Résumé de section

  •  

     

     

     

     

     

     

     

     

                               المحاضرة الأولى :

                             مفاهيم العصر الرقمي

     

    ارتبط ظهور الأدب التفاعلي (الرقمي) بالمفاهيم الطارئة والمستحدثة في العالم كمفهوم العولمة التي تعني في حد ذاتها التواصل العالمي، حيث تعرفها معظم الدراسات على أنها "إكساب نمط ثقافي أو اقتصادي أو سياسي صبغة العالمية، أي نقلة من بويتقة المحدود إلى اللامحدود والعالم المتناهي، فيما يتجاوز إطار الحدود الإقليمية الضيقة... وتهدف إلى ربط التطور التكنولوجي والاقتصادي وما ينجم عنها لبناء حضارة كونية جديدة قوامها توحيد الثقافة والفنون والنظم الاجتماعية، وتأسيس حضارة جديدة لصالح المركز العالمي الذي ينتج التكنولوجيا ويقود ظاهرة العولمة"[1].

     

    كمنتال 

     وعليه فإن الهدف الأساس للعولمة هو إزالة الحدود الفاصلة بين مختلف المجالات المعرفية وجعل العالم كتلة واحدة وموحدة لذا "كثيرا ما يصار التأكيد إلى أن الغاية الأساسية لنزعة العولمة (الكونية) هي تركيب عالم متجانس يحل فيه وحدة القيم والتصورات والغايات والرؤى والأهداف محل التشتت والتمزق والفرقة وتقاطع الأنساق الثقافية"[2]، ومن ثمة تعطيل مبدأ التفرقة بين الأجناس البشرية وتوحيدها تحت مبدأ الشمولية أو ما يعرف بالكونية، ذلك لأن الفكرة الأساس التي تشتغل عليها العولمة هي "ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في انتشار المعلومات والأفكار وسرعة تدفقها، أو تأثر أمة بقيم أمة أخرى وعاداتها وتقاليدها"[3].

    ولقد كان من النتائج المبهرة للعولمة بكل حمولاتها المعلوماتية المستحدثة أن أعطت "الاتصال والإعلام دفعا لحركة الثقافة نحو التداخل في العالم كله، إذ مما يساعد على تعميق الرابطة الثقافية أن كل الروابط بين الأمم والشعوب محكوم اليوم بالمعيار التكنولوجي"[4]، ذلك لأن الاتصال التكنولوجي بعد تمكن كل البشرية في العالم منه كان العامل الأساس الذي ساعد وبشكل مباشر في جمع شمل البشرية وتوحيد أـفكارها ورؤاها على الرغم من بعض الاختلافات الحاصلة بين الشعوب.

    في ذات السياق يرى نبيل علي في ثنايا كتابه (الثقافة العربية وعصر المعلومات) أن "العولمة باتت واقعا لا مفر من التعامل معه فليست هي بالفجر البازغ ولا بالفخ الخادع وعلى عاتقنا تقع مسؤولية العيش في ظل ما تفرضه من قيود وما تتيحه من فرص، ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا تفهمنا بعمق شديد علاقة منظومة الثقافة بمنظومة تكنولوجيا المعلومات خاصة ظاهرة الانترنيت"[5]، وفي هذا الرأي الذي ذهب إليه نبيل علي دعوة صريحة إلى الوقوف موقف الوسطية من العولمة، أي الاعتدال في تعاطيها وفي التعايش معها وذلك وفق ما تفرضه الحاجة حتى لا يكون ذلك على حساب هويتنا الثقافية، ذلك لأنه لا يمكننا أن ننطر البتة الدور الذي تلعبه العولمة في حياتنا العلمية والثقافية فها هو الأدب مثلا قد "فتحت له العولمة الأبواب واسعة للخروج من النطاق الضيق إلى العوالم الفسيحة وتلغى بذلك الحدودية والمحلية، وهذه المقومات يسعى إليها كل أديب حتى يوصل أدبه إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين، وإلى أقصى نقطة من هذا الكون، فأوجدت العولمة للأدب مكانا رحبا ونقلته من المحلية المغلقة إلى العالمية اللامحدودة"[6]

    من مفاهيم العصر الرقمي أيضا نجد التواصل العالمي الذي يشكل النشر الإلكتروني(الرقمي) أحد أوجهه، حيث " لم تجعل الرقمية النشر في متناول الجميع فحسب، بل وكذلك أتاحت له التحقق بمنتهى السرعة وبكلفة زهيدة لا مجال للمقارنة بينها وبين الاعتمادات المادية التي يتطلبها النشر الورقي، والإجراءات الكثيرة والمعقدة، فإرسال كتاب بكامله إلى أي موقع وجعله في متناول المبحرين في كافة أرجاء المعمورة عملية بسطة لا تتطلب أكثر من بضع ثوان إلى بضع دقائق(حسب سرعة الاتصال)"[7]

    وفي هذا الصدد يعرض لنا محمد سناجلة في كتابه النقدي (رواية الواقعية الرقمية) جملة من المزايا التي يتفرد بها النشر الإلكتروني حيث يقول: "إن النشر الإلكتروني يقدم حلولا لكل المشاكل فلا يوجد هناك ناشر لا تهمه كتابتك وإبداعك بقدر ما يهمه الكسب المادي من ورائك أو أمامك، ولا رقيب يخنقك ويعد عليك كلماتك بل وحتى أنفاسك، ولا حاجز بينك وبين قرائك وجمهورك، فكتابك قادر على الوصول إلى كافة أرجاء المعمورة من غير دور نشر قومية أو وطنية، كما يتيح لك الكتاب الإلكتروني استخدام كافة الأدوات في العملية الإبداعية بسهولة ويسر ومن غير تقييد ولا حصر، فحدك خيالك المعرفي والخيال المعرفي لا حد له"[8]

    كمنتالبي

    في ذات السياق يسوق لنا السيد نجم هو الآخر عددا من المزايا المتوخاة من النشر الإلكتروني نوردها كما يلي[9]:

    ü   إتاحة فرصة أكبر لحرية الكاتب في التعبير عن وجهة نظره

    ü   إتاحة فرصة العدالة والمساواة بين المتصفحين في الحصول على المعرفة واكتسابها

    ü   إمكانية إتمام الحوار والتواصل بين الكاتب والقراء

    ü   إمكانية الانتشار للعمل الأدبي وزيادة عدد القراء وكذا المادة الرقمية

    ü   حفظ المعلومات في حوافظ متنوعة

    ü   تجاوز الأمية بأشكالها المختلفة في مجال الأدب والثقافة والعلوم

    ü   ملاحقة الجديد في الإبداع والثقافة

    ü   القضاء على جانب من سلبيات الفجوة الرقمية في الوطن العربي

    ü   قلة تكلفة المنتج الثقافي في مقابل المنتج الورقي المماثل(الكتاب الرقمي أقل تكلفة بحيث تصبح 25% من تكلفة الورقي... أسرع في الانتشار... أفضل من ناحية الإخراج الفني)

    ü   إتاحة الفرصة لمولد (فورم) جديد من الإبداع القصصي والشعري، وهناك عدد من التجارب التي خاضها محمد سناجلة في الرواية والقصة القصيرة، بالإضافة إلى بعض المحاولات الأخرى لعباس العيد، وأحمد العايدي

    ü   إتاحة الفرصة أكبر للمواهب الشابة، وتساعد على نشر أعمالهم المبكرة

    إلى جانب ما سبق ذكره قدمت بعض الدراسات مزايا أخرى لا تقل شأنا عن تلك التي قدمها كل من محمد سناجلة والسيد نجم، نذكر منها:  السرعة: فعملية النشر الإلكتروني تتم في وقت قصير مقارنة بالوقت الذي يتطلبه النشر الورقي وبالتالي توفير الزن واختصاره

    ü   السهولة: تتم عملية النشر الرقمي بسهولة ويسر

    ü   اختصار المسافات، وتوفير الجهد

    ü   إتاحة الفرص أمام أكبر عدد ممكن من القراء مهما تباعدت إقاماتهم، وتباينت وجهاتهم وانتماءاتهم القومية والعقدية والثقافية...إلخ

    ü   دمج النص بالنقود الموجهة له، الأمر الذي يعطي بعدا آخر لعملية الفهم والقراءة

    ü   التفاعل المباشر بين الكاتب/ المستخدم والقارئ والنص

    عوامل ظهور الأدب التفاعلي:

    أ‌-           الثورة الرقمية:

     ظهر الادب التفاعلي (الرقمي) بداية في العالم الغربي نتيجة لتظافر عدة عوامل من بينها الثورة الرقمية التي حملت "بين طياتها تأثيرات حاسمة على شكل الكتابة، ومن ثم على جوهر الكتاب، ليس من جانب الشكل فقط وإنما من جانب المضمون أيضا، فطرأت بعض التغييرات على طبيعة العملية الإبداعية، وعلى عناصرها، فكان لتأثير هذه الثورة صدى أوسع من تأثير آلة الطباعة التي اعتبرت ثورة ثقافية شملت الكون بأسره، فاتسعت دائرة تناقل الفكر والثقافة، غير أن ما أحدثه الحاسوب وشبكة الأنترنيت أكبر من أن يوصف، من بين تحديات هذه الثورة المعلوماتية الانقلاب الكبير في طرائق تلقي العلم والمعرفة التي تنوعت وأصبحت أكثر إثارة"[10]

    كخهعغل.

    والنص الرقمي على اختلاف مضامينه لم يتسن له أن يرى النور "لولا عدة عوامل مهدت لهذا الميلاد، فالرقمية لم تنشأ من العدم، فقد كانت وليدة عصر اتجه العالم فيه إلى العولمة، والتكنولوجيا والانفتاح اللامحدود بفضل شبكة الانترنيت، هذه المستجدات المفروضة شكلت مرتكزا للنص الرقمي وحفزت على ظهوره وأمدته بالوسائل اللازمة، كما كانت جزءا منه إن على مستوى البناء أو الموضوع"[11]

    ب‌-         التكنولوجيا:

    تجمع الدراسات على أن التكنولوجيا هي ذلك "التفاعل الحي بين الإنسان والأدوات اللازمة لتطبيق المعرفة بهدف حل المشكلات، وإيجاد نمط من البهجة والمتعة وتنمية الوعي بما ينفعه شر والتوزيع، في الحياة"[12]، فالتكنولوجيا في عصرنا الحالي هي الرابط الحقيقي بين الإنسان والمادة المعرفية، فهذه المادة لن تصبح في متناول الإنسان إلا من خلال امتلاكه للأجهزة والوسائل التكنولوجيا المعرفة اليوم بالحاسوب وشاشات العرض وإيصالها بما يسمى بالأنترنيت.

    طكطمكنتالب

    تبرز أهمية التكنولوجيا في المجال الثقافي من خلال الإضافة التي تقدمها للعمل الأدبي، حيث أنها " لم تعد ترفا بل هي طرف فيه، إذ إنها فعل مؤثر في أدائه وتكوينه"[13]، فالنص الأدبي استفاد من كل المعطيات والوسائط التكنولوجية، ففي ضوء ذلك لم يقتصر دور التكنولوجيا في نقل الادب إلى القارئ، بل أصبحت عنصرا فاعلا في إنتاج النص الأدبي وتوسيع نطاق تلقيه، وهذا الواقع فرض على أهل الأدب أن يمتلكوا الثقافة  التكنولوجية الكافية التي تؤهلهم لنشر نصوصهم عبر هذه التقنية، على الرغم من أن تحقق هذا الأمر في ساحتنا العربية يبدو أمرا مستعصيا نوعا ما، وذلك راجع على حد رأي سعيد يقطين إلى العجز وعدم القدرة على الاستجابة لضرورات العصر ومواكبته إلى عوائق مادية وفكرية "ويبدو العائق المادي في هيمنة الأمية... أما العائق الفكري فيتمثل في هيمنة التقليد وخشية الذوبان في الفكر الآخر، ويبدو ذلك بجلاء في كون بعض التصورات الثقافية السائدة ما تزال تربط الإنجازات الثقافية والتكنولوجية ذات البعد الإنساني بالغرب، وخاصة أمريكا، وترى في ذلك مبررا لاتخاذ موقف معارض لها"[14]، فنبذ كل ما هو غربي المنشأ أحدث قطيعة معرفية مع متطلبات العصر الرقمي صارفين النظر عن كل الامتيازات التي يمكن أن تقدمها هذه التكنولوجيا للأدب وللحياة الثقافية بشكل عام.

    هذا ويرى آخرون أن التحجج بالعائق الفكري ما هو إلا إضمار للعجز المادي والماثل أساسا في الأمية بمعطيات التكنولوجيا وعتادها ومن ثم عدم القدرة على مسارة التطور الحاصل في العالم برمته "فالمشكلة التي يتوقف عندها عدد من المهتمين بفحص العلاقة بين الكتابة الأدبية والوسائل التكنولوجية هي أن عددا قليلا فقط من جملة الكتاب العرب حتى الآن على الأقل يجيدون استخدام الحاسوب، أو يلمون بمهاراته الأساسية، بالإضافة إلى ما يمتلكونه من موهبة الكتابة الأدبية"[15]، والبعض الآخر لجأ إلى الاستعانة بخبراء الحواسيب في إخراج نصوصهم رقميا على الرغم من بعد هؤلاء التقنيين عن مجال الأدب إلا أنهم يساهمون في بناء هذه النصوص الأدبية.

     

     

    ج- الأنترنيت:

    تعتبر الأنترنيت INTERNET الوسيلة الأساس في لسيرورة العصر الرقمي وهي اختصار ل INTERNETWORK التي تعني شبكة للاتصالات حول العالم أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1969 لغرض عسكري وبعد انتهاء الحرب الباردة تحولت إلى شبكة مدنية واسعة الانتشار وعلى نطاق عالمي "حيث تتدفق أنهار المعلومات والبيانات دون انقطاع في حركة بالغة السرعة تقاس بأجزاء من الثانية وتساعد المرء على الانتقال إلى مكان ما والعيش فيه بكل تفاصيله وأبعاده دون أن يبرح مكانه"[16]، فالأنترنيت قلصت جهود مستعمليها واختصرت عليهم الزمن من خلال التوصل بالمعلومة في ظرف وجيز "فالبيانات الخام يمكن تحويلها إلى معلومات ثم بعد ذلك يمكن أن تصل إلى مستوى  المعرفة عن طريق جهد وقيمة مضافة، هذه المعرفة هي أساس الحكمة"[17] إلا أن الأنترنيت جعلت الوصول إليها فائق السرعة.

    وللإفادة فإن جهاز الحاسوب لوحده وعلى الرغم من قدرته الفائقة في حفظ المعلومات وتخزينها إلا أنه يبقى قاصرا على التفعيل والتجديد في حال عدم اتصاله بشبكة الأنترنيت، فقد "ظلت العلاقة بين الكمبيوتر ومصادر المعلومات وشبكات الاتصالات ذات طابع تبادلي مع ضمان الاستقلال الذاتي، أو شبه الذاتي لكل هذه العناصر الثلاثة، حتى جاءت الانترنيت لتدمج بينها بصورة مذهلة أحدثت ثورات حقيقية على جميع الأصعدة"[18]، لذا توصف الأنترنيت اليوم بأنها العنصر المفعل للمعلومات في جهاز الكمبيوتر من جهة، ومن جهة أخرى العنصر الناقل للمعلومات بين البشرية جمعاء من جهة أخرى، "والواقع أن شبكة العنكبوت التي انفرد الانترنيت(دون سواه من مستجدات تكنولوجيا سابقة) بتوسيعها لدرجة تغطيتها شتى أنحاء المعمورة لا تتميز فقط بكونها وفرت شروطا تقنية لربط ملايين الحواسيب ببعضها البعض أو بكونها كانت وراء بروز بروتوكولات في الاتصال جديدة،ـ ولكن أيضا وبالأساس لأنها نجحت في دمج مختلف شبكات الإعلام والاتصال التي كانت إلى وقت قريب مستقلة وإلى حدا ما متنافرة"[19].

    إشكالية وجود أدب تفاعلي:

    عرفت مسألة الاعتراف بوجود أدب رقمي الكثير من الأخذ والرد وفي هذا السياق تدافع زهور كرام عن أحقية وجود هذا النوع الكتابي الجديد في الساحة الأدبية، حيث ترى أن لكل زمان تصوره الخاص وأن الأدب الرقمي ما هو إلا نتيجة للتطور الذي وصله الإنسان في عصره الحال وأن هذا الأدب لم يأتي من فراغ بل هو امتداد لما سبقه  "فما يحدث في المجال التخييلي الرقمي ليس قطيعة بقدر ما هو عبارة عن تغير سؤال الأدب من منتجه المباشر المؤلف/ الكاتب إلى قارئه"[20]، باعتبار أن الأدب الرقمي هو "انتقال سياقي وبنيوي ولغوي وأسلوبي في الظاهرة الأدبية"[21]، ويتحقق هذا الطرح أكثر منذ "أول متغير يصادفنا عند تأملنا لهذه التجربة الأدبية هو الرقمي باعتباره وسائط تكنولوجية وإلكترونية بها يتشكل النص الأدبي"[22]

    انقسم القارئ العربي إلى فريقين،" ليس على مستوى العامة فقط بل تعداه إلى المثقفين، فمنهم من ركب القاطرة وساير الركب تأليفا أو تنظيرا، ومنهم من أبدى تحفظات حول هذا القادم الجديد، لأن كل جديد غري مستهدف، وأن كل مشروع إبداعي جديد لابد وأن يتعرض للرفض والاستنكار في بدايته، ولكل فريق مبرراته"[23]، من مبررات الفريق الأول أن "هذا الأدب يعبر تعبيرا حقيقيا وصادقا عن العصر الحالي، حيث انه يتخطى النمطية ويتجاوز الجمود من خلال فتح آفاق جديدة للإبداع والابتكار، تتصل بمجالات عديدة بوسائل متنوعة خاصة ما يعرف بالوسائط المتعددة، كما أنه يبوئ القارئ مكانة مرموقة تماثل مكانة المبدع بل ربما تتعداها، مما يخلق قدرا كبيرا من الحيوية والتفاعل بين أطراف العملية الإبداعية[24]

    كما يؤكد هذا الفريق على ضرورة الاندماج في الحركة العالمية الجديدة وإلا اتسعت الفجوة الرقمية الحاصلة وبقينا على هامش الحضارة، ففي هذا الصدد ترى زهور كرام أن: "الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز، وليس نزوة، او موضة أو شيء من هذا القبيل، والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وأنثروبولوجيا، فبالعودة إلى مختلف الأشكال التعبيرية القديمة والحديثة أيضا، سنلاحظ انها وحددها التي عبرت عن قدرتها على احتضان معنى وجود الإنسان في كل مرحلة تاريخية"[25].

    يقول السيد نجم في حديثه حول قضايا ومفاهيم الإبداع الرقمي الجديد: "لقد أثارت الثورة الرقمية ومازالت تثير عددا من القضايا والمفاهيم، ولا حيلة أمامنا نحن العرب إلا أن نتفاعل معها ومحاولة فهمها، بل والسعي نحو الإضافة إليها، لقد جاوزتنا الثورة الصناعية ولم نشارك إلا كطرف مستهلك فقط، أما الثورة الرقمية بما تتضمنه من مفاهيم وعناصر، فيمكننا اللحاق بها، لنصبح ضمن الدول المشاركة والمنتجة لعناصرها ومعطياتها، وإن سبقنا في ذلك بعض البلدان التي ظننا أنها لا تقدر عليها، فقط ليس أكثر من الفهم لمعطياتها، والصبر على العمل بها، بل والإضافة إليها"[26]

    أما مبررات الفريق المشكك في نجاعة هذا اللون الإبداعي الجديد، الذي هو بحسب آرائهم جنس هجين لا يمكن تصنيفه، فهو غريب عن العملية الإبداعية، وأن فكرة مشاركة المتلقي المبدع في إبداعه هو سلب لحق المبدع، كما انه يعتبر تعديا صارخا على حقوق الملكية الفكرية، فمثلا يقول سعيد الوكيل: "النوايا الطيبة لا تكفي لان تصنع نوعا أدبيا جديدا، أقوول هذا ليكون تعقيبا مبدئيا-لا يخلو من مرارة- على ما دأبت عليه الصحافة العربية (المطبوعة والإلكترونية) في الفترة الأخيرة، من  مطالعتنا بالتبشير بميلاد أدب عربي جديد وبداية عصر الواقعية الإلكترونية ، وبأن بعض أدباءنا اخترع في إبداعه الادبي تقنية رواية الواقعية الرقمية بل وصل الامر إلى حد الإعلان عن الحاجة إلى مدرسة نقدية توائم بين أبجديات النقد التقليدي وتقنيات الكتابة الرقمية بأدواتها الحديثة والتي تشكل الكلمة احد عناصرها فحسب، وهذه كلها لعمري أضغاث احلام"

    يقول الأديب السوري حسين سليمان عن تجربة الواقعية الرقمية: "لقد غمرني إحساس حين قرأت عن التجربة حوالي سنتين مرفقا بأحد المقاطع من الرواية الرقمية التي كتبها الكاتب، ان هناك قصورا في إدراك ماهية الادب باعتباره يقوم على الكلمة المكتوبة فقط، عن كانت على الشاشة ام على الورق، فالكلمة المقروءة وفي اضعف حالاتها (المسموعة منها) هي ما يقوم عليها الادب، الادب ابن الميثولوجيا، السحر، الذي قام بالأصل على الكلمة، وليس على الكلمة والصورة، كما في كتب الاطفال التي تساعد على فهم الكلمة عن طريق استخدام الصورة"[27]

    كما يشكك حنا جريس من فائدة الكتاب الإلكتروني ومن ثمة النص المترابطـ، حيث يعدد بعض عيوبه، فيقول: "الكتاب الإلكتروني ليس أكثر من مجموعة من العلاقات والروابط الكامنة بين نصوص مختلفة، والتي تحيل القارئ إلى علاقات اخرى، مما يقلل من عمل الذاكرة إلى حد بعيد، إلا انه في الوقت نفسه يشتتها، وهذا هو الخطر الحقيقي للهيبرتكست، كما أن الكتاب الإلكتروني يظل كيانا افتراضيا لا يستطيع القارئ الإمساك به لأنه ليس كتابا حقيقيا"[28]

     



    [1] محمد يوسف الهزايمة، العولمة الثقافية واللغة العربية(التحديات والآثار)، الأكاديميون للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2012، ص33.

    [2] عبد الله إبراهيم، الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة(تداخل الأنساق والمفاهيم ورهانات العولمة)، المركز الثقافي العربي، لبنا ن، المغرب، ط1، 2012، ص33.

    [3] جوزف طانيوس لبس، المعلوماتية واللغة والأدب والحضارة(الرقم والحرف)، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، ط1، 2012، ص63.

    [4] أمجد حميد التميمي، مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي،  كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010، ص24.

    [5] نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات،  عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، ع265، 2001،  ص44.

    [6] منال بن حميميد، النظرية النقدية المعاصرة والأدب الرقمي، رسالة دكتوراه، إشراف: د/ نور الدين سيليني، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف بالمسيلة،  2017/2018، ص19

    [7] جمال قالم، النص الادبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، رسالة ماجستير، إشراف: أحمد حيدوش، معهد اللغات والادب العربي، المركز الجامعي البويرة، 2008/2009، ص45.

    [8] محمد سناجلة، رواية الواقعية الرقمية، (كتاب إلكتروني)، ص116،  رابط التحميل: http://www.arab-ewriters.com/booksFiles/5.pdf

    [9] السيد نجم، النقد الرقمي ومواصفات الناقد الرقمي، نشر بتاريخ: 20 مارس2019، اطلع عليه بتاريخ: 15 فيفري2023، http://www.ech-chaab.com/ar

    [10] جمال قالم، النص الأدبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص35.

    [11] منال بن حميميد، النظرية النقدية المعاصرة والأدب الرقمي، ص17

    [12] إبراهيم أحمد ملحم، الرقمية وتحولات الكتابة(النظرية والتطبيق)، عالم الكتب الحديث  للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2015، ص28.

    [13] عبد الرحمان بن حسن المحسني، توظيف التقنية في العمل الشعري السعودي منطقة الباحة نموذجا، النادي الأدبي الباحة، السعودية، دط، 2012، ص13.

    [14] سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط(مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي)، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1، 2005، ص24.

    [15] فاطمة البريكي، الكتابة والتكنولوجيا، المركز الثقافي العربي الدار  البيضاء، المغرب، لبنان، ط1، 2008، ص35.

    [16] أحمد فضل شبلول، أدباء الأنترنيت أدباء المستقبل، دار الوفاء لدنيا  الطباعة والنشر، الاسكندرية، مصر، ط2، دت، ص23.

    [17] جووست سمايرز، الفنون والآداب تحت ضغط العولمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، ط1، 2005،  ص109

    [18] نبيل علي، نادية الحجازي، الفجوة الرقمية، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، ع318، 2005، ص170

    [19] فاطمة كدو، أدب COM، (مقاربة للدرس الأدبي الرقمي بالجامعة، دار الأمان، الرباط، دط، دت، ص17.

    [20]  زهور كرام، الأدب الرقمي(أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية)، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2009، ص27.

    [21] المرجع نفسه، ص34.

    [22] م نفسه، ص34.

    [23] ينظر، فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1، 2006، ص129- 133

    [24] جمال قالم، النص الأدبي من الورقية إلى الرقمية(آليات التشكيل والتلقي)، ص87

    [25] حسن سلمان، الأدب الرقمي يشاهد ويسمع ويقرأ معا مجلة اتحاد كتاب الأمنترنيت، لوحظ بتاريخ : 12 أفريل2023، على الساعة 12:23 https://ueimarocains.wordpress.com/

    [26] السيد نجم، الثقافة والإبداع  الرقمي.. قضايا ومفاهيم، نشر بتاريخ: 22 أكتوبر2008،  لوحظ بتاريخ12أفريل2023 على الساعة 16:45، http://www.alkalimah.net/Articles/Read/1584

    [27]حسين سليمان، محمد سناجلة والكتابة الرقمية وتغييب مفهوم الأدب، صحيفة القدس  العربي، نشر بتاريخ 23 نوفمبر 2006، لوحظ بتاريخ: 13 أفريل 2023، على الساعة 10:19، https://www.alquds.co.uk/

    [28] حنا جريس وآخرون، مستقبل الثورة الرقمية، سلسلة فصلية تصدرها مجلة العربي الكويتية، الكويت، 15 كانون أول- يناير 2004، ص128.