من منظور النظرية الاجتماعية الأدب –تأليفا وقراءة- ليس هروبا من الواقع وليس هدفه تحقيق المتعة الآنية، بل هو تجربة تشمل الأنساق الثقافية والاجتماعية والإنسانية، والبحث في العلاقة بين الأدب والبيئة يقتضي البحث في جزئيات تكوين كل طرف الأدب بمكوناته اللغوية وتقنياته الجمالية، والبيئة بمستوياتها المختلفة.

       ومن ثم فالاقتراب النظري لطرح إشكالية العلاقة بين البيئة الاجتماعية والفن بشكل عام والأدب بوجه خاص، يفترض جملة من المعطيات حول طبيعة وخصوصية كل طرف، والتي لا تعدو سوى أن تكون سبيلا لتحديد مجالات التأثر المتبادل والإسهام في التغيير المرتبط بالذات الإنسانية المتفاعلة مع الوسط الطبيعي والبيئي، ونتيجة لقيم روحية وفكرية وأنماط ثقافية تشير بالضرورة للتجانس المتميز بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي العام.

      توالت المحطات واختلفت في الاهتمام بالعلاقة القائمة بين البيئة الاجتماعية والأدب، ومن بين أوائل المهتمين بهذه الإشكالية نجد ابن خلدون الذي يربط المؤسسة الأدبية بالمؤسسة الاجتماعية في إطارها التاريخي، وقد تأخر البحث في هذه الإشكالية بعده بأربعة قرون كاملة ليظهر بشكل جديد في أوروبا وتحديدا في إيطاليا مع جان باتيست فيكو giambattista vico       صاحب كتاب مبادئ العلم الجديد 1725م وهذا نتيجة اكتساح العلمنة ساحة الفكر وسقوط الميتافيزيقا وتولي الحداثة هيكلة المجتمعات.

     فيكو يوضح العلاقة التناظرية بين الأشكال الأدبية والمراحل الحضارية إذ يشير إلى دور الإنسان في خلق عالمه الاجتماعي وعلاقته ومؤسساته، ومن ثم فنونه الإبداعية. فالوعي الإنساني يتغير نحو التطور من فترة لأخرى ومن ثم يؤثر على البنى المؤسسة للبيئة الاجتماعية والتي ترتسم بدورها أشكالا أدبية.

      وكلما اعتبرنا الأعمال الأدبية تعبيرا عن الواقع الخارجي كان ذلك مدخلا لربطها بتفاعلات المجتمع في أبنيته ونظمه وتحولاته، باعتبار هذا المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية والفنية. ونظرة جان باتيست فيكو التي تقول بالعلاقة التناظرية بين الشكل الأدبي والمرحلة الحضارية، تتناسب مع التوجهات السائدة بداية القرن الثامن عشر، حيث كانت المجتمعات الفلاحية قليلة العدد أميل إلى الحكاية التعليمية التقليدية المشبعة بالنصائح المتداولة مشافهة، بينما نشأت الدراما مع ظهور المدينة الدولة، الذي مكن من تجميع الجمهور المشاهدين ومن ثم توافرت كل المدن الإغريقية على مسارح خاصة بها. فكل مرحلة حضارية تتميز بشكل أدبي يستجيب للنزعات والسلوكيات التي تتبناها فئة اجتماعية معينة.

Modifié le: jeudi 23 novembre 2023, 18:38