المحور الرابع: القوانين الضابطة للعلاقات الدولية
Résumé de section
-
المحور الرابع: القوانين الضابطة للعلاقات الدولية:
إن العلاقات الدولية هي العلم الذي يعنى بواقع العلاقات الدولية واستقرائها بالملاحظة ودراسة تجارب الأمم أو المقارنة بين هذه التجارب عبر الزمان والمكان من أجل التفسير والتوقع من أجل تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب.
وتحتكم الأمم في علاقاتها البينية لمجموعة من القواعد والضوابط والقوانين يتم التزام بها بدرجات متفاوتة، وذلك حسب علاقات القوة النسبية بين الأطراف، ونظرا لاعتبارات توازن القوى في النظام الدولي، وطبيعة التحالفات القائمة، ومن بين أهم هذه القوانين نجد:
1- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول[1]:
إن الأصل في العلاقات الدولية هو عدم التدخل، والذي يعتبر المبدأ الأساسي في القانون الدولي، الذي تنبني عليه باقي الأسس والقوانين والضوابط، وقد نصت المواثيق الدولية على ذلك صراحة، كما ورد في الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة والتي جاء فيها أنه: ليس في هذا الميثاق ما يصوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما.
والتدخل في العلاقات الدولية، هو تصرف صادر عن دولة أو منظمة أو أحد أشخاص المجتمع الدولي، يتم بمقتضاه التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما، وذلك لإجبارها على
تنفيذ أو عدم تنفيذ عمل ما، مهما كانت أشكال الضغط الذي يستعمله الطرف المتدخل لفرض ارادته سواء كان ضغطا سياسيا ونفسيا أو اقتصاديا أو عسكريا.
وبالرغم من أن مبدأ عدم التدخل هو المبدأ القانوني الأساسي لعلاقات الأطراف الدولية فيما بينها، غير أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ في تطبيقه، ومن هذه الاستثناءات التدخل لدواعي حق الدفاع الشرعي أو التدخل لاعتبارات إنسانية والتدخل الإنساني والذي أصبح المبرر الأكثر استخداما لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وفي حالات الاعتداء على سيادة الدول.
2- احترام السيادة الوطنية[2]:
ينص القانون الدولي على أن الدول ذات السيادة متساوية، والمساواة في السيادة هي الأساس الذي تنطلق منه الأمم في تعاملاتها البينية، مبدأ المساواة في السيادة هذا هو ما يكفل المشاركة المتساوية من جانب كل الدول في العلاقات الدولية، وتحوي المساواة في السيادة المتطلبات التالية:
- كل الدول متساوية قانونا.
- تتمتع كل دولة بالحقوق طالما تتمتع بالسيادة الكاملة.
- كل دولة ملزمة على احترام واقع الكيان القانوني الذي تتمتع به الدول الأخرى.
- يمنع خرق سلامة أراضي دولة ما واستقلالها السياسي.
- تملك كل دولة حق حرية اختيار وتطوير أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- كل دولة ملزمة على الوفاء بالتزاماتها الدولية بالكامل، وعلى العيش بسلام مع الدول الأخرى.
نلحظ أن السيادة ليست مطلقة بالكامل، فقد تتحمل الدول التزامات الدولية، وهي ملزمة على الوفاء بها حين تكون طرفا في معاهدات واتفاقيات دولية، لأن انضمام إلى أي تنظيم دولي هو طوعي فالدول تكون حرة في عدم الانضمام إلى الاتفاقيات أو المنظمات، ولكن عند الانضمام فهي تتخلى بمحض ارادتها بقدر ما عن سيادتها لصالح المجتمع الدولي.
يميز "روبرت جاكسون" بين السيادة السلبية والسيادة الإيجابية، ويقول إن الكثير من دول العالم أنجزت الأولى عبر دحض الاستعمار ولكنها لم تحصل على الثانية، والسيادة السلبية تعني الحق القانوني بالطلب من الدول الأخرى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المعنية، أما السيادة الايجابية فهي تعني قدرة الدولة على ممارسة سيطرة فعلية في مجال سلطتها الشكلية.
3- المساواة بين الدول:
يعتبر هذا المبدأ من أهم البنود التي احتوت عليها اتفاقيات واستفليا حيث كان هذا المبدأ الأساس الذي قامت عليه هذه الاتفاقيات، فمن مستلزماته أن تم بناء قاعة خاصة لهذه الاتفاقيات بها عدد أبواب بنفس عدد الوفود المشاركة[3]، حتى يدخل كل وفد من الباب المخصص له وهذا حتى لا يدخل طرف قبل طرف من نفس الباب، وطاولة تفاوض دائرية حتى لا يكون على رأسها أي طرف، وكل هذا لتحقيق مبدأ المساواة، وهكذا تم اقرار مبدأ المساواة للحفاظ على الوحدات السياسية القائمة.
وقد احتوت كل بنود الاتفاقيات العالمية والاتفاقيات المؤسسة لكل المنظمات الدولية على مبدأ المساواة بين الدول، معتبرة إياه الصمام الضامن للسلم العالمي، لأن مبدأ المساواة يعني مساواة الدول في السيادة، مما يمنع اعتداء.
4- التسوية السلمية للنازعات الدولية:
إن مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية هو المبدأ الذي يكرس مفهوم منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول، وبحكم أن طبيعة العلاقات الدولية تتسم بتمايز الدول وتباين مصالحها وتداخلها وتضاربها في غالب الأحيان، مما ينجم عنه الكثير من الخلافات والنزاعات والصراعات، وهو ما يستدعي ايجاد أساليب أخرى لحل هذه الخلافات ومن بين أهم هذه الأدوات نذكر:
1- الوسائل الدبلوماسية: وتندرج فيه عدة أدوات منها:
أ- المفاوضات: ويقصد بها تبادل الآراء بين دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية سلمية لنزاع القائم بينهما، وتعد المفاوضات أفضل الطرق لتسوية المنازعات الدولية وأكثرها شيوعا، وهي الطريقة المألوفة لعقد مختلف المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتتميز بالمرونة والسرية التي تؤدي لتضييق شقة الخلافات بين المتنازعين.
ب- المساعي الحميدة: ويقصد بها قيام دولة بمحاولة التقريب بين دولتين متنازعتين وحثهما على المفاوضات لحل النزاع القائم بينهما، كل هذا دون أن تشترك الدولة مقدمة المساعي الحميدة في المفاوضات بأية وسيلة مباشرة، وتقوم الدول الساعية بعملها هذا إما بطلب يتقدم به أحد أطراف النزاع، أو طرف يقدر مكانتها لدى طرفي النزاع، أو بمحض اردتها.
ت- الوساطة: يقصد بها سعي دولة لإيجاد حل لنزاع قائم بين دولتين عن طريق مشاركتها مباشرة في مفاوضات تقوم بها الدولتان المتنازعتان للتقريب بين وجهات النظر، والدولة التي تقوم بالوساطة إنما تتدخل من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب أطراف النزاع.
ث- التحقيق: وهي طريقة جديدة لتسوية المنازعات الدولية تتوخى تسوية القضايا عن طريق التحقيق في صحة الوقائع التي تثير النزاع، فقد يحدث أن يكون أساس النزاع خلافا حول وقائع معينة، فإذا ما فصل في صحته أمكن بعد ذلك تسوية النزاع وديا، وفي مثل هذه الحالة يستحسن بالدولتين المتنازعتين أن تحيلا موضوع النزاع على التحقيق لإيضاح حقيقة الوقائع المختلف عليها، حتى تكون المناقشة فيما يتبع لحل النزاع مستندة إلى أساس الوقائع الصحيحة الثابتة.
ج- التوفيق: ويقصد به حل النزاع بطريق إحالته لهيئة محايدة تتولى تحديد الوقائع، واقتراح التسوية الملائمة على أطراف النزاع، ويكون قرار هيئة التوفيق غير ملزم لأطراف النزاع وهذا ما يميزه عن قرار هيئة التحكيم، إن لجان التوفيق تشبه من حيث مهمتها هيئات التحكيم أو القضاء، لكنها تختلف عنها من حيث صفة القرار، الذي تتخذه، فقرارا لجنة التوفيق ليست له أية صفة إلزامية، وللدول صاحبة الشأن أن تأخذ به أو ترفضه، بينما يلزم قرار التحكيم أو حكم القضاء أطراف النزاع ويتعين عليه تنفيذه في كل جزئياته.
ومهمة لجان التوفيق هي دراسة المنازعات وتقديم تقريرها إلى الطرفين يتضمن اقتراحات واضحة بغية اجراء التسوية، ومجال هذه اللجان أوسع من مجال لجان التحقيق، إذ ينحصر دورها في سرد الوقائع، وليس لتقرير اللجنة أي صفة إلزامية، ولا يفرض قانونا على طرفي النزاع، فمهمة اللجنة تكمن في السعي إلى التوفيق بين طرفي النزاع، فميزة التوفيق الأساسية هي اختيارية بالنسبة لقرار الذي تتخذه اللجنة، وتعتبر هذه الطريقة بمثابة تمهيد للتسوية التحكيمية أو القضائية ذات الصفة الالزامية التي يلجأ إليها الطرفان حكما بعد اخفاق محاولة التوفيق.
2- الوسائل القانونية: أما بالنسبة للوسائل القانونية فيمكن مباشرتها لتحقيق التسوية بين الدول عبر آليتين أساسيتين[4]:
أ- التحكيم: الفكرة الأساسية في التحكيم هي الفصل النهائي في المنازعات الدولية، بقرار ملزم يصدره المحكمون، اختارهم أطراف النزاع للحكم فيه وفقا للقانون، وللتحكيم ثلاثة أنواع هي:
التحكيم بواسطة رئيس الدولة: وهو ما يعرف في أدبيات العصور الوسطى بالتحكيم الملكي، وهو موروث عن التقاليد القديمة التي كانت تعتبر رئيس الدولة مصدر العدالة والسلطة السياسية.
التحكيم بواسطة لجنة مختلطة: وقد نشأ في نهاية القرن الثامن عشر كنتيجة لعلاقات الأمريكية البريطانية، حيث لجأت حكومة أمريكا الفتية لطريقة اللجان المختلطة لتسوية خلافاتها مع بريطانيا بعد الاستقلال عنها، وكذلك لتسوية نزاعاتها مع الدول الاستعمارية الأخرى كإسبانيا وفرنسا، وروسيا.
التحكيم بواسطة المحاكم: يتولى هذا النوع من التحكيم أشخاص مستقلون يتصفون بالكفاءة العلمية ويستمدون قراراتهم المعللة من نصوص قانونية وفق اجراءات معينة، وقد بلغ هذا الأسلوب ذروته في قضية ألاباما بين انجلترا والولايات المتحدة سنة 1871.
ب- القضاء الدولي: وهو عرض النزاع على هيئة قضائية دولية أو إقليمية لتصدر فيها رأي قضائي، حيث تعرض العديد من القضايا على محكمة العدل الدولية أو محكمة العدل الأوربية مثلا، غير أن اللجوء إلى التسوية القضائية مرتبط برغبة الدول أطراف النزاع في ذلك، في حين أن القرارات التي تصدرها المحكمة إلزامية التطبيق.
وقد تأسست محكمة العدل الدولية عام 1945، لتحل محل محكمة العدل الدولية الدائمة (التي أنشأت سنة 1920 وحلت سنة 1947) التي تأسست بدورها ضمن نطاق عصبة الأمم، وتعد محكمة العدل الدولية الادارة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الذي ألحق بميثاق الأمم المتحدة وهو جزء لا يتجزأ منه.
كما أن هناك مؤسسات قضائية إقليمية عامة كمحكمة العدل الأوربية، ومحاكم متخصصة كالمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
[1] يوسفي عبد الهادي، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفقا لميثاق هيئة الأمم المتحدة، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق، جامعة يوسف بن خدة، الجزائر، 2010-2011، ص 64.
[2] ماجد عمران، السيادة في ظل الحماية الدولية لحقوق الإنسان، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 27، العدد الأول، ص 464.
[3] محمد شطا حماد، تطور وظيفة الدولة، نظرية المؤسسات العامة، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982، ص 252.
[4] السيد عبد المنعم المراكبي، التجارة الدولية، دراسة لأهم التغيرات التي لحقت سيادة الدولة في ظل تنامي التجارة الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة،2005. ص 275.
-
اشكالية مفهوم السيادة الوطنية في ظل المتغيرات الراهنة.

