Résumé de section

  • مقياس تاريخ الفكر الاجتماعي والسياسي

    المحاضرة الثانية: (2)

    الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة

    تهدف هذه المحاضرة إلى تقديم بعض الملامح بشكل مختصر عن بدايات الفكر الاجتماعي في الحاضرات القديمة.

    ما المقصود بالحضارات القديمة؟

    يقصد بالحضارات القديمة تلك التي قامت في الشرق وتحديدا في مصر والعراق والصين والهند، بالإضافة إلى اليونان، إذ تعود جذور هذه الحضارات إلى ما يزيد عن سبعة آلاف عام، وقد شهدت الإرهاصات الأولى والمبكرة للفكر الإنساني.

     قدمت هذه الحضارات أفكاراً مختلفة حول علاقة الإنسان بنظيره، وعلاقته بالقوي الغيبية، كما بلورت بعض التصورات والأفكار التأسيسية حول النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بالاعتماد على الملاحظة والتجربة والتأمل العقلي، وقد نتج عن ذلك كما مهما من المعرفة كان تراكمها ثم تطورها أساسا قويا انبنى عليه رصيدا مهما من المنجز الإنساني في هذا الميدان.

    بذور الأفكار الأولى:

    لقد لعبت عدة عوامل في تشكيل الأفكار الأولى في بلاد الرافدين القديمة ومنها على سبيل المثال الظواهر الطبيعية وخاصة فيضان نهري الدجلة والفرات وما تخلفه وعجر الإنسان حينئذ على تفسير الظاهرة، وهو ما دفعه للتفكير بالاستناد إلى التفسير الديني، وكذلك دور الطبقات الحاكمة، ودور الأسرة، وفي هذه المحاور الثلاثة تمركزت الأفكار الأولى للفكر الاجتماعي في هذه المنطقة.

    تعد الحضارة المصرية من أقدم الحضارات التي عرفها العالم القديم، وكانت من أبرز مظاهر هذه الحضارة الآثار العريقة الباقية حتى الآن كالأهرام، وأبي الهول، ومعابد أبي سنبل، وكذا عمليات تحنيط الموتى، وقياس الزمن في علم الفلك، وأعمال الهندسية، وكل ذلك يؤشر على قوة الأفكار والنظم الاجتماعية والدينية والسياسية ولاقتصادية التي قامت عليها المنجزات المادية.

    كان للدين دور محوري في الفكر الاجتماعي في الحضارة المصرية القديمة ولذلك نجد حضورا مهما حول فكرة البعث والخلود ويوم الحساب، وهو ما يفسر نبوغ المصريين القدماء في فن التحنيط، وبناء المعابد الضخمة للعبادة، والأهرام التي أحسنوا بنائها لكي تكون مكاناً ملائماً للحياة الأخرى، وكانوا يضعون مع الموتى كل بقايا أمتعتهم الدنيوية.

     كما كان للكهنة ورجال الدين مكانة رفيعة في المجتمع، لا تقل عن مكانة رجال الحكم ووزراء الدولة في المجتمع.

    سجل المؤرخ "هيرودوت" في تاريخه الأعمال التى كان يقوم بها ملوك مصر لمعرفة الظروف الاجتماعية للسكان وإدارة الشؤون الاقتصادية للدولة، ووضع الخطط لمواجهة المشكلات الحاصلة، وكذلك يظهر اهتمام المصريين بالجوانب الأخلاقية والإنسانية من أجل المحافظة على ترابط المجتمع ومنها مثلا طاعة الوالدين، أدب الحديث، والأمانة والتواضع مع الأخرين.

    وكل هذه الإشارات تبين مدى الإنجاز الذي تحقق في مصر القديمة في مجال الفكر الاجتماعي.

    ارتبط الفكر الاجتماعي اليوناني القديم بإسهامات أفلاطون (427 - 347 ق.م) وأرسطو (384- 322 ق.م) بشكل خاص، فأفلاطون له ثلاث كتب أبرز فيها فكره الاجتماعي وهي (الجمهورية) (السياسة) (القوانين) لخص فيها آراءه الأساسية.

      من أهم هذه الآراء أن أي مجتمع حسب أفلاطون يتطور وفق المراحل التالية:

    -المرحلة البدائية : تتميز بوجود تجمع بشري صغير قليل العدد يتكون من أسر صغيرة، رعوي عادة ، تكون الرئاسة فيها للأب، وفقا للأعراف.

    -المرحلة الزراعية : تحصل هذه المرحلة نتيجة للمرحلة السابقة ، عندما يتزايد عدد السكان ، ويتحول الحكم فيه إلى الطبقة الارستقراطية

    -المرحلة المدنية : وهي المرحلة الأخيرة في تطور المجتمع.

    من أفكار أفلاطون أيضا أن الأسرة هي بمثابة الوحدة الأساسية التي يتشكل من أعداد كبيرة منها الاجتماع البشري الذي ندعوه ب (المجتمع).

     اعتقد أفلاطون أن الإنسان الفرد، يتكون من جسم ونفس، وكما أن الجسم يتكون من أعضاء، فإن النفس تتكون من ثلاث (قوى)، يؤدي كل منها (وظيفة) معينة لصالحه ولصالح الكل، وهذه (القوى) هي:

     - القوة الشهوية، أو الرغبة في الأشياء الحسية، ومقرها في أسفل البطن وظيفة هذه (القوة) ضمان استمرار الحياة وبقاء جنس البشر، وعندما تؤدي هذه وظيفتها على أفضل صورة، فإنها تحقق (فضيلتها)، وفضيلتها هي (الاعتدال والعفة).

    - القوة الغضبية، ومقرها القلب، ووظيفتها تمكين الإنسان من الدفاع عن نفسه وحمايتها من الأخطار، وعندما تؤدي هذه القوة وظيفتها على أحسن وجه فإنها تحقق (فضيلتها) وفضيلة هذه القوة تتمثل في (الشجاعة).

    - القوة الناطقة أو العاقلة، ومقرها الرأس، وظيفتها التفكير والتدبير، وعندما تؤدي وظيفتها على أحسن وجه، فإنها تحقق فضيلتها. وتتمثل فضيلة القوة العاقلة في (الحكمة).

    أما أرسطو فترك عدة مؤلفات منها: السياسة، المقولات، العبارة، ما وراء الطبيعة، الأخلاق الكبرى...وغيرها

    من آراء أرسطو أن الإنسان الفرد هو "حيوان سياسي واجتماعي"، ومعنى هذه العبارة أن الإنسان (شأنه شأن الحيوان والنبات) له نزعة طبيعية أن يترك أو يخلفّ من بعده كائنا على شاكلته أو من نوعه، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال (اجتماع) كائنين وهما الرجل والمرأة.

    ومن خلال اجتماعهما تتكون أولى أشكال الاجتماع البشري ممثلة ب (الأسرة)، والأسرة مع غيرها من الأسر المجاورة تكوّن (القرية)، فالقرية، إذن، هي اجتماع عدة أسر لتوفير شيء أكثر من الحاجات الضرورية اليومية، ويسمح تكوين القرية أكثر من الأسرة بتقسيم العمل وبإشباع حاجات أكثر تنوعا، ومن هذه القرية والقرى المجاورة تتكون (المدينة)، التي عدّها أرسطو أكمل أشكال الاجتماع البشري، لأنها تتوافر فيها إمكانية الاكتفاء الذاتي، بمعنى أن سكانها يمكن أن يجدوا ضمن نطاقها سائر احتياجاتهم  وتبعا لذلك، فالمدينة تضمن للأفراد ليس فقط استمرار الحياة بل أيضا العيش الرغيد فالعيش الرغيد يشمل شيئين: السلوك الأخلاقي والنشاط العقلي.

    وقد استمر الفكر الاجتماعي بعد وفاة أرسطو بظهور المدرسة الرواقية، التي أسسها (زينو القبرصي 300 ق. م) في أثينا، وكان لها دورها في شرح وتطوير أفكاره وأفكار سابقيه، بالإضافة إلى لمستها الخاصة التي تركزت بشكل خاص على الاهتمام بفكرة المساواة بين البشر رغم اختلافهم في الجنس والمرتبة والثروة.