الرواية العربية المعاصرة : نشأتها وتطورها
الرواية العربية المعاصرة نشأتها وتطورها
تعريف الرواية
تعد الرواية في الأدب العربي الحديث والمعاصر الفن الأدبي الأقدر على التعبير عن هموم الإنسان المعاصر ومعالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المركبة والمعقدة، فهي عبارة عن شكل أدبي سردي يحيكه، راو وهي بذلك تختلف عن المسرحية التي تحكى قصتها من خلال أفعال وأقوال الشخصيات. تُعتبر الرواية اليوم من أبرز أشكال الأدب وأكثرها انتشارا.
مراحل نشأة الرواية العربية الحديثة والمعاصرة
.التأسيس : مع نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين تزايد اهتمام وانكباب المجتمع على السرديات الجديدة وخاصة منها نوع الرواية، وهذا بعد حركة الترجمة الكبيرة وكذا ظهور مجلات متخصصة في الحديث عن السرد بالرغم ما يقال عن نوعيتها لكنها تبقى رائدة في هذا المجال منها : مجلة الهلال لجرجي زيدان سنة 1892 ،ومجلة المقتطف، ومجلة المنار وقد اهتمت هذه المجلات خاصة بالرواية نشرا ونقدا.
وتعود الريادة في السرد العربي إلى أولى الروايات التي ظهرت في دول الشام ، وأهم هؤلاء الروائي : سليم البستاني، و وجورجي زيدان ، وفرنسيس مراش ، وتؤكد المصادر أن خليل الخوري هو أول من نشر رواية متكاملة في مجلته " حديقة الأخبار " في بيروت عام 1859 وهي بعنوان " وي ، إذن نست بإفرنجي " ، ثم تظهر رواية " غابة الحق " لمراش عام 1865 تم تأتي سلسلة روايات سليم البستاني التي نشرها بداية من عام 1870 في مجلته " الجنان " ومنها الهيام في جنة الشام " في عام 1870 ، وزنوبيا في عام 1871 وغيرها .
لم تظهر أعمال فرح أنطوان ونقولا حداد ، وبعدها تظهر الأعمال التاريخية لجورجي زيدان.عام 1914 ، وتميزت الروايات السابقة الذكر بقصص الحب والمغامرة والأحداث التاريخية والتركيز على ثنائية الخير والشر، والفوز بالمرأة التي يريدها البطل، والنهاية التي تتم بالقضاء على خصوم الشر، ويرى الدارسون أن هذا كان نتيجة لتأثرهم بالروايات التي كانت تعتمد الخط الرومانسي.
رغم كل هذا الكم السابق من الروايات التي ظهرت في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20العشرين إلا أن غالبية النقاد يجعل الريادة في ظهور أول نص سردي عربي مكتمل الجنس لرواية محمد حسين هيكل التي ظهرت سنة 1912، وهي رواية "زينب ".
رواية زينب الريادة الفنية: تعتبر رواية " زينب " أول قصة تعبر عن الواقع المصري والتغيرات التي طرأت على مجتمعه في فترة ما بعد التغريب والاحتكاك بالآخر وقيام نهضة اجتماعية بدأت بالتعليم المدني ثم تعليم المرأة، فقفزت هذه الرواية من أشكال التعريب التي تحاول التكيف مع السياقات الثقافية للمجتمع إلى خلق قصة خالصة من الواقع المصري ضمن جنس الرواية . فبينت هذه الرواية بروز الطبقة الوسطى في المجتمع المصري، وهي الطبقة المتعلمة التواقة إلى الحرية التي تنبذ أفكار العبودية والخضوع وتستخدم العقل كأداة لتحرير الذات وغيرها.
تروي رواية زينب قصة فتاة ريفية وهي زينب تقع في حب حامد الرجل الثري المتعلم لكنها تفشل في هذه العالقة بسبب تردد حامد وسلبيته رغم حبه لها. فيقع حامد في صراع ذاتي بين وجدانه وعقله وبين احترام الفوارق الاجتماعية التي تفرضها سيطرة الفوارق الطبقية في المجتمع المصري. أما على مستوى النقد، فتنتقد هذه الرواية بكون صاحبها متأثر بالرواية الرومانسية الغربية وبكتابات إيميل زوال خاصة
. محاولات بعد رواية زينب: ظهرت بعد رواية زينب روايات أخرى ذات طابع الاعترافات والسيرة الذاتية لتأثرها برواية زينب لأن البعض يرى أن رواية زينب قصة حقيقية للكاتب، ومن هذه الروايات: الجزء الأول من " الأيام " لطه حسين عام 1929 ، ثم الجزء الثاني عام 1939 ، وأديب عام 1935. وتقترب هذه الأعمال لطه حسين من النص الروائي لكنها تجمع بين التقرير المقالي وبين الرصد التسجيلي.
في سنة 1931 ظهرت رواية إبراهيم المازني " إبراهيم الكاتب " واتصفت هي الأخرى بالترجمة الذاتية والوصف التسجيلي كما امتارت بالرومانسية من خلال إنسان عزل نفسه عن الواقع وعاش أحلامه وهواجسه. كما ظهرت رواية سارة " لعباس محمود العقاد. التي تروي أحداث بطالين يعيشان عالما مجردا بعيدا عن الواقع فتحولت الرواية إلى شكل صياغة تقريرية فاتصفت رواية المازني بالواقعية أكثر من رواية العقاد.
ثم تأتي بعدها ثلاثية توفيق الحكيم التي شكلت نضجا فنيا نوعيا ابتعد فيه قليلا عن الترجمة الذاتية والتقريرية وهي "عودة الروح " سنة 1933 ، ويوميات نائب في الأرياف " عام 1937 ، و " عصفور من الشرق " عام1938. تم قدم توفيق الحكيم في رواية "عودة الروح" تصوره عن مصر الجديدة الواثقة نحو مستقبل متحضر من خلال أسرة متوسطة الحال تعيش في بيت متواضع في القاهرة وتطمع إلى تحسين أحوالها، أما في "يوميات نائب في الأرياف" فقد حاول لفت النظر نحو الجهل الذي يسود عقلية الأشخاص في الريف من خلال النائب الذي يرصد تصرفاتهم ويصفها. وفي رواية عصفور من الشرق يحاول توفيق الحكيم تقديم نظرة حول العالقة بين الشرق والغرب من خلال شخصيات روائية محتفلة.
. خلاصة لما سبق ذكره، يقسم السعيد الورقي مراحل نشأة الرواية العربية إلى ثلاث مراحل وهي ـ ـ ـ المحاولات التجريبية في التأليف والتعريب والترجمة.
ـ البدايات الرائدة، والتي ضمت قصص التعليم والتسلية المتمثلة في المقامات والقصص التاريخي الذي وقف بين التعليم والتسلية والقصة الفنية، ثم البدايات الفنية التي ترددت بين الترجمة الذاتية وبين التسجيل المقترب من الأرضية الاجتماعية
. أما المرحلة الثالثة فهي الرواية الاجتماعية بداية برواية زينب وما وبعد هذه المرحلة بدأت الرواية العربية في التنويع على اتجاهات خاضعة لعدة اعتبارات منها ما هو فكري، ومنها ما هو فني ومنها ما هو اجتماعي وسياسي، ومن أهم هذه الاتجاهات الاتجاه التاريخي والذي صير مع مرحلة " تأسيس للرواية العربية، والاتجاه الواقعي، والاتجاه الوجودي، والاتجاه النفسي
الرواية العربية المكتوبة باللغة الفرنسية:
حفل الأدب الجزائري بالرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، ولكنها عربية جزائرية في روحها ومضمونها ومنها: نجمة لكاتب ياسين، وثلاثية محمد ديب (الدار الكبيرة، الحريق، النول) و(، التلميذ والدرس، ورصيف الأزهار لا يجيب،) لمالك حداد. و(شخصية الأخضر بن طوبا) لآسيا جبار) و (ابن الفقير) لمولود فرعون.
خصائص الرواية العربية المعاصرة
ـ التركيز على الهمّ الإنساني والاجتماعي.
ـ اعتماد أساليب سردية حديثة (تيار الوعي، تعدد الرواة.
ـ تنوع الموضوعات بين التاريخ والسياسة والمرأة والغربة.
ـ التفاعل مع القضايا العربية: مثل القضية الفلسطينية، الهجرة، الحروب، القمع.
المصادر والمراجع:
ـ السعيد الوررقي، اتجاهات الرواية العربية المعاصرة، دار المعرف، الإسكندرية، مصر، 2014.
ـ محمد حسين هيكل، رواية زينب، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط44،
ـ عباس محمود العقاد، سارة، نهضة مصر للباعة والنشر والتوزيع، ط4، 2006.
ـ عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية الحديثة، دار النعارف، مصر، 1976، 1976.
ـ محمد عبد المنعم خفاجي، دراسات في الـدب الحديث ومدارسه، ج1، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992.