المحاضرة الثانية

المحاضرة الثانية

   مفهوم الفضاء العمومي :

v   يعرف الفيلسوف  يورغن هبرماس *:الفضاء العمومي كمساحة خاصة  للأفراد اللذين يدخلون في نقاشات تحت راية الانصياع لقواعد معيارية العقلانية التواصلية ويقومون بتبادل الاطروحات و الروئ حول الشؤون العمومية من اجل قضايا الصالح العام  ، ويشير في ذات السياق بانه مجتمع افتراضي او معياري ليس من الضروري ان يتواجد في مكان معروف او مميز في أي فضاء فهو مكون من مجموعة من الافراد لهم سمات مشتركة مجتمعين مع بعضهم البعض كجمهور يقومون بوضع وتحديد احتياجات المجتمع و الدولة ،فهو يبرز الآراء و الاتجاهات من خلال السلوكيات و الحوار ،والتي تسعى للتأكيد على الشؤون العامة للدولة وهو شكل مثالي بمعنى هو كثقل مواز للسلطة السياسية تجسد في فضاءات مكانية ويتبلور عن طريق الاتصال المباشر و المواجهي وبتالي يوسع من مشاركة الافراد و التأثير على الحياة العامة .

وظيفيا يعد الفضاء العمومي بمثابة جسر رابط او بمثابة مسرح ضمن المجتمعات الحديثة فهو يحتضن المشاركة السياسية عن طريق الية النقاش ويتوج بتشكيل راي عام جماعي .

بذلك يلعب دورا جوهريا  يرى هبرماس في توفير منتديات ومساحات للنقاش و التبادل الاراء التي تهدف الى بناء الفعل الديمقراطي للمجتمع ،وقد طور هبرماس مؤشر نظريا لما اسماه بالفضاء العمومي البرجوازي  لتحليل وتوصيف البنى و اللبنات الاجتماعية و الثقافية التي سمحت باستنبات الفضاء العمومي وكذا الانشطة و الادوار الوظيفية التي اداها ونظام اشتغاله وتحولاته السوسيوسياسية ،يمثل الفضاء العمومي بالنسبة لهبرماس مساحة بين الذواتية وبواسطة سيرورات لغوية وخطابية من قبل فاعليين اجتماعيين ملتزمين ،فبواسطة الافعال الكلامية و الخطابية ينتج الفضاء العمومي مواقف واراء تسهم في مناقشات الشؤون العامة وفق للتراضي و التوافق المجتمعي ،وفي الظروف المثالية يعد الفضاء العمومي مصدرا شرعيا لإنتاج الراي العام الضروري و المطلوب لإعطاء خاصية الشرعية للسلطة في أي ديمقراطية ،استناد الى منظور "هبرماس " فان الفضاء العمومي يلعب وظائف متعددة على راسها توكيد شرعية النظام السياسي و سلطته وسياساته ،اذ الشرعية الجمعية يجب ان تستلهم من رحم الفضاء العمومي ،والمسلك الوحيد الذي لا يمكن ان لا يحوز فيه أي نظام سياسي ديمقراطي على الشرعية هي النقاش و التداول العمومي داخل الفضاء العمومي . 

يمكن تلخيص مفهوم الفضاء العمومي عند هبرماس في مايلي  :

1.   مصطلح دلالي صاغه في اشارة الى الحيز المكاني المتمثل في مجالس النقاش و الحوار التي يعقدها افراد ينتمون الى الطبقة البرجوازية

2.   الاماكن هي عبارة عن فضاء سياسي عمومي يمثل صوتا معارضا لهيمنة الدولة

3.   الاستخدام العلني للعقل في النقاش العقلاني النقدي .

4.   المناقشة المفتوحة و العلنية في الفضاء العمومي تزيد من طوباوية الاستفادة من امكانات الفضاء العمومي .

v   الاساس الفكري لدى هبرماس :يعد الفضاء العمومي من المفاهيم الملازمة للعقلانية التواصلية وهو من بين المفاهيم الفكرية التي غاص فيها هبرماس بافكاره واراءه خلال فترة الستينات و السبعينيات القرن الماضي .

v   المثالية التي وضعها هبرماس لتحقيق نجاح الفضاء العمومي :

·       الخطاب العقلاني النقدي :أي قدرة الفرد على الاقناع و المحاججة

·       مهارات الفرد المشارك في الاقناع

·       الحرية :مبدا اساسي لنجاح الفضاء العمومي

·        

نظرة  نقدية لنانسي فريزر للفضاء العمومي الهبرماسي : 

وجهت الفيلسوفة الامريكية  نانسي فريزر سلسلة من الانتقادات للفضاء العمومي الهبرماسي تتجلى في مايلي : 

- التشوه التمثيلي داخل الفضاء العمومي البرجوازي )التمايز الطبقي )  تعد الفضاءات العامة ساحة خطابية تستطيع من خلالها الفئات الاجتماعية تعميم وصياغة تفسيرات معارضة بدافع حماية المصالح وتلبية الاحتياجات فهي بذلك تعد محاولة لترسيخ مبدا المساواة  الا انه في الوقت ذاته تشكك نانسي فريزر :

1.   تشكك في امكانية تشكل الفضاء العمومي وفق المعايير الديمقراطية في ظل وجود تمييز طبقي داخل الفضاء العمومي ،لاسيما وان طابع المثالية التي تصورها هبرماس تكمن في كون الفضاء العمومي لا يمكنه ان يتشكل من خلال فئات خاصة دون سواه ،تنتمي لطبقة البرجوازية القادرة على الدفاع عن المصالح العامة .

2.   الفضاء العام كما يرى هبرماس فريد ويشكله رجال ويلتقي فيه افراد بالتخلي عن خصوصيتهم أي ان النقاش داخل الفضاء العمومي يقتصر على فئة دون اخرى دون سواها وهو مايطرح اشكالية مخاطر استبعاد الاخرين .

3.   الفضاء البرجوازي في ظاهره يروج لخطاب المصالح العامة ،وفي الحقيقة يروج لفئة محددة .

4.   البرجوازية تحمل في طياتها نوع من الهيمنة الاجتماعية التي تنشر التمييز الطبقي ،الامر الذي يدعم مخاوف التشوه التمثيلي داخل الفضاء العمومي

5.   نادت فريزر بضرورة اعادة النظر في بعض مرتكزات نظرية هبرماس وهو مادعت اليه الباحثة في مقال نشر لها 1991 من خلال محاولة لتأسيس نظرية نقدية جديدة

-الاستبعاد الجنسي :ان الدافع السياسي الكامن وراء خلق فضاء عمومي هو ابتكار مكان تشاركي يلتقي فيه المواطنون من اجل المناقشة على قدم المساواة حيث يؤكد بيار برديو ان الاقصاء وجد ايضا بين مكونات الفضاء العمومي من الذكور مما يعني ان التغلب على مظاهر التفاوت و المشاركة في الحياة العامة و التغلب على القيود المفروضة في النموذج البرجوازي –الليبرالي من اهم شروط لتحقيق التكافؤ الحقيقي في المشاركة لاولئك اللذين تم استبعادهم هذا النموذج اذ يتم في كثير من الاحيان عرقلة المناقشات بواسطة بدائل قانونية (المناقشات النسوية مثلا) وهو مادى الى تعالي الاصوات المنادية بالحرية و المساواة .

-الفضاء العمومي العابر للحدود : في عصر العولمة تعتقد فريزر ان الفضاء العمومي له صلة وطيدة بعصر العولمة و التدفقات العابرة للحدود ،بفضل تطور التكنولوجي الامر الذي ادى الى خلق مايسمى فضاء للنقاش العالمي ،وعليه اضحى يتشكل مايسمى الراي العام العالمي .