إجراء السرد
إجراء السرد
تمهيد
يوجد للكتابة العديد من الأساليب، والتي يستخدمها الكاتب كأدوات، حيث يقوم باختيار الأداة التي تتناسب مع ما يطمح، ويريد إظهاره، والأمثل لإظهار أفكاره، وما يدور في داخله من شعور ، ورؤية، ومن ضمن تلك الأساليب هو أسلوب السرد ، والذي يعد من الأساليب المتبعة في كتابة القصص، والروايات، والمسرحيات.
مفهوم السرد:
هو عرض حدث أو متوالية من الأحداث حقيقية أو خيالية بواسطة اللغة، فالسرد يخبر عن حدث أو أحداث وينقلها إلى المتلقي بواسطة اللغة، والسرد أنواع كثيرة، كم أنّه تنوّع كبير في الأجناس، وهو حاضر في الأسطورة وفي الحكاية، وفي المأساة، وفي الدراما، وفي الملهاة، وفي الخرافة والقصة والأقصوصة، وفي الرواية والملحمة، وفي الخبر الصحفي وفي المحادثة، وغير ذلك من الأجناس اللغوية والأدبية. وفي مجال التعليم تعدّ الحكاية أبرز الأنواع السردية في الخطاب المدرسي، وفي مهارة التعبير الكتابي.
أنواع السرد الحكائي:
يمكن التمييز بين نوعين رئيسين من السرد الحكائي، هما النص الواقعي والنص التخييلي.
أ ـ النص الواقعي:
نص يحيل على الواقع، فأحداثه وقعت في مجتمع ما، في مرحلة ما، تكون في أغلب الأحيان معاصرة للكاتب، والشخصيات مستمدة من الواقع، فهو نص يعكس الحياة الاجتماعية بمختلف أبعادها ومواقعها المتباينة.
ب ـ النص التخييلي:
هو نص يحكي حدثا أو أحداثا افتراضية من صنع خيال الكاتب، قد تكون أحداثا غير خاضعة للمنطق وبعيدة عن الواقع، وتكون النصوص مشوقة ومثيرة، بما يصنعه من جو الانتظار والقلق، وتعقيد الأحداث وما يحيط بها من توتر وغموض.
ويقوم النص الحكائي في النموذجين الواقعي والتخييلي على ركيزتين هما:
ـ وجود قصة تحتوي أحداثا معينة.
ـ وجود طريقة لنقل هذه الأحداث (عنصر السرد)، فالقصة يمكن أن تحكى بطرائق متنوعة، وتبعا لذلك، فإن عنصر السرد هو الذي يميز بين أنماط النصوص الحكائية المختلفة. وعموما فإن النص الحكائي ينتجه أو يؤلفه سارد في شكل قصة أو رواية ويتلقاه قارئ.
مكونات النص الحكائي:
المقصود بكلمة حكاية في مجال التعبير الكتابي: الخطاب المكتوب الذي يصطلح على رواية، حدث، أو سلسلة من الأحداث، واقعية أو خيالية تقوم بها مجموعة من الشخصيات تربط بينهم علاقات معينة، فهي سيرورة تترابط فيها الأحداث والوقائع والأفعال، ولذلك فهي تتشكل من العناصر الآتية:
أ ـ الحدث أو الأحداث: والتي يتم الإخبار عنها بشكل حكائي متتابع، وتمثل الأحداث المسار الحكائي الذي ينتقل من وضع إلى آخر ويربط الحدث النص الحكائي من بدايته إلى نهايته.
ب ـ السارد: وهو من سرد النص الحكائي، ويمكن أن يكون السارد خارجا عن النص الحكائي، فيروي الأحداث بضمير الغائب (هو)، ويمكن أن يكون أحد شخصيات النص، وبذلك يسرد الحكاية بضمير المتكلم (أنا)، وقد يبقى السارد على وضعية مستقرة أو متغيرة بتغير السياق الحكائي.
ج ـ الشخصيات: الشخصية فرد متخيل من طرف الكاتب، يعطيه اسما وصفات وملامح وطبائع معينة، لها دور معين في الحكاية، ويختارهم وفق معايير معينة، تساهم في بناء حركية النص.
د ـ الفضاء المكاني للحكاية: ويقصد به مجموع الأمكنة التي تقع فيها الحكاية، وقد يكون الفضاء واقعيا أو متخيلا، ويتم تقديم هذا الفضاء ووصفه في الحكاية، وله عدة وظائف بوصفه أحد الوسائل التي تعرف القارئ بالعالم الذي تجري فيه الأحداث.
هـ ـ الفضاء الزماني: ونقصد به زمن الحكاية، وقد يكون ساعات العمل أو أعواما أو أجيالا حسب نوع الحكاية وأحداثها، وربما تستغرق بضع دقائق، وتملأ عدة صفحات، فزمن القصة هو ما تستغرقه من وقت لحدوثها، أما زمن السرد فهو الزمن اللازم لرواية الحدث.
مهارة الحكي وتقنياتها:
تتطلب كتابة نص محكي تخيل قصة في البداية، ثم سردها بعد ذلك. وتخيل حكاية يعني خلق شخصيات وبث حياة معينة فيهم في فضاء مكاني وزماني معين، كما يتطلب الأمر تنظيم أحداث الحكاية وفق تسلسل معين وبأسلوب مناسب.
وعموما تتطلب كتابة حكاية القيام بالخطوات الآتية:
أ ـ اختيار العناصر المكوّنة لمحتوى الحكاية (الحدث) وهي العنصر الأساس في العمل الحكائي، ولا يفترض فيها الواقعية
ب ـ هيئة السرد:
أي اختيار الكيفية التي ستتجسد بها الأحداث وفق بناء فني معين، ويمكن إجراؤه على لسان بطل من أبطال الحكاية أو السرد بضمير المخاطب، أو بواسطة ضمير الغائب حسب زاوية نظر الكاتب.
ج ـ اختيار الفضاء الزماني والمكاني:
أي الحيز الزمني الذي تستغرقه الحكاية، وقد يكون الزمان متعاقبا متسلسلا، وقد يكون نازلا من نهاية الأحداث إلى بدايتها، وقد يكون متقطعا تتداخل فيه الوقائع، وتبعا لذلك يختار الكاتب من التقنيات ما يلائم سرده للوقائع والأحداث.
د ـ نمط السرد:
يمكن أن تقدم الحكاية إما بطريقة مباشرة عن طريق الحوار الذي يجري بين الشخصيات أو بطريقة غير مباشرة عن طريق السارد الذي ينوب عن شخصياته في نقل الأحداث والتعبير عن مواقفهم.
ه ـ صيغة عرض الأحداث: باعتماد الصيغ الثلاث:
ـ السرد: أو الإخبار عن طريق تصوير الأحداث بشكل يجسد تتابعها.
ـ الحوار: وهو وسيلة الكاتب لعرض الأحداث عن طريق إجراء حوارات متعددة بين شخصياته.
ـ الوصف: الذي يصور جوانب الحكاية الزمانية والمكانية، ويصور الشخصيات وخصائصها الحسية والمعنوية.
ـ بناء الحكاية:
لكل حكاية نظامها الخاص، لكن في الغالب يمر هذا البناء باللحظات الآتية:
أ ـ لحظة البداية:
وهي نقطة البداية والمنطلق، يمهد فيه الكاتب لحكايته، ويعرف بشخصياته، فيعرض مقدمة يتحدث فيها عن ظروف معينة، أو عن شخص معين من شخوصه، أو يعرض مقدمة في شكل حوار.
ب ـ لحظة التحولات: وهي اللحظة التي تغير مجرى الأحداث، فلابد أن يكون في الحكاية حدث ما تجري عليه التحولات، ويكون الهدف في ثنايا الحكاية وتتوزع لحظة التحول على لحظات تحول فرعية هي:
ـ اللحظة الطارئة
ـ لحظة العقدة
ـ لحظة الحل
ج ـ لحظة النهاية:
وغالبا ما تجسد الدوافع أو الفكرة التي تفضي إليها الحكاية، وقد تسترجع هذه اللحظة وضعية الأحداث في البداية، أو تعلن عن توازن جديد، وهي آخر ما تصل إليه الحكاية، وهي نتيجة نهائية لذروة وحل مشاكلها، وتختلف النهايات من حكاية إلى أخرى، فقد تكون نهاية مفتوحة، أو تأتي على شكل نهاية التوسع، فتربط النص الحكائي بنص أو موضوع أكثر توسعا مما جاء فيه، وقد تكون نهاية غير متوقعة ومفاجئة، أو هي الانحدار الذي يغير الأحداث رأسا على عقب بجملة أخيرة أو نهاية وصفية تصف مشهدا أو شخصية.
نستنتج بأن وظيفة النص السردي تكمن في حكاية ما يحدث، وما يجري في الزمان، أي أنه يعيد إحياء حادثة سابقة واقعية (مذكرات، سيرة ذاتية ...)، أو يعمل على إحياء حركة متخيلة (رواية، قصة ...)، ولذلك من خصائصه تواتر الأفعال الدالة على الماضي أو على حاضر السرد، كما يتميز بالإلحاح على المؤشرات الزمانية والتركيز عليها.
أهم مؤشرات النمط السردي:
من أهم مؤشرات النمط السردي ما يلي:
ـ بروز عنصر الزمان والمكان الذي تجري فيه أحداث القصة أو الحكاية.
ـ بروز الشخصيات المؤثرة في أحداث النص القصصي سواء كانت رئيسيّة أو ثانوية.
ـ طغيان الفعل الماضي على الأحداث.
ـ الإكثار من الروابط المحددة للإطار الزماني والمكاني.
ـ غلبة الصور الوصفية التي تصور الأوضاع والشخصيات والأمكنة.
ـ بروز مساحات حوارية فالحوار عنصر أساس في السرد.
أهمية السرد
السرد أحد الوسائل التي من خلالها يمكن تقديم علاقة جديدة بنائية بدلا من العلاقات التقليدية في النص، ما يساعد على ترابط اﻷحداث الدرامية ونقلها بطريقة سلسة من المرسل إلى المستقبل، مما يساعد على تفعيل الشخصية وتنامي مساراتها المختلفة، ومنه تصل الصور الذهنية المتسقة مع الأحداث، واﻷزمنة، والشخوص، ضمن القالب التي بنيت فيه بشكل حقيقي، وتظهر أهميته فيما يأتي:
ـ عنصر روائي: يحقق الحياة في الحكايات القصص والأحداث التي يطرحها.
ـ يحقق التواصل ما بين السارد والمسرود له والمسرود عبر طرق السرد المختلفة.
ـ يشكل إضافة إيجابية على النقد اﻷدبي بصفة عامة، وعلى الرواية، والقصة بصفة خاصة.
ـ أداة يمكن من خلالها تحقيق جدارة العمل الأدبي، وإبداعه، وازدهاره، على خلاف الفنون اﻷدبية اﻷخرى التي تهمل عناصر السرد.
ـ يحقق التأثير على المتلقي بما يعكسه من جوانب الحياة.
ـ أداة أدبية تعالج مواقف وقضايا المجتمع المختلفة؛ السياسية، والثقافية، والنفسية، واﻻقتصادية، ممّا يساعد في رفع قيمة المستوى اﻷدبي للرواية وغيره.
ـ أداة تساعد على إظهار صفة، وسمة، وصدق صاحب الرواية، إذ إنه له دور فعّال في إظهار القيمة الفنية والمعرفية لموقف ووعي الكاتب.
ـ يساعد في تحقيق الشمولية، مما يساعد في رفع المستوى اللغوي، وزيادة القدرة التحكمية في العناصر اﻷدبية، مما ينتج عنه تعبير حقيقي عن الشخوص، واﻷحداث، واﻷزمنة
نماذج سردية:
أول النماذج السردية القصصية هو ما ورد في الذكر الحكيم من قصص عديدة معبرة كقصة سيدنا يوسف عليه السلام، قصة أمنا مريم عليها السلام، قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، قصة أصحاب الكهف...إلخ. وهي قصص معروفة في القرآن الكريم، ولعل المساحة والوقت لا يسمح بالتعامل معها لطولها.
نموذج نثري:
هذا النص عبارة عن مقطع من قصة معاذة العنبرية أوردها الجاحظ:
"قَالَ شَيْخٌ مِن البخلاء: لمْ أرَ فِي وَضْعِ الأمورِ مَوَاضِعهَا، وفِي توْفِيَتِهَا غَايَةَ حقوقِهَا كَمعَاذَة العَنْبرِيَّة، قَالوا وَمَا شَأن معاذة هذِهِ؟ قَالَ: أهْدَى إليْهَا -العَام-ابن عَمٍّ لهَا أضْحِيَة فرأيْتها كَئِيبة حَزِينة مفكرة مطْرقَة، فقلْت لها: ما بِكِ يا معَاذة؟ قَال تْ:" أنَا امرأة أرْمَلةٌ، وَليْسَ لِي قيمٌ، (أي زوج يقوم بأمرها) ولاَ عَهْدَ لِي بتدْبِير لحْمِ الأضَاحي، وَقَدْ ذَهَبَ الّذِين كَانوا يدبرونه وَيَقومون بحقهِ، وَقَدْ خِفْت أنْ يَضِيع بَعْض هَذِهِ الشّاة، ولَسْت أعْرِف وَضْعَ جَميع أجزائها فِي أمَاكِنِها، وَقَدْ عَلمْت أنَّ الله لمْ يَخْلق فِيهَا ولاَ في غَيْرها شيئا لاَ مَنْفعَةَ فِيهِ، وَلكِنّ المَرء يعْجَز لاَ مَحالةَ وَلسْت أخَاف مِنْ تضْييعِ القَليل، إلاَّ أنّه يَجرُّ تضْييع الكَثير".
استخرج مؤشرات النمط السردي في النموذج السابق.