Résumé de section

  • تــــــــــــعـــــــلـــــيــــــــمــــيـــة الـــلّـــــــــغـــــــــة الــــــــعــــــــــربـــــــــــيّـــــــــــــة

     (Didactique de la Langue arabe)

    1. التّعليمية  )La Didactique( :

    عرفت العقود الأخيرة من القرن الماضي جهودا مكثفة على الصّعيد العالمي لتحسين مردودية التّنظيم  التّربوي، وقد أدّت هذه الحركة إلى تبلور نظرة جديدة للعملية التّعليمية – التّعلمية، وهذا من خلال التّكفل الجدّي بالأقطاب الثّلاثة المكونة لها (المعلم، المتعلم، المعرفة)، وبالتّأثيرات المتبادلة بين هذه الأقطاب من جهة، وانفتاحها على الواقع الطّبيعي، والاجتماعي، وخضوعها لتأثيراتها من جهة أخرى. وهكذا اتّضح قصور التّصور السّائد في أوساط كثير من الباحثين، والّذي كان يرى كفاية المعرفة لتدريسها بنجاعة وفعالية.

    أ. مفهومها: لغة واصطلاحا

    يعود الأصل اللّغوي للتعليمية إلى الكلمة الأجنبية (Didactique) ذات الاشتقاق اليوناني (Didactikos). والّتي كانت تُطلق على ضرب من الشّعر، وهو أشبه بمنظوماتنا الشّعرية،        أو الشّعر التّعليمي الّذي كان يهدف إلى تسهيل عملية التّعلم، عن طريق حفظ المعلومات المنظومة شعرا، كالمنظومات النّحوية، والفقهية.

    وقد عرفت التّعليمية لدى الباحثين في بادئ الأمر كمرادف لفنّ التّعليم، وقد استخدمها كومنيوس (Comenius) أوّل مرة منذ خمسين وثلاثمائة سنة في كتابه التّعليمية الكبرى.

    واستمر مفهوم التّعليمية كفنّ للتعليم حتّى أواسط القرن التّاسع عشر، عندما وضع هيربارت (F.Herbert, 1841) الأسس العلمية لها كنظرية للتعليم، فهي نظرية تخص الأنشطة     التّعليمية – التّعلمية لتزويد المتعلمين بالمعارف المختلفة.

    وبظهور المدرسة التّربوية الحديثة في بداية القرن الماضي مع مؤسّسها جون ديوي (J.Dewey, 1959)، والّذي أكّد على أهمية دور المتعلم في العملية التّعليمية – التّعلمية واعتبر التّعليمية نظرية للتعلم لا للتعليم.

    أوّلا: لغة

    لفظة (التّعليمية) مصدر صناعي للفظة (تعليم)، وهي مشتقة من (علم)، أي بمعنى وضع سمة أو علامة من العلامات للدلالة على الشّيء.

    ثانيا: اصطلاحا

    تتعدّد مُسمّيات (التّعليمية) في مقابل المصطلح الأجنبي (Didactique)، وهذا لتعدّد مناهل التّرجمة؛ ففي حين اختار بعض الباحثين ترجمتها بمصطلح (ديداكتيك)، اجتهد البعض الآخر ليضع له مسميات مختلفة مثل: علم التّدريس، علم التّعليم، التّدريسية، تعليميات، تعليمية، على أنّ المسمى الأخير هو الأكثر شيوعا، وتداولا في الأدبيات التّربوية.

    تطور مفهوم التّعليمية، ولم يعد يدلّ على النّظم الشّعرية والفنية – كما جاء في المفاهيم   القديمة - بل أصبحت علما له موضوعه، ومنهجه شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى، وهي تعمل على تقنين العملية التّعليمية – التّعلمية، وتحليلها، ومراقبتها، وتقديم المناهج المناسبة، والسّهر على تنفيذها.

    يُعرّفها سميث (Smith, 1962) على أنّها:"فرع من فروع التّربية، موضوعها خلاصة المكونات والعلاقات بين الوضعيات التّربوية وموضوعاتها ووسائطهما ووسائلهما وكلّ ذلك في إطار وضعية بيداغوجية، وبعبارة أخرى يتعلق موضوعها بالتّخطيط للوضعية البيداغوجية وكيفية مراقبتها وتعديلها عند الضرورة".

    ويعرفها ميالاري (Mialaret, 1979) بأنّها:"مجموعة طرق وأساليب وتقنيات التّعليم".

    أمّا بروسو (Brous seau, 1983) فيرى أنّ الموضوع الأساسي للتعليمية هو:"دراسة الشّروط اللّازم توفرها في الوضعيات أو المشكلات الّتي تُقترح للتلميذ قصد السّماح له بإظهار الكيفية الّتي يشغّل بها تصوراته المثالية أو برفضها".

    كما تعني التّعليمية:"الدّراسة العلمية لطرائق التّدريس وتقنياته، ولأشكال تنظيم حالات التّعلّم الّتي يخضع لها المتعلّم بغية الوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة".

    يُستنتج من التّعريفات السّابقة :

    - التّـعليمية دراسة علمية منظّمة، انتقلت من الفنية إلى العلمية لتنظيم العملية          التّعليمية – التّعلمية بكل مكوناتها وأسسها (المنهاج- الكفايات- الطّرائق- الوسائل التّعليمية- التّقويم البيداغوجي- المعالجة التّربوية ...).

    - التّـعليمية علم مستقل بذاته مبني على قواعد ونظريات، وهو يستفيد من حقول معرفية عدّة (اللّسانيات التّطبيقية - علم النّفس- علوم التّربية - علم الاجتماع ...).

    ب. العلاقة بين التّعليمية والبيداغوجيا:

    لا يمكن الحديث عن العملية التّعليمية – التّعلمية إلاّ بالتّوقف عن مفهومين أساسيين، وهما البيداغوجيا، والتّعليمية. وما فتئ هذان المصطلحان يُثيران إشكاليات عدّة على مستوى المفهوم، والتّصور النّظري، والتّطبيق العملي، إذ يصعب التّفريق بينهما بشكل دقيق؛ نظرا لتداخلها في كثير من الدّراسات العلمية، والمعاجم، والقواميس التّربوية، ويصعب معه –كذلك- تبيان الحدود الفاصلة بينهما بشكل جليّ، وواضح.

    البيداغوجيا كلمة يونانية مركّبة من مقطعين (Ped) بمعنى الطفل، و(agogie) بمعنى القيادة، والتّوجيه، وهي تعني بذلك توجيه الأطفال، وقيادتهم.

    وهو مفهوم متداول عند المهتمين بالتّربية في بلاد المغرب العربي، ومصدره فرنسي (pédagogique) المأخوذ بدوره عن اليونانية (paidagogia)، كما أنّها لفظة غير مستعملة في المشرق العربي، وتأخذ مكانها (التّربية)، ولعل ذلك راجع إلى تأثّر هذه البلدان بالثّقافة الأنجلوسكسونية خلافا لبلدان  المغرب العربي المتأثّرة بالثّقافة اللّاتينية أساسا.

    وحسب التّقليد الإغريقي، تشير البيداغوجيا إلى:"مجموع الخطابات والممارسات الّتي كانت ترمي إلى تدبير انتقال الطّفل من حالة الطبيعة إلى حالة الثّقافة، وأن تخلق منه باختصار مواطنا صالحا".

    ويعرّف دوركايم (Durkheim) البيداغوجيا بأنّها:"علم نظري ذو هدف عملي يقدّم لنا الحل لمشكلة التّعليم الفني".

    وأمّا فولكييه (Foulquié) فيرى أنّ البيداغوجيا : "هي الأسلوب أو النّظام الّذي يُتّبع في تكوين الفرد، لذا فهي تتضمّن إلى جانب العلم بالطّفل المعرفة بالتّقنيات التّربوية، والمهارة في استعمال تلك التّقنيات".

    ممّا سبق يمكن القول إنّ البيداغوجيا هي علم، وفن التّربية، الّتي تنصّب على جميع الطّرائق، والوسائل، والتّقنيات، والمناهج، والتّطبيقات التّربوية الّتي تُنظّم عمل المعلّم، وتُوجّهه بغية تحقيق الأهداف المنشودة داخل المؤسسة التّعليمية.

    أما التّعليمية فتهتم على الخصوص بالمادّة الدّراسية، من حيث طبيعتها، وبنيتها وكفاياتها، وبكيفية بناء، وتنظيم، وضعيات تعلّمها.

    ويمكن أن نميّز الفروق بينهما في الجدول الآتي:

    التّعليمية

    البيداغوجيا

    تهتم بالجانب المنهجي لتوصيل المعرفة بمراعاة خصوصية التّعليم والتّعلم.

    لا تهتم بدراسة وضعيات التّعليم والتّعلم من زاوية المحتوى بل بالبعد المعرفي للتعلم وأبعاده الاجتماعية.

    تتناول منطق التّعلم من منطق المعرفة.

    تتناول منطق التّعلم من منطق

     القسم- معلم- متعلم.

    تركّز على شروط اكتساب المعرفة.

    تركّز على الممارسة المهنية، وتنفيذ الاختبارات التّعليمية الّتي تسمح بقيادة القسم في أبعاده المختلفة.

    تهتم بالبعد التّعليمي من منطق العلاقة التّعليمية (تفاعل المعرفة- معلم- متعلم).

    تهتم بالعلاقة التّربوية من منظور التّفاعل داخل القسم (معلم-متعلم).

    ج. أنواعها:

    يميّز الباحثون في التّعليمية بين نوعين مختلفين، ومتكاملين في آن واحد، وهما التّعليمية العامة (الدّيداكتيك العامة)، والتّعليمية الخاصة (الدّيداكتيك الخاصة).

    أوّلا: التّعليمية العامة (La Didactique générale)

    تهتم التّعليمية العامة بكل ما يجمع بين مختلف مواد التّدريس أو التّكوين، وذلك على مستوى الطّرائق المتّبعة، وهو ما يجعل هذا النّوع من التّعليمية يهتم بدراسة كلّ ما هو عام، ومشترك في تدريس جميع المواد، أي القواعد، والأسس العامّة الّتي يتعيّن مراعاتها دون أخذ خصوصيات هذه المادّة  أو تلك. ويمكن أن يدخل ضمن هذه القواعد، والأسس العامة كل ما يرتبط بأساليب، وأشكال التّدريس، والوسائل، والتّقنيات البيداغوجية الموظّفة.

    ثانيا: التّعليمية الخاصة (La Didactique spéciale)

    التّعليمية الخاصة والّتي تسمى أيضا في الأدبيات التّربوية الفرنسية بتعليميّة المادّة الدّراسية، وهي تهتم بالنّشاط التّعليمي داخل القسم في ارتباطه بالمواد الدّراسية، والاهتمام بالقضايا التّربوية في علاقاتها بهذه المادّة أو بتلك، مثل: التّعليمية الخاصة باللّغة العربيّة، والتّعليمية الخاصة بالرّياضيات، والتّعليمية الخاصة   بالتّاريخ ....

    تهتم تعليميّة المادّة الدّراسية بدراسة الوضعيات الحقيقية الّتي تعيشها المدرسة، قصد فهم عمليات النّجاح أو الفشل المدرسيّ، وتحاول بذلك تقديم تفسيرات علمية وحلول ناجعة لمشكلة الفشل المدرسي، وتدني المستوى التّحصيلي للمتعلمين في مختلف المواد الدّراسية.

    كما تهتم أيضا بكل المشكلات الّتي لها علاقة بعرقلة التّحصيل الجيّد للمعلومات، والمعارف داخل الصّف من خلال الملاحظة المستمرة لما يحدث في القسم أثناء عملية شرح الدّرس، وهي بذلك ترتكز في دراستها للمكتسبات المدرسية في إطار زماني، ومكاني محدّدين.

    وتستهدف بذلك الكشف عن عوائق ومشكلات التّحصيل الدّراسي، بالإضافة إلى تحديد وتصميم نماذج دقيقة، تُحدّد فيها نوعية العقبات، والعراقيل انطلاقا من وصف الأخطاء، وتصنيفها، وتبويبها في إطار تحليلي، وتفسيري، يوضّح للمعلم، و المتعلّم الخلل، وطبيعته، وهذا لأجل استيعاب المعارف، وتحصيلها باستخدام الوسائل، والتّقنيات الآتية:

    - الشّبكات الوصفية التّحليلية للخطأ.

    - تصميم جداول توضيحية تساعد المتعلّم على تمثيل المعارف بسهولة.

    - تصميم بطاقات الملاحظة الفردية لمراقبة الأداء القبلي، والبعدي للمتعلّم.

    تتّسم هذه الوسائل، والتّقنيات التّشخيصية، والتّحليلية، والتّفسيرية بالتّطبيقية (العملية) لدورها في مراقبة الأداء التّحصيلي للمتعلمين، والأداء البيداغوجي للمعلم؛  والّذي ينعكس إيجابا على مستوى المتعلّمين بشكل مستمر.

    د. مكوناتها (أقطابها):

     


    يرى الباحثون أنّ التّعليمية تتكوّن من ثلاثة أقطاب أساسية: المعلّم، المتعلّم، المعرفة، وهي ما يعرف بالمثلّث الدّيداكتيكي.

    ولكل قطب من هذه الأقطاب خصائصه، وميزاته الّتي تختلف عن خصائص غيره، ويمكن حصر هذه العناصر في الأقطاب الثّلاثة الآتية:

    - القطب النّفسي: ويخص المتعلّم، وما يتضمنه من استعدادات نفسية، وقدرته على الإدراك والتّفكير .

    - القطب المعرفي: ويتعلق بالمادّة المعرفية المطلوب تدريسها، وخصائصها البنيوية، والوظيفية، ودرجة تعقيدها.

    - القطب البيداغوجي: ويرتبط بالمعلم من حيث تكوينه، وطرق تدريسه، ووسائله التّعليمية، وأساليب تقويمية.

    والتّعليمية لا تنظر إلى هذه الأقطاب إلاّ وهي مجتمعة في إطار تفاعلها، وتداخلها، نظرا للعلاقات القائمة بينها، وهي كالآتي:

    هـ. العقد الدّيداكتيكي (علاقة المعلم بالمتعلم) :

    العقد الدّيداكتيكي هو:"مجموع القواعد المنظمة للعلاقات بين مختلف أطراف الوضعية الدّيداكتيكية"، أمّا بروسو (Brous seau) فيرى أنّه:"مجموع التّصرفات أو السّلوكات الصّادرة عن المعلم والمرتقبة من طرف المعلم، ويتمثّل هذا العقد في مجموعة من القواعد الّتي تحدّد بشكل ضمني (أو صريح) دور كل واحد في العلاقة الدّيداكتيكية الّتي تربطهما".

    فالعقد الدّيداكتيكي يعبر عن التّصرفات، والسّلوكات الصّادرة عن المعلم والمتعلم على حد سواء، فإنه يرتبط أشد الارتباط بالمعايير الّتي تربط علاقة المعلم بمتعلميه داخل القسم، ويتصرف المتعلمون وفق المعايير  الّتي يعرفونها عن معلمهم ويخضعون لمطالبه (طريقة العمل، التّقييم، العلاقة داخل القسم)، ويتنازلون عن رغباتهم الخاصة إذا أدركوا أن هذا سوف يؤدي إلى نجاحهم.

    ويتميّز هذا العقد الدّيداكتيكي بالحركية نتيجة التّطورات الّتي تظهر خلال وضعية ديداكتيكية ما، وقد يفسخ العقد نتيجة أيّ إخلال بالالتّزام الّذي يربط بين الأطراف المتعاقدة في العملية التّعليمية – التّعلمية.

    و. النّـقل الدّيداكتيكي (علاقة المعلم بالمعرفة) :

    أوّل من استعمل هذا المصطلح عالم الاجتماع فيري (Mickel Verret, 1975)، في ميدان الدّراسات الاجتماعية، وهي عملية تكييف، وتحويل المعرفة العلمية (Savoir savaut) إلى موضوع قابل للتعلم، وهذا بتحويل المعرفة إلى نشاط تعليمي صفي. وقد أكد شوفلر (Chevillard) أنّ المعرفة الـمـُتـَعلَّمَة (Savoir enseigner) لا بدّ أن تكون قريبة من المعرفة العلمية.

    وأنّ عملية تحويل، وتكييف المعرفة العامّة لتصبح معرفة مدرسية قابلة للتدريس، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مجموعة المتغيرات الخاصة بالمتعلّم من الجانب العقلي، والنّفسي، والاجتماعي، ومن جهة أخرى المعرفة التّكوينية للفاعل التّعليمي باعتباره المشرف التّربوي على العملية             التّعليمية – التّعلمية.

    كما أنّ محتوى المعرفة الّتي يتعامل معها المتعلّم في إطار العملية التّعليمية – التّعلمية يختلف عنه محتوى المعرفة الّتي يتعاطاها المختصون، وهذا بحكم أنّ المعرفة تمرّ بمراحل عدّة حتّى تصبح جاهزة للتعلّم.

    ويميّز شوفلر (Chevillard) في هذا الصّدد بين المراحل الآتية:

    - مرحلة المعرفة العلمية.

    - مرحلة المعرفة الواجب تدريسها.

    - مرحلة المعرفة المتداولة في القسم.

    - مرحلة المعرفة الّتي يكتسبها التّلميذ.

    ز. التّمثلات (علاقة المتعلّم بالمعرفة) :

    لا يمكن تحديد مفهوم دقيق للتمثّل، وهذا لحضوره في مجالات معرفية عدّة كعلم النّفس، وعلم الاجتماع، واللّسانيات، والبيداغوجيا ...، وتداخله مع مفاهيم أخرى، مما يجعله مفهوما مركّبا.

    والتّمثل حسب ميسكوفيسي (Misco fisie) هو:"مجموعة من التّصورات، والعبارات الشّارحة، والتّفسيرية الّتي تنبثق من الحياة اليومية أنها تماثل في مجتمعنا أساطير، وأنظمة المعتقدات في المجتمعات التّقليدية، بل بإمكاننا أن نذهب أكثر من ذلك إلى حد اعتبارها التّعبير المعاصر عن الحس المشترك".

    وعموما يمكن القول بأنّه:"الكيفية الّتي يوظّف بها الفرد معارفه السّابقة لمواجهة مشكل معيّن في وضعية معيّنة، وبالتّالي فهو منظومة معرفية تسمح للفرد بتفسير الظّواهر، ومواجهة المشاكل الّتي يصطدم بها في محيطه".

    إنّ أهمية معرفة تمثّلات (تصوّرات) المتعلّمين تنبع من أنّها تحيلنا إلى أنّ منطق المتعلّمين لا يكون دائما مماثلا لمنطق الكبار من جهة، وإلى ضرورة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في ممارستنا التّعليمية اليومية من جهة أخرى.

    وهذا ما أكّدته نتائج دراسات علم النّفس المعرفي، وعلم النّفس الاجتماعي، على أنّ المتعلمين يعالجون المعارف الجديدة بتصوّراتهم الشّخصية، باعتبار ذهن المتعلّم لا يكون خاليا من المعارف والمعلومات قبل دراسته لموضوع جديد، بل غالبا ما تكون له تصوّرات أوّلية تسمح له بفهم العالم الّذي يحيط به بطريقته الخاصة.

    وتتشكّل التّمثلات المعرفية حسب برونر (Bruner) عبر مراحل ثلاث، وهي كالآتي:

    - المرحلة العلمية: وتتأسّس على الفعل الحسّي – الحركي، والتّفاعل المباشر مع الأشياء، وهي مرحلة تشكّل المفهوم.

    - المرحلة الأيقونية: وتنبني على الصّورة الدّاخلية أو الذّهنية للأشياء حيث يستحضر الفرد صور الأشياء عوض المفاهيم.

    - المرحلة الرّمزية: وهي مرحلة التّجديد، واستخدام الرّموز، وتركيز الخبرات المكتسبة، وتكثيفها في معادلات رياضية رمزية أو في جمل وعبارات ذات دلالة رمزية.

    ويميّز أوزبيل (Ausebel) بين مرحلتين في تشكيل التّمثلات المعرفية للمفاهيم:

    - معرفة تشكيل المفهوم.

    - معرفة تعلّم اسم المفهوم.

    وينبني مفهوم التّمثل في المجال الدّيداكتيكي على مجموعة من الأسس منها:

    - ترتبط تمثّلات المتعلّمين ببنية ذهنية ضمنية.

    - تمثّل شكلا أو نمطا تفسيريا للوضعيات التّعليمية – التّعلمية.

    - تعتبر من حيث التّكوين ذات طابع فردي، واجتماعي.

    إنّ احترام خصوصيات المتعلّم، والاهتمام بتمثّلاته، وتصوّراته الذّهنية، يجب أن تكون أولوية ديداكتيكية، وبيداغوجية في العملية التّعليمية – التّعلمية، كي يتمكن المعلّم من الاستجابة لحاجات متعلميه، والّتي تختلف من متعلّم لآخر، وتبقى مراعاة تمثّلات المتعلّمين عنصرا أساسيّا، وهامّا لا يمكن أن يتجاهله المعلّم أثناء تواصله معه.

    ولن يحصل هذا الأمر إلاّ إذا أدمج المتعلّم موارده المعرفية، وكفاياته الجديدة معتمدا في ذلك على تمثّلاته، وعملياته الذّهنية الأوّلية، وهذا باعتبار التّمثل ذكاء في حدّ ذاته، فعندما يحاول المتعلّم أن يتدخّل، ويشارك بأفكاره، وطرح حلول قد تكون صائبة أو خاطئة، فإنّه يدنو من الإجابة ليبني معارفه.