Section outline

  • لا يخفى على أحد من الدارسين أن كل تطور في العملية التاريخية والحضارية إلا وله أثره على الحركة الإبداعية ، فما إن دخل الإنسان عصرا جديدا هو عصر الرقمية، ومست التكنولوجيا مختلف المجالات الفكرية والثقافية حتى اتصل الأدب هو الآخر بالثقافة الرقمية، فتولد لنا ما يسمى اليوم بالأدب الرقمي أو الأدب التفاعلي، وتزايد حوله عدد المهتمين به أدباء ونقادا.

    عرف الأدب كيف يستفيد من التقانة الرقمية، وما توفره  من معطيات ووسائط متعددة سمعية وبصرية، مما أحدث تغيرات شاملة في بنية النص الأدبي وفي مكونات العملية التواصلية، فقد استطاع هذا الأدب أن يجمع بين ما هو لغوي وغير لغوي حيث تكاتفت فيه مختلف عناصر التواصل كالإلقاء واللغة الإشارية ولغة الجسد ونبرات الصوت، وللإفادة فإن هذه العناصر كان لها الأثر البليغ في تحويل الملتقي من متلق سلبي إلى متلقي إيجابي يمتلك السلطة الكافية التي تجعله فاعلا ومشاركا في إنتاج النص، وهذا الأمر هو ما يبرر تسمية هذا النمط من الأدب بالأدب التفاعلي وهي كلمة تحمل في مدلولها التشارك بين طرفين أو أكثر .

     يطرح الأدب التفاعلي العديد من القضايا والإشكالات كونه نمطا كتابيا مستحدثا فرضته الثورة التكنولوجية بمختلف معطياتها الرقمية، ولعل من أهم هذه الإشكاليات التي يثيرها هذا الموضوع هو  إشكالية المصطلح، إشكالية الاعتراف بأحقية وجود هذا الأدب في الساحة الأدبية والثقافية، إشكالية تجنيس الأدب التفاعلي، إشكالية الملكية الفكرية، ومرد هذه الإشكاليات جميعا أن النقد في بيئتيه الغربية والعربية لم يكن مسايرا لظهور هذا الأدب المستحدث مما خلق نوعا من الارتباك والتشويش والضبابية في أذهان متلقيه نقادا كانوا أم قراء عاديين.

    تحاول هذا المحاضرات في مجملها البحث في هذه الإشكاليات المطروحة اليوم في الساحة الأدبية والنقدية، بالإضافة إلى معرفة الخصائص التي جعلته يؤسس لنفسه كيانا خاصا مستقلا عن نظيره الورقي دون أن نغفل عن الكشف عن المكونات البنائية لهذا الثوب الجديد الذي لبسه الأدب بمجرد تزاوجه مع التكنولوجيا، ومن ثم الوقوف على الجديد الذي أضافة الأدب التفاعلي إلى العملية الإبداعية، وما إذا كان يعد حقا مساهمة فعالة في المجال الثقافي والإبداعي، وهل يحتاج فعلا إلى نمط جديد في التعامل سواء في إنتاجه أو تلقيه.

    البيس