المحاضرة الثالثة

                                المحاضرة الثالثة

v   الفضاء العمومي عند حنة ارندت *:

ترى ان الفرد يتمتع بالحرية وهو يترجم حريته عن طريق قيامه بجملة من الافعال و التفاعلات داخل فضاءات مشتركة مع الاخرين بفضل خاصية التواصل فالتواصل هو العنصر الموجه لكل التفاعلات الممكنة داخل الفضاءات المشتركة وهي الفضاءات العمومية ، والفعل السياسي و الاجتماعي هو تحقيق الحرية عن طريق التفاعل مع الاخرين داخل حلبات الفضاء العمومي المشترك ،فالفضاء العمومي يتيح للافراد مسرحا للتفاعل و النقاش و التواصل مع اندادهم .

وتجزم حنة ارندت بان الظهور في حلبات الفضاء العمومي يؤكد انطولوجية* الفرد وكينونته الاجتماعية و السياسية ،فهي ترى بان الفضاء العمومي هو بمثابة منصة للظهور يستغله الافراد للتعبير عن ذواتهم كما ان الفضاء العمومي يضفي الحقيقة  realityو الاستدامة durability   على الحياة الاجتماعية ويعزز الفضاء الحاصل بين الافراد ويؤطر افعالهم وظهور الافراد داخل الفضاء العمومي هو عامل ممكن لهم ،كما انه عامل محقق لهويتهم .

تتوافق تصورات ارندت مع الفيلسوف كوهين جورمي اذ يرى ان الحقيقة الانسانية هي الظهور او التمظهر visibilité فالأفراد يظهرون لياكدون ذواتهم فعن طريق الظهور للجمهور العام يصبح الفرد مرئيا  visible فالإظهار الهوية لا يمكن ان تحقق في الخفاء او بعيد عن الانظار ،فالفضاء العمومي يتيح الظهور العلني وان يصبحوا ذوات عمومية ،لذلك ينبغي ان يتاسس هذا الفضاء على التواصل و التشارك العادل وان يكون متاح البلوغ حتى لاتبقى الهويات مخفية او غير مفعلة ،فمثلا المرأة حتى تظهر وتلج الى الفضاء العمومي فان هذا يعني انه تم الاعتراف بها كفاعل كامل الحقوق ومتساو مع الاخرين وان تكون مرئية وظاهرة للأخرين ومسموعا لها وقادرة على التعبير عن هويتها وذاتها .

المعايير الاساسية لتشكل الفضاء العمومي عند حنة ارنت تنطلق من :

ü    الحرية :هي قدرة لانطلاق من خلال القدرة على التعبير وخلق مساحات مشتركة بواسطة التفاعل مع الاخرين ،الامر الذي يتطلب عددا من الاشخاص حتى يتواصلون مع بعضهم البعض بشان شروط تعايشهم ،وعلى هذا الاساس ترى الباحثة ان الفرد قادر على تحقيق حريته ،لان الحرية في الحقيقة هي مجرد خاصية يمتلكها الفرد ،تساعد على اضفاء الطابع السياسي الديمقراطي داخل الفضاء العمومي .

ü    الذات العامة :الفضاء العمومي هو ساحة لاحياء الافعال الانسانية ،فذات الانسان يتم احتواءها وتحقيقها من جانب الذات العامة ،أي من خلال الافعال التواصلية التي تنتج بينهم ،فالفضاء العمومي يتيح كما راينا انفا ظهور المرء في الاماكن العامة الذي يؤكد على هوية الفرد ،وهو شكل من اشكال التعبير الذي يربط اعضاء المجتمع ببعضهم البعض .

ومنه تعتبر الذات العامة جزء لايتجزء من عملية تحديد هوية الفردية واكتشاف الذات وهو مايجعل اداء هوايات داخل المساحات المشتركة فعالا ،لان البشر يظهرون امام الاخرين لكي يتم الاعتراف بهم .ولاجل ذلك اكدت ارندت على مايلي :

§       اهمية المساواة السياسية داخل الفضاء العمومي و الذي اعتبرته شرطا رغم اعترافها بان المساواة قد تقييد في الفضاء العام من خلال القيود الذاتية الناجمة عن ظروف التنشئة الاجتماعية للفرد ،اختلاف اللغة ،القدرات الفردية ،تفاوت في المستويات الثقافية و الفكرية و التعليمية ...الخ

§       ترى ان عدم تحقيق المساواة السياسية قد يحدث التهميش ليس داخل الفضاء العمومي بل حتى داخل المجتمع ككل ،وحرمانه من المشاركة السياسية مما يؤدي عدم تشكل ذات العامة .