Section outline

    • تقسيمات القانون

      إن كان الفقه قد استقر على وضع تعريف للقانون بأنه جملة القواعد التي تهدف أساسا وقت صياغتها و نفاذها إلى تنظيم وضبط سلوك الأفراد في إطار الجماعة على نحو ملزم وفقا ما اشرنا إليه سابقا، فإن هذا القانون يشكل أيضا طائفة من القواعد التي تم تقسيمها حسيب طبيعة العلاقة التي تنظمها (المبحث الأول) كما يمكن تقسيمها حسب طريقة مخاطبتها للأشخاص وقوة إلزامها( المبحث الثاني).

                                                                       المبحث الأول            

      تقسيم القانون حسب طبيعة العلاقة التي ينظمها

      تتنوع العلاقات التي تتأسس بين الأفراد في المجتمع سواء كانت هذه العلاقات اجتماعية أو اقتصادية أو مالية، ومن ثم يتدخل القانون لتنظيم و ضبط الحقوق و الالتزامات الناتجة عن هذه الروابط سعيا منه لتوفير الحماية القانونية المناسبة لضمان استقرار المعاملات والمراكز القانونية، كما يمتد سلطان القانون إلى تنظيم علاقة الأفراد بالدولة في مجالات مختلفة من الحياة العامة، علاوة على علاقة الدولة بباقي الدول و المنظمات الدولية باعتبارها من أشخاص المجتمع الدولي، وبذلك قسم القانون إلى عام وخاص، ولاشك أن لهذا التقسيم معايير معتمدة فقها كما يحظى بأهمية بالغة ( المطلب الأول) ولكل قسم من هذا القانون فروع سواء كان القانون العام ( المطلب الثاني) أو القانون الخاص ( المطلب الثالث).

       

       

      المطلب الأول

      معايير وأهمية التمييز بين القانون العام والخاص

      يعود تقسيم القانون إلى عام وخاص تاريخيا إلى التقسيم التقليدي للقانون الذي اعتمدته الإمبراطورية الرومانية في نظامها القانوني، وكان الغرض منه تمييز المركز القانوني للحاكم عن مركز المحكومين، حيث منح الحاكم لنفسه سلطات وصلاحيات واسعة تتناسب مع الفكر القانوني الذي ساد في تلك المرحلة بحيث ينظر للدولة على أنها مؤسسة سياسية وقانونية تسعى إلى تحقيق مصلحة عامة.

      غير أنه بانهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي و غياب سلطة سياسية تنظم المجتمع الروماني غاب هذا التقسيم، بحيث انتقل إلى الفقه اللاتيني حيث بقي تقسيم القانون إلى عام وخاص موجودا إلى يومنا هذا، وتعود صياغة هذا التقسيم في هذه المرحلة إلى الفقيه الشهير منتسكيو في كتابة روح القوانين الذي أطلق على القانون العام مصطلح القانون السياسي وهو القانون الذي يتولي تنظيم العلاقات بين الحاكم و المحكومين أما القانون الخاص فسماه بالقانون المدني وهو القانون الذي ينظم أساسا العلاقات بين المواطنين.

      و لعل تقسيم القانون إلى عام وخاص ليس بالأمر السهل نظرا لكثرة القواعد وتشعبها، علاوة على تعقيد العلاقات التي تنظمها هذه القواعد، ومن ثم يصبح من الضروري البحث عن المعايير المناسبة التي يمكن من خلالها التمييز بين مختلف القواعد القانونية (الفرع الأول ) كما أن هذا التقسيم تترتب عليه نتائج ذات أهمية خاصة( الفرع الثاني)

      الفرع الأول

      معايير التمييز بين القانون العام والخاص

      إن كان تقسيم القانون إلى عام وخاص أصبح امرأ مسلما به خصوصا في الدول التي تستند للمذهب اللاتيني، غير أن الوقوف عند معيار محدد لهذا التمييز أمر بالغ الصعوبة، حيث لازال النقاش الفقهي محتدما بهذا الخصوص، وكان من نتائج هذا الاختلاف أن بلغ عدد المعايير المقترحة لهذا التمييز سبعة عشر معيارا ، غير أن هذه الدراسة تستعرض أهمها فقط في نظرنا.

      أولا. معيار الأشخاص أطراف العلاقة القانونية: يذهب أنصار هذا المعيار إلى أن أساس التفرقة بين القانون العام و القانون الخاص ترتكز على أشخاص أطراف العلاقة القانونية القائمة، فإذا كانت بين أشخاص طبيعية نكون بصدد تطبيق قواعد القانون الخاص، بينما كانت الدولة أو أحد فروعها طرفا في العلاقة فيكون القانون الواجب التطبيق هو القانون العام.

      غير أن هذا المعيار لحقه انتقاد جوهري مقتضاه أن الدولة في علاقتها مع الأفراد قد تتدخل بصفة شخص معنوي عادي كأي  شخص معنوي خاص مثل باقي الأفراد ومن ثم لا تتمسك بامتيازات السلطة العامة وقت قيام هذه العلاقة خاصة بمناسبة التصرف في أملاكها الوطنية الخاصة وعليه تخضع لزاما لقواعد القانون الخاص، بينما إذا تدخلت الدولة في علاقتها مع الأفراد بوصفها صاحبة السيادة فحتما يكون مركزها القانوني أقوى من مركز الأفراد فيكون حتما القانون العام هو الواجب التطبيق على هذه العلاقة.

      ثانيا.معيار طبيعة القواعد القانونية: يستند هذا المعيار في إقامة التفرقة بين قواعد القانون العام و الخاص بالرجوع لطبيعة القاعدة القانونية ذاتها، حيث تكون قواعد القانون العام  أساسا  قواعد  أمرة  لا يجوز للمخاطبين بأحكامها مخالفة منطوقها وقت إبرام اتفاقاتهم المختلفة، بينما تكون قواعد القانون الخاص قواعد مكملة يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، وعليه فإن الإلتزام بقواعد القانون العام يصبح إلزاميا بينما يكون الخيار للأفراد في الخضوع للقواعد القانون الخاص أو الخروج على أحكامها كما أن الاختلاف واضحا من حيث أن وسيلة نفاذ القانون العام هي القرار الإداري بينما يرتكز القانون الخاص على العقود.

      لكن انتقد أيضا هذا المعيار وطعن في صحته من زاوية أساسية، فإذا كانت كل قواعد القانون العام أمرة و توجب على الأفراد بالخضوع لمنطوقها بحيث تعدم الخيار لديهم، فإن هذه الميزة تنطبق أيضا على قواعد القانون الخاص الذي ينطوي على الكثير من القواعد الآمرة المتصلة بالنظام العام والتي يترتب على مخالفتها جزاءا هو البطلان المطلق كتلك المتعلقة بالحقوق العينية و الأهلية ومن ثم استبعد هذا المعيار بدوره كأساس للتفرقة بين القانون العام و القانون الخاص.

      ثالثا. معيار طبيعة المصلحة المراد تحقيقها: يؤكد أصحاب هذا المعيار أن القانون العام يهدف أساسا إلى تحقيق المصلحة العامة، بينما يسعى القانون الخاص إلى تحقيق المصالح الخاصة للأفراد.

      لكن هذا المعيار أيضا لم يسلم من النقد، حيث أن فحص القواعد القانونية المختلفة لا يتبين لنا وجود حدود فاصلة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فالقاعدة العامة أن كل القواعد القانونية تهدف غلى تحقيق مصلحة عامة ومن ثم لا يتصور أن القانون الخاص مثلا يحقق مصلحة خاصة قد تتعارض مع المصلحة العامة، كما أن القانون الخاص وان يحقق مصلحة خاصة للأفراد ابتدءا فإنه يحقق مصلحة المجتمع أيضا، فاشتراط القانون المدني الإجراءات الرسمية في نقل الملكية العقارية وغن كان يحقق مصلحة المشتري بحمايته إلا إنه يحقق أيضا مصلحة عامة وهي استقرار المعاملات،  ومن ثم فإن هذا المعيار يفتقد إلى الدقة ولا يصلح كأساس لإقامة التفرقة بين القانونين العام و الخاص.

      رابعا. معيار صفة أطراف العلاقة القانونية: يعتبر الفقه هذا المعيار من أهم المعايير التي طرحت لحد الآن لتتميز بين القانون العام و الخاص وهو تصحيح للمعيار الأول الذي جاء به الفقه منتسكيو، ولا يعتمد هذا المعيار على الأشخاص أطراف العلاقة القانونية و إنما على الصفة التي يتدخل بها الشخص بحس الحالتين التاليتين:

      الحالة الأولى:  نكون بصدد قواعد القانون العام عندما تكون العلاقة القانونية قائمة بين الدولة أو أحد فروعها وأشخاص أخرى عندما تكون هذه الدولة متمسكة بامتيازات السلطة العامة و السيادة كما الحال في عملية نزع الملكية للمنفعة العامة.

      الحالة الثانية:  نكون بصدد قواعد القانون الخاص متى تدخلت الدولة أو أحد فروعها كشخص طبيعي مجردة من امتيازات السلطة العامة أو إذا كانت العلاقة القانونية قائمة بين أشخاص طبيعية أساسا.

      ومن خلال هذا العرض نستنتج أن المعيار الذي أصبح معتمدا في التفرقة بين القانون العام و القانون الخاص هو الصفة التي تتدخل بها الدولة في العلاقة القانونية وليس مجرد وجودها كطرف في هذه العلاقة، ومن ثم يمكن تعريف القانون العام بأنه" القانون الذي يحكم ويضبط العلاقات التي تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة "، أما القانون الخاص فيمكن تعريفه بأنه" مجموعة القواعد  القانونية التي تنظم العلاقات التي لا تتمسك فيها الدولة أو أحد فروعها بامتيازات السلطة العامة و السيادة ".

       

      الفرع الثاني

      أهمية تقسيم القانون إلى عام وخاص

      لتقسيم القانون إلى عام وخاص أهمية خاصة من نواحي متعددة نظرا لما يتميز به القانون العام عن القانون الخاص من أحكام خاصة ويمكن إبراز هذه الأهمية من حيث الامتيازات (أولا) و العقود( ثانيا) و الأموال (ثالثا) علاوة على مسألة الإختصاص القضائي( رابعا).

      أولا. أهمية التقسيم من حيث الامتيازات: بهدف تحقيق المصلحة العامة وتفعيل مظاهرها المختلفة،يعمل القانون العام على تزويد الدولة و فروعها بامتيازات وصلاحيات واسعة معروفة في إطار القانون الإداري لتحقيق هذه الغاية لا تتمتع بها أشخاص القانون الخاص من قبيل فرض أداء الخدمة العسكرية و الضرائب ونزع الملكية للمنفعة العامة و الضبط الإداري.

      ثانيا. أهمية التقسيم في مجال العقود: من المتعارف عليه فقها وقانونا أن العقود التي تبرمها الدولة أو أحد فروعها تسمى عقودا إدارية تتمتع من خلالها بالسيادة وامتيازات السلطة العامة ومن ثم تكون في مركز قانوني متميز عن مركز المتعاقد معها بحيث تحتفظ بسلطات خاصة من خلال قدرتها على فرض جزاءات على الطرف الأخر متى أخل بشروط التعاقد وحق إلغاء العقد و تعديل بنوده بإرادتها المنفردة ومع المتعاقد معها إلا اللجوء للقضاء لطلب التعويض، أما في العقود المدنية التي تنعقد بين الأفراد العاديين فيكون مركزهما القانوني متساو فلا يستطيع أي طرف الإنفراد بتعديل العقد أو إلغائه إلا بموافقة الطرف الأخر فهو يخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.

      ثالثا. أهمية التقسيم من حيث الأموال: إعمالا للنظام القانوني السائد في الدولة يعتبر المال العام مالا مخصصا لتحقيق المصلحة العامة ومن ثم فهو يخضع لقواعد قانونية متميزة عن تلك التي يخضع لها المال الخاص بالأفراد من حيث الحماية أساسا كعدم قابليته للتصرف والحجز عليه و اكتسابه بالتقادم وهو مالا يتمتع به المال الخاص بالأفراد.

      رابعا.من حيث الإختصاص القضائي:   يقضي قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بأن المنازعات التي تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا في النزاع ينعقد الإختصاص للقضاء الإداري للفصل في هذه المنازعات ويكون القانون الواجب التطبيق هو القانون العام (القانون الإداري)، أما المنازعات التي تثور بين الأفراد فتكون من اختصاص القضاء العادي ويكون القضاء العادي هو المختص أساسا للنظر في هذه المنازعات ومن ثم يكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الخاص( القانون المدني).

      المطلب الثاني

      فروع القانون العام و القانون الخاص

      نتعرض من خلال هذا العنوان إلى كل من فروع القانون العام(الفرع الأول)، علاوة على فروع القانون الخاص(الفرع الثاني)

      الفرع الأول

      فروع القانون العام

      من المتعارف عليه فقها وعملا أن العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة امتيازات السلطة العامة وذات سيادة تنقسم إلى نوعين أساسين وهي علاقة الدولة بغيرها من الدول والمنظمات الدولية، علاوة على علاقاتها بالأشخاص العاديين وعلى هذا الأساس درج الفقه تقسيم القانون العام إلى قسمين أساسين هما القانون العام الخارجي ( أولا) وقانون عام داخلي ( ثانيا).

      أولا. القانون العام الخارجي( القانون الدولي العام): وهو مجموعة القواعد القانونية الذي يحكم وينظم علاقات الدول فيما بينها سواء كان ذلك في زمن الحرب أو في زمن السلم كما يمتد لتنظيم العلاقات فيما بين المنظمات الدولية باعتبارها من أشخاص المجتمع الدولي.

      أ. في زمن السلم: يعمل القانون الدولي على تحديد أشخاص المجتمع الدولي، كما يحدد طبيعة الشروط الواجب توافرها في الدولة حتى تكتسب صفة الشخص الدولي، كما يبن طبيعة الأحكام التي تخضع لها المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و الآثار المترتبة عليها من حقوق وواجبات تجاه الدول الأخرى، كما يبين طرق التمثيل الدبلوماسي والقنصلي تبعا للاتفاقيات الدولية المرعية في هذا الخصوص، علاوة على بيان طرق حل النزاعات بين الدول من خلال آليات معروفة يقرها القانون الدولي كالمفاوضات و التحكيم و الوساطة.

      ب. في زمن الحرب: يتولي القانون الدولي العام بتنظيم كل ما يكتنف حالة الحرب بين الدول، سواء من ناحية الإجراءات المتبعة في  إعلان دولة ما الحرب على دولة أخرى، أو من ناحية أخرى يبين طبيعة الوسائل التي يعتبرها مشروعة وغير مشروعة في زمن الحرب، كما يحدد الطرق المتبعة في إنهائها مثل الهدنة و الصلح كما ينظم مسائل هامة من مسائل الحرب وهيا طرق معاملة الأسرى و الجرحى فيها.

      ثانيا: القانون العام الداخلي: هو مجموعة القواعد التي تحدد كل ما يتعلق بكيان الدولة بحيث ينظم ويضبط العلاقات التي تقوم بين الدولة كمؤسسة قانونية أو أحد فروعها بحيث تمارس نشاطاتها المختلفة باعتبارها صاحبة السلطة العامة و السيادة وبين الأشخاص المعنوية العامة أو الخاصة كما يمتد إلى تنظيم العلاقة التي تقوم بين الدولة ذاتها أو أحد فروعها أو بين كل هذه الفروع، وتنضوي تحت هذا القانون عديد الفروع القانونية المتعارف عليها في النظم القانونية الحديثة منها :

      أ. القانون الدستوري: يعتبر القانون الدستوري من أهم فروع القانون العام الداخلي تبعا لما يندرج ضمن اختصاصه من مواضيع ذات أهمية خاصة منها شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها، كما يبين طبيعة السلطات في الدولة واختصاصاتها و العلاقة فيما بينها ويعتبر هذا القانون الأسمى في النظام القانوني في السائد في الدولة( مبدأ سمو القواعد الدستورية) ومن موضوعاته أساسا:

      - شكل الدولة ونظام الحكم فيها

      - توزيع السلطات في الدولة منها التشريعية و التنفيذية و القضائية و العلاقات القائمة بينها خصوصا ما تعلق منها بالرقابة المتبادلة فيما بينها.

      - طبيعة الحقوق الأساسية الحريات التي يقرها الدستور للأفراد مثل حرية الرأي و التعبير وحرية العقيدة  وحرية الانتخاب و الترشح والحق في تأسيس الأحزاب السياسية أو الانضمام إليها و الحق في الترشح  علاوة على الحقوق المدنية التي تجد مصدرها في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية كالحق في الشغل و التنقل و سرية المعلومة وغيرها.

      ب. القانون الإداري: وهو مجموعة القواعد القانونية المتميزة و غير المألوفة في القانون الخاص والتي تهتم أساسا بالإدارة العامة من حيث تنظيمها و اختصاصاتها المختلفة و الرقابة السائدة ضمنها و المنازعات التي تكون طرفا فيها.

      - تنظيم الإدارة المركزية و الإدارة اللامركزية و صلاحيات كل منها

      - النشاط الإداري المتصل بالمرفق العام والضبط الإداري

      - تحديد ما يعتبر من المال العام وطرق حمايته

      - أساليب إصدار القرارات الإدارية سواء كانت تنظيمية أو فردية وكذا طرق إبرام العقود الإدارية خاصة الصفقات العمومية

      - الرقابة الرئاسية و الرقابة الوصائية

      - كل ما يتصل بالنازعات الإدارية.

       ج. القانون الجنائي: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد طبيعة الأفعال المجرمة وكذا العقوبات المقررة لها بحسب خطورة هذه الأفعال على المجتمع كما يتضمن القواعد القانونية الواجب إتباعها و التي تضمن حق الدولة في توقيع العقاب من لحظة ارتكاب الجريمة إلى غاية صدور حكم نهائي بات في الدعوى العمومية وعليه ينقسم القانون الجنائي إلى قانون موضوعي و قانون إجرائي.

      - قانون العقوبات: وهو قانون موضوعي ينقسم بدوره إلى قسم عام وقسم خاص، فاقسم العام يهتم أساسا بتبيان القواعد العامة للمسؤولية الجنائية من تحديد طبيعة الأفعال المشكلة للجريمة إضافة إلى الأركان التي تتوفر في السلوك الإجرامي الموجب للمسؤولية الجنائية أسباب الإباحة و الظروف المشددة للعقوبة وكذا الظروف المخففة لها، أما القسم الخاص فهو يهتم بتبيان كل جريمة على حدى بحيث يبين الحد الأدنى و الحد الأقصى للعقوبة وكذا الشروط المتصلة بها تفصيلا.

      - قانون الإجراءات الجزائية: يتمحور موضوع تقنين الإجراءات الجزائية أساسا حول القواعد الشكلية الواجب إتباعها في لتطبيق تقنين العقوبات مثلا من له حق تحريك ومباشرة الدعوة العمومية واختصاصات الضبطية القضائية والنيابة العامة و قاضي التحقيق و الحقوق التي يتمتع بها المتهم وطرق الطعن في الحكم وكذا تنفيذ العقوبة.

      - القانون المالي: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم وتضبط ما يتعلق بالمسائل المالية للدولة من حيث تحديد إيرادات أموالها و أوجه إنفاقها المختلفة خاصة القطاعات الأساسية من صحة وتعليم وخدمات اجتماعية أو المشاريع الإقتصادية و الخدماتية

      ويعتبر القانون المالي حديث النشأة نسبيا، حيث كان منضويا تحت القانون الإداري أساسا غير أنه استقل عنه نظرا لتشعبه وكثرة قواعده ومرونته والحركية السريعة التي تميز قواعده بحيث تتناسب مع المتغيرات الإقتصادية التي تواجهها الدولة.

      الفرع الثاني

      فروع القانون الخاص

      سبق التأكيد على أن القانون الخاص هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات و الروابط المختلفة بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة أو احد فروعها المحددة في القانون باعتبارها شخصا معنويا عام وليس بصفتها صاحبة امتيازات السلطة العامة أو السيادة ولعل من أهم فروع القانون الخاص نجد:

      أولا. القانون المدني: وهو مجموعة القواعد التي تهتم أساسا بتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، عدا ما تنظمه الفروع الأخرى للقانون الخاص و أهم فرع من فروع القانون الخاص، حيث يعتبر الشريعة العامة لمختلف القوانين وترتب عن هذا نتيجتين أساسيتين هما: - أن قواعد هذا القانون المدني تنطبق على جميع فئات المجتمع بغض النظر عن طوائفهم المهنية طالما توافرت فيهم شروط تطبيق أحكامه.

      - أن القاضي وهو بصدد الفصل في النزاع يعتمد أساسا على قواعد القانون المدني ما لم يوجد نص في فروع القانون الخاص الأخرى مثل القواعد العامة المتعلقة بالشركات التجارية أو العقود التجارية إعمالا للقاعدة الفقهية الفرع يتبع الأصل.

      و يترتب عن هذا الطرح أن القانون المدني ينقسم من حيث قواعده إلى نوعين وهما:

      أ. قواعد الأحوال الشخصية: وهي تنشأ أساسا لتنظيم العلاقات المختلفة التي تربط الفرد بأسرته ومن موضوعاتها مسألة بداية الشخصية القانونية و نهايتها علاوة على حالة الشخص الاسم و الموطن وكذا علاقته بين الفرد و أسرته بمناسبة قيام الروابط المختلفة سواء بالزواج أو الطلاق والنفقة و الميراث ورعاية الأشخاص في أحوالهم و أموالهم كنظام الولاية و الوصاية والقوامة .

      ب.قواعد الأحوال العينية: وهي تلك القواعد التي تنظم النشاط المالي للأفراد وتسمى المعاملات المالية وتشمل الحقوق المالية بأنواعها المختلفة إضافة إلى تنظيم مصادرها وتنقسم الحقوق المالية إلى قسمن أساسين هما:

      1. الحقوق الشخصية: و المقصود بها تلك الحقوق التي تتقرر للشخص الذي يكون في مركز الدائن على شخص أخر يسمى المدين ويمسى حق الشخص الأول بحق الدائنية ويعبر عن الثاني بالالتزام وهذه الرابطة تختلف مصادرها فقد يكون أساسا مصدرها القانون كما يمكن أن يكون مصدرها الشائع هو العقد أو الإرادة المنفردة علاوة على الفعل الضار كما يمكن أن يكون مصدرها الفعل النافع .

      2. الحقوق العينية: وهي تلك العلاقات التي تقوم تأسس لسلطة الشخص على شيء معين، وهيا على نوعين الحقوق العينية الأصلية منها حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق أما الحقوق العينية التبعية وهي نفسها التأمينات العينية  مثل حق الرهن الرسمي و الرهن الحيازي.

      ثانيا.القانون التجاري: والمقصود به مجموعة القواعد و الأحكام التي تختص بضبط وتنظيم العلاقات و الروابط التجارية منها التجار و المعاملات التجارية ، ومن أهم المواضيع التي يختص بها هذا القانون نجد:

      - تحديد طبيعة الشروط اللازم توافرها أساسا في الشخص حتى يكتسب صفة التاجر ويخضع لأحكام هذا القانون، علاوة على بيان النتائج المترتبة عن اكتساب هذه الصفة منها ضرورة مسك الدفاتر التجارية وإلزامية القيد في السجل التجاري.

      - تحديد طبيعة الأعمال التجارية الخاصة و أنواعها.

      - موضوع الشركات التجارية من حيث نشأتها وطبيعة الحقوق و الالتزامات التي تترتب عليها وكيفية انقضائها.

      - مسألة الإفلاس التجاري، كما يتضمن القانون التجاري مسائل في غاية الأهمية منها العلامة التجارية و براءة الإختراع ذات الطابع التجاري.

      ثالثا. قانون الإجراءات المدنية و الإدارية: وهو مجموعة القواعد القانونية الناظمة للإجراءات التي تمر بها الدعوى المدنية و الدعوى الإدارية وتبين اختصاصات المحاكم وطرق الطعن العادية و غير العادية أمام جهات القضاء العادي و الإداري وهي دعاوى الغرض منها حماية حق خاص.

      رابعا. قانون العمل: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم علاقات العمل وكذا الحقوق التي تترتب للعامل و رب العمل بعد قيام هذه العلاقة و طبيعة الالتزامات التي تقع على عاتق كل منها ومن المسائل الأساسية التي تدخل في نطاق اختصاص هذا القانون نذكر:

      - تنظيم علاقة العمل

      - أوقات العمل

      - كل ما يتعلق بأجور العمال

      - السن القانوني المسموح به للعمل

      - تنظيم العطل

      - مسألة حوادث العمل 

      - انتهاء علاقة العمل

      - شروط ممارسة الحق النقابي

      خامسا. القانون البحري و الجوي: يعرف القانون البحري بأنه مجموعة القواعد العامة التي تحكم الأنشطة و المعاملات التجارية التي تتم عبر الملاحة البحرية، ويجد معظم مصادره في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ، وترد معظم قواعده على السفينة وتنظم بخصوصها المسائل التالية:

      - طبيعة النظام القانوني الذي تخضع له السفينة من حيث الاسم و الجنسية وإجراءات تسجيلها وطبيعة العقود التي ترد عليها مثل عقد البيع و الإيجار و الرهن و التامين كما ينظم الأخطار التي تتعرض لها السفينة.

      أما القانون الجوي فهو يستهدف تنظيم عديد المسائل و القضايا المرتبطة أساسا بالملاحة الجوية التي تكون الطائر، أداة هذا النوع من النقل، ويرتكز في معظم أحكامه على الاتفاقيات الدولية المتخصصة ، ويدخل ضمن اختصاصه:

      - مسألة  جنسية الطائرة،  وكذا طبيعة النظام القانوني الذي يخضع له طاقمها، كما يتناول بالتنظيم أهم عقد في هذا المجال وهو عقد النقل الجوي، ويضاف إلى اختصاصه أيضا تحديد طبيعة المسؤولية التي تترتب في حق الناقل الجوي علاوة على التأمين الجوي، و الملاحظ في هذا الصدد أن أول قانون خاص بالطيران المدني في الجزائر صدر سنة  1998 .

      سادسا. القانون الدولي الخاص: يعرف القانون الدولي الخاص بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تبين و تحدد القانون الواجب التطبيق على مجمل العلاقات التي يكون أحد أطرافها عنصرا أجنبيا، كما يستهدف بيان شروط انعقاد الإختصاص للمحاكم الوطنية في الفصل في المنازعات التي تثور بمناسبة قيام هذه العلاقات ، ويدخل ضمن اختصاصه تنظيم المسائل التالية:

      - مسألة الجنسية ، من حيث تحديد القواعد التي تخضع لها وأنواعها وكيفية اكتسابها، علاوة على أسباب إسقاطها .

      - موضوع تنازع القوانين، و الذي يستهدف من خلاله تحديد من هو القانون الواجب التطبيق على العلاقة ذات العنصر الأجنبي.

      - تنازع الإختصاص القضائي بين القضاء الوطني و الأجنبي ومن ثم يعمل هذا القانون على بيان شروط وحالات اختصاص القضاء الوطني بالفصل في المنازعات التي تثور بين أطراف العلاقة.

       

       

      المبحث الثاني

      تقسيم القواعد القانونية من حيث درجة الإلزام

      يتخذ المشرع وهو بصدد تنظيم سلوك الأفراد وعلاقاتهم وروابطهم المختلفة في إطار الجماعة مسلكين أساسين، فهو قد يلجأ إلى مسلك إجبار الأفراد على إتباع نهج القاعدة القانونية ومن ثم لا يقبل بسلوك مخالف لها من قبل المخاطبين بأحكامها .

      أما المسلك الثاني فقد يترك من خلاله لأفراد حرية التدخل بتنظيم علاقاتهم و روابطهم المختلفة على وجه قانوني أخر، ومن ثم نجد أنه في بعض الأوضاع يقيد المشرع سلوك الأفراد لغاية معينة بحيث يمنعهم من مخالفة أحكام ومنطوق القاعدة القانونية ونكون في هذه الحالات بصدد قواعد أمرة، أما في النوع الثاني فقد يعطي المشرع نوعا من الحرية للأفراد في إعمال إراداتهم لتنظيم مختلف النشاطات و العلاقات المترتبة عنها وبهذا الخصوص نكون بصدد قواعد قانونية تسمى القواعد المكملة.

      المطلب الأول

      المقصود بالقواعد الآمرة و القواعد المكملة

      إن القواعد القانونية كما سبق التأكيد في هذه الدراسة كلها تتمتع بخاصية الإلزام، حيث تتضمن في منطوقها إما أمرا أو نهيا للمخاطبين بأحكامها، ومع ذلك دأب التشريع و الفقه إلى تقسيم القانون إلى قواعد أمرة  الفرع الأول وقواعد مكملة الفرع الثاني

      الفرع الأول

      المقصود بقواعد الآمرة و القواعد المكملة

      أولا: مدلول القواعد الآمرة: يذهب الفقه القانوني إلى اعتبار القواعد القانونية قواعد أمرة عندما يأتي مضمونها على صيغة الأمر بفعل ما أو تنهى عن إتيان سلوك معين، ويصطلح عليها بالقواعد الآمرة نظرا لتنظيمها لمجلات حيوية تتصل أسسا بكيان المجتمع ومصالحه العليا وأسسه السامية، و الملاحظ أن هذه القواعد لا تتصل فقط بتنظيم المصالح المباشرة المقررة للجماعة كضمان أمنها من العدوان الخارجي وصيانة المال العام فحسب، بل تتصل أيضا بما يتصل بمصالح غير المباشرة للأفراد مثل حمايتهم من الجرائم التي يمكن أن تمس الجسم أو المال واستقرار معاملاتهم المختلفة. 

      و الملاحظ أن الفقه يسميها قواعد أمرة و في بعض الأوضاع يطلق عليها تسمية القواعد الناهية اعتبارا لكونها قواعد جبرية ومفروضة على المخاطبين بأحكامها بل تحمل معنى الخضوع و الطاعة الكاملة لمنطوقها، ومع ذلك فإن الغالبية من الشراح يسمونها بالقواعد الآمرة رغم أنها تتضمن في عديد القواعد سواء في القانون المدني أو قواعد قانون العقوبات قواعد ناهية.

      ثانيا. الأثر المترتب عن مخالفة القواعد الآمرة: طالما أن القواعد الآمرة تتصل بكيان المجتمع وأسسه، فإن هذه القواعد لا تترك الخيار للمخاطبين بأحكامها حرية الامتثال لمنطوقها أو مخالفته ومن ثم يكون كل اتفاق بين الأفراد على استبعاد تطبيقها أو إعمال إرادتهم كبديل عن حكمها يقع باطلا بطلانا مطلقا ، ومن أمثلة ذلك الاتفاق على استبعاد تطبيق القواعد التي جاءت على صيغة الأمر بإفراغ التصرف القانوني متى كان محله نقل الملكية في العقار نظرا لاتصالها بالمصلحة العامة و استقرار المعاملات.

      الفرع الثاني

       القواعد المكملة

      أولا: تحديد المقصود بالقواعد المكلمة: هي تلك القواعد التي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة منطوقها وبالتالي استبعادها من التطبيق لأنها أساسا لا تتصل بتنظيم المصلحة العامة، بل تشرف على تنظيم المصالح الخاصة للأفراد، ومن ثم يسمح المشرع بإعمال إرادتهم في تنظيم مصالحهم على الوجه الذي يحقق المنافع المرجوة من إبرام التصرفات القانونية المختلفة ولو كان ذلك مخالفا للقواعد القانونية المكلمة.

      لكن يجب التأكيد على أن أصحاب هذه المصالح إذا لم يتفقوا على تنظيم المسائل التفصيلية التي تشكل المجال لإعمال إرادتهم وقت إبرام التصرفات القانونية فإن الرجوع إلى إعمال إرادة المشرع من خلال القواعد المكلمة يصبح حتميا.

      ومن الأمثلة المقررة في القانون المدني بخصوص القواعد المكملة تلك الناظمة لعقد البيع، حيث قد يتفق كل من البائع و المشتري على المسائل الجوهرية المتمثلة أساسا في المبيع و الثمن دون المسائل التفصيلية المتمثلة في ميعاد دفعه ولا مكان  التسليم ، فيتم الرجوع إلى إرادة  المشرع في هذه الحالة، حيث تقضي قواعد القانون المدني بأن يكون تسليم المبيع و الوفاء بالثمن فور انعقاد العقد علاوة على أن يكون دفع الثمن في مكان تسليم المبيع تطبيقا لأحكام المادتين 387 و388 من القانون المدني.