أصول الخدمة العمومية بين القانون والمبادئ العامة للدولة
Section outline
-
أهداف المحاضرة:
التعرف على مفهوم الخدمة العمومية .
التعرف على تاريخ نشأة الخدمة العمومية .
التعرف على علاقة الخدمة العمومية بالقانون .
أصول الخدمة العمومية بين القانون والمبادئ العامة للدولة
سعت الدول عبر التاريخ الى تنظيم الحياة الاجتماعية للسكان ضمن محيطها الجغرافي عبر مجموعة من الاليات والضوابط التي تضمن من خلالها منح الحقوق للمواطنين وتحديد الواجبات في اطار الالتزام الجماعي بمختلف القوانين والتشريعات التي تنظم حياتهم الاجتماعية ، كما سعت الى ضمان توفير مجوعة كبيرة من الاحتياجات المجتمعية كالتعليم والسكن والترفيه والمشاركة في الحياة السياسية والرياضية والثقافية وغيرها عبر تخصيص المرافق التي تضمن توفير مجموعة من الخدمات التي تساهم في تسهيل حياته وتنمية مهارته والمشاركة في تسيير شؤون العامة .
نشأة الخدمة العمومية:
على الرغم ان مصطلح الخدمة العمومية حديث النشأة حيث يعود الى القرن 19 الا أن الخدمة العمومية بمعناها الحالي كانت موجودة منذ القدم وارتبطت بحاجات الانسان ضمن بيئته الاجتماعية ، حيث أن الفرد يتفاعل مع الاخرين ضمن سياق اجتماعي تربطه علاقات اجتماعية وتضمن تسيير هذه العلاقات سلطة الإدارة العامة التي نشأت نتيجة كبر حجم المجتمعات وتعقدها وحاجتها للتنظيم والاستفادة الجماعية من الخدمات التي تلبيها الدولة ، فقد اشتهر اليونان والرومان منذ القدم بتشييد المدن وتمرير قنوات المياه والصرف الصحي والتنظيم السياسي و المالي وتطوير أنظمة الزراعة وتوفير التعليم والصحة والترفيه عبر انشاء المسارح وحلبات المصارعة وغيرها من الأنشطة والاليات التي تهدف لخدمة المجتمع وتوفير احتياجاته المتزايدة والمتنوعة .
بشكل عام يمكن التمييز بين ثلاث حقب تاريخية لتطور مفهوم الخدمة العمومية وهي:
النموذج المحلي: وكان ذلك خلال القرون الوسطى.
النموذج الوطني للقرن العشرين20: وقد ظهر أواخر القرن 19 ويتميز بعدة خصائص تتعلق باختصاص الدولة بمجال الخدمة العامة.
النموذج الوطني للقرن الواحد والعشرين21: وقد ظهر في نهايات القرن 20 ويتميز بعدة خصائص تتعلق بمعايير وجودة الخدمات العامة وأساليب تسييرها.
النموذج الإلكتروني: ويتميز بالتطور التكنولوجي واستغلال هذه التكنولوجيات الحديثة في تسيير الخدمات العمومية وفي استفادة الافراد من الخدمات العمومية عن بعد.
المفهوم الأمريكي للخدمة العمومية:
ظهر مفهوم الخدمة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية في قطاع الاتصالات تحديدا مجال الهاتف، وكان اول من استعمل العبارة رئيس الامريكية للهاتف تيودور فايل Theoder Vail من خلال سعيه لاسترجاع احتكار مؤسسة بال Bell بمجال الهاتف منذ سنة 1894 الى غاية 1907.
وقد أنشأت المؤسسة من طرف مخترع الهاتف الكسندر غراهام بال وبفض سلسلة من براءات الاختراع ضمنت المؤسسة الاستغلال الحصري لسوق الهاتف، ولكن سقوط الاختراع في يد العام عام 1894 مكن من ظهور عدد معتبر من المؤسسات المستقلة التي تنط في السوق.
وفي الطريق نحو استرجاع فايل للاحتكار اتبع سياسة تستند على مفهوم الخدمة العامة مبررا في سعيه بأن امتلاك متعامل واحد للشبكة الوطنية الوحيدة ضرورة اقتصادية وأمنية ملحة.
وقد لخص فايل حملته في انشاء خدمة عامة للهاتف تحت شعار: مضافة خطط البنى التحتية يشكل خسارة للمستثمرين ومضاعفة التكاليف يشكل خسارة لمستخدم المرفق.
ونلاحظ مما سبق أن الاحتكار كان سببا في التفكير في ضرورة وجود خدمة عمومية تلبي احتياجات الافراد داخل المجتمع لان القطاع الخاص هو من كان محتكر للخدمات الأساسية وللمؤسسات بشكل عام نتيجة الثورة الصناعية والتكنولوجية.
المفهوم الأوروبي للخدمة العمومية:
مصطلح الخدمة العمومية تم تداوله من طرف اللجنة الأوروبية في أواخر الثمانيات مباشرة بعد العقد الأوروبي الموحد والذي كان يهدف لتحقيق انسجام السوق الأوروبية للاتصالات، ثم البريد، ثم قطاع الكهرباء، وذلك عن طريق تشريع نصوص قانونية قطاعا بقطاع، اذ عرف منذ تجسيده تطورا كبيرا.
وقد قدمت اللجنة الأوروبية مجموعة من المعطيات المتعلقة بالخدمة العمومية منذ سنة 1991، حيث تم تقديم الحدمة العمومية على أساس أنها خدمة قاعدية مقدمة لجميع المرتفقين في كامل المجموعة الأوروبية تحت شروط تعريفية متمكن منها وبنوعية خدمة ذات مستوى عام.
وفي عام 1996 قدمت ذات اللجنة بلاغا على ان الخدمة العمومية تعني المفهوم الشامل اللازم بهدف تطوير وربط ووصل الخدمات ذات المنفعة الاقتصادية العامة لتحقيق الانسجام الاقتصادي في أوروبا.
وأن الخدمة العمومية هي التي تقوم بضمان خدمة ذات نوعية مقابل ثمن مقبول لجميع المرتفقين على كامل الإقليم الأوروبي.
وفي بلاغها لسنة 2003 والذي سمي بالكتب الأخضر، والذي يوضح أن الخدمة العامة مفهوم ديناميكي، يسهر على إمكانية اتخاذ التزامات الخدمة العامة مع الاخذ بعين الاعتبار التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي.
وفي بلاغ 2004 ضمن الاجتماع الأوروبي تحت مسمى الكتاب الأبيض، ضرورة تطوير الاتحاد الأوروبي بهدف ضمان إمكانية الوصول الفعلي والحقيقي من الخدمات الضرورية وأن مفهوم الخدمة العمومية مرن وديناميكي، أي يمكن إعادة التعريف وتكييفه وفق ما تمليه التغيرات الاجتماعية والسياسية في المحيط الاجتماعي.
مفهوم الخدمة العمومية:
يعرفها القاموس الفرنسي: أنها عبارة عن نشاط ذي فائدة عامة تمارسه المنظمات أو المؤسسات العمومية.
ويعرفها معجم المصطلحات القانونية الخدمة العمومية في معناها المادي على انها أي نشاط يهدف الى تلبية حاجة المصلحة العامة وعلى هذا النحو يجب توفيرها ومراقبتها من طرف الإدارة لان التلبية المستمرة والمتواصلة للحاجات لا يمكن ضمانها من أي جهة من غير الإدارة. نفس المرجع.
ويعرفها القانون الإداري الفرنسي: الخدمة العمومية هي تلك التي تعد تقليديا خدمة فنية، تزود بصورة عامة بواسطة منظمة كاستجابة لحاجة عامة ويتطلب توفيرها ان يحترم القائمون على ادارتها مبادئ المساواة والاستمرارية والتكيف لتحقيق الصالح العام.
ولقد حاول الكثير من الباحثين تعريف مصطلح الخدمة العمومية بشكل شامل أو من عدة أوجه وسنستعرض مجموعة من التعريفات التي أوردها الباحثون:
تعرفها ماريان مساغر marianne messager على أنها نشاط يهتم بالفائدة العامة تقوم به السلطات العمومية اما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حسب الأنظمة السائدة في البلد وتقوم الخدمات العمومية بمجهود كبير في سبيل حل مشاكل المستخدمين ومن أجل إعطاء معلومات للمستخدمين وتحفيزهم للقيام بأعمال تعود بالفائدة على المجتمع بصفة عامة .نفس المرجع .
ويعرفها كوتلر: على أنها نشاط او أداء خاضع للمبادلة غير ملموس، ولا ينتج عنه نقل للملكية، ويمكن ان يرتبط بمنتج مادي.
ويعرفها دانيال شافيزDaniel Chavez: الخدمة العمومية هي الحاجات الضرورية لحفظ حياة الانسان وتأمين ر فاهيته، والتي يجب توفيرها لغالبية المجتمع، وهي المحرك الأساسي لكل سياسة في شؤون الخدمات بهدف رفع مستوى المواطن.
نلاحظ ان أغلب التعاريف تصب في قالب واحد والذي يتم التركيز فيه على النشاط الذي يهدف الى تلبية حاجات الأفراد وفق تنظيم معين.
ومنه نستنتج أن الخدمة العمومية يقصد بها: مجموع الأنشطة والأعمال والخدمات التي تقدمها الدولة أو الخواص لصالح أفراد المجتمع من أجل تلبية حاجاته وتضمن تسهيل حياته وفق تنظيم معين.
الخدمة العمومية في القانون:
تعتبر الخدمة العمومية بمثابة حجر الزاوية في القانون الإداري، باعتباره محصلة للاجتهادات القضائية الإدارية التي كانت بين سقوط الامبريالية الثانية ونهاية الحرب العالمية الأولى، فقبل سنة 1920 كان القانون العام يقوم على معادلة أساسية وهي أن الخدمة العمومية = القانون العام = الشخصية العمومية