المحاضرة الخامسة: العلة النحوية في الإعراب والحركات الإعرابية

 

العلة النحوية للإعراب:

الاعتراض في علّة الإعراب:

الإعراب لغة هو الإبانة والإيضاح، أعرب عن لسانه، وأفصح ويقال للرجل إذا أفصح بالكلام: أعرب، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: الثيّب تعرب عن نفسها؛ أي تفصح.[i]

العلّة في الإعراب:

        يكاد جمهور النحاة يتّفقون على أنّ العلّة التي من أجلها دخلت حركات الإعراب على الكلام هي للفرق بين المعاني النحوية المختلفة كالفاعلية والمفعولية والإضافة وغيرها[ii]، لذلك نجد "ابن جني" يوضح الإعراب بأنه "الإبانة" عن المعاني بالألفاظ ، ألا ترى أنك إذا سمعت، أكرم سعيد أباه، وشكر سعيدا أبوه، علمت بر فع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول، ولو كان الكلام نوعا واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه، ويقرر "ابن فارس" بأن الإعراب "هو الفارق بين المعاني، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: (ما أحسن زيد) لم يفرّق بين التّعجّب والاستفهام والنفي إلا بالإعراب"[iii]، وفي السياق نفسه يقرر الزجاجي بأن الأسماء لما كانت تعتريها المعاني المختلفة، فتكون فاعل

لماذا سمي الإعراب إعرابا: فيه ثلاثة أوجه:

1/ لأنه يبيّن المعاني؛

2/ لأنه تغيير يلحق أواخر الكلم: مثال: أعربت الكلام أي أزلت عربه أزلت فساد الكلام – أعربت المعجم أزلت؛

3/ لأنه يتحبّب للسامع مثل: امرأة عروب أي متحبّبة إلى زوجها، عربا أترابا متحبّبات إلى أزواجهن.

الإعراب في اللغة معناه الإظهار والإبانة عكس الإخفاء.

أنواع الإعراب:

1/ الرّفع:

* الاسم زيد مجتهد

* الفعل: يذاهب زيد

2/ النصب:

* إنّ زيد مجتهد

الفعل: لن يذهب زيد

3/ الجرّ:

* مررت بزيد (الاسم مختص بالأسماء ولا يدخل على الأفعال

4/ الجزم:

* لم يذهب زيد، مختص بالأفعال ولا يدخل على الأسماء

* العلّة: الفعل ثقيل والاسم خفيف والكسر ثقيل يدخل على الخفيف.

* الجر ثقيل والجزم خفيف

* الاسم خفيف يدل على الحدث، أعطوا الثقيل للخفيف.

والرّفع والنصب أجعلن إعرابا         لاسم وفعل نحو لن أهابا

والاسم قد خصص بالجر كما        قد خصص الفعل بأن ينجز ما

علامات الإعراب:

1/ الأصلية: الضمة للرفع: زيد مجتهد، أصل

الكسرة للجر

السكون للجزم أصلية

الفتحة للنصب

2/ فرعية: أبواب الإعراب بالنيابة:

الأسماء الستة، الأفعال الخمسة، الفعل المضارع المعتل الآخر

المثنى، جمع المذكر السالم، جمع مؤنث سالم، الممنوع من الصرف ومفعوله، ومضافة، ومضافا إليها، ولم تكن من صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني بل كانت مشتركة، جعلت حركات الإعراب فيها تبنى على هذه المعاني.

 

[iv]

ومن ذلك نستنتج أنّ العلّة التي من أجلها دخلت حركات الإعراب على أواخر الكلام هي علّة (أمن للبس)، للتفريق بين للمعاني النحوية المختلفة، كالفاعلية والمفعولية والإضافة وغيرها.

رأي قطرب: وفي الوقت الذي يصرّ فيه النّحاة على أن يكون للحركات الإعرابية هذا الدور الفارق بين المعاني النحوية المختلفة، ينكر "قطرب" أن يكون لها مثل هذا الدور في دلالتها على المعاني النحوية المختلفة، ويرى أنّ هذه الحركات إنما دخلت على أواخر الكلمات لوصل الكلام عند الإدراج، ليكون التحريك بدلا من التّسكين، لأن التحريك يساعد المتكلّم على وصل الكلام بعضه ببعض، بحيث يتمكن من إدراج الكلام بسرعة، لأن تسكين أواخر الكلام يجعل الحديث بطيئا متقطعا، يقول "قطرب": إنما أعربت العرب كلاهما لأن الاسم في حالة الوقف يلزمه السكون للوقوف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضا لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل، وكانوا يبطئون عند الإدراج فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام.[v]

الاعتراض على رأي "قطرب":

        لم يرتض النحاة ما ذهب إليه "قطرب"، وضعف مذهبه واعترض عليه من عدة وجوه:  أولها: لو كان الغرض من الحركات هو وصل الكلام عند الإدراج لجاز خفض الفاعل مرة ورفعه أخرى ونصبه، وجاز نصب المضاف إليه.[vi]

ثانيها: إن السكون أخف عليهم من الحركة، لذلك كان المبني والمجزوم ساكنين.[vii]

ثالثها: لو كان الغرض من التحريك لوصل الكلام عند الإدراج لكان المتكلم في خيار أن يتحرك متى يشاء وأن يسكن متى يشاء.[viii]

رابعها: إنّ الاختلاف في الإعراب مع اتّفاق المعنى وعكسه شيء عارض جاز لضرب من التشبيه بالأصول.[ix]

رأي المحدثين:

1- إبراهيم أنيس:  

تبنّى "إبراهيم أنيس" من المحدثين ما ذهب إليه "قطرب" ونفى أن يكون للإعراب دلالة على المعاني النحوية بقوله: "لم تكن تلك الحركات الإعرابية تحدّد المعاني في أذهان العرب القدماء كما يزعم النحاة، بل لا تعدو أن تكون حركات يحتاج إليها في كثير من الأحيان لوصل الكلمات بعضها ببعض.[x]

فعلّة دخول الحركات على أواخر الكلمات عند "أنيس" علّة صوتية تتمثل في تسهيل نطق الكلمات عند الإدراج، وفي بعض الأحيان تتمثل في كونها للتخلّص من التقاء الساكنين، يقول "أنيس": والظاهر من أقوال النحاة أنّ التخلص من التقاء الساكنين كان شائعا بين جميع القبائل، والتخلص من التقاء الساكنين إنما يكون بالكسر أحيانا وبالضم أحيانا وبالفتح أحيانا، ولكنهم قصروا أمره على تلك الكلمات التي لا يعقل أن تتسبّب لها الفاعلية أو المفعولية ونحو ذلك.[xi]

2- فؤاد ترزي:

        يتابع "أنيسا" من المحدثين أيضا "فؤاد ترزي"؛ إذ يقول: "فإننا نعتقد بأنها إنما وجدت في الأصل لغرض لفظي هو تيسير ارتباط الألفاظ بعضها ببعض، ولكنها استغلّت من النّحاة فيما بعد لأغراض معنويّة في محاولة منهم لتقرير حركة واحدة للوضع الواحد".[xii]

اعتراض إبراهيم السامرائي على إبراهيم أنيس:            

        إنّ ما ذهب إليه أنيس ومن تابعه من المحدثين في ادّعائهم لعدم أصالة الإعراب، ودلالته على المعاني ردّه "إبراهيم السامرائي" بأن: "العربية كانت معربة منذ أقدم العصور والنصوص شاهدة على ذلكن وقد كان هذا الإعراب سهلا على الألسنة، ثم ثقل وصعب في حين فسدت الطبائع العربية وفشا اللحن".[xiii]

اعتراض داود عبيدة:

        أما ادّعاؤهم بأنّ حركات الإعراب تتمثل في كونها للتخلّص من التقاء الساكنين، فقد ردّه "داود عبده" من المحدثين بأنه ليس كل حركة إعراب أو بناء في اللغة هي للتخلّص من التقاء الساكنين، بل إنه في بعض الأحيان يتم بحذف حرف العلّة أو كما يقال في علم الأصوات تقصير المدّ الطويل في مثل: لم يبع، ولم يقل، ولم يزل، فالتخلص من الساكنين بين الكلمتين المتجاورتين ظاهرة جزئية في اللغة، فلا يمكن تعليل وجود الحركات في أساليب اللغة على طريقة التخلص من الساكنين.[xiv]

في الحقيقة أنّ ما ذهب إليه "قطرب" ومن تابعه من المحدثين في ادّعائهم أنّ حركات الإعراب لم تحدّد المعاني في أذهان العرب فيه وجهة نظر من خلال أمثلة كثيرة رويت عن العرب تدل دلالة واضحة على أصالة الإعراب، ودلالته على المعاني المختلفة، وفي الوقت نفسه لا ننكر أنّ لها مثل هذه الوظيفة الصوتية، ويؤيد ذلك ما جاء في كتاب "سيبويه" على لسان "الخليل" من "إنّ الفتحة والكسرة والضمة زوائد وهن يلحقن الحرف ليوصل إلى التكلّم به".[xv]

 

                                                                     



[i] - ابن منظور، لسان العرب، مادة (عرب).

[ii] - انظر: ابن جني، الخصائص/ 1/ 35، والوراق، علل النحو، ص 42، والسيرافي، شرح كتاب والعكبري أبو البقاء عبد الله بن الحسين، (ت 616ه)، اللباب في علل البناء والإعراب، تح: عبد الإلهالفكر المعاصر، بيروت، لبنان،، دار الفكر، دمشق، سورية، ط 01، 1416ه- 1995م، ص 52

مذاهب النحويين، ص 156.

[iii] - ابن فارس أحمد الصاحبي، في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، مكتبة المعارف، بيروت، ط 01، 1414ه- 1993م، ص 65- 66.

[iv] - الزجاجي، الإيضاح في علل النحو، ص 69.

[v] - نفسه، ص 70- 71.

[vi] - انظر: نفسه، ص 71.

[vii] - انظر العكبري، اللباب في علل البناء والإعراب، 1/ 56.

[viii] - انظر نفسه، 1/56.

[ix] - انظر: العكبري، اللباب في البناء والإعراب، 1/ 57.

[x] - أنيس إبراهيم، من أسرار العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 06، 1978، ص 237.

[xi] - انظر: نفسه، ص 252- 253.

[xii] - ترزي فؤاد حنا، في أصول اللغة والنحو، دار الكتب، بيروت، ص 187.

[xiii] - السامرائي إبراهيم، فقه اللغة المقارن، دار العلم للملايين، بيروت، ط 03، ص 121.

[xiv] - انظر: عبده، أبحاث في اللغة العربية، ص 97 وما بعدها.

[xv] - سيبويه، الكتاب، 4/ 241- 242.

Last modified: Thursday, 30 January 2025, 1:48 PM