المدرسة الطبيعية
إن المدرسة الطبيعية هي أول مدرسة فلسفية تشكلت كتيار يدعو إلى دراسة أصل الوجود، ولكن هذه الدراسة تستند على أسس مادية، فعلى الرغم من أن الفلاسفة الطبيعيين تأثروا بالمعتقدات الدينية إلا أن بحثهم تمحور حول أصل الأشياء، وانقسم الفلاسفة الطبيعيون إلى مدرستين رئيسيتين، وهما الطبيعيون الأولون، والطبيعيون المتأخرون.
ويهدف المحور الثاني إلى:
-التعرف على الفلاسفة الطبيعيين في اليونان، وأرائهم المختلفة حول أصل الكون.
- فهم طبيعة الفلسفة اليونانية.

طاليس ( 560-548 ق م)
لم يترك لنا هذا الفيلسوف كتابا يشرح فيه مبادئ فلسفته كما فعل أفلاطون مثلا، بل بقيت لنا بعض الشذرات التي نجدها متناثرة في بعض الكتب الدارسة لتاريخ الفلسفة، ومرجعية فلسفية مهمة سنعتمد عليها من خلال كلامنا عن كل الفلسفة قبل سقراط وهي ما ورد عن أرسطو من تحليلات وتأريخ في بعض كتبه ،لكن حتى أرسطو لم يكن متيقنا مما يقوله عن "طاليس المالطي" ،لأنه كان كثيرا ما يستعمل عبارة: إن صح ما يروى عنه (3)[1].
أشهر ما عرف به هذا الفيلسوف؛ أي طاليس المالطي هو بحثه حول المبدأ الأول الذي منه نشأ كل موجود، فقال أنه واحد من طبيعة مادية خالصة وهو "الماء" وفي شرح "أرسطو طاليس" لهذا الموقف يقول: إن هذا المبدأ هو الماء وهو لهذا السبب يعلن أن الأرض تطفو فوق الماء]،وربما جاءت الفكرة من رأيته أن غذاء الأشياء جميعا لابد أن تكون رطبة وأن الحرارة نفسها تنشأ من الرطوبة ، وتبقى حية بواسطتها أو أن ما صدرت عنه هو مبدأ كل شيء. وقد استمد فكرته من هذه الواقعة ، وأن بذور كل شيء ذات طبيعة رطبة ،وأن الماء هو أصل طبيعة الأشياء الرطبة" (4)[2] .
أنكسماندريس ( 610-545 ق م)
): تلميذ طاليس والذي قال بالأبيرون وهو اللامتناهي وهو مبدأ مجرد، ويعني هذا أن العالم ينشأ عن اللامحدود ويتطور عن اللامتناهي، وبهذه المادة اللانهائية تكون هذا الكون الذي نحن فيه وكل الأكوان التي قبلنا، وكل الأكوان التي ستأتي بعدنا، فأنكسماندريس كان يؤمن بفكرة الأكوان المتعددة، وحاول تفسير تطور الكائنات الحية بطريقة ملفتة للانتباه، واعتقد أن الإنسان وكل الحيوانات تطورت من الأسماك وبشكل تدريجي إلى أن وصلت لشكلها الحالي، وهذه الفكرة هي جزء مهم من نظرية التطور لداروين التي تحدث عنها بعد أنكسماندريس ب 2000 سنة.
اتفق هذا الفيلسوف مع أستاذه "طاليس" في أن مبدأ الأشياء كلها مادي واحد ،لكنه اختف معه في طبيعته، إذ يعتقد أن الماء لا يمكن أن يكون مبدأ لكل الموجودات لأنه يتأثر بالحرارة والبرودة، إذ بالأولى يتحول من جامد إلى سائل وبالثانية يفقد سيولته، وهو بذلك لا يمكن أن يكون مبدأ لأنه يتغير ويتحول بفعل عناصر أخرى، لذلك اتجه إلى القول بأن هذا المبدأ يجب أن يكون غير معين وغير محدد، وهو يمثل مادة أولى غير حاملة لأي خاصية من خصائص الموجودات، وهي غير معروفة لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، فلقد "اعتقد أنكسماندريس أن هذه المادة تمتد إلى ما نهاية في المكان، والسبب الذي طرحه لقوله بهذا الرأي هو أنه لو كان للمادة قدر محدد لكانت قد استنفذت منذ فترة طويلة"، ولم يكتفي هذا الفيلسوف بذلك بل حاول تفسير عملية تحول المادة اللامتعينة وتشكل الموجودات، وجاء رأيه على النحو التالي: إن هذه المادة (Apeiron) هي" مزيج من الأضداد جميعا كالحار والبارد واليابس والرطب وغيرها، إلا أن هذه الأضداد كانت في البدء مختلطة متعادلة غير موجودة بالفعل من حيث هي كذلك ،ثم انفصلت بحركة المادة ومازالت الحركة تفصل بعضها عن بعض وتجمع بعضها مع بعض بمقادير متفاوتة حتى تألفت بهذا الاجتماع والانفصال الأجسام الطبيعية على اختلافها، وأول ما انفصل(الحار والبارد) فتصاعد البخار بفعل الحار وكان من هذا البخار الهواء، أما الراسب فيبس بالتدرج فكان منه البحر ثم الأرض وتكون الحار كرة نارية حول الهواء كما تتكون القشرة حول الشجرة وتمزقت هذه الكرة النارية وتناثرت أجزاؤها ودخلت أسطوانات هوائية هي الكواكب تشتعل فيها النار وتبدو لنا من فوهاتها ،فكل ما نراه من وجوه القمر وكسوف وخسوف ناشئ إما من انسداد الفوهات انسدادا كليا أو جزئيا وإما مما للاسطوانات من حركة تجعل الفوهات تبدو حينا وتغيب حينا آخر، والأرض جسم أسطواني كذلك بنسبة ارتفاعه إلى عرضه كنسبة 3:1 ، ونحن نشغل قسمها الأعلى وهو منتفخ قليلا وليست تقوم على شيء بخلاف ما ارتأى طاليس ...فالأرض معلقة في وسط السماء ثابتة في مكانها لأنها واقعة على مسافة واحدة من الأجرام السماوية، فليس هناك ما يجعلها تتحرك إلى جهة دون الأخرى ،ولأن النسبة المذكورة بين ارتفاعها وعرضا تكفل لها الاستقرار بذاتها".
تشمل هذه الفقرة وإن كانت طويلة نوعا ما على شرح لجوانب نظرية أنكسماندريس في الكون، وتوجد شروحات أخرى مثلا ما يورده "ولتر ستيس" في كتابه "تاريخ الفلسفة اليونانية، وكذلك "جون بيار فرنان" في كتابه أصول الفكر اليوناني ،وكلها وإن كانت مختلفة في بعض التفاصيل فإنها تشير إلى المعالم العامة لهذه النظرية التي يمكن تلخيصها فيما يلي: إن المادة الأولى هي مبدأ الأشياء جميعا غير معروفة الخصائص وغر محدودة إذ ليس لها منشأ وغير زائلة، وهي ليست الماء ولا الهواء ولا أي نوع آخر من المادة، بل هي النوع الأول لكل أنواع المادة في أنها اختلاط لمجموعة من الأضداد المتساوية والمتناسبة فيما بينها ،وهي موجودة بالقوة أي غير متعينة وغير منفصلة عن بعضها البعض، أما عملية التحول والتغير فإن أنكسماندريس لم يوضحها ولم يبينها أو كما يقول "ولتر ستيس" فسرها"عن طريق عملية متطورة غامضة،وهو يرى؛أي أنكسمانديس أن الحار والبارد هما أول من انفصل وهما بذلك سيمثلان العاملان الأساسيان في بداية الحركة في المادة ومن ثمة نشوء الأجسام الطبيعية .
أنكسمانس ( 588 ــــ 524 ق م )
اعتبر أن المادة الأساسية في تكوين الكون هي "الهواء"، لأن الهواء عندما يتكثف يصبح ماءا وترابا ويتحول إلى صخور، إن سبب اختياره للهواء دون غيره من المبادئ المادية الأخرى الموجودة في الطبيعة، لاسيما و أنه مادة لا يمكن مشاهدتها أو لمسها، هو اعتبارا لظاهرة التنفس كونها أساس الحياة، والنفس بدورها هي هواء ،فهو يقول في إحدى شذرات "كما أن النفس لأنها هواء تمسكنا، فكذلك يفعل التنفس ،و الهواء يحيط بالعالم بأسره" (5)[3] .
نفهم من هذه الشذرة أن هذا الفيلسوف قد اختار هذه المادة كونها تعبر عن مبدأ حياة الكائن الحي ، و قد كانت النفس عند اليونان (Psyche) تعني النفس و التنفس و كذلك الحياة، و لأنها هواء فلا شك أن صفاتها من صفاته، و كما يحيط الهواء بالعالم تحيط هي كذلك بالبدن وأنها غير مرئية و غير متناهية و منتشرة في كل أنحاء الوجود و بالتالي فهي مطلقة.
إن هذا المفهوم الأخير يقودنا إلى القول بأن الهواء هو نفس العالم " منه نشأت الأشياء الموجودة و التي كانت و التي سوف تكون ومنه أيضا نشأت الآلهة و كل ما هو إلهي و تفرعت باقي الأشياء، هذا ما يمكن أن نقوله عن أنكسمانس في مسألة النفس ، فهو كذلك مثل طاليس لم يفرد لها مبحثا خاصا في فلسفته.
هراقليطس (540 ـــ 480 ق م )
مؤلف كتاب "عن الطبيعة"، تنبني فلسفته عن "التغير" أي أن الكون أساسه التحول المستمر، وهذا التغير "صراع بين الأضداد" وهو أساس الوجود، "فأنت لا تسبح في النهرين مرتين"، واعتبر أن "النار" هي المادة الأولى في الطبيعة، لأنها الأقدر على التغير والحركة، ومنها نشأ العالم كله، فالنار هي حياة العالم وقانونه، وكل الأشياء تتحول إلى نار والنار تتحول إلى كل الأشياء، فالنار الأولية عندما تصيبها الرطوبة تتحول إلى ماء والماء إلى تراب، وبالمقابل يتحول التراب إلى ماء والماء إلى النار، فالعالم لم يصنعه أحد من الألهة أو البشر، ولكنه كان دائما ويكون وسيكون نارا حية أبدية.
أنبادوقليس (495-435ق.م)
يعتقد أنبادوقليس أن كل الموجودات أو العناصر الموجودة في الطبيعة تنشأ من أربعة عناصر أو “أصول” كما أطلق عليها، وهذه العناصر الأربعة هي الماء والهواء والتراب والنار. وكل التغيرات التي تحدث في الطبيعة إنما تحدث نتيجة امتزاج هذه العناصر الأربعة وانفصالها. أما التغير الموجود في الطبيعة والتنوع فيها فيأتي نتيجة لتغير نسب هذه العناصر الأربعة وتفاوتها. فعندما تموت شجرة مثلاً أو حيوان تنفصل هذه العناصر الأربعة المكونة لهذه الأشياء وتتفرق من جديد لتكون عنصراً جديداً. ولذلك نرى التغير الموجود في الطبيعة. لكن هذه العناصر الأربعة تظل ثابتة لا تتغير فهي الأصل حتى بتحول أي شكل من الأشكال التي تدخل في تكوينها.
ومن هذا المبدأ نرى أن لا شيء يتغير ويقصد هنا أن العناصر التكوينية تظل ثابتة. إن ما يحدث بالفعل هو أن العناصر الأربعة تتحد وتنفصل ثم تمتزج وتتفرق من جديد في دورة لا نهاية لها. ولتبسيط هذا الأمر نعطي المثل التالي:
إذا كان لدينا رساماً ليس لديه سوى اللون الأحمر فقط، فمن المحال أن يرسم أشجاراً خضراء، لكن إذا كان لديه الألوان الأصفر والأسود والازرق فيكون لديه فرصة الرسم بمئات الألوان المختلفة إذا ما استطاع تغير نسبها في كل مرة يرسم فيها. ولنتصور هذه الفكرة بمثال آخر: فإذا كنا نحاول إعداد كعكة وليس لدينا سوى الدقيق فهل نستطيع أن نفعل ذلك، بكل تأكيد نجد أن من المستحيل أن نصنع كعكة فقط من الدقيق أما إذا كان لدينا اللبن والسكر والبيض فمن السهولة أن نصنع من هذه المواد الأربعة أنواعاً وأشكالاً لا حصر لها من الكعك.
يعتقد أنبادوقليس أن كل الموجودات أو العناصر الموجودة في الطبيعة تنشأ من أربعة عناصر أو “أصول” كما أطلق عليها، وهذه العناصر الأربعة هي الماء والهواء والتراب والنار. وكل التغيرات التي تحدث في الطبيعة إنما تحدث نتيجة امتزاج هذه العناصر الأربعة وانفصالها. أما التغير الموجود في الطبيعة والتنوع فيها فيأتي نتيجة لتغير نسب هذه العناصر الأربعة وتفاوتها. فعندما تموت شجرة مثلاً أو حيوان تنفصل هذه العناصر الأربعة المكونة لهذه الأشياء وتتفرق من جديد لتكون عنصراً جديداً. ولذلك نرى التغير الموجود في الطبيعة. لكن هذه العناصر الأربعة تظل ثابتة لا تتغير فهي الأصل حتى بتحول أي شكل من الأشكال التي تدخل في تكوينها.
ومن هذا المبدأ نرى أن لا شيء يتغير ويقصد هنا أن العناصر التكوينية تظل ثابتة. إن ما يحدث بالفعل هو أن العناصر الأربعة تتحد وتنفصل ثم تمتزج وتتفرق من جديد في دورة لا نهاية لها. ولتبسيط هذا الأمر نعطي المثل التالي:
إذا كان لدينا رساماً ليس لديه سوى اللون الأحمر فقط، فمن المحال أن يرسم أشجاراً خضراء، لكن إذا كان لديه الألوان الأصفر والأسود والازرق فيكون لديه فرصة الرسم بمئات الألوان المختلفة إذا ما استطاع تغير نسبها في كل مرة يرسم فيها. ولنتصور هذه الفكرة بمثال آخر: فإذا كنا نحاول إعداد كعكة وليس لدينا سوى الدقيق فهل نستطيع أن نفعل ذلك، بكل تأكيد نجد أن من المستحيل أن نصنع كعكة فقط من الدقيق أما إذا كان لدينا اللبن والسكر والبيض فمن السهولة أن نصنع من هذه المواد الأربعة أنواعاً وأشكالاً لا حصر لها من الكعك.
ديمقريطس ( 460 ــــ 370 ق م )
يرى أن العالم يتكون من عدد لا متناهي من الذرات ، واعتبر أن الذرّة وحدة متجانسة غير محسوسة، أزلية أبدية متحركة بذاتها في فراغ، ومن حركتها واختلاطها تكونت الأشياء وتكون العالم بأسره، وحجته أنها أزلية أبدية هي أن الوجود لا ينشأ من اللاوجود، إن في الكون حقائق أولية ثلاث هي: الذرة، الحركة الفراغ، فحركة الذرات تجعلها تتحرك وتتلاقى وتتمازج فتشكل الكون بما فيه من جماد وانسان وحيوان ونبات.كما يفصل ديمقريطس بشكل صريح وواضع بين العقل و النفس ، إذ كان تصوره للنفس موافقا لنظريته الذرية ، إذ يرى أن "المبدأين الأصلين هما الذرات و المكان الخالي (الخلاء) ،وعنهما يحدث كل شيء في سلسلة من العوالم اللامتناهية... و الشمس و القمر كذلك من ذرات و كذلك النفس (6)[4].
يفصل ديمقريطس بشكل صريح وواضع بين العقل و النفس ، إذ كان تصوره للنفس موافقا لنظريته الذرية ، إذ يرى أن "المبدأين الأصلين هما الذرات و المكان الخالي (الخلاء) ،وعنهما يحدث كل شيء في سلسلة من العوالم اللامتناهية... و الشمس و القمر كذلك من ذرات و كذلك النفس "، التي هي في الحقيقة تآلف مجموعة من الذرات الكروية الشكل ، لأن هذا الشكل الأخير هو حسب "ديمقريطس" أسهل و أسرع نفاذا في الأشياء، ومن ثمة تكون النفس أساس الحركة في الحيوان ، و خاصيتها منح الحياة ،و هي في حالة من الحركة دائمة لا تعرف الاستقرار، يقول أرسطو في هذا أن "ديمقريطس" يعتقد أن :"ما كان من هذه الذرات كروي الشكل ، فهو نفس لأن الذرات التي من هذا الجنس أسهل نفاذا في جميع الأشياء ، و أقدر على تحريك غيرها مادامت هي نفسها متحركة.