط) وفق ثلاث آليات هي: الاستيعاب والملاءمة والتّوازن.

    رغم الأهمية الكبيرة لأعمال بياجيه لاحظ النّقاد جوانب من القصور في نظريته، نذكر من أهمها ما يأتي:

    -         التّفكير داخل إطار علم النّفس التّقليدي من حيث اعتباره الذّكاء واحدا وحصره في العمليات الذّهنيات المتعلقة بالفهم واللّغة والمنطق الرياضي.

    -         إغفال ذكاء الراشدين الّذي يختلف عن ذكاء الأطفال من حيث آلياته وطرق تكوينه.

    -         إغفال دور الثّقافة في تشكيل الذّكاء وآلياته وطرقه ومراحل انتقاله ونموه واختلافه من ثقافة إلى أخرى.

    ب‌.النّظرية البنائية الاجتماعية:

          ظهرت النّظرية البنائية الاجتماعية كرد فعل على النّظرية البنائية لجان بياجيه، على أساس أنّ

    هناك تفاعلا بين البنية والمجتمع، وقد تشكّلت هذه النّظرية مع الرّوسي فيجوتسكي، الّذي يعيد النّظر في النّماذج النّفسية للنمو المعرفي، ويرى أن التّطور الاجتماعي لدى الطّفل ليس راجعا إلى المكونات البيولوجية والوراثية والعقلية والذّاتية، بل تتعداها إلى اندماج الطّفل في المجتمع، ليكون بذلك التّعلم اجتماعيا وليس فرديا.

         تعتبر النّظرية البنائية الاجتماعية لفيجوتسكي من أهم الأسس النّظرية الّتي قامت عليها المقاربة بالكفايات الّتي اعتمدتها الجزائر في بناء مناهج الجيل الثّاني الحالية.

         استفادت دراسات النّمو المعرفي من هذا التّصور، خاصة فيما يتعلّق بسيرورة جودة التّعليم الّذي يتلقاه الطّفل من الآخرين. لم يحدّد فيجوتسكي بالضبط الطّريقة الّتي يشتغل بها الرّاشدون، والأطفال داخل منطقة نمو الإمكان لكن الأبحاث أضافت مفهوم الدّعم كسيرورة تفاعلية.

        تُعالج نظرية فيجوتسكي ثلاثة مواضيع أساسية، وهي كالآتي:

    -         يركّز فيجوتسكي على منهج النّمو المعرفي في أصوله العقلية الوراثية، لكن مع التّأكيد على فكرة أن هذا النّمو في الواقع هو سيرورة تاريخية اجتماعية وليس بناء فرديا كما هو الأمر عند بياجيه.

    -         يتعلق النّمو المعرفي لدى الطّفل حسب فيجوتسكي بتفاعلات الطّفل مع الآخرين الّذين هم أكثر منه خبرة حيث يتأثر بالتّثقيف، والمساعدات الّتي يقدمونها له. ينطلق هنا من فكرة أن الطّفل مزود فطريا بمجموعة من المهارات، لكن تطوّر هذه المهارات يكون محدودا، دون تدخل محيطه، ودون التّفاعل معه.

    -         العنصر الأساسي الثّالث في نظرية فيجوتسكي هو مفهوم الوساطة القائم على فكرة أن كلّ نشاط إنساني، ذو طبيعة فردية واجتماعية في آن واحد، يستعمل وساطة أدوات رمزية كاللّغة والأعداد، والفن، والمنتوجات الثّقافية الأخرى.

    أما التّعلم في النّظرية البنائية الاجتماعية فهو يقوم على مجموعة عناصر مُهمّة، وهي:

    -         التّعلم هو سيرورة بناء المعارف، يتحقّق عبر التّفاعل القائم بين الفرد (المتعلّم) الّذي يفكّر، والمحيط الّذي ينمو فيه، وبشكل ذاتي، فهو فاعل يبني معلوماته بنفسه، ولديه دافع قوي إلى ذلك.

    -         التّعلم يفترض إحداث روابط بين المكتسبات الجديدة والمكتسبات القبلية (التّصورات)، وكل ذلك في إطار المحيط الثّقافي، والاجتماعي، والتّعليمي للفرد.

    -      التّعلم يتطلّب التّنظيم المستمر للمعلومات.

    -     لبناء المعارف يتعيّن على المتعلّم أن يستخدم مكتسباته السّابقة كوسيلة تصور، وتفكير للوصول إلى استيعاب المعلومات الجديدة (التّصورات).

    -         دور المعلم من هذا المنظور، يتمثّل في إعداد الوضعيات المشكلات، وفي الملاحظة، والتّشخيص، وممارسة التّقويم التّكويني مع الاستعانة بالبيداغوجية الفارقة وتجنّب إعاقة السّيرورة الدّاخلية لنمو المتعلّم لدفعه على الاعتماد على نفسه في بناء معارفه.

    -         ضرورة اللّجوء إلى التّعلم التّعاوني، سواء تباينت مستويات المتعلمين أو تكافأت، لأن ذلك يُساعد على:

    ·    استثارة المنافسة بين المتعلمين.

    ·    مناقشة الإنتاج بالتّزامن مع التّقدم في خطوات الإنجاز.

    ·    مساندة التّلاميذ المتأخرين.

    ·    الاعتماد على تقويم إنتاج المتعلّم للحكم على مدى قدرته على تجنيد معلوماته (موارده) بشكل مدمج لحل وضعية مشكلة تطرح عليه.

    ·    توزيع الأدوار على غرار ما يمارس في الواقع.