فن المقالة

 

 تعريف المقالة: هي قطعة نثرية قصيرة أو متوسطة، لا تجري على نسق معلوم، موحدة الفكرة تعالج بعض القضايا الخاصة أو العامة، معالجة سريعة تستوفي انطباعا ذاتيا أو رأيا

خاصا، ويبرز فيها العنصر الذاتي بروزا غالبا، يحكمها منطق البحث ومنهجه الذي يقوم على بناء الحقائق على مقدماتها ويخلص إلى نتائجها.

- المقالة قطعة نثرية تتضمن فكرة واحدة تعبر عن وجهة نظر الكاتب في بناء منظم منسق لا يبلغ طولها طول البحث أو الرسالة الجامعية، هدفها إقناع القراء بوجهة النظر تلك.

نشأتها

     نشأت المقالة الحديثة في الغرب، على يد الفرنسي "مونتني " في القرن السادس عشر، وكانت تتسم بطابع الذاتية، فقد كان يفيد من تجربته الذاتية في تناول الموضوعات التربوية والخلقية التي انصرف لمعالجتها، فلقيت مقالاته رواجا في أوساط القراء، ثم برز في إنجلترا " فرنسيس باكون" في القرن السابع عشر فأفاد من تجربة "مونتني"، وطور تجربته الخاصة في ضوئها، ولكن عنصر الموضوعية كان أشد وضوحا في مقالاته، مع الميل إلى الموضوعات الخلقية والاجتماعية المركزة، وفي القرن الثامن عشر بدت المقالة نوعا أدبيا قائما بذاته، يتناول فيها الكتاب مظاهر الحياة في مجتمعهم بالنقد والتحليل، وقد أعان تطور الصحافة على تطوير هذا العنصر الأدبي، وبرز فيه عنصر جديد وهو عنصر السخرية والفكاهة، وإن كانت الرغبة في الإصلاح هي الغاية الأساسية لهذا الفن الجديد، وفي القرن التاسع عشر اتسع نطاق المقالة لتشمل نواحي الحياة كلها، وازدادت انطلاقا وتحررا واتسع حجمها بحكم ظهور المجلات المتخصصة.

   في أدبنا العربي القديم عرف فن يسمى بالفصول والرسائل وهو يقترب من الخصائص العامة لفن المقال مثل: رسائل عبد لله بن المقفع وعبد الحميد الكاتب، ورسائلل الجاحظ، وأبوحيان التوحيدي في كتابيه الإمتاع والمؤانسة، وأخلاق الوزيرين كما نستطيع أن نجده في تراث الأمم الأخرى منذ الإغريق والرومان، وفي الكتب الدينية والفلسفية وكتب الحكماء.

ولكن المقالة تنفرد بمميزات خاصة عن فن الفصول والرسائل، فقد تأثر كتاب المقالة الحديثة بالاتجاهات السائدة في الآداب الغربية، مما أثرى المقالة بخصائص فنية تجعلها متفردة عن الأجناس الأدبية الأخرى.

ـ مراحل تطور المقالة:

1 ـ مرحلة البداية: وكانت فيها ساذجة مليئة بالصنعة المتكلفة وأغراضها الضيقة.

2 ـ مرحلة التحرر من الصنعة: والتوغل في شؤون المجتمع وأحداثه، وتنمية الشعب إلى حقوقه.

3 ـ مرحلة الاكتمال: وتتميز بدقة التركيز، وعمق التحليل، وبراعة العرض والتخلص التام من أثقال الصنعة.

أسباب تطور فن المقال وتخلصه من التكلف اللفظي:

1 ـ التأثر بالغرب وصحافته.

2 ـ ارتقاء الوعي وظهور الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية التي أحدثتها أحداث بارزة مثل مجيء: جمال الدين الأفغاني، والثورة العرابية، والاحتلال البريطاني، وحركة المدارس والكليات، ونشاط الحركة الاستعمارية في أقطار المغرب العربي.

3 ـ ظهور المدرسة الصحفية الحديثة، وبرزت صحف كثيرة من مثل المؤيد، اللواء، الجريدة، السفورالسياسية، البلاغ.

4 ـ ظهور المجلات المتخصصة التي أحاطت بمكونات المقالة العربية.

5 ـ انتشار موجة الاستعمار.

 6 ـ انتشار الوعي والحركات التحررية ... 

ولهذا أصبحت المقالة أكثر قدرة على مخاطبة الواقع والاهتمام بقضاياه عما كانت عليه في

السابق.

خصائص المقالة الحديثة:

تميزت المقالة الحديثة بمجموعة من الخصائص نجماها فيما يلي:

1 ـ أنها تعبير عن وجهة النظر الشخصية، وهذه الميزة هي التي تميزها عن باقي ضروب الكتابات النثرية.

2 ـ الإيجاز والبعد عن التفصيلات المملة، مع إنماء الفكرة وتحديد الهدف.

3 ـ حسن الاستهلال وبراعة المقطع.

4 ـ إمتاع القارئ، وإذا ما انحرفت عن هذه الخاصية أصبحت أي لون آخر من ألوان

الأدب وليست بفن مقالة.

5 ـ الحرية والانطلاق.

6 ـ وحدة الموضوع.

7 ـ سهولة الأسلوب.

8 صغر الحجم.

9 ـ الوحدة والتماسك والتدرج في الانتقال من خاطرة إلى خاطرة أخرى من الخواطر التي

تتجمع حول موضوع المقال.

عناصر المقال:

1 ـ المقدمة: يبدأ المقال بمقدمة ملخصة للأفكار والمعلومات التي تذكر في المقال، وهي تعد عامل جذب للقارئ ليكمل قراءة المقال، فإن أعجبته مداخل المواضيع الواردة في فيه سيكمل قراءته، لذا على الكاتب أن يجعل مقدمة مقاله مشوقة وشاملة لكل جوانب المقال، من دون أن يهمل نقطة قد تكون السبب الرئيسي لبحث القارئ عن المقال، ومن شروط المقدمة أن تتكون من فقرة واحدة لا تتعدى العشرة أسطر، وأن تصاغ بطريقة موجزة، وشيقة، وسهلة الاستيعاب، وأن ترتبط مع باقي عناصر المقال بطريقة منطقية ومفهومة.

2 ـ الموضوع

   يعتبر الموضوع مجموعة مترابطة من الأفكار معروضة في المقال على شكل فقرات، حيث تمثل كل فقرة فكرة وجانبا من الجوانب التي يسعى الكاتب إلى توضيحها وإثباتها، مدعمة بالأدلة البراهين التي تثبت فكرته وتدفع القارئ إلى الإيمان بها وتصديقها، ويجب أن يربط الكاتب بين فقرات مقاله بطريقة منطقيّة دون فجوات، أو تكرار، أو تناقض حتى لو كانت كل فقرة مخصصة لفكرة ما، حيث يجب أن تخدم كل الفقرات الموضوع الرئيسي للمقال، كما يفضل أن تتألف كل فقرة من خمسة أسطر على الأقل، ليكون شكلها مريحا لعين القارئ حيث لا تكون مملوءة بالكثير من المعلومات التي قد تكون إضافية ولا فائدة لها، وعلى الكاتب كذلك أن يجمل فقرات مقاله بالطرائف والتعبيرات الممتعة حتى يجذب القارئ لمتابعة قراءة باقي الفقرات.

3 ـ الخاتمة

تعتبر الخاتمة الخلاصة لما تم ذكره في الموضوع، حيث إنها هي النتيجة النهائيّة التي توصل الكاتب إليها في مقاله، كما تكون مكتوبة على شكل حكم متعارف عليها، أو عبارات مركزة حيث يتمكن القارئ من استيعابها، وتذكرها، وربطها مع الواقع.

5 ـ أنواعه :

  أ ـ من حيث الأسلوب:

ـ علمي يستند إلى العقل والمنطق.

 ـ أدبي يهدف إلى الإثارة والإمتاع.

 ـ علمي متأدب يستعين فيه بالصور والعبارة الموحية للتخفيف من جفاف المادة العلمية

ب ـ من حيث موقف الكاتب من الموضوع:

 ـ مقال ذاتي: يعبر عن شخصية الكاتب لصدوره عن وجدانه وعاطفة وخيالة

ـ مقال موضوعي: يلتزم فيه الحياد والموضوعية ويتجرد فيه من نوازعه وأهوائه وذاتيته.

ـ مقال ذاتي موضوعي: يدمج العاطفة والخيال بالموضوع

ج ـ من حيث الموضوع: ومن أبرز أنواعه:

ـ المقال السياسي: ويتناول قضية سياسية ما كمهاجمة الاستبداد أو مقاومة الاستعمار، واتخذ منه الزعماء والسياسيون والقادة وسيلة للاتصال بالجمهور ويختلف أسلوب هذا النوع من المقالات باختلاف الظروف السياسية ومن خصائصه:

1 ـ السهولة والوضوح، لأنه يخاطب الجماهير المتفاوتة في الثقافة والوعي.

. 2ـ الدليل المنطقي والبراهين الخطابية لإقناع العقل والعاطفة.

3 ـ الميل إلى الإطناب لتقرير الفكرة في النفوس.

. 4 ـ إيثار اللفظ الشائع والتعبير الاصطلاحي المعروف في المجال السياسي.

5 ـ عدم الجنوح إلى الخيال.

ـ المقال الاجتماعي: وهو يتعرض لشؤون الاجتماع عرضا اجتماعيا غالبا، والباعث على ظهوره في مجتمع ما هو ما يطرأ عليه من مستحدثات حضارية في العادات والأخلاق أو ما يحتدم فيه من صراع بين القديم والجديد. ومن خصائصه:

1 ـ قيامه على خلفية إيديولوجية.

ـ الاعتماد على الإحصاء والتنبؤ.

3 ـ ذكر أسباب الظاهرة الاجتماعية.

4 ـ إجادة التحليل.

5 ـ البراعة في التهكم والسخرية.

6 ـ ذكر الشواهد والأمثلة.

ـ المقال التاريخي: يعتمد على جمع الروايات والأخبار والحقائق، وتمحيصها وتنسيقها، وتفسيرها، وعرضها، وللكاتب أن يتجه في كتابته اتجاها موضوعيا صرفا، تختفي فيه شخصيته، وله أن يتجه في كتابته اتجاها أدبيا.

 ـ مقال البحث الأدبي: وهو مقال نثرى يتمتع بالألفاظ الأدبية والقدرة اللغوية التي يمتلكها الكاتب. كما يمتاز هذا النوع من المقالات بالأسلوب الأدبي الرشيق، والعواطف التي يضعها الكاتب بالمقال فهو لا يهدف إلى غرض سياسي أو اجتماعي وإنما إبراز قيم جمالية وفنية ومن مميزاته:

1 ـ الاعتماد على الخيال.

2 ـ استخدام العبارات الجزلة والألفاظ المختارة والموحية.

3 ـ توظيف الترادف.

4 ـ الاعتماد على اللغة السليمة الصحيحة.

ـ المقال النقدي: هو مقال مرتبط بالأدب يقيمه، ويقومه ويذكر محاسنه وعيوبه ويتميز بالدقة العلمية وجمال الأسلوب

ـ مقال البحث العلمي:

   بدأ ظهوره في نهاية القرن التاسع عشر، بعد أن قوي الاتصال بالغرب وانتشار التعليم وازدهار الصحافة والترجمة، وفيه تظهر نظرية من نظريات العلم أو مشكلة من مشكلاته عرضا موضوعيا بحتا. ومن مميزاته ما يلي:

1 ـ اعتماد الموضوعية والدقة والوضوح.

2 ـ الاعتماد على العقل والمنطق والمشاهدة والتجربة والتحليل والتعليل والمقارنة والاستنتاج.

3 ـ بسط المعطيات دونما تنميق أو زخرفة إذ يستخدم عوضا عنها أرقاما وإحصائيات ومصطلحات علمية.

وينقسم إلى قسمين:

1 ـ علمي بحت.

 2 ـ علمي متأدب: وفيه يستعين الكاتب ببعض الصور الخيالية والوصف الشائق الجذاب

المصادر والمراجع:

ـ أنيس المقدسي ٬ الفنون الأدبية وأعـلامها ٬ دار العلوم للملايين ٬بيروت، لبنان٬ 1978.

ـ جرجي زيدان ٬ تاريخ آداب اللغـة العربية ٬ ج3، دار مكتبة الحياة للطباعـة والنشر٬ 1983.

ـ جمال الجاسم المحمود ٬ فن المقـالة ٬ مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية ٬ العدد الأول ٬ 2008.

ـ ربيعي عبد الخالق ٬ فن المقالة الذاتية في الأدب العربي الحديث ٬ دار المعرفة الجامعية٬ الإسكندرية.

ـ شوقي ضيف ٬ الأدب العـربي المعاصر في مصر ٬ دار المعارف ٬ القاهرة ٬ ط٬10 1992 ـ شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في النثر العربي

ـ شوقي ضيف، فنون مستحدثة: المقالة القصة المسرحية (في كتاب الأدب العربي المعاصر في مصر)، دار المعارف مصر، ط4.

ـ صالح أبو أصبع، محمد عبيد الله، فن المقالة، 2008

ـ عبد العاطي شلبي ٬ فنون الأدب ٬ المكتب الجامعي الحديث ٬ ط٬1 2005 .

ـ على بوملحم ٬ في الأدب وفنونه ٬ المطبعة العصرية للطباعة والنشر ٬ صيدا، لبنان ٬

ـ محمد منــــــــــــــــــدور: الأدب وفنونه، دار نهضة مصر، 2006.

ـ محمد يوسف نجم، فن المقالة، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط4، 1966.

.

 

 

 


Last modified: Friday, 23 May 2025, 4:17 AM