الأدب الصوفي

التّصوّف في الأدب:

كان الصوفية يعرفون باسم القراء والزهاد والنّسّاك ، وكان ملحوظ أنهم من أقطاب الأدب والبيان ، والمؤكد أن الجاحظ اهتم بهم لحظ فيهم شيئين (جودة الأدب وقوة الأخلاق) ، يقول الجاحظ في مطلع كتاب الزهد : « نبدأ باسم الله وعونه بشيء من كلام النّسّاك في الزهد وبشيء من ذكر أخلاقهم ومواعظهم .» ، فهو يرى في الكلام صورة غير صورة الأخلاق والمواعظ والفرق واضح بين قول ابن سرين : « ما حسدت أحدا على شيء قط» ، وقول أبي الدّرداء : « كان الناس ورقا لاشوك فيه ، وهم اليوم شوك لا ورق فيه ».

فالعبارة الأولى خُلُقٌ محض ، والعبارة الثانية أدب صرف ، وكانت الأولى خُلُقاً محضاً لأنها تعبر تعبيرا ساذجاً عن معنى من أشرف المعاني الخُلُقية ، وكانت الثانية أدباً صِرفاً لأن جمالها يرجع إلى ما وشّاها به القائل ، وكلتا العبارتين صدرتا عن أنفس مشبعة بروح التصوف.

وكلام الزهاد والنساك كثير ، اهتم به الجاحظ وابن قتيبة ، وغيرهما من المؤلفين ، ولا شك أن الصور الأدبية طانت مما لحظه مَنْ جَمَع كلام أولئك الرجل ، وكان أكثر الصوفية معروفين بسعة الاطلاع وكثرة الحفظ ، وكان في شريش صوفيّ حافظ للشعر فلا لا يعرض في مجلسه معنى إلا وهو ينشد عليه ، فاتفق أن عطس رجل فشمّته الحاضرون فدعا لهم ، فرأى الصوفي أنه إن كان شمّته قطع إنشاده بما لا يشاكله من النظم ، وإن لم يشمته كان تقصيرا في البر...وهذا الخبر في جملته فكاهة ، ولكنه دليل على هيام الصوفية بالثقافة الأدبية.

لا مفر من الاعتراف بأن الصوفية كان لهم وجود أدبي ملحوظ ، وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد عُرِفت عنهم ألفاظ وتعابير دوّنها المؤلفون ، وتلك الألفاظ والتعابير هي ثروة لغوية يقام لها وزن حين تُدْرَسُ المصطلحات.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)