المحاضرة الثالثة: أقسام العلل النحوية:

انواع العلل

ذكر لها الزجاجي في كتاب ( الإيضاح في علل النحو) على ثلاثة  أنواع، هي:

1.   العلل التعليمية: وهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب

2.   العلل القياسية : وهي الأجوبة الثانية في أحكام الإعراب والبناء , وتسمى أيضا بعلة العلة , وهي ما يسميها الدينوري  بالعلة الحِكْمية , وكأنها علل تظهر حكمة العرب , عن طريق كشف صحة أغراضهم
ويرى ابن جني أن تسمية هذا النوع من العلل بعلة العلة ضرب من التجوز في اللفظ فأما الحقيقة ـ كما يقول ـ فإنه شرح وتفسير وتتميم للعلة .

3.   العلل الجدلية النظرية:وهي الأجوبة الثالثة في أحكام البناء والإعراب , وتسمى أيضا بعلة علة العلة .
مثال في قولنا "ظهر الحق " نقول لماذا ارتفع " الحق " ؟ الجواب : لأنه فاعل ( علة أولى أى : تعليمية ) ولماذا ارتفع الفاعل ؟ للإسناد ( علة ثانية أي : قياسية ) ولما ذا صار ما أسند إليه الفعل مرفوعا ؟ لأن صاحب الحدث أقوى الأسماء والضمة أقوى الحركات فجعل الأقوى للأقوى  علة ثالثة أي : جدلية.

وقد أنكر ابن مضاء على النحاة اعتلالهم بالعلل الثواني والثوالث ودعى إلى حذفها من النحو العربي لأنه يرى أن فيها تعقيدا للنحو ولا يرى لها قيمة إلا أنها تفيدنا في بعض المواضع أن العرب أمة حكيمة

 وعند النظر في تقسيم العلل نجد اختلافا كبيرا في ذلك, ومرد هذا الاختلاف إلى الاعتبار الذي قسم من خلاله العلماء هذه العلل, فالزجاجي اعتبر بأسلوب العلل في تقسيمه السابق , بينما نجد ابن جني يعقد بابا في الخصائص يفرق فيه بين نوعين من العلل, ألا وهي العلل الموجبة : وهي التي تبنى على الإيجاب كأن يكون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا , فعلل هذه , الداعية إليها موجبة لها , غير مقتصر بها على تجويزها أما النوع الثاني فهو : العلل المجوزة : وهي التي تبنى على سبب يكون الحكم فيه جائزا لا واجبا , مثل أن تقع النكرة بعد المعرفة التي يتم الكلام بها , وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى , فأنت مخير بين جعلها صفة أو حالا فتقول : مررت بزيد رجلٍ صالح أو رجلاً صالحا .

وهذا التقسيم عنده باعتبار الحكم في العلة , وإذا انتقلنا إلى السيوطي في الاقترح  نجده يذكر تقسيمين آخرين للعلل فالأول باعتبار الشيوع , وذكر تحته قسمين : العلل المطردة : وهي التي تقاس على كلام العرب , وتنساق إلى قانون لغتهم , وجعل تحتها أكثر من أربعة وعشرين نوعا منها : علة سماع وعلة تشبيه وعلة توكيد وهي العلة التعليمية .والعلل الحِكْمية : وهي التي تظهر حكمة العرب , وتكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم .وهي العلل الثواني.

        والثاني : باعتبار طبيعة العلل , وتحته ثلاثة أقسام : العلة البسيطة : وهي التي يقع التعليل بها من وجه واحد , كالجوار والمشابهة. والعلة المركبة : وهي التي تفيد أكثر من علة في تعليل قياس ما , ويكون الحكم فيهابمجموع الأمرين , كالمنع من الصرف لعلتين.

        والعلة القاصرة : وهي التي يقتصر التعليل بها على مواضع معينة دون غيرها , كـ " عسى الغويرُ أبؤسا " حيث جرت عسى مجرى صار , ولم تعرف في غير هذا الموضع , وقد أنكر ابن جني هذه العلة وبين فسادها ـ فيما يراه ـ وعقد بابا لذلك في الخصائص .

3.خصائص العلل النحوية

نصل من الحصر السابق للعل التي استخدمها الرضي الأستراباذي في شرح الكافية إلى أن العلل التي وردت غزيرة متنوعة. كما أنها في معظمها تعالج ظواهر نحوية، وهي على هذا علل قريبة من علل الكلاميين، بل هي أقرب إلى هذه العلل من قربها إلى علل الفقهاء، حسب رأي ابن جني في علل النحويين. وربما كان اطلاع الرضي الأستراباذي على علم المنطق والكلام ترك أثراً في معالجاته النحوية ومنهجه فيها.

وهي كذلك تكرار وإعادة للعلل التي جاءت على ألسنة النحويين السابقين. ومنهم سيبويه    ( ت180هـ)، نحو قوله في باب (المنادى): " وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به، وناصبه الفعل المقدر. وأصله عنده: يا أدعو زيداً، فحذف الفعل حذفاً لازماً، لكثرة الاستعمال، لدلالة حرف النداء عليه، وإفادته فائدته

فالعلة التي أوردها هنا على لسان سيبويه هي كثرة الاستعمال، وقد علل بها حذف فعل النداء بعد أداة النداء. وكذلك نحو قوله في باب (المضمر):" قال سيبويه: عسى محمول على لعل لتقاربهما معنى، لأن معناهما الطمع ولإشفاق. تقول: عساك أن تفعل كذا، تحمله على لعل في اسمه فتنصبه به، ويبقى خبره مقترناً بأن

والعلة التي ساقها هنا على لسان سيبويه هي علة التقارب، وبها علل حمل عسى على لعل. ومنهم الفراء (ت 207 هـ)، نحو قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" وقال الفراء: لولا، هي الرافعة للاسم الذي بعدها لاختصاصها بالأسماء كسائر العوامل

فالعلة التي أوردها هنا على لسان الفراء النحوي الكوفي المذهب هي علة الاختصاص، وبها علل رفع الاسم الذي يقع بعد لولا. وكذلك نحو قوله في باب( المجرورات):" وأما الاسمان اللذان ليس في أحدهما زيادة فائدة كشحط النوى، وليث أسد، فالفراء يجيز إضافة أحدهما إلى الآخر للتخفيف".

والعلة في هذا القول على لسان الفراء هي علة التخفيف، وبها علل إضافة الاسمين اللذين ليس في أحدهما زيادة فائدة، أحدهما إلى الآخر. ومنهم الأخفش (ت 210هـ) في نحو قوله في باب (المضارع):" وقال الأخفش: إن الشرط مجزوم بالأداة، والجزاء مجزوم بالشرط وحده لضعف الأداة عن عملين والشرط طالب للجزاء، فلا يستغرب عمله فيه. وأجيب باستغراب عمل الفعل الجزم".

فالعلة التي أتى بها هنا على لسان الأخفش هي علة الضعف عن العمل عملين اثنين، وقد علل بها ما ذهب إليه من أن أداة الشرط تعمل في فعل الشرط دون أن يصل عملها إلى الجزاء.

ومنهم الأصمعي ( ت216 هـ)، قال في باب ( المنادى):" وقال الأصمعي: لا يوصف المنادى المضموم لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه، فارتفاع نحو: الظريف، في قولك: يا زيد الظريفُ، على تقدير: أنت الظريفُ، وانتصابه على تقدير: أعني الظريفَ، وليس بشيء، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.". والعلة المذكورة هنا هي علة الشبه، وبها علل عدم وصف المنادى المضموم.

ومنهم الجرمي ( ت 225 هـ)، وذلك في قوله في باب (الفاعل):" واعلم أنه قد يتنازع الفعلان المتعديان إلى ثلاثة خلافاً للجرمي، نحو: أعلمْتُ وأعلمني زيدٌ عمراً قائماً، على إعمال الثاني وحذف مفاعيل الأول. وأعلمني وأعلمته إيّاهُ إيّاهُ زيدٌ عمراً قائماً، على إعمال الأول وإضمار مفاعيل الثاني. والأوْلى أنْ يُقال: أعلمتُه ذلك، قصداً للاختصار، إذ مفعول علمت في الحقيقة كما ذكرنا هو مضمون المفعولين، فيكون ذلك إشارة إليه، وإنما منعه الجرمي لعدم السماع."

وظاهر هنا أنّ العلة التي أتى بها على لسان الجرمي هي علة عدم السماع.

ومنهم كذلك المازني ( ت 249هـ)، وذلك في قوله في باب  (المضمر) يتحدث عن ضمير الفصل:" وأجاز المازني وقوعه قبل المضارع لمشابهته للاسم وامتناع دخول اللام عليه، فشابه الاسم المعرفة، قال تعالي: " ومكرُ أولئكَ هو يبور"  ، قال: ولا يجوز: زيدٌ هو قال، لأنّ الماضي لا يشابه الأسماء حتى يقال فيه : كأنه اسم امتنع دخول اللام عليه. وهذا الذي قاله دعوى أيضاً بلا حجة، وقوله تعالى: "ومكرُ أولئكَ هو يبور" ليس بنص في كونه فصلاً لجواز كونه مبتدأ ما بعده خبره .".

فالعلة التي أتى بها هنا على لسان المازني هي المشابهة، وبها علل المازني جواز وقوع ضمير الفصل قبل الاسم. ومنهم الرّياشي ( ت 257هـ)، وذلك في قوله في باب ( المفعول له):" ويُعزى إلى الرياشي وجوب تنكير المفعول له لمشابهته للحال والتمييز. وبيت العجاج قاض عليه وكذا قول الشاعر:  وأغفرُ عَوراءَ الكريمِ ادّخارَهُ            وأُعرِضُ عنْ شتمِ اللئيمِ تكرما

والعلة  هي المشابهة كذلك، وبها علل وجوب تنكير المفعول له. ومنهم المبرّد ( ت 285 هـ) في نحو قوله في باب ( المضارع):" وهكذايقول: هو جزاء غير معمول فيه، وذلك الضعف عمل إنْ عن العمل في المتقدم عليها، فثبت أنها تنعزل عن جزم الجزاء بشيئين: بكون الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً. وبكون الجواب مقدماً. وهذا عند المبرد. ومنهم الزجاج ( ت311 هـ) في نحو قوله في باب ( الظروف) يتحدث عن (الآنَ): " ومنها الآنَ، قال الزجاج: بُني لتضمنه معنى الإشارة، إذا معناه هذا الوقت. وهذا مذهبه في بناء أمسِ، وفيه نظر، إذ جميع الأعلام هكذا متضمنة معنى الإشارة مع إعرابها".

وظاهر أنّ العلة هنا هي علة التضمن، وبها علل الزجاج بناء الآنَ. ومنهم السيرافي ( ت 368 هـ) في نحو قوله في باب (العامل):" وألف كلا بدل من الواو عند سيبويه لإبدال التاء منها في المؤنث، كما في أخت وبنت، ولم تُبدل التاء من الياء إلا في اثنتين. وقال السيرافي: هو بدل من الياء لسماع الإمالة فيه".

وأما العلة فهي علة السماع. ومنهم أبو علي الفارسي (ت 377هـ)، في نحو قوله في باب (الظروف) يتحدث عن بناء ( الآنَ):" بُني لتضمنه اللام كأمسِ، وأمّا اللام الظاهرة فزائدة، إذ شرط اللام المعرفة أن تدخل على النكرات فتعرفها، والآن لم يُسمع مجرداً عنها

وظاهر هنا أن العلة هي علة التضمن، وبها يعلل أبو علي بناء: الآنَ. ومنهم كذلك الأعلم الشنتمري (ت 476هـ)، وذلك في قوله في باب (العطف): " وأمّا المتأخّرون فإن الأعلم الشنتمري منع نحو: زيدٌ في الدارِ والحجرةِ عمروٌ، مع تقديم المجرور إلى جانب العطف. قال: لأنه ليس يستوي آخر الكلام وأوله، قال: فإذا قدمت في المعطوف عليه الخبر على المخبر عنه نحو: في الدارِ زيدٌ والحجرةِ عمرو، جاز لاستواء آخر الكلام وأوله في تقديم الخبرين على المخبر عنهما". وأما العلة فهي علة الاستواء. ومنهم الزمخشري ( ت 538 هـ) في قوله في باب (الاسم) :" قال جار الله: وإنما لم تسقط في عرفات، لأن التأنيث فيها ضعيف، لأن التاء فيها كانت لمحض التأنيث سقطت، والتاء فيه علامة لجمع المؤنث. وفيما قاله نظر".فالعلة هي الضعف، وبها علل الزمخشري عدم سقوط التنوين من عرفات.ومنهم الأندلسي ( ت661 هـ) في نحو قوله في باب (الموصول): ( قوله: عليه. أي: على المضمر المستحق لغيره قبل، وإن استغنى بضمير جاز الإخبار عن ضمير آخر وإن رجع إلى ذلك المبتدأ وذلك وكما في نحو: زيدٌ ضاربهُ أخوه هو، لفظ هو يرجع إلى زيد لأنه ضميره، وقد أخر، وزيد مذكور في الصدر فلا يكون في ذكر ضميره فائدة وليس ما قال بشيء. العلة هي علة عدم فائدة. ومنهم ابن عصفور (ت 663هـ) في قوله في باب ( خبر ما ولا المشبهتين بليس) يتحدث عن عمل (ما):" وقال ابن عصفور وتبعه العبدي: لا يبطل عملها إذا كان الخبر المتقدم ظرفاً أو جاراً ومجروراً لكثرة التوسع فيه كما تعمل إنّ وأخواتها" . فالعلة التي أوردها في هذا القول هي كثرة التوسع.

وقد أتى الرضي في شرحه للكافية ببعض العلل ينسبها إلى المذهب البصري عامة تارة، وتارة ينسبها إلى المذهب الكوفي عامة.

فمن العلل التي أتى بها ينسبها إلى البصريين قوله في باب (الفاعل) يتحدث عن التنازع في عمل الفعلين المجاورين في المعمول الذي بعدهما: "وإنما اختار البصريون إعمال الثاني لأنه أقرب إلى المطلوب، فالأوْلى أن يستبد به دون الأبعد."  فالعلة التي أتى بها هنا هي علة القرب .

ومن العلل التي جاء بها ينسبها إلى الكوفيين قوله في باب (الأمر):" قوله: وحكم آخره حكم المجزوم. قال الكوفيون: هو مجزوم بلام مقدرة كما في قول حسان في أمر الغائب:

محمدُ تفدِ نفسَك كلُّ نفسٍ      إذا ما خفتَ من أمرٍ تَبالا

قالوا حذف حرف المضارعة مع عدم اللام مطّرداً لكثرة استعماله بخلاف أمر الغائب، فإنه أقل استعمالاً منه وبقي مجزوماً بتلك اللام المقدرة

و العلة  هي كثرة الاستعمال. ولعله يتضح مما تقدم أن رضي الدين في إتيانه بعلل على ألسنة النحويين لم يقتصر على النحويين المتقدمين، وإنما امتد هذا المصدر في الأخذ من القرن الثاني الهجري إلى القرن السابع الهجري، العصر الذي عاش فيه الرضي. وربما دل هذا على ميل ذهن الرضي إلى التوسّع والاستقصاء في التحقيق والبحث، على أنه لم يكن متعصّباً لعصرٍ من دون عصر، ومع هذا قد لا تكفي مثل هذه الإشارات إلى القطع بهذه الأحكام ولكن لعلها مع الإشارات السابقة والقادمة تزيد من وضوح هذه الأحكام. وللرضي، إلى جانب ما تقدم، طريقة في التعليل اتبعها في كثير من المواضع. وهي أنه قد يعلل بالإحالة إلى موضع آخر، وربما حدد هذا الموضع وعين اسمه ، مثلما نرى في قوله في باب ( المبتدأ والخبر):" اعلم أنّ الفاء تدخل على خبر المبتدأ الواقع بعد أما وجوباً، نحو: أمّا زيدٌ فقائمٌ. ولا تحذف إلا لضرورة، كقوله: فأمّا القتالُ لا قتالَ لديكمُ

أو لإضمار القول، كقوله تعالى:" فأمّا الذينَ اسودّتْ وجوهُهُم أكفرتُم".أي: فيقال لهم: أكفرتم؟ وتجيء علة الإتيان بالفاء في خبر مثل المبتدأ في حـروف الشرط." وأحياناً لا يحدد الرضي هذا الموضع ولا يسميه، كما في قوله في باب (الضمر): "أعلم أنّه لا يستتر من المضمرات إلا المرفوع، لأنّ المنصوب والمجرور فضلة، لأنهما مفعولان والمرفوع فاعل وهو كجزء الفعل، فجوزوا في باب الضمائر المتصلة التي وضعها للاختصار استتار الفاعل، وخاصة الضمير المتصل كجزء الفعل، فاكتفوا بلفظ الفعل عنه كما يحذف في آخر الكلمة المشتهرة شيء، ويكون فيما أبقى دليل على ما ألقى كما مضى في الترخيم. وعلة استتاره فيما يستتر فيه قد مضت."

وكذلك نحو قوله في باب ( المضارع) يتحدث عن إعراب المضارع:" قوله: إعرابه رفع ونصب وجزم. قد مضى علة اختصاصه بالجزم. قوله في باب ( الكلام): " والمراد بالإسناد أن يخبر في الحال أو في الأصل بكلمة أو أكثر عن أخرى على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به وقولنا أو في الأصل ليشمل الإسناد الذي في الكلام الإنشائي، نحو: بعت وأنتَ حرّ، وفي الطلبي، نحو: هل أنت قائم؟ وليتك أو لعلك قائم، وكذا نحو: اضرب، لأنه مأخوذ من تضرب بالاتفاق. وقياسه لتضرب بزيادة حرف الطلب قياساً على سائر الجمل الطلبية، فخفف بخلاف اللام، وحذف حرف المضارعة لكثرة الاستعمال بدلالة قولك فيما لم يسم فاعله منه: لتضرب، وفي الغائب ليضرب، وفي المتكلم لأضرب ولنضرب لما قل استعمالها.." ففي هذا القول علل الرضي التخفيف والحذف بكثرة الاستعمال.

وعلله كلها جاءت موزعة على نوعين. الأول: هو ما يُسمّى بالعلل البسيطة، وهي التي تعلل ظاهرة واحدة من جهة واحدة، وهذا النوع من العلل هو الغالب في الشرح، ومثل ذلك قوله في باب ( غير المنصرف):" ثم نقول: منع الصرف في رحمن أولى، لأن الممنوع من الصرف مما هو على هذا الوزن وصفاً في كلام العرب أكثر من المصروف".

 ومنه نقول أن العلّة النّحوية قد لقيت عناية فائقة، فأفردت لها المؤلّفات والبحوث، وتوسعت دائرة الدّرس فيها وتشعبت، وقسمت إلى أقسام منها يمكن اختصارها كما يلي:

1-     تقسيم ابن السراج ت 316ه:

قسّم ابن السراج العلّة إلى: علّة وعلّة العلّة، يقول في مقدّمة كتابه الأصول في النحو(ج1، ص35):"واعتلالات النحويين على ضربين، ضرب منها هو المؤدّي إلى كلام العرب، كقولنا كلّ فاعل مرفوع، وضرب آخر يسمى علّة العلّة، مثل أن يقولوا: لمً صار الفاعل مرفوعا والمفعول به منصوبا ولم إذا تحرّكت الياء والواو كان ما قبلهما مفتوحا قلبتا ألف، وهذا ليس يكسبنا أن نتكلّم كما تكلّمت العرب، وإنما نستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها، وتبيّن بها فضل هذه اللّغة على غيرها من اللّغات"

·       غير أنّ ابن جني عقّب عليه أن هذا الذي سماه علّة العلة إنما هو شرح وتفسير وتتميم للعلّة.

2-     تقسيم الزّجاجي ت 337ه:

ورد في كتاب الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم الزجاجي قوله: "وعلل النحو بعد هذا على ثلاثة أضرب، علل تعليمية وعلل قياسية وعلل جدلية نظرية.

·         فأمّا التّعليمية: فهي التي يُتوصّل بها إلى تعلّم كلام العرب، لأنّا لم نسمع نحن ولا غيرنا كلّ كلامها منها لفظا وإنّما سمعنا بعضا فقسنا عليه نظيره، مثال ذلك أنا لما سمعنا (قام زيد فهو قائم) عرفنا اسم الفاعل فقلنا (ذهب فهو ذاهب) فمن هذا النوع من العلل قولنا إنّ زيدا قائم، فإن قيل بم نصبتم زيدا قلنا ب "إنّ"، لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر، لأنّا كذلك علمناه ونعلمه، فهذا وما أشبه من نوع التّعليم وبه ضبط كلام العرب.

·       وأما العلة القياسية فأن بقال لمن قال نصبت زيدا ب إنّ في قوله: إن زيدا قائم، لم وجب أن تنصب إنّ الاسم؟ فالجواب في ذلك أن يقال: "لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدّي إلى المفعول، فحملت عليه، فالمنصوب بها شبّه بالمفعول لفظا، والمرفوع بها شبّه بالفاعل لفظا فهي تشبه من الأفعال ما تقدّمه مفعوله عن فاعله نحو: ضرب أخاك محمد وأشبه ذلك.

·       وأمّا العلّة الجدليّة النّظرية فكلّ ما يعتلّ به في باب إنّ بعد هذا، مثل ما يقال فمن أيّ جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأيّ الأفعال شبهتموها أبالماضية أم بالمستقبلية؟ أم الحادثة في الحال؟...

3-     تقسيم ابن جني: قسّم ابن جني العلل إلى ضربين: أحدهما واجب لا بدّ منه، لأنّ النفس لا تطيق في معناه غيره، وهذا لاحق بعلل المتكلّمين كقلب الألف واوا للضمّة قبلها وياء للكسرة قبلها نحو: ضويرب وقراطيس، ومن ذلك امتناع الابتداء بالساكن.

والآخر ما يمكن تحمّله ( أي علة جواز) إلا أنّه تجشّم واستكراه له، كتصحيح واو بعد الكسرة وذلك بأن تقول في نحو تصغير عصفور عصيفور وعصافر، ولكن يكره عصفير...

أي أنّ العلل عند ابن جني علل موجِبة وعلل مجَوِّزة له يقول: "اعلم أنّ العلل عندنا مبناها على الإيجاب بها، كنصب الفضلة أو ما شابه في اللّفظ الفضلة، ورفع المبتدأ والخبر والفاعل، وضرب آخر يسمى علّة، وإنما هو في الحقيقة سبب يُجوِّز ولا يوجب".

4-     تقسيم الحُسين بن موسى الجليس:

وقسّم اعتلالات النحويين في كتابه (ثمار الصّناعة) على صنفين:

أحدهما علّة تطرّد على كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم، والثّاني علّة تظهر حكمتهم وتكشف عن صحّة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم.

وقد نقل عبد الرحمن السيوطي عن الحسين بن موسى الجليس أقسام العلل يقول: "هم للأولى أكثر استعمالا وأشدّ تداولا، وهي واسعة الشّعب، إلا أنّ مدار المشهور منها علة أربعة وعشرين نوعا، ونقل السيوطي شرحها عن التاج بن مكتوم ت749ه وهي:

1-     علّة سماع: كرفع الفاعل ونصب المفعول....

2-     علّة تشبيه: مثل رفع اسم كان تشبيها بالفاعل...

3-     علّة استغناء كاستغنائهم عن ودع ب ترك

4-     علة استثقال أو ثقل: كتقدير الضمّة في حالة الرّفع  في الاسم المنقوص مثلا...

5-     علّة فرق: كتجرّد خبر أفعال الشّروع مثل كاد وأنشأ من (أن)، وكثرة لحاقها خبر أفعال الرجاء كعسى وأوشك، فإنّ الشروع لا يجامع الاستقبال الذي تدلّ عليه أن، وكذلك فتح نون الجمع وكسر نون المثنى للفرق بينهما.

6-     علة توكيد: كقوله تعالى: " فدكتا دكّة واحدة" الحاقة الاية 14.

7-     علة تعويض أو عوض: مثل تنوين (جوارٍ) وهو تنوين العوض عن الياء المحذوفة في الرفع والجر.

8-     علّة نظير: ككسرهم أحد الساكنين إذا التقيا في الجزم.

9-     علّة الحمل على المعنى: مثل قوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه) فتذكير فعل الموعظة وهي مؤنثة حملا على المعنى لأن فيها معنى الوعظ.

10-علة نقيض: كنصبهم اسم لا النافية للجنس حملا على نصب انّ لاسمها، لان لا نقيضة إنّ، إنّ لتوكيد الاثبات ولا لتوكيد النفي.

11-علة مشاكلة: كتنوين (سلاسل) مع كونه صيغة منتهى الجموع في قوله تعالى: (سلاسلا وأغلالا) لمشاكلته لما بعده، والمشاكلة أن يذكر الشيء بغير لفظه لوقوعه في صحبته.

12-علة معادلة: وذلك مثل جرهم مالا ينصرف بالفتح حملا على النصب، ثم عادلوا بينهما، أي النصب والجر.

13-علة مجاورة: مثل جرّهم نعت المرفوع في قولهم: هذا جحر ضبّ خربٍ، لمجاورته للمجرور.

14- علة وجوب: كتعليلهم رفع الفاعل ونحوه.

15- علة جواز: وذلك مثل ما ذكروه في تعليل الإمالة.

16-علّة تغليب: كتغليبهم المذكّر عن المؤنث في قوله تعالى: "وكانت من القانتين" وأدرجها في جمع المذكر السالم.

17- علة اختصار: مثل الترخيم وهو حذف آخر المنادى مثل: يا سعا، أو حذف النون في يكن: لم يك.

18-علة تخفيف: مثل إدغام المتماثلين

19- علة أصل: مثل استحوذ في قوله تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان" من غير إعلال أي قلب الواو ألف لمجالستها الفتحة وذلك رجوعا إلى الأصل.

20- علة أوْلى كقولهم: إن الفاعل أولى برتبة التقديم من المفعول.

21- علة دلالة حال: كقولهم: المستهل(أي الذي يرى الهلال)، وكقولهم: الهلال أي هذا الهلال فحذف المبتدأ لدلالة الهلال عليه.

22- علة إشعار(إعلام): كقولهم مصطفى مثلا: مصطفون بفتح ما قبل الواو إشعارا بان المحذوف ألف.

23- علة تضاد: مثل قولهم في الأفعال التي يجوز حذفها مثل أفعال القلوب: متى تقدّمت على مفعوليها وتأكدت بالمصدر أو بضميره لم تُلْغ أصلا لما بين التأكيد والإلغاء من تضاد، فإن الإلغاء يقتضي الإهمال  والتأكيد خلافه، مثل قوله تعال: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) أي، أن الفعل لا يجاور الفعل بلا فاصل.

24-وهذه العلة وهي علة تحليل، ولم يشرحها ابن مكتوم.

 

 

آخر تعديل: الخميس، 30 يناير 2025، 11:23 AM