المدخل للعلوم القانونية
Topic outline
-
-
البطاقة الفنية:
الاسم و اللقب: الأستاذ الدكتور حميد فلاح
الرتبة: أستاذ التعليم العالي
طرق التواصل: عبر البريد الإلكتروني
fellah.hamid@yahoo.com h.fellah@univ-dbkm.dz
يوم استقبال: الخميس على الساعة 11.30 بقاعة الأساتذة
-
-
-
ملخص المقياس:
تهدف النظرية العامة للقانون المقررة للطالب السنة الأولى ضمن السداسي الأول إلى معالجة محاور في غاية الأهمية يمكن إجمالها في مايلي:
- التعريف بالقانون و بيان أهميته وخصائص القاعدة القانونية
- تقسيمات القاعدة القانونية
- مصادر القانون
- نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص والمكان و الزمان
- تفسير القاعدة القانونية
-
-
-
المكتسبات القبلية:
وهي مجموع المعلومات التي تلقاها الطالب في أطوار التعليم السابقة خاصة في مرحلة التعليم المتوسط و الثانوي منها:
- ما تم الإطلاع عليه من نظم قانونية داخلية للمؤسسات التعليمية التي سبق للطالب التدرج فيها
- المعلومات المتحصل عليها ضمن مادة التربية المدنية
- المكتسبات الناتجة عن الحوار مع الغير و البرامج المرئية و المسموعة
ولغرض تنمية المكتسبات القبلية التي تسمح للطالب بالتأقلم مع نظرية القانون يمكن الإطلاع على بعض المراجع التالية:
1- إسحاق إبراهيم منصور، نظرية القانون و الحق تطبيقاتها في القوانين الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية 2005
2- توفيق حسن فرج المدخل للعلوم القانونية، النظرية العامة للقانون و النظرية العامة للحق، منشأة المعارف، الإسكندرية 1981
3- محمد سعيد جعفور، المدخل للعلوم القانونية، الوجيز في نظرية القانون، دار هومة، الجزائر 2004
4 - عمار بوضياف، الوسيط في النظرية العامة للقانون مع تطبيقاتها في التشريعات العربية، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان 2010
-
-
-
أهداف المقياس:
تعتبر نظرية القانون المقررة ضمن مقياس المدخل للعلوم القانونية الموجه لطلبة السنة الأولى من دراسة شعبة الحقوق الركيزة الأساسية لاكتساب المنطق القانوني السليم ولغة القانون وكذا المفاهيم و المصطلحات الأساسية، كما يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن تصنيفها إلى عامة وخاصة.
الأهداف العامة للمقياس: تتحدد الأهداف العامة لدراسة محاور نظرية القانون في مايلي:
- اكتساب المعارف ذات الصلة بفروع القانون المختلفة خاصة القانون الدستوري والقانون المدني
- تكوين رصيد معرفي للطالب من خلال المصطلحات و المفاهيم المتعددة التي تزخر بها نظرية القانون.
- تنمية المنطق القانوني لدى الطالب من خلال الاستعانة بالنصوص القانونية التي تستند عليها دراسة مواضيع نظرية النظرية العامة للقانون.
- التدرب على التفرقة بين مختلف المصطلحات ذات الدقة العالية وإعمال التفكير القانوني في معالجة مختلف الإشكاليات ذات الصلة بالقانون الخاص.
الأهداف الخاصة للمقياس: تتلخص الأهداف الخاصة بدراسة النظرية العامة للقانون في مايلي:
- الإحاطة بالتطور الحاصل على الصعيد الأكاديمي بمفهوم القانون و خصائصه وكذا تقسيماته المختلفة ومدى تأثر هذه النظرية بجملة المتغيرات الحاصلة في المجتمع وانعكاسها على النظم القانونية الحديثة ومن بينها التشريع الجزائري.
- تمكين الطالب من التعامل مع مختلف القضايا النظرية و العملية التي تتصل بمجالات القانون المختلفة خاصة تلك المتصلة بالقانون العام أو الخاص.
- استيعاب المعارف القانونية المختلفة، حيث تعتبر النظرية العامة للقانون الركيزة الأساسية لمواصلة الطالب تكوينه في المستويات والأطوار اللاحقة.
- تعتبر النظرية العامة للقانون بمثابة الأساس النظري و العملي للطالب لتحصيل القواعد العامة و المفاهيم الأساسية التي ترتكز عليها باقي المقاييس الأساسية وكذا اكتساب المفاتيح التي تساعده على التعامل مع الجانب العملي من قضايا و استشارات التي تطرح على الطالب.
-
-
-
المحور الأول: ماهية القانون و بيان أهميته وخصائص القاعدة القانونية
أولا: ماهية القانون
الخريطة الذهنية للدرس لمفهوم القانون
يعود أصل كلمة قانون إلى اللغة اليونانية فهي دخيلة على اللغة العربية، حيث اشتقت من كلمة.... و قصد بها العصا المستقيمة، وهي تعبير مجازي عن القاعدة أو النظام أو الاستقامة، غير أن اللغات الأجنبية الأخرى لم تستعمل هذا المصطلح اليوناني بل أثرت أن تستعمل كلمات أخرى رغم أنها ذات نفس الدلالة، فعلى سبيل المثال استعملت اللغة الفرنسية كلمة... أما اللغة الإنجليزية فتبنت كلمة....، أما اللغة الإيطالية فقط استعملت لفظ.....
و يفهم مما سبق أن كلمة قانون التي تتجه في مدلولها إلى الاستقامة تكرس في الحياة القانونية كمعيار لقياس مدى خضوع واحترام الفرد للقاعدة القانونية باعتباره مخاطبا بأحكامها سواء جاءت في صيغة الأمر أو النهي، فإن أبدى احترامه لها وصف سلوكه بالمستقيم، وان خالفها كان سلوكه منحنيا ومستهجنا.2
الفرع الثاني
الاستخدامات المختلفة لكلمة قانون
يستخدم مصطلح قانون عموما للدلالة عن كل قاعدة متعارف عليها وثابتة تفيد باستمرار واستقرار أمر معين كأساس ثابت ومستقر، ومن ثم فإن هذا الاصطلاح يتم إعماله في تفسير العلاقة التي تنظم الظواهر الطبيعية على اختلافها (أولا)، كما يستخدم أساسا في الإشارة إلى جملة القواعد الضابطة لسلوك الفرد في إطار الجماعة الذي يفترض أن يتطابق و يتناسق مع السلوك القويم الذي ترتضيه هذه الجماعة( ثانيا).
أولا: استعمال كلمة قانون للدلالة على العلاقات التي تحكم الظواهر الطبيعية
من المتعارف عليه أن مختلف الظواهر الطبيعية تحكمها قوانين ثابتة يتم الكشف عنها باستخدام المنهج التجريبي وصولا إلى تفسير كيفية حدوثها والعوامل المؤثرة فيها، ومن الثابت أيضا أن هذه الظواهر تخضع أساسا لمبدأ جوهري هو ارتباط السبب بالنتيجة أو ما يعبر عنه بعلاقة السببية، ومن ثم لا توجد نتيجة دون سبب أساسي دفع لحدوثها في الواقع، ومن أمثلة ذلك قانون الجاذبية الذي ينسب للعالم نيوتن حيث إذا ترك جسم في الهواء فإنه حتما يهوي نحو الأسفل بسبب الجاذبية الكامنة في الأرض.
يستنتج من هذا الطرح أن القاعدة القانونية العلمية دورها ملاحظة ما يقع من ظواهر طبيعية و تفسيرها و التعبير عنها بمصطلحات علمية دقيقة، وهي قاعدة لاحقة بالضرورة عن الوقائع التي تسجلها ومن ثم فالقاعدة القانونية العلمية قاعدة تقريرية لأنها تقرر لواقع يتحقق كلما توافرت نفس الشروط، بينما القاعدة القانونية المقصودة في تخصصنا لا تهتم بتسجيل السلوك الاجتماعي المستهدف بالتنظيم وإنما تسعى إلى رسم هذا الواقع على نحو معين وفقا لما يجب أن يكون عليه هذا السلوك، ومن ثم فإن هذه القاعدة تشكل واقعة سابقة عن السلوك ذاته تلزم الفرد بضرورة التقيد بما هو محدد في منطوق القاعدة القانونية و عليه فهي توصف بأنها تقويمية بحسب الأصل عكس القاعدة القانونية العلمية التي تعتبر تقريرية أساسا.
ثانيا: مدلول كلمة قانون في العلوم القانونية
لكل علم من العلوم سواء الإجتماعية منها أو الدقيقة مفاهيمه و مصطلحاته الأصيلة وقوانينه التي تعبر عن الترابط بين ظواهره، غير أن العلوم القانونية ترتكز على مصطلح قانون الذي سواء من حيث الشكل أو المضمون، و المقصود به أساسا جملة من القواعد التي تنظم وتوجه سلوك الأفراد المخاطبين بها، ومن ثم يمكن أن يكون استعمال هذا اللفظ معنا عاما( أ )، كما يمكن أن يكرس معنى خاص( ب).
أ. المعنى العام لمصطلح قانون: ويقصد حين استعمالها تلك القواعد التي تنظم وتحكم سلوك الأشخاص وتضبط علاقاتهم وروابطهم المختلفة على نحو ملزم مهما كان شكلها مكتوبة أو غير مكتوبة ومهما كان مصدرها ، سواء كان التشريع الذي تسنه السلطة التشريعية في الدولة صاحبة الإختصاص الأصيل، أو كان مصدرها باقي المصادر المتعارف عليها فقها وعملا مثل الشريعة الإسلامية أو العرف، و القانون بمعناه العام هو محور الدراسة في التخصص ومقترن بعنصري الزمان و المكان ويطلق على هذه القواعد صفة القانون الوضعي تمييزا له عن القانون السماوي المستمد أساسا من القواعد الدينية.
ب. المعنى الخاص لمصطلح قانون: علاوة على المعنى العام لمصطلح قانون، فقد ينصرف معناه أيضا إلى للدلالة على ماهو خاص من مقصوده، ويمكن حصر ما يتجه إليه مصطلح قانون في الحالات التالية:
1. استخدام مصطلح قانون بمعنى التشريع : ينصرف مدلول لفظ قانون هنا للدلالة على التشريع، وهو مجموعة القواعد التي تسنها السلطة التشريعية بمقتضى اختصاصها المكرس في الدستور في شكل مكتوب ومن ثم تستبعد القواعد الأخرى التي تشترك إلى جانب القواعد القانونية في تنظيم سلوك الأفراد من هذا المعنى5، وعليه كثيرا ما تستعمل المراجع الفقهية ألفاظا تدل على هذا المعنى مثل قانون الشهر العقاري، قانون العمل ، مع أن مصطلح تشريع أدق في مدلوله في هذه الحالة فيقال تشريع العمل مثلا بدلا من قانون العمل، فكل تشريع هو قانون ولكن ليس كل قانون هو تشريع.
ويلاحظ أن بعض النظم القانونية المقارنة مثل التشريع الفرنسي يتحرى الدقة في دلالة المصطلحات القانونية، حيث يستخدم لفظ ..... للدلالة على القانون، في حين يتم استعمال كلمة .... عندما يقصد بها التشريع.
2. انصراف معنى القانون نحو التقنين: و المقصود بهذا الاتجاه أساسا الإشارة إلى فرع من فروع القانون المتعارف عليها فقها وعملا مثل القانون المدني و القانون التجاري وقانون الإجراءات الجزائية رغم أن الأدق هو استخدام لفظ التقنين بإعتباره مجموعة القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية مع لهذه القواعد ضمن كتاب واحد جامع لهذه القواعد بشكل منظم و مرتب في أبواب و فصول تتميز بالتناسق و التكامل الهدف منها تنظيم وجه من أوجه النشاط الذي يمارسه الأفراد مثل النشاط التجاري أو العلاقات المالية المختلفة و تلك التي تحدد الجرائم المختلفة فيقال بهذا الصدد القانون المدني و القانون التجاري و قانون العقوبات.
و من تعريف التقنين ذاته يتضح لنا أن كلمة قانون اعم من كلمة تقنين فيقال فقها أن كل تقنين هو قانون و العكس غير صحيح وغن كان الكثير من الشراح و الدارسين يستعملون لفظ القانون بدلا من التقنين.
أما عن تعريف القانون ذاته، فلم يتفق الفقه بشان تعريف جامع مانع لهذا المصطلح ويمكن أيراد البعض من اتجاهات الفقه بهذا الخصوص في ما يلي:
- تعريف القانون على أساس الغاية التي يتوخاها في أحكامه منها فكرة العدالة واستقرار المعاملات وحفظ النظام العام فعرف القانون وفق هذا الاتجاه بأنه " مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأشخاص ضمن إطار الجماعة تنظيما عادلا بما يحفظ حريات الأفراد و يحقق الخير للجميع
- الجزاء كأساس لتعريف القانون: اتجه فريق من الفقه إلى استخدام الجزاء في بلورة تعريف للقاعدة القانونية ومن ثم صيغ التعريف التالي" القانون هو مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدرها الدولة لتنظيم سلوك الأشخاص الخاضعين لها و المتدخلين في تكوينها
- تعريف القانون من منطلق الخصائص المميزة لقواعده: والمقصود بذلك ما يميز القاعدة القانونية عن باقي القواعد الأخرى التي تساهم في تنظيم و ضبط سلوك الأشخاص ضمن الجماعة، حيث عرف البعض من الفقه القانون بأنه " مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الإفراد في إطار الجماعة تنظيما عاما ومفروضا بتهديد عنصر الجزاء الموضوع أساسا عند مخالفة أحكامها
ويعتبر هذا التعريف الأكثر قبولا في الفقه القانوني الحديث طالما أنه يتناسق مع المعنى العام للقانون.
امتحان تقييم المكتسبات:
السؤال الأول: إلى أي مدى تعتبر القاعدة القانونية قاعدة تقويمية ؟
السؤال الثاني: ما الفرق بين القانون و التقنين؟
-
-
-
ثانيا:خصائص القاعدة القانونية
يتحدد الهدف من تبيان خصائص القاعدة القانونية في إمكانية التعرف عليها وإبراز ما يميزها عن باقي القواعد الأخرى التي تشكل نظاما قانونيا يحكم سلوك الأشخاص في المجتمع من الناحية الأكاديمية و العملية وقد سبق القول أن التعريف الراجح للقانون بأنه مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، و التي تقترن بجزاء تسهر على تنفيذه السلطة العامة صاحبة الإختصاص على من يخالف أحكامها.
ومن استقراء هذا التعريف تتضح لنا جملة الخصائص الجوهرية التي تتمتع بها للقاعدة القانونية مهما كان الفرع القانوني الذي تنتمي إليه و هي ثلاثة:
الفرع الأول
القاعدة القانونية قاعدة تنظم سلوك الفرد في المجتمع
يهتم القانون أساسا بتنظيم مختلف الروابط و العلاقات المتشعبة بين الأفراد مهما كان مصدرها ضمن حيز اجتماعي و لاشك أن هذه الروابط الغرض منها إشباع الحاجات الأساسية للفرد طالما لاستطيع تحقيق هذه الغاية بمفرده، ومن ثم يضطر إلى ضم جهده لجهود غيره.
غير أن تطور وتعدد الحاجات الأساسية اقتصادية كانت أو اجتماعية يؤدي في كثير من الحالات إلى نشوب صراعات ومنازعات بسبب تعارض المصالح بين مكونات المجتمع ومن ثم لامناص من إيجاد نظام قانوني يمتاز بالوضوح و الصرامة في قواعده يبين طبيعة الحقوق التي يتمتع بها الفرد و الواجبات التي يتحمل بها وبهذا النظام يحفظ كيان المجتمع و مصالحه العليا المتجسدة في الأمن العام و استقرار المعاملات وبسط سلطان القانون على كل المخاطبين بأحكامه، ونستنج من هذا الطرح النتائج التالية:
أولا: أن البيئة الإجتماعية هي مناط وجود القاعدة القانونية: فلولا وجود المجتمع لما وجد النظام القانوني الذي يعمل أساسا على تنظيم سلوك الفرد في علاقته مع غيره من باقي أفراد المجتمع بوضع ضوابط ومعالم واضحة تجعل من سلوكه يتناسق مع ما ترضيه الجماعة، كما أن القانون يتطور تبعا للمتغيرات المختلفة التي تطرأ على المجتمع خصوصا الإقتصادية منها و الثقافية ومن ثم يدخل المشع كلما ظهرت الحاجة إلى تعديل النظام القانوني و تكييفه مع هذه المتغيرات، علاوة على أن القانون ذاته يتلاءم مع المجتمع ذاته وخصوصياته التي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى.
ثانيا: أن القاعدة القانونية تفرض تكليفا على المخاطب بأحكامها: لعل فرض التوازن في العلاقات بين الأفراد وحماية مصالحهم وكذا ضمان استقرار المجتمع و سمو مصالحه الأساسية يفرض صياغة قواعد النظام القانوني على نحو يفهم منه توجيه تكليف على المخاطبين بأحكامه إما في صيغة الأمر أو في صيغة النهي، فمن غير المعقول أن تأتي القاعدة القانونية على سبيل الخيار فالغالب في هذا هو لجوء الفرد إلى مخالفتها، وإلا لما كان من المتصور وجود الجزاء من جهة واستخدام عنصر القوة لردع المخالف من الاستمرار في المخالفة.
وقد صاغ المشرع عديد القواعد القانونية التي جاءت في سياق فرض التكليف على المخاطب بحكم القاعدة القانونية، حيث جاء منطوقها على صيغة الأمر مثل ما يقضي به نص المادة 141 من القانون المدني " كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو الشيء"، وأيضا ما جاء في نص المادة 154/1 " يجب على الفضولي أن يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص العادي، ويكون مسؤولا عن خطئه".
كما أن صيغة النهي ذات دلالة واضحة في توجيه سلوك الفرد في معاملاته المختلفة، ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة 333 من القانون المدني من أنه لا يجوز إثبات التصرف القانوني المدني إذا تجاوزت قيمته100.000 ألف دج أو كان غير محدد القيمة إلا بالكتابة.
ثالثا: القاعدة القانونية تضبط السلوك الظاهر للأفراد: يشترط في السلوك الذي يدخل في دائرة التنظيم من الناحية القانونية أن يكون ظاهرا ومعلنا بمعنى أخر يجب أن يخرج سلوك الفرد إلى حيز الوجود الاجتماعي حتى يسهل الإحاطة به و تنظيمه و توجيه على نحو يتطابق مع منطوق القاعدة القانونية ويتناسق مع ما ترتضيه الجماعة، ومن ثم لا يعتد القانون بالنوايا التي تبقى حبيسة الباطن كقاعدة عامة، فالمشرع العقابي مثلا لا يعتد بالنوايا و الأفكار للشخص الذي يريد ارتكاب جريمة إلا اقترنت بالبدء بالتنفيذ بأن يشرع في إتيان الركن المادي ، غير أن المشرع لا يهمل النية في الكثير من الأوضاع مثل ارتكاب الفعل المجرم مع سبق الإصرار و الترصد فيعاقب من منظور تقنين العقوبات بعقوبة أشد من ذلك الذي يرتكبه بشكل عارض، كما أن المشرع المدني يعير اعتبار لحسن النية أو سوئها في العديد من المسائل منها في موضوع الحيازة فقد فرق في هذا الصدد بين الحائز الحسن النية، حيث يكتسب ملكية العقار عن طريق التقادم ب 10 سنوات بينما إذا كان الحائز سيء النية فتمتد مدة التقادم إلى 15 سنة .
الفرع الثاني
القاعدة القانونية عامة ومجردة
أولا: مدلول العمومية والتجريد: يقصد بالتجريد من وجهة نظر غالبية الفقه أن القاعدة القانونية لا تستهدف بالتنظيم و لا تخاطب شخصا بذاته و لا أي واقعة معينة بل بالصفة التي يتمتع بها الشخص و الشروط التي حددها المشرع في الواقعة التي تشملها القاعدة القانونية بالتنظيم، أما العمومية فهي نتيجة منطقية لتجريد القاعدة القانونية حيث تطبق على كل الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط أو الصفة التي تعد محل اعتبار في النص القانوني ومن ثم هي مجردة عند صياغتها وعامة عند تطبيقها.
و من بين النصوص التي يمكن أن نستدل بها في هذا السياق نص المادة 124 من القانون المدني الذي جاء في منطوقها بأن كل خطأ يسبب ضررا للغير يلتزم مرتكبه بالتعويض، فهذا النص جاء عاما ومجردا فحكمها يطبق على كل الوقائع التي يتحقق فيها ركن الخطأ من منظور القانون المدني كما تتوجه للأشخاص الذين يرتكبون هذا الخطأ.
ثانيا: الهدف من العمومية و التجريد: تحقق خاصية العمومية و التجريد عديد المزايا على الصعيدين القانوني و العملي منها تحقيق العدالة و المساواة بين المخاطبين بأحكام القاعدة القانونية وضمان مبدأ سيادة القانون في الدولة.
ويلاحظ في هذا السياق أن المشرع يعتد في إعمال هذه الخاصية بالوضع الغالب في المجتمع وليس بظروف كل شخص على حدى حتى يعزز الثقة في النظام القانوني السائد في الدولة بالنسبة للكافة، فعلى سبيل المثال فإن صياغة المادة 40 من التقنين المدني يتضمن حكما عاما ومجردا في تحديد سن الأهلية ببلوغ الشخص سن 19 سنة كاملة اعتمادا على معيار يعد أيضا عاما ومجردا وهو متوسط النضج العقلي رغم الاختلاف الفعلي الحاصل بين الأفراد في مسألة النضج العقلي، لكن من المعروف أن القانون لا يخاطب كل شخص على حدى، ومن ثم قد يتوفر النضج العقلي في شخص معين قبل هذا السن و العكس صحيح قد يتجاوز شخص ما هذا السن ومع ذلك لا يتوفر لديه النضج العقلي والمدارك الذهنية الكافية ومن ثم ترك المشرع للقاضي سلطة تقديرية حال الفصل في النزاع بهذا الخصوص بتحديد من توا فرت فيه الأهلية تحقيقا لفكرة العدالة.
كما أن خاصية العمومية و التجريد المقترنة بالقاعدة القانونية لا تأخذ بعين الاعتبار عدد الأشخاص المخاطبين بمنطوق النص القانوني سواء كانوا كثرة أو قلة بل أن بعض القواعد القانونية قد تنطبق على شخص واحد طالما توافرت شروط تطبيقها وصفة من تخاطبه وهي لا تفقد هذه الخاصية مثل القواعد الدستورية التي تظم مركز رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس الأمة.
الفرع الثالث
القاعدة القانونية ملزمة مقترنة بجزاء
تعد خاصية الإلزام من أهم الخصائص التي تتمتع بها القاعدة القانونية، فحتى تكون هذه القاعدة أداة تقويم سلوك الفرد ضمن العلاقات و الروابط المختلفة داخل المجتمع يجب أن تكون ملزمة ومقترنة بجزاء، حيث أن الواقع يثبت أن مخالفة منطوق القاعدة القانونية متوقعا في الكثير من الأوضاع نظرا لتعارض المصالح ومن ثم فإن تزويد القاعدة القانونية بعنصر الجزاء من شأنه جبر المخاطبين بأحكامها على احترام النظام القانوني الساري المفعول في المجتمع.
أولا: المقصود بالإلزام و الجزاء: تبين القاعدة القانونية للأشخاص الحدود و القيود الواجب الإلتزام بها وبمعنى أخر تحدد لهم الحقوق التي يتمتعون بها و الواجبات التي يتحملون بها ومن ثم فإن فرض احترام أحكامها، ولعل فرض احترامها لا يكون إلا بتزويدها بخاصية الإلزام الذي يعتبر أساسا المحرك الأساسي للقاعدة القانونية فبدونه تصبح القاعدة القانونية مجرد نصيحة ولا تحقق الغاية من تشريعها وهي فرض الانضباط الواجب أن يسود في نطاق المجتمع.
ويقصد بالإلزام جبر الأفراد و إكراههم على احترام القاعدة القانونية تحت طائلة فرض جزاء مادي توقعه عليهم السلطة العامة المختصة عند مخالفتها، بينما يعرف الجزاء بأنه ذلك الأثر المترتب وفقا للقانون على مخالفة الفرد لمنطوقه والذي يتم تنفيذه عن طريق القوة المادية التي تمتلكها الدولة لقمع المخالفين للقانون أو جبرهم على إصلاح الضرر وأداء التعويض عند الاقتضاء.
كما يعرف الجزاء بأنه الضغط على إرادة الفرد وحمله جبرا على احترام قواعد القانون إن لم يطعها اختيارا وهذا من شأنه أن يعطي الجزاء قوة رادعة تؤكد سلطان القانون .
و نستنتج من هذا التعريف أن الجزاء ليس خاصية بحد ذاته بل الخاصية المتفق عليها فقها هيا الإلزام بينما يعتبر الجزاء عنصر من عناصر القاعدة القانونية الهدف منه تقوية الإلزام و إخراج القاعدة القانونية من طابع الجمود إلى الفاعلية متى خالف المخاطب بحكمها منطوقها ومن ثم ضمان احترام غيره من الأفراد خوفا من ما يلحق بهم من جزاء ومثال ذلك ما الإجراءات التي صاغها المشرع لمصلحة الدائن ضد المدين بعد أن يصبح الدين مستحق الأداء فإذا لم ينفذ التزامه عينا يجبر على التنفيذ بمقابل، علاوة على هذا يمكن أن يكون القصد من تنفيذ الجزاء هو القصاص من المخالف كما هو الحال في تطبيق أحكام قانون العقوبات ضمانا لحماية الأمن العام في المجتمع.
ثانيا: خصائص الجزاء: يعتبر الجزاء عنصرا من عناصر القاعدة القانونية الهدف منه تعزيز خاصية الإلزام فيها وضامنا أساسيا لاحترامها من قبل المخاطبين بأحكامها يتميز بمجموعة من الخصائص التي تشترك فيها كل القواعد القانونية مهما كان الفرع الذي تنتمي إليه ويمكن إجمالها في ما يلي:
أ. الجزاء يتخذ طابعا ماديا: و المقصود بهذا أن الجزاء المصاغ في القاعدة القانونية يخرج إلى حيز الوجود بعد إتيان المخالف لسلوك لا يتناسق مع منطوق هذه القاعدة ويصبح ملموسا بحيث يمس جسمه أو ماله أو يجبره على إزالة المخالفة.
ب. الجزاء حال: ويعني ذلك أن تطبيقه بعد ثبوت إتيان السلوك المخالف للقاعدة القانونية وأيضا حال حياة الشخص عكس ما تقرره القواعد الدينية من تأجيل تنفيذه إلى ما بعد موت المخالف.
ج. الجزاء توقعه السلطة العامة المختصة: يخول للسلطة العامة وحدها توقيع الجزاء المحدد سلفا في القاعدة القانونية على صاحب السلوك المخالف لأحكامها باسم المجتمع ومن ثم هو شكل من أشكال الجبر العام، كما يشترط في السلطة التي تتولى تنفيذه أن تكون مختصة وقفا لمنطوق النص القانوني و إلا اعتبر الإجراء باطلا ويفتح المجال للمخالف للطعن فيه ومن ثم يفقد شرعيته.
ثالثا. أنواع الجزاء: لما كان الجزاء هو الأثر المترتب على إتيان الشخص المخاطب بحكم القاعدة القانونية لسلوك مخالف لها، كان من البديهي أن يتخذ عدة أشكالا متنوعة حسب طبيعة القاعدة القانونية التي تعرضت للإنتهاك، وعليه يكون لكل فرع من فورع القانون المعروفة فقها وعملا جزاءات تتماشى مع طبيعة المجال المستهدف بالتنظيم والغاية المراد تحقيقها من صياغة هذه الجزاءات و في هذا تتعرض هذه الدراسة إلى مختلف أنواع الجزاء ضمن القواعد القانونية التي تشكل النظام القانوني في المجتمع.
أ. الجزاء الجنائي: يعد الجزاء الجنائي من أقوى أنواع الجزاءات المقررة في القواعد القانونية، ومن خلاله يتحقق الإجبار في صورة العقوبات المترتبة عن ارتكاب سلوك مجرم في قانون العقوبات، ويختلف هذا الجزاء حسب نوع ودرجة الفعل الذي يرتكبه الشخص المخالف التي قسمها المشرع حسب خطورة الفعل المرتكب من مخالفات و جنح و جنايات، وبذلك تترتب العقوبة حسب هذا التقسيم اقلها الغرامة إلى أقصى عقوبة يمكن توقيعها وهي الإعدام و السجن المؤبد، كما تنقسم العقوبات إلى أصلية و أخرى تبعية و منها أيضا عقوبات تكميلية، فالعقوبات الأصلية يقصد بها تلك العقوبة المقررة للجريمة كالسجن المؤبد، أما التبعية فهي التي يلحقها القانون بالمحكوم عليه وتضاف إلى العقوبة الأصلية مثل الحجر القانوني، أما العقوبات التكميلية فهي لا تلحق بالمحكوم عليه إلا إذا نطق بها القاضي في الحكم كتحديد الإقامة والحرمان من مباشرة بعض الحقوق.
ب. الجزاء المدني: وهو ذلك الأثر المترتب عن مخالفة أحكام قاعدة من قواعد القانون المدني ويطلق عليها مصطلح الجزاءات المدنية، وتنقسم هذه الجزاءات إلى عدة أقسام منها:
1. التنفيذ العيني: وهو الجزاء الذي يكون الغرض منه إلزام الشخص على احترام منطوق القاعدة القانونية وإكراهه على تنفيذ عين ما التزم به مادام اختار التملص من التزامه طوعا وفي هذا المجال تنص المادة 164 من التقنين المدني " يجبر المدين... على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا " مثل امتناع البائع عن تسليم الشيء المبيع للمشتري للانتفاع به على الوجه المعد له قانونا أو اتفاقا.
2. التعويض: يأتي التعويض كجزاء مقرر قانونا في حال كان التنفيذ العيني مستحيلا أو غير ذي جدوى وفي هذا تنص المادة 176 من التقنين المدني بأنه " إذا استحال على المدين أن ينفذ الإلتزام عينيا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا يد له فيه ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه ".
3. إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب المخالفة: و الغرض منه محو كل اثر ترتب عن المخالفة ذاتها، ويتخذ هذا الجزاء عدة صور أساسية منها:
- الإزالة المادية للمخالفة: مثل غلق مطل لم تراعى الشروط القانونية في إنشائه.
- البطلان المطلق للتصرف القانوني: ويكون نتيجة تخلف ركن من أركان العقد المتعارف عليها كالتراضي و المحل و السبب و الشكلية، وبغياب احد هذه الأركان يقع التصرف القانوني باطلا و يعتبر في حكم العدم.
- إبطال التصرف القانوني: وهو جزاء يتقرر نتيجة تخلف شرط من شروط صحة التصرف القانوني كنقص الأهلية أو إصابة الإرادة بعيب من عيوب الأربعة المنصوص عليها قانونا من غلط أو تدليس أو إكراه علاوة على الاستغلال.
- فسخ التصرف القانوني: وهو الجزاء المترتب عن امتناع احد أطراف التصرف القانوني في العقود الملزمة لجانبين عن تنفيذ التزامه مما يدفع الطرف الأخر بالتمسك بحقه في المطالبة بالفسخ بمعنى المطالبة بحل الرابطة العقدية.
ج. الجزاء الإداري: وهو الجزاء الذي تنفذه السلطة الإدارية على اختلاف أنواعها نتيجة انتهاك قاعدة من القواعد المقررة في القانون الإداري وتختلف صور هذا الجزاء فمثلا في إطار العقود الإدارية نجد بطلان العقد أو فسخه، أما في مجال القرارات الإدارية بطلان القرار الذي لم تراعى فيه الإجراءات و الشروط التي تستوجب صحته، وفي مجال الوظيفة العمومية يتدرج الجزاء بحسب درجة الخطأ الذي يرتكبه الموظف العام فقد يكون في شكل إنذار أو توبيخ أو عزله و أخطر
جزاء يلحق بالموظف نتيجة انتهاك قواعد القانون الإداري المتضمن في قانون الوظيفة العامة تحديدا.
-
-
-
تقسيمات القانون
إن كان الفقه قد استقر على وضع تعريف للقانون بأنه جملة القواعد التي تهدف أساسا وقت صياغتها و نفاذها إلى تنظيم وضبط سلوك الأفراد في إطار الجماعة على نحو ملزم وفقا ما اشرنا إليه سابقا، فإن هذا القانون يشكل أيضا طائفة من القواعد التي تم تقسيمها حسيب طبيعة العلاقة التي تنظمها (المبحث الأول) كما يمكن تقسيمها حسب طريقة مخاطبتها للأشخاص وقوة إلزامها( المبحث الثاني).
المبحث الأول
تقسيم القانون حسب طبيعة العلاقة التي ينظمها
تتنوع العلاقات التي تتأسس بين الأفراد في المجتمع سواء كانت هذه العلاقات اجتماعية أو اقتصادية أو مالية، ومن ثم يتدخل القانون لتنظيم و ضبط الحقوق و الالتزامات الناتجة عن هذه الروابط سعيا منه لتوفير الحماية القانونية المناسبة لضمان استقرار المعاملات والمراكز القانونية، كما يمتد سلطان القانون إلى تنظيم علاقة الأفراد بالدولة في مجالات مختلفة من الحياة العامة، علاوة على علاقة الدولة بباقي الدول و المنظمات الدولية باعتبارها من أشخاص المجتمع الدولي، وبذلك قسم القانون إلى عام وخاص، ولاشك أن لهذا التقسيم معايير معتمدة فقها كما يحظى بأهمية بالغة ( المطلب الأول) ولكل قسم من هذا القانون فروع سواء كان القانون العام ( المطلب الثاني) أو القانون الخاص ( المطلب الثالث).
المطلب الأول
معايير وأهمية التمييز بين القانون العام والخاص
يعود تقسيم القانون إلى عام وخاص تاريخيا إلى التقسيم التقليدي للقانون الذي اعتمدته الإمبراطورية الرومانية في نظامها القانوني، وكان الغرض منه تمييز المركز القانوني للحاكم عن مركز المحكومين، حيث منح الحاكم لنفسه سلطات وصلاحيات واسعة تتناسب مع الفكر القانوني الذي ساد في تلك المرحلة بحيث ينظر للدولة على أنها مؤسسة سياسية وقانونية تسعى إلى تحقيق مصلحة عامة.
غير أنه بانهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي و غياب سلطة سياسية تنظم المجتمع الروماني غاب هذا التقسيم، بحيث انتقل إلى الفقه اللاتيني حيث بقي تقسيم القانون إلى عام وخاص موجودا إلى يومنا هذا، وتعود صياغة هذا التقسيم في هذه المرحلة إلى الفقيه الشهير منتسكيو في كتابة روح القوانين الذي أطلق على القانون العام مصطلح القانون السياسي وهو القانون الذي يتولي تنظيم العلاقات بين الحاكم و المحكومين أما القانون الخاص فسماه بالقانون المدني وهو القانون الذي ينظم أساسا العلاقات بين المواطنين.
و لعل تقسيم القانون إلى عام وخاص ليس بالأمر السهل نظرا لكثرة القواعد وتشعبها، علاوة على تعقيد العلاقات التي تنظمها هذه القواعد، ومن ثم يصبح من الضروري البحث عن المعايير المناسبة التي يمكن من خلالها التمييز بين مختلف القواعد القانونية (الفرع الأول ) كما أن هذا التقسيم تترتب عليه نتائج ذات أهمية خاصة( الفرع الثاني)
الفرع الأول
معايير التمييز بين القانون العام والخاص
إن كان تقسيم القانون إلى عام وخاص أصبح امرأ مسلما به خصوصا في الدول التي تستند للمذهب اللاتيني، غير أن الوقوف عند معيار محدد لهذا التمييز أمر بالغ الصعوبة، حيث لازال النقاش الفقهي محتدما بهذا الخصوص، وكان من نتائج هذا الاختلاف أن بلغ عدد المعايير المقترحة لهذا التمييز سبعة عشر معيارا ، غير أن هذه الدراسة تستعرض أهمها فقط في نظرنا.
أولا. معيار الأشخاص أطراف العلاقة القانونية: يذهب أنصار هذا المعيار إلى أن أساس التفرقة بين القانون العام و القانون الخاص ترتكز على أشخاص أطراف العلاقة القانونية القائمة، فإذا كانت بين أشخاص طبيعية نكون بصدد تطبيق قواعد القانون الخاص، بينما كانت الدولة أو أحد فروعها طرفا في العلاقة فيكون القانون الواجب التطبيق هو القانون العام.
غير أن هذا المعيار لحقه انتقاد جوهري مقتضاه أن الدولة في علاقتها مع الأفراد قد تتدخل بصفة شخص معنوي عادي كأي شخص معنوي خاص مثل باقي الأفراد ومن ثم لا تتمسك بامتيازات السلطة العامة وقت قيام هذه العلاقة خاصة بمناسبة التصرف في أملاكها الوطنية الخاصة وعليه تخضع لزاما لقواعد القانون الخاص، بينما إذا تدخلت الدولة في علاقتها مع الأفراد بوصفها صاحبة السيادة فحتما يكون مركزها القانوني أقوى من مركز الأفراد فيكون حتما القانون العام هو الواجب التطبيق على هذه العلاقة.
ثانيا.معيار طبيعة القواعد القانونية: يستند هذا المعيار في إقامة التفرقة بين قواعد القانون العام و الخاص بالرجوع لطبيعة القاعدة القانونية ذاتها، حيث تكون قواعد القانون العام أساسا قواعد أمرة لا يجوز للمخاطبين بأحكامها مخالفة منطوقها وقت إبرام اتفاقاتهم المختلفة، بينما تكون قواعد القانون الخاص قواعد مكملة يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، وعليه فإن الإلتزام بقواعد القانون العام يصبح إلزاميا بينما يكون الخيار للأفراد في الخضوع للقواعد القانون الخاص أو الخروج على أحكامها كما أن الاختلاف واضحا من حيث أن وسيلة نفاذ القانون العام هي القرار الإداري بينما يرتكز القانون الخاص على العقود.
لكن انتقد أيضا هذا المعيار وطعن في صحته من زاوية أساسية، فإذا كانت كل قواعد القانون العام أمرة و توجب على الأفراد بالخضوع لمنطوقها بحيث تعدم الخيار لديهم، فإن هذه الميزة تنطبق أيضا على قواعد القانون الخاص الذي ينطوي على الكثير من القواعد الآمرة المتصلة بالنظام العام والتي يترتب على مخالفتها جزاءا هو البطلان المطلق كتلك المتعلقة بالحقوق العينية و الأهلية ومن ثم استبعد هذا المعيار بدوره كأساس للتفرقة بين القانون العام و القانون الخاص.
ثالثا. معيار طبيعة المصلحة المراد تحقيقها: يؤكد أصحاب هذا المعيار أن القانون العام يهدف أساسا إلى تحقيق المصلحة العامة، بينما يسعى القانون الخاص إلى تحقيق المصالح الخاصة للأفراد.
لكن هذا المعيار أيضا لم يسلم من النقد، حيث أن فحص القواعد القانونية المختلفة لا يتبين لنا وجود حدود فاصلة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فالقاعدة العامة أن كل القواعد القانونية تهدف غلى تحقيق مصلحة عامة ومن ثم لا يتصور أن القانون الخاص مثلا يحقق مصلحة خاصة قد تتعارض مع المصلحة العامة، كما أن القانون الخاص وان يحقق مصلحة خاصة للأفراد ابتدءا فإنه يحقق مصلحة المجتمع أيضا، فاشتراط القانون المدني الإجراءات الرسمية في نقل الملكية العقارية وغن كان يحقق مصلحة المشتري بحمايته إلا إنه يحقق أيضا مصلحة عامة وهي استقرار المعاملات، ومن ثم فإن هذا المعيار يفتقد إلى الدقة ولا يصلح كأساس لإقامة التفرقة بين القانونين العام و الخاص.
رابعا. معيار صفة أطراف العلاقة القانونية: يعتبر الفقه هذا المعيار من أهم المعايير التي طرحت لحد الآن لتتميز بين القانون العام و الخاص وهو تصحيح للمعيار الأول الذي جاء به الفقه منتسكيو، ولا يعتمد هذا المعيار على الأشخاص أطراف العلاقة القانونية و إنما على الصفة التي يتدخل بها الشخص بحس الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى: نكون بصدد قواعد القانون العام عندما تكون العلاقة القانونية قائمة بين الدولة أو أحد فروعها وأشخاص أخرى عندما تكون هذه الدولة متمسكة بامتيازات السلطة العامة و السيادة كما الحال في عملية نزع الملكية للمنفعة العامة.
الحالة الثانية: نكون بصدد قواعد القانون الخاص متى تدخلت الدولة أو أحد فروعها كشخص طبيعي مجردة من امتيازات السلطة العامة أو إذا كانت العلاقة القانونية قائمة بين أشخاص طبيعية أساسا.
ومن خلال هذا العرض نستنتج أن المعيار الذي أصبح معتمدا في التفرقة بين القانون العام و القانون الخاص هو الصفة التي تتدخل بها الدولة في العلاقة القانونية وليس مجرد وجودها كطرف في هذه العلاقة، ومن ثم يمكن تعريف القانون العام بأنه" القانون الذي يحكم ويضبط العلاقات التي تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة "، أما القانون الخاص فيمكن تعريفه بأنه" مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي لا تتمسك فيها الدولة أو أحد فروعها بامتيازات السلطة العامة و السيادة ".
الفرع الثاني
أهمية تقسيم القانون إلى عام وخاص
لتقسيم القانون إلى عام وخاص أهمية خاصة من نواحي متعددة نظرا لما يتميز به القانون العام عن القانون الخاص من أحكام خاصة ويمكن إبراز هذه الأهمية من حيث الامتيازات (أولا) و العقود( ثانيا) و الأموال (ثالثا) علاوة على مسألة الإختصاص القضائي( رابعا).
أولا. أهمية التقسيم من حيث الامتيازات: بهدف تحقيق المصلحة العامة وتفعيل مظاهرها المختلفة،يعمل القانون العام على تزويد الدولة و فروعها بامتيازات وصلاحيات واسعة معروفة في إطار القانون الإداري لتحقيق هذه الغاية لا تتمتع بها أشخاص القانون الخاص من قبيل فرض أداء الخدمة العسكرية و الضرائب ونزع الملكية للمنفعة العامة و الضبط الإداري.
ثانيا. أهمية التقسيم في مجال العقود: من المتعارف عليه فقها وقانونا أن العقود التي تبرمها الدولة أو أحد فروعها تسمى عقودا إدارية تتمتع من خلالها بالسيادة وامتيازات السلطة العامة ومن ثم تكون في مركز قانوني متميز عن مركز المتعاقد معها بحيث تحتفظ بسلطات خاصة من خلال قدرتها على فرض جزاءات على الطرف الأخر متى أخل بشروط التعاقد وحق إلغاء العقد و تعديل بنوده بإرادتها المنفردة ومع المتعاقد معها إلا اللجوء للقضاء لطلب التعويض، أما في العقود المدنية التي تنعقد بين الأفراد العاديين فيكون مركزهما القانوني متساو فلا يستطيع أي طرف الإنفراد بتعديل العقد أو إلغائه إلا بموافقة الطرف الأخر فهو يخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
ثالثا. أهمية التقسيم من حيث الأموال: إعمالا للنظام القانوني السائد في الدولة يعتبر المال العام مالا مخصصا لتحقيق المصلحة العامة ومن ثم فهو يخضع لقواعد قانونية متميزة عن تلك التي يخضع لها المال الخاص بالأفراد من حيث الحماية أساسا كعدم قابليته للتصرف والحجز عليه و اكتسابه بالتقادم وهو مالا يتمتع به المال الخاص بالأفراد.
رابعا.من حيث الإختصاص القضائي: يقضي قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بأن المنازعات التي تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا في النزاع ينعقد الإختصاص للقضاء الإداري للفصل في هذه المنازعات ويكون القانون الواجب التطبيق هو القانون العام (القانون الإداري)، أما المنازعات التي تثور بين الأفراد فتكون من اختصاص القضاء العادي ويكون القضاء العادي هو المختص أساسا للنظر في هذه المنازعات ومن ثم يكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الخاص( القانون المدني).
المطلب الثاني
فروع القانون العام و القانون الخاص
نتعرض من خلال هذا العنوان إلى كل من فروع القانون العام(الفرع الأول)، علاوة على فروع القانون الخاص(الفرع الثاني)
الفرع الأول
فروع القانون العام
من المتعارف عليه فقها وعملا أن العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة امتيازات السلطة العامة وذات سيادة تنقسم إلى نوعين أساسين وهي علاقة الدولة بغيرها من الدول والمنظمات الدولية، علاوة على علاقاتها بالأشخاص العاديين وعلى هذا الأساس درج الفقه تقسيم القانون العام إلى قسمين أساسين هما القانون العام الخارجي ( أولا) وقانون عام داخلي ( ثانيا).
أولا. القانون العام الخارجي( القانون الدولي العام): وهو مجموعة القواعد القانونية الذي يحكم وينظم علاقات الدول فيما بينها سواء كان ذلك في زمن الحرب أو في زمن السلم كما يمتد لتنظيم العلاقات فيما بين المنظمات الدولية باعتبارها من أشخاص المجتمع الدولي.
أ. في زمن السلم: يعمل القانون الدولي على تحديد أشخاص المجتمع الدولي، كما يحدد طبيعة الشروط الواجب توافرها في الدولة حتى تكتسب صفة الشخص الدولي، كما يبن طبيعة الأحكام التي تخضع لها المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و الآثار المترتبة عليها من حقوق وواجبات تجاه الدول الأخرى، كما يبين طرق التمثيل الدبلوماسي والقنصلي تبعا للاتفاقيات الدولية المرعية في هذا الخصوص، علاوة على بيان طرق حل النزاعات بين الدول من خلال آليات معروفة يقرها القانون الدولي كالمفاوضات و التحكيم و الوساطة.
ب. في زمن الحرب: يتولي القانون الدولي العام بتنظيم كل ما يكتنف حالة الحرب بين الدول، سواء من ناحية الإجراءات المتبعة في إعلان دولة ما الحرب على دولة أخرى، أو من ناحية أخرى يبين طبيعة الوسائل التي يعتبرها مشروعة وغير مشروعة في زمن الحرب، كما يحدد الطرق المتبعة في إنهائها مثل الهدنة و الصلح كما ينظم مسائل هامة من مسائل الحرب وهيا طرق معاملة الأسرى و الجرحى فيها.
ثانيا: القانون العام الداخلي: هو مجموعة القواعد التي تحدد كل ما يتعلق بكيان الدولة بحيث ينظم ويضبط العلاقات التي تقوم بين الدولة كمؤسسة قانونية أو أحد فروعها بحيث تمارس نشاطاتها المختلفة باعتبارها صاحبة السلطة العامة و السيادة وبين الأشخاص المعنوية العامة أو الخاصة كما يمتد إلى تنظيم العلاقة التي تقوم بين الدولة ذاتها أو أحد فروعها أو بين كل هذه الفروع، وتنضوي تحت هذا القانون عديد الفروع القانونية المتعارف عليها في النظم القانونية الحديثة منها :
أ. القانون الدستوري: يعتبر القانون الدستوري من أهم فروع القانون العام الداخلي تبعا لما يندرج ضمن اختصاصه من مواضيع ذات أهمية خاصة منها شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها، كما يبين طبيعة السلطات في الدولة واختصاصاتها و العلاقة فيما بينها ويعتبر هذا القانون الأسمى في النظام القانوني في السائد في الدولة( مبدأ سمو القواعد الدستورية) ومن موضوعاته أساسا:
- شكل الدولة ونظام الحكم فيها
- توزيع السلطات في الدولة منها التشريعية و التنفيذية و القضائية و العلاقات القائمة بينها خصوصا ما تعلق منها بالرقابة المتبادلة فيما بينها.
- طبيعة الحقوق الأساسية الحريات التي يقرها الدستور للأفراد مثل حرية الرأي و التعبير وحرية العقيدة وحرية الانتخاب و الترشح والحق في تأسيس الأحزاب السياسية أو الانضمام إليها و الحق في الترشح علاوة على الحقوق المدنية التي تجد مصدرها في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية كالحق في الشغل و التنقل و سرية المعلومة وغيرها.
ب. القانون الإداري: وهو مجموعة القواعد القانونية المتميزة و غير المألوفة في القانون الخاص والتي تهتم أساسا بالإدارة العامة من حيث تنظيمها و اختصاصاتها المختلفة و الرقابة السائدة ضمنها و المنازعات التي تكون طرفا فيها.
- تنظيم الإدارة المركزية و الإدارة اللامركزية و صلاحيات كل منها
- النشاط الإداري المتصل بالمرفق العام والضبط الإداري
- تحديد ما يعتبر من المال العام وطرق حمايته
- أساليب إصدار القرارات الإدارية سواء كانت تنظيمية أو فردية وكذا طرق إبرام العقود الإدارية خاصة الصفقات العمومية
- الرقابة الرئاسية و الرقابة الوصائية
- كل ما يتصل بالنازعات الإدارية.
ج. القانون الجنائي: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد طبيعة الأفعال المجرمة وكذا العقوبات المقررة لها بحسب خطورة هذه الأفعال على المجتمع كما يتضمن القواعد القانونية الواجب إتباعها و التي تضمن حق الدولة في توقيع العقاب من لحظة ارتكاب الجريمة إلى غاية صدور حكم نهائي بات في الدعوى العمومية وعليه ينقسم القانون الجنائي إلى قانون موضوعي و قانون إجرائي.
- قانون العقوبات: وهو قانون موضوعي ينقسم بدوره إلى قسم عام وقسم خاص، فاقسم العام يهتم أساسا بتبيان القواعد العامة للمسؤولية الجنائية من تحديد طبيعة الأفعال المشكلة للجريمة إضافة إلى الأركان التي تتوفر في السلوك الإجرامي الموجب للمسؤولية الجنائية أسباب الإباحة و الظروف المشددة للعقوبة وكذا الظروف المخففة لها، أما القسم الخاص فهو يهتم بتبيان كل جريمة على حدى بحيث يبين الحد الأدنى و الحد الأقصى للعقوبة وكذا الشروط المتصلة بها تفصيلا.
- قانون الإجراءات الجزائية: يتمحور موضوع تقنين الإجراءات الجزائية أساسا حول القواعد الشكلية الواجب إتباعها في لتطبيق تقنين العقوبات مثلا من له حق تحريك ومباشرة الدعوة العمومية واختصاصات الضبطية القضائية والنيابة العامة و قاضي التحقيق و الحقوق التي يتمتع بها المتهم وطرق الطعن في الحكم وكذا تنفيذ العقوبة.
- القانون المالي: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم وتضبط ما يتعلق بالمسائل المالية للدولة من حيث تحديد إيرادات أموالها و أوجه إنفاقها المختلفة خاصة القطاعات الأساسية من صحة وتعليم وخدمات اجتماعية أو المشاريع الإقتصادية و الخدماتية
ويعتبر القانون المالي حديث النشأة نسبيا، حيث كان منضويا تحت القانون الإداري أساسا غير أنه استقل عنه نظرا لتشعبه وكثرة قواعده ومرونته والحركية السريعة التي تميز قواعده بحيث تتناسب مع المتغيرات الإقتصادية التي تواجهها الدولة.
الفرع الثاني
فروع القانون الخاص
سبق التأكيد على أن القانون الخاص هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات و الروابط المختلفة بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة أو احد فروعها المحددة في القانون باعتبارها شخصا معنويا عام وليس بصفتها صاحبة امتيازات السلطة العامة أو السيادة ولعل من أهم فروع القانون الخاص نجد:
أولا. القانون المدني: وهو مجموعة القواعد التي تهتم أساسا بتنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، عدا ما تنظمه الفروع الأخرى للقانون الخاص و أهم فرع من فروع القانون الخاص، حيث يعتبر الشريعة العامة لمختلف القوانين وترتب عن هذا نتيجتين أساسيتين هما: - أن قواعد هذا القانون المدني تنطبق على جميع فئات المجتمع بغض النظر عن طوائفهم المهنية طالما توافرت فيهم شروط تطبيق أحكامه.
- أن القاضي وهو بصدد الفصل في النزاع يعتمد أساسا على قواعد القانون المدني ما لم يوجد نص في فروع القانون الخاص الأخرى مثل القواعد العامة المتعلقة بالشركات التجارية أو العقود التجارية إعمالا للقاعدة الفقهية الفرع يتبع الأصل.
و يترتب عن هذا الطرح أن القانون المدني ينقسم من حيث قواعده إلى نوعين وهما:
أ. قواعد الأحوال الشخصية: وهي تنشأ أساسا لتنظيم العلاقات المختلفة التي تربط الفرد بأسرته ومن موضوعاتها مسألة بداية الشخصية القانونية و نهايتها علاوة على حالة الشخص الاسم و الموطن وكذا علاقته بين الفرد و أسرته بمناسبة قيام الروابط المختلفة سواء بالزواج أو الطلاق والنفقة و الميراث ورعاية الأشخاص في أحوالهم و أموالهم كنظام الولاية و الوصاية والقوامة .
ب.قواعد الأحوال العينية: وهي تلك القواعد التي تنظم النشاط المالي للأفراد وتسمى المعاملات المالية وتشمل الحقوق المالية بأنواعها المختلفة إضافة إلى تنظيم مصادرها وتنقسم الحقوق المالية إلى قسمن أساسين هما:
1. الحقوق الشخصية: و المقصود بها تلك الحقوق التي تتقرر للشخص الذي يكون في مركز الدائن على شخص أخر يسمى المدين ويمسى حق الشخص الأول بحق الدائنية ويعبر عن الثاني بالالتزام وهذه الرابطة تختلف مصادرها فقد يكون أساسا مصدرها القانون كما يمكن أن يكون مصدرها الشائع هو العقد أو الإرادة المنفردة علاوة على الفعل الضار كما يمكن أن يكون مصدرها الفعل النافع .
2. الحقوق العينية: وهي تلك العلاقات التي تقوم تأسس لسلطة الشخص على شيء معين، وهيا على نوعين الحقوق العينية الأصلية منها حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق أما الحقوق العينية التبعية وهي نفسها التأمينات العينية مثل حق الرهن الرسمي و الرهن الحيازي.
ثانيا.القانون التجاري: والمقصود به مجموعة القواعد و الأحكام التي تختص بضبط وتنظيم العلاقات و الروابط التجارية منها التجار و المعاملات التجارية ، ومن أهم المواضيع التي يختص بها هذا القانون نجد:
- تحديد طبيعة الشروط اللازم توافرها أساسا في الشخص حتى يكتسب صفة التاجر ويخضع لأحكام هذا القانون، علاوة على بيان النتائج المترتبة عن اكتساب هذه الصفة منها ضرورة مسك الدفاتر التجارية وإلزامية القيد في السجل التجاري.
- تحديد طبيعة الأعمال التجارية الخاصة و أنواعها.
- موضوع الشركات التجارية من حيث نشأتها وطبيعة الحقوق و الالتزامات التي تترتب عليها وكيفية انقضائها.
- مسألة الإفلاس التجاري، كما يتضمن القانون التجاري مسائل في غاية الأهمية منها العلامة التجارية و براءة الإختراع ذات الطابع التجاري.
ثالثا. قانون الإجراءات المدنية و الإدارية: وهو مجموعة القواعد القانونية الناظمة للإجراءات التي تمر بها الدعوى المدنية و الدعوى الإدارية وتبين اختصاصات المحاكم وطرق الطعن العادية و غير العادية أمام جهات القضاء العادي و الإداري وهي دعاوى الغرض منها حماية حق خاص.
رابعا. قانون العمل: وهو مجموعة القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم علاقات العمل وكذا الحقوق التي تترتب للعامل و رب العمل بعد قيام هذه العلاقة و طبيعة الالتزامات التي تقع على عاتق كل منها ومن المسائل الأساسية التي تدخل في نطاق اختصاص هذا القانون نذكر:
- تنظيم علاقة العمل
- أوقات العمل
- كل ما يتعلق بأجور العمال
- السن القانوني المسموح به للعمل
- تنظيم العطل
- مسألة حوادث العمل
- انتهاء علاقة العمل
- شروط ممارسة الحق النقابي
خامسا. القانون البحري و الجوي: يعرف القانون البحري بأنه مجموعة القواعد العامة التي تحكم الأنشطة و المعاملات التجارية التي تتم عبر الملاحة البحرية، ويجد معظم مصادره في الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ، وترد معظم قواعده على السفينة وتنظم بخصوصها المسائل التالية:
- طبيعة النظام القانوني الذي تخضع له السفينة من حيث الاسم و الجنسية وإجراءات تسجيلها وطبيعة العقود التي ترد عليها مثل عقد البيع و الإيجار و الرهن و التامين كما ينظم الأخطار التي تتعرض لها السفينة.
أما القانون الجوي فهو يستهدف تنظيم عديد المسائل و القضايا المرتبطة أساسا بالملاحة الجوية التي تكون الطائر، أداة هذا النوع من النقل، ويرتكز في معظم أحكامه على الاتفاقيات الدولية المتخصصة ، ويدخل ضمن اختصاصه:
- مسألة جنسية الطائرة، وكذا طبيعة النظام القانوني الذي يخضع له طاقمها، كما يتناول بالتنظيم أهم عقد في هذا المجال وهو عقد النقل الجوي، ويضاف إلى اختصاصه أيضا تحديد طبيعة المسؤولية التي تترتب في حق الناقل الجوي علاوة على التأمين الجوي، و الملاحظ في هذا الصدد أن أول قانون خاص بالطيران المدني في الجزائر صدر سنة 1998 .
سادسا. القانون الدولي الخاص: يعرف القانون الدولي الخاص بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تبين و تحدد القانون الواجب التطبيق على مجمل العلاقات التي يكون أحد أطرافها عنصرا أجنبيا، كما يستهدف بيان شروط انعقاد الإختصاص للمحاكم الوطنية في الفصل في المنازعات التي تثور بمناسبة قيام هذه العلاقات ، ويدخل ضمن اختصاصه تنظيم المسائل التالية:
- مسألة الجنسية ، من حيث تحديد القواعد التي تخضع لها وأنواعها وكيفية اكتسابها، علاوة على أسباب إسقاطها .
- موضوع تنازع القوانين، و الذي يستهدف من خلاله تحديد من هو القانون الواجب التطبيق على العلاقة ذات العنصر الأجنبي.
- تنازع الإختصاص القضائي بين القضاء الوطني و الأجنبي ومن ثم يعمل هذا القانون على بيان شروط وحالات اختصاص القضاء الوطني بالفصل في المنازعات التي تثور بين أطراف العلاقة.
المبحث الثاني
تقسيم القواعد القانونية من حيث درجة الإلزام
يتخذ المشرع وهو بصدد تنظيم سلوك الأفراد وعلاقاتهم وروابطهم المختلفة في إطار الجماعة مسلكين أساسين، فهو قد يلجأ إلى مسلك إجبار الأفراد على إتباع نهج القاعدة القانونية ومن ثم لا يقبل بسلوك مخالف لها من قبل المخاطبين بأحكامها .
أما المسلك الثاني فقد يترك من خلاله لأفراد حرية التدخل بتنظيم علاقاتهم و روابطهم المختلفة على وجه قانوني أخر، ومن ثم نجد أنه في بعض الأوضاع يقيد المشرع سلوك الأفراد لغاية معينة بحيث يمنعهم من مخالفة أحكام ومنطوق القاعدة القانونية ونكون في هذه الحالات بصدد قواعد أمرة، أما في النوع الثاني فقد يعطي المشرع نوعا من الحرية للأفراد في إعمال إراداتهم لتنظيم مختلف النشاطات و العلاقات المترتبة عنها وبهذا الخصوص نكون بصدد قواعد قانونية تسمى القواعد المكملة.
المطلب الأول
المقصود بالقواعد الآمرة و القواعد المكملة
إن القواعد القانونية كما سبق التأكيد في هذه الدراسة كلها تتمتع بخاصية الإلزام، حيث تتضمن في منطوقها إما أمرا أو نهيا للمخاطبين بأحكامها، ومع ذلك دأب التشريع و الفقه إلى تقسيم القانون إلى قواعد أمرة الفرع الأول وقواعد مكملة الفرع الثاني
الفرع الأول
المقصود بقواعد الآمرة و القواعد المكملة
أولا: مدلول القواعد الآمرة: يذهب الفقه القانوني إلى اعتبار القواعد القانونية قواعد أمرة عندما يأتي مضمونها على صيغة الأمر بفعل ما أو تنهى عن إتيان سلوك معين، ويصطلح عليها بالقواعد الآمرة نظرا لتنظيمها لمجلات حيوية تتصل أسسا بكيان المجتمع ومصالحه العليا وأسسه السامية، و الملاحظ أن هذه القواعد لا تتصل فقط بتنظيم المصالح المباشرة المقررة للجماعة كضمان أمنها من العدوان الخارجي وصيانة المال العام فحسب، بل تتصل أيضا بما يتصل بمصالح غير المباشرة للأفراد مثل حمايتهم من الجرائم التي يمكن أن تمس الجسم أو المال واستقرار معاملاتهم المختلفة.
و الملاحظ أن الفقه يسميها قواعد أمرة و في بعض الأوضاع يطلق عليها تسمية القواعد الناهية اعتبارا لكونها قواعد جبرية ومفروضة على المخاطبين بأحكامها بل تحمل معنى الخضوع و الطاعة الكاملة لمنطوقها، ومع ذلك فإن الغالبية من الشراح يسمونها بالقواعد الآمرة رغم أنها تتضمن في عديد القواعد سواء في القانون المدني أو قواعد قانون العقوبات قواعد ناهية.
ثانيا. الأثر المترتب عن مخالفة القواعد الآمرة: طالما أن القواعد الآمرة تتصل بكيان المجتمع وأسسه، فإن هذه القواعد لا تترك الخيار للمخاطبين بأحكامها حرية الامتثال لمنطوقها أو مخالفته ومن ثم يكون كل اتفاق بين الأفراد على استبعاد تطبيقها أو إعمال إرادتهم كبديل عن حكمها يقع باطلا بطلانا مطلقا ، ومن أمثلة ذلك الاتفاق على استبعاد تطبيق القواعد التي جاءت على صيغة الأمر بإفراغ التصرف القانوني متى كان محله نقل الملكية في العقار نظرا لاتصالها بالمصلحة العامة و استقرار المعاملات.
الفرع الثاني
القواعد المكملة
أولا: تحديد المقصود بالقواعد المكلمة: هي تلك القواعد التي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة منطوقها وبالتالي استبعادها من التطبيق لأنها أساسا لا تتصل بتنظيم المصلحة العامة، بل تشرف على تنظيم المصالح الخاصة للأفراد، ومن ثم يسمح المشرع بإعمال إرادتهم في تنظيم مصالحهم على الوجه الذي يحقق المنافع المرجوة من إبرام التصرفات القانونية المختلفة ولو كان ذلك مخالفا للقواعد القانونية المكلمة.
لكن يجب التأكيد على أن أصحاب هذه المصالح إذا لم يتفقوا على تنظيم المسائل التفصيلية التي تشكل المجال لإعمال إرادتهم وقت إبرام التصرفات القانونية فإن الرجوع إلى إعمال إرادة المشرع من خلال القواعد المكلمة يصبح حتميا.
ومن الأمثلة المقررة في القانون المدني بخصوص القواعد المكملة تلك الناظمة لعقد البيع، حيث قد يتفق كل من البائع و المشتري على المسائل الجوهرية المتمثلة أساسا في المبيع و الثمن دون المسائل التفصيلية المتمثلة في ميعاد دفعه ولا مكان التسليم ، فيتم الرجوع إلى إرادة المشرع في هذه الحالة، حيث تقضي قواعد القانون المدني بأن يكون تسليم المبيع و الوفاء بالثمن فور انعقاد العقد علاوة على أن يكون دفع الثمن في مكان تسليم المبيع تطبيقا لأحكام المادتين 387 و388 من القانون المدني.
-
-
-
امتحان تقييم المكتسبات:
السؤال الأول: إلى أي مدى يلتزم القاضي بتفسير المشرع للنص القانوني؟
السؤال الثاني: من هي الجهة التي تراقب تفسير القاضي للنص القانوني ؟
-