الشعر الجزائري المعاصر
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة كلية الآداب واللغات
قســـــــــــــم اللغـــــــــــة والأدب العــــــــــربــــــي السنة الجامعية : 2023 / 2024
مقياس : الشعر الجزائري المعاصر نوع الحصة : محاضرة
الفئة المستهدفة : السنة الثانية ماستر التخصص : أدب جزائري
المدة المخصصة للحصة : ساعة ونصف السداســـــــــي : الثـــالــــث
الأستاذ : بوداني جيلالي djilaliboudani@yahoo.fr
*الحصة الثانية الحداثة والمعاصرة
تمهيد :
إذا تفحّصنا المفهوم اللغوي لكلمة الحداثة، لاعتبرنا كلّ جديد حديث، وإذا رجعنا بأصل الكلمة إلى التاريخ، لاكتشفنا مدى تعلّقها بالحركات الثورية الخارجة عن السلطة في القرن الثاني الهجري في العهد العباسي، فقد كانت السلطة آنذاك تحارب كلّ الحركات الخارجة عنها بما فيها تلك الحركات التي كانت تطالب سياسيا واجتماعيا بالمساواة والعدالة وعدم التفريق بين المسلم والمسلم على أساس الجنس أو اللون، وكانت تعدّها خروجا على الدين وتعدّ ما في جانبها الفكري هرطقة وإلحادا، فكانت تسمّي جميع الذين لا يفكّرون وفقاً لثقافة الخلافة ب "أهل الإحداث"، وعليه فعبارتا المحدث والإحداث الموصوف بهما الشعر دلالة على ذلك الشعر الخارج على الأصول القديمة.
نلاحظ أنّ أصل كلمة الحداثة مرتبط بالجانب الديني، والحداثة تتجاوز حدود الشعر، فهي أزمة هوية ترتبط بصراع داخلي كما ترتبط بصراع المجتمع العربي مع القوى الخارجية.
* مسألة الحداثة العربية :
مع مطلع القرن التاسع عشر، وبعد تعرّض البلاد العربية للغزو الأوروبي، استعيدت مسألة الحداثة بعد الانقطاع عنها بسقوط بغداد والحروب الصليبية والسيطرة العثمانية .
أعيدت المسألة إلى الواجهة في الأدب العربي بعد تعرّض الأمّة العربية للاحتلال الأوروبي، ممّا أدّى إلى ظهور اتجاهين في مجال الأدب والفكر:
- أصولي يرى في الدين وعلوم اللغة العربية قاعدته.
- تجاوزي يرى في العلمانية الأوروبية قاعدته ونموذجه .
وعليه فقد برزت إلى الوجود التيارات المحافظة أو ما يسمّى الاتجاه الإحيائي، ومن جهة أخرى الاتجاه التأثري بالثقافة الغربية، والذي تبلور عنه الاتجاه الرومنسي والواقعي والرمزي...
* الحداثة والشعر الجزائري المعاصر :
نشأ مفهوم الحداثة في رحاب فلسفات وتصوّرات ومذاهب وإيديولوجيات مختلفة، ومن هذه المرجعيات انطلقت مختلف الحداثات الشعرية في العالم، ومنها العالم العربي الذي نال حظّه منها هو كذلك، وقد حظيت مسألة الحداثة بالاهتمام الكبير في مؤلّفات المفكّرين والنقاد والأدباء العرب .
لقد تأثّر الشعر الجزائري بالحداثة وظهر ذلك في عدّة محاولات تكشف عن الخلجات النفسية المضطربة غير المستقرّة، إذْ بدأت بعض المحاولات تصوّر الشعور بالقلق والضياع والاغتراب من حيث الرؤيا الشعرية، والتشكيل الموسيقي؛ فظهرت قضايا مرتبطة بالظلم والتهميش، والاستبداد والجهل، كما ظهر البناء الجديد في شكل وموسيقى القصيدة، على نموذج شعر التفعيلة وقصيدة النثر وغيرها، وقد أبان عن هذا التجديد مجموعة من الشعراء الجزائريين الذين خاضوا في تلك التجربة الشعرية الجديدة وأعلنوا القطيعة بينهم وبين الشعر العمودي، وقد مثّل هؤلاء كلّ من الشاعر عمر آزراج وعبد العالي رزاقي وأحمد حمدي وغيرهم.
وما يلاحظ على إنتاجات هؤلاء هو تأثّر تصوّراتهم ولغتهم وآلياتهم الفنية بمفاهيم الحداثة، ويبدو أنّ الحركة الحداثية في مرحلة تسعينيات القرن الماضي إلى هذه الألفية أسهمت في ذيوع نص شعري منفتح على الحداثة الشعرية العالمية والعربية، نص ينظر في كيفية إحداث توازن بين التراث والحداثة، ولا يدعو إلى القطيعة والانفصال عن أحد الطرفين ولا إلى التقليد والتماثل مع أحدهما أيضاً، نصّ توافقي يحاول الجمع بين الأصالة والمعاصرة في قالب شعري خاص، نصّ يكشف عن إبداع حداثة منتمية برؤيتها الفكرية والجمالية إلى أصولها من خلال استعادتها للمأثور الشعري الحافل بالبلاغة والإعجاز على مدى أكثر من خمسة عشر قرنا، ومن خلال انفتاحها المشروط والواعي (بعدم الانبهار بالمنجز الغربي) لبعث أنفاس تحمل رؤيا توافقية بين الأصل والواقع .