الحصّة 3 و 4 : التّعلم
Résumé de section
-
التّعلم (L’apprentissage):
يعتبر التّعلم من الموضوعات المرتبطة بعلم النّفس، وقد حظي باهتمام الباحثين، والمفكرين، ورجال التّربية على حدّ سواء. وقد بلغ هذا الاهتمام ذروته في أوائل القرن الماضي؛ وهو موضوع يثير الكثير من الجدل حول ماهيته وطبيعة القوانين الّتي تحكمه، وتحدّد نظرياته، وتطبيقاته التّربوية.
لذلك فمهمة المعلم لا تنتهي بمجرد نقل الموارد المتوخاة إلى المتعلم، بل هي عملية مستمرة يتبيّن من خلالها للمعلم مدى تفاعل المتعلم مع الموارد المكتسبة، ومدى قدرته على توظيفها في مواقف مشابهة.
أ. تعريف التّعلم: لغة واصطلاحا
أوّلا: لغة
التّعلم من علّم، يقال: علّم المتعلم العلم تعليما فتعلّم: أي علّمه وأتقنه وتعلّم، وعَلِمَ يَعْلَمُ عِلْما، نقيض جَهِلَ، ونقول ما علمت بخبرك، أي ما شعرت به، وأعلمته بكذا، أي أَشْعَرْتَهُ وعلّمته تعليما. وعلّم تعليما وعلاّما: لقّنه إياه وجعله يعلمه، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
ثانيا: اصطلاحا
إنّ التّعلم لا يقتصر على التّعلم المدرسي فحسب، فكل تغيير نحو اكتساب مقدار أوفر وأعقد من المهارات يعتبر تعلّما. ويختلف المختصون في تعريفاتهم للتعلّم باختلاف مدارسهم.
وقد قدم الباحثون مجموعة من التّعريفات نذكر منها:
· التّعلم من منظور المدارس الكلاسيكية:
· جيلفورد (Guilford): تغيير في السّلوك ناتج عن استثارة هذا التّغيير في السّلوك قد يكون نتيجة لأثر منبهات بسيطة وقد يكون لمواقف معقدة.
· هيلغارد (Hilgard): عبارة عن العملية الّتي ينتج عنها ظهور سلوك جديد أو تغيير دائم نسبيا في سلوك قائم عن طريق الاستجابة إلى موقف معين، شريطة أن لا تكون صفات التّغيير ناتجة عن الغريزة الفطرية أو النّضج الفسيولوجي أو الحالات المؤقتة للعضوية.
· عملية تفاعل بين المعلم وطلابه، عملية أخذ وعطاء وحوار وتتفاعل، بها ينشأ فعل أو سلوك أو تصرف أو تطور أو تغيير، وذلك بمكافحة ظرف من الظروف وممارسة الاستجابة له.
· تغيير دائم في سلوك الإنسان واكتساب مستمر لخبرات ومهارات جديدة تؤدي بالضرورة إلى إدراك جديد ومعرفة عميقة للمحيط الطّبيعي، والاجتماعي الّذي يعيش فيه الإنسان من حيث هو كائن حي مكلف، يحمل رسالة مقدسة في هذا الكون.
· التّعلم من منظور النّظرية البنائية: هو عملية بناء المعرفة الّتي يقوم فيها المتعلم بدور محوري من خلال تفاعله مع محيطه الخارجي، ويشكل النّمو المعرفي أهم عناصر الأداء المرتبط بالمرحلة النّمائية لدى المتعلم، ويتحقق بالبحث عن التّوازن بين المتعلم ومحيطه وفق آليات ثلاث (الاستيعاب- الملائمة- التّوازن).
· التّعلم من منظور النّظرية البنائية الاجتماعية: هو سيرورة بناء المعارف، والّتي تتحقق عبر التّفاعل القائم بين المتعلم ومحيطه الاجتماعي والثّقافي، ويتعيّن فيها على المتعلّم أن يستخدم مكتسباته السّابقة كوسيلة للوصول إلى تحقيق الكفايات التّعلمية اللاحقة.
ومن خلال ما سبق يمكن تعريف التّعلم على أنّه مفهوم واسع يتعدّى مفهوم التّعديل المستمر للسلوك وتغييره، بل هو عملية بنائية مستمرة يلعب فيها المتعلم دورا محوريا في العملية التّعليمية - التّعلمية من خلال موارده المعرفية السّابقة ليتسلح بكفايات مهارية، ومعرفية، ومنهجية لمواجهة وضعيات مركّبة جديدة، ومتنوّعة.
ب. شروط التّعلم :
تحدث عملية التّعلم نتيجة تفاعل المتعلّم مع بيئته، واكتسابه لكفايات جديدة تساعده على التّكيّف في وسطه الاجتماعي، وعليه فالتّعلم لا يحدث صدفة لكنه يخضع لشروط موضوعية معينة، تُساعد معرفتها على أداء العملية التّعليمية – التّعلمية على أكمل وجه، وأهم الشّروط اللازمة لتحقيق تعلم جيّد: النّضج، الاستعداد، الدّافعية.
· النّضج: يتعلق النّضج بنمو مختلف أجهزة المتعلّم الدّاخلية، ويشمل النّمو الجسمي، والحركي، والعقلي، والانفعالي، والعصبي، واللّغوي، ولا يتحقّق التّعلم إلاّ إذا كان الفرد على مستوى من النّضج، يُمكّنه للقيام بالنّشاط التّعلمي، وقد يكون عقليا أو فيزيولوجيا أو انفعاليا أو اجتماعيا تبعا لنوع النّضج الّذي يتطلّبه التّعلم المراد تحقّقه.
· الاستعداد: وهو وصول المتعلّم إلى مرحلة يستطيع فيها القدرة على التّعبير عمّا يجول في نفسه من أفكار، ورغبات عند سماعه أو رؤيته أيّ شيء، فالتّعلم يتطلّب استعدادا شخصيا لاكتساب مهارات، وقدرات لغوية أو رياضية أو علمية، وتتحدّد أربعة عوامل رئيسية تؤثّر في استعداد المتعلم للقراءة والكتابة، وهي كالآتي: الاستعداد العقلي، الاستعداد الجسمي، الاستعداد الشّخصي الانفعالي، الاستعداد في الخبرات والقدرات.
· الدّافعية: إن وجود الدّافعية عند المتعلم شيء ضروري في العملية التّعليمية- التّعلمية، ولا يمكن أن تتم بدونه لذلك وضعت التّربية الحديثة نصب أعينها ضرورة استثارة دوافع المتعلمين نحو مختلف المواقف التّعلمية عن طريق احتواء الدّروس على خبرات تثير دوافع المتعلمين، وتشبع حاجاتهم، ورغباتهم، فكلما كان الدّافع قويا كان النّشاط المؤدي إلى التّعلم قويا أيضا. ومن هنا تأتي القاعدة السّيكولوجية لا تعلم بدون دافع.
تعتبر دراسة شيو (chiu) الّتي أجراها في عام (1967م )أوّل دراسة أجريت بهدف تحديد مكونات الدّافعية انطلاقا من المنظور النّفسي الاجتماعي، وقد اعتمد على أسلوب التّحليل العاملي لاستخراج أهم العوامل المفسرة للدافعية للتعلم، فبعد صياغة خمسمائة عبارة لقياس الدّافعية، والّتي استنتجها من مختلف اختبارات الشّخصية توصّل إلى تحديد خمسة عوامل مثيرة للدافعية للتعلم، وهي كالآتي:
· الاتجاه الإيجابي نحو الدّراسة.
· الحاجة إلى الاعتراف الاجتماعي.
· تجنب الفشل.
· حب الاستطلاع.
· التّكيف مع مطالب الوالدّين، والأساتذة، والأقران.
ج. أنواع التّعلم:
إذا كان التّعلم يتضمّن تغيرات في جوانب شخصيتنا فهذا يعني أنّنا نتعلّم سمات الشّخصية من ميولات، وقيم، ودوافع، واتجاهات، في كل مواقف الحياة، وأنّه لا يقتصر على مكان واحد فقط، وهو ينقسم إلى خمسة أنواع، وهي كالآتي:
· التّعلم المعرفي: اكتساب مجموعة من الخبرات، والمعارف، والأفكار، والمعاني، والمعلومات.
· التّعلم اللّفظي: اكتساب اللّغة، والنّطق الصحيح، والقدرة على القراءة، والمخاطبة، والاتصال.
· التّعلم العقلي: حل المشكلات عن طريق تنمية القدرات العقلية، وذلك باستخدام أسلوب علمي في التّفكير، والنّقد، والاستدلال، والبرهان.
· التّعلم الاجتماعي، والأخلاقي: القدرة على التّوافق الاجتماعي باكتساب السّلوك، والعادات، والتّقاليد الاجتماعية، والأخلاق الّتي تتماشى، والتّوجهات الثّقافية، والدّينية، والسّياسية للمجتمع.
· التّعلم الوجداني، والانفعالي: وينتج عن إشباع الحاجات النّفسية، والوجدانية، وتحقيق الذّات.
د. الفرق بين التّعليم والتّعلم:
يرتبط التّعليم بحياة الإنسان في شقيها الفردي والجماعي، فإنّه يتطوّر تبعا لتطوّر الحياة، وتُطوّر النّشاط الفكري الّذي يُحرّك الحياة، ويُوجّهها. ويسعى إلى تمكين الأفراد من المعارف، والمهارات الّتي يحتاجونها في حياتهم اليومية، لجعلهم يرتبطون بماضيهم، ويتكيّفون مع حاضرهم ويتهيأوون لمعايشة مستقبلهم.
وللتعليم تعريفات كثيرة تختلف باختلاف الباحث، وخلفياته الفلسفية، والتّربوية، نذكر منها:
التّعليم:"نشاط تواصلي يهدف إلى إثارة التّعلم وتحفيزه وتسهيل حصوله، إنه مجموعة الأفعال التّواصلية والقرارات الّتي يتم اللّجوء إليها بشكل قصدي ومنظّم، أي يتم استغلالها، وتوظيفها... من طرف الشّخص (أو مجموعة من الأشخاص) الّذي يتدخل كوسيط في إطار موقف تربوي - تعليمي".
التّعليم: "مشروع إنساني هدفه مساعدة الأفراد على التّعلم، وهو مجموعة من الحوادث تؤثر في المتعلم بطريقة ما تؤدي إلى تسهيل التّعلم، وفي العادة تكون هذه الحوادث المتتالية - كونها خارجة عن نطاق المتعلم - مطبوعة أو مسجلة أو منطوقة، وغالبا ما تدعم العمليات الدّاخلية للمتعلم.
من هنا أمكن القول إنّ التّعليم هو مهنة يقوم بها المعلم، وهي تتضمن مجموعة الطّرائق، والفنيات، والوسائل، والأدوات لإثارة عملية التّعلم لدى المتعلّم.
قد حدّد الباحث التّربوي خير الدّين هنّي مجمل الفروق بين التّعليم والتّعلم في الجدول الآتي:
المميزات
التّعليم
التّعلم
التّعريف
-هو مجموع التّمشيات البيداغوجية الّتي ينظمها المعلم لفائدة التّلاميذ كي يساعدهم على التّعليم.
-عملية تحديد وتقنين خصائص وشروط ومتغيرات الموقف التّعليمي الّتي تسهل عملية التّعلم.
-هو مجموع التّمشيات (السّيرورات) المعرفية الّتي يستثمرها المتعلم (التّلميذ) لاكتساب معرفة أو مهارة، أو كفاءة.
-هو تغيير في سلوك المتعلم وتطور في آليات تفكيره وقدراته نتيجة للخبرة ولنشاط النّابع من ذات المتعلم.
مبحث النّظرية
-دراسة المبادئ الإجرائية (العملية) الضرورية للتعلم، والقصد من ذلك هو الفرضيات الّتي تحدّد طرائق التّدريس الفعالة وتقويمها.
-دراسة المبادئ النّظرية وهي مجموع الفرضيات الّتي تساعد المعلم على معرفة ما يحدث في ذهن المتعلم من عمليات ذهنية حتى تتم عملية التّعلم.
العلاقة بينهما
-يتصل التّعليم بالتّعلم، ينمي التّعليم قدرة التّلميذ على التّعلم (التّعليم في خدمة التّعلم)
-يتصل التّعلم بالتّعليم ولكنه ليس النّتيجة الحتمية له.
التّطبيقات البيداغوجية
-يعتمد التّعليم على تمرير المعارف وتكثيف التّطبيقات الآلية.
-يتم التّعلم انطلاقا من مشروع أو من أنشطة، يكون فيها المتعلم فاعلا.
دور المعلم
-يمثل المعلم محور النّشاط في الفصل.
-يجهز المعارف ويمررها إلى التّلاميذ.
-يعتبر المصدر الأوّل للمعرفة في القسم، ويوجه التّلاميذ في انتظام.
-يكون المتعلم هو المحور الأساسي في النّشاط، ينظم الوضعيات يبني السّياقات المناسبة للتعلم، يمثل موردا لمساعدة التّلاميذ على التّعلم.
دور المتعلم
-يكون متقبلا سلبيا للمعارف، يحفظ المعارف ويستظهرها مجزأة عند الحاجة.
-يساهم بفعالية في أنشطة الفصل، يبني معارف جديدة بالاعتماد على المعارف السّابقة، يحسن توظيف المعارف في الوضعيات الجديدة.
مؤشر النّجاح
-كثرة المعارف، حفظها، واستظهارها.
-التّحكم في الكفاءات، القدرة على استثمار المعارف والمهارات في الوضعيات الجديدة.
أنماط التّقويم
-تقويم جزئي يهدف إلى استظهار المعارف.
-تقويم تكويني يهدف إلى التّثبت من درجة التّحكم في الكفاءات، تشخيصها وتطويرها.
ومن خلال هذه المقارنة نجد أنّ التّعليم هو تلك الإجراءات العملية الّتي يقوم بها المعلم من مواد دراسية، وطرائق بيداغوجية، ووسائل، وسندات قصد تسهيل عملية التّعلم، والمتمثّلة في عملية بناء المعرفة لتغيير سلوك المتعلّم، وتطوير مهاراته، وقدراته، وآليات تفكيره، وإكسابه كفايات تساعده على التّفاعل مع محيطه الخارجي.