علاقة الأدب بالمجتمع
تمهيد:
الأدب لا يقول ما يعنيه مباشرة وإنما ترتكز لغته على الإيحاء وهذا ما يفتح باب التأويلات المتعددة وبالتالي تتعدد المناهج التي تقاربه، فقد ظلت النصوص الأدبية ردحا من الزمن تدرس من جوانبها الخارجية وفق مناهج تهتم بظروف انتاج النص الأدبي وملابساته، وفق منطلقات العلوم الإنسانية إذ ظلت تتقاذف بين علم النفس وعلم التاريخ وعلم الاجتماع، إلى أن جاءت لسانيات دي سوسير فركزت على دراسة مادته دراسة علمية وصفية نسقية وتبعتها في ذلك مناهج تهتم بدراسة النصوص الادبية داخليا انطلاقا من لغتها، في خضم كل هذا جاءت سوسيولوجيا النص الأدبي سعيا منها لتدارك بعض المطبات التي شملتها دراسة النص من الوجهة الاجتماعية وانطلقت من كون البيانات اللغوية تحمل صورة البيانات الاجتماعية ولا يمكن الفصل بين الأدب والمجتمع.
تداخل الأدب والمجتمع:
إن إدراك الترابط الوثيق بين الأدب والمجتمع يعود إلى العصور القديمة ، أي منذ بدأ الإنسان يكتب الأدب ويعبر عن أفكاره وواقعه الاجتماعي بصورة تخييلية، ولعلنا نجد في نظرية المحاكاة التي نادى بها أفلاطون وطورها تلميذه آرسطو أقدم وثيقة فيما وصل إلينا تشير إلى التفاعل بين الأدب والمجتمع.
فوظيفة الأدب في فلسفة المحاكاة الأفلاطونية ذات غاية نفعية تتمثل في تبيان أثر الأدب على السلوك الإنساني، وهي الفكرة التي طورها آرسطو عندما اعتبر الأدب ليس فقط محاكاة لما هو موجود في الطبيعة بل إكمال لما يعتريها من نقص.
هناك صلة وطيدة ومستمرة ووشائج لا تنقطع بين الأدب والمجتمع فالأديب الذي ينتج العمل الأدبي هو عنصر من مجتمع معين يأتي مشحونا بصبغة وخصائص هذا المجتمع، وهو لا يكتب لنفسه بل لمتلقي مفرتض هو الآخر من المجتمع وعملية كتابة العمل الأدبي وتلقيه وتداوله تتم في إطار المجتمع بأنساقه وفعالياته وإيديولوجياته. ونظرا لما بين الأدب والمجتمع من تداخل وعلاقات خصص علم الاجتماع فرعا من فروعه لدراسة الأدب سمي علم اجتماع الأدب.
علم اجتماع الأدب:
هو علم يدرس الظاهرة الأدبية كظاهرة اجتماعية، باعتبار المجتمع هو مصدر الأعمال الأدبية منه يستقي موضوعاته فهو ليس انتاجا فرديا وإنما هو تعبير عن تجربة جماعية ترتبط في تشكيلها الجمالي بالفضاء الفكري والحياتي والاجتماعي. "فمجال علم الاجتماع مؤشرات الأحداث المتداخلة بين جميع الأفراد الذين يسهمون في الحياة الأدبية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فغايته الحياة الأدبية وليس الأدب"[1]
والمجتمع في كل الأحوال يلقي بظلاله على سيرورة العملية الابداعية ويوجه مساراتها الممكنة فالعمل الأدبي هو محصلة لتداخل عوامل مجتمعية يحضر فيها النفسي والتاريخي والاجتماعي، كما أن هناك علاقة وطيدة بين نشأة الأجناس الأدبية وتطورها وبين المجتمع وتطوره لأن الكتابة جزء من المؤسسة الاجتماعية والسياسية تتطور بتطورها وتركد بركودها، إذن فالعلاقة بين الأدب والمجتمع هي علاقة تأثر وتأثير.
[1] - مناهج النقد الأدبي، إنريك أندرسون إمبرت، ترجمة: الطاهر أحمد مكي، مكتة الأداب، القاهرة، 199ص24.