المحاضرة الأولى: العلل النحوية المفهوم و المصطلح
المحاضرة الأولى: العلل النحوية المفهوم و المصطلح
يعد التعليل النحوي بابا عظيما من ابواب النحو ظهر في القديم مع الخليل و سيبويه حيث يرجع المؤرخون البدايات الأولى لهذا العلم الى هذين العالمين. فالمتصفح لكتاب سيبويه يدركم أن الكتاب جاء مليئا بالتعليلات النحوية.
التعليل لغة:
مصدر علّل فهو : سقي بعد سقي، وجني الثمرة مرة بعد أخرى ... وتعلل بالأمر واعتل تشاغل ... وعلله بطعام وحديث ونحوهما شغله بهما. ([1]) والمعلِّل : اسم فاعل وهو دافع جابي الخراج بالعلل ومن يسقي مرة بعد أخرى ومن يجني الثمرة مرة بعد مرة يوم من أيام العجوز لأنه يعلل الناس بشيء من تخفيف البرد. والمعلل : اسم مفعول، وهو الذي يكون لوجوده سبب من الأسباب متقدم بالوجود عليه وبالكون قبله. ([2])
أ/ لغة: عَلَّ - بلام مشددة مفتوحة -: فعل متعدٍ و لازمٌ ، نقول فيهما : عَلَّ يَعُلّ – بضم العين وكسرها - و مصدرهما: عَلاًّ وعَلَلاً .
وأَعلَّهُ اللهُ : أي : أصابه بعلة .
والعلة : المرض ، عَلَّ واعتلّ ، أي مرض ، وصاحبها مُعتَلّ ، فهو عليل ، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً ، منعه عن شغله الأول .
وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلاً ، أي: لهّاه به ، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن ، والتعليل : سقيٌ بعد سقي ، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى ، والتعليل : تبيين عِلة الشيء ، وأيضاً ما يستدل به من العلة على المعلول ، وعَلَّلَ الشيءَ : بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل ، فهو مُعلَّل(1) .
قال الخطَّابي : (( والعُلالة مأخوذة من العَلّ ، وهو الشرب الثاني بعد الأول ، ومنه سُميت المرأة عَلّة ؛ وذلك أنها تَعُلّ بعد صاحبتها ، أي ينتقل الزوج إليها بعد الأخرى ))(2) .
وذكر ابن فارس في عل : ثلاثة أصول صحيحة :
(( أحدها : تكرار أو تكرير ، و الثاني : عائق يعوق ، و الثالث : ضعف في الشيء .
فالأول : العلل ، و هو الشربة الثانية ، و يقال : علل بعد نهل ، ويقال : أعل القوم ، إذا شربت إبلهم عللاً .
قال ابن الأعرابي في المثل : ما زيارتك إيانا إلا سوم عالة ، أي : مثل الإبل التي تعل . وإنَّما قيل هذا ؛ لأنها إذا كرر عليها الشرب ، كان أقل لشربها الثاني .
والثاني :العائق يعوق ، قال الخليل : العلة : حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، و يقال : اعتله كذا ، أي اعتاقه ، قال : فاعتله الدهر وللدهر علل .
والثالث : العلة المرض ، وصاحبها معتل ، قال ابن الأعرابي : عل المريض يعل ، فهو عليل ))(3)
وزاد صاحب كتاب : " العلة وأجناسها عند المحدّثين " معنى رابعاً ، هو التشاغل بالشيء والتلهي به ، ويمكن أنْ يضم تحت الأصل الثاني .
والمعل : اسم مفعول من أعله : أنزل به علة فهو مُعَلٌّ ، يقولون : لا أَعَلَّكَ اللهُ ، أي لا أصابك بعلة ، والحديث الذي اكْتُشِفَتْ فيه علةٌ قادحة هو مُعَلٌّ ؛ لأنَّه ظهر أنَّه مصاب بتلك العلة
وبهذا يتضح أنَّ أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدّثين هو المرض ؛ وذلك لأنَّ الحديث الذي ظاهره الصحة ، إذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة ، فإنَّ ذلك يمنع من الحكم بصحته .جاء في لسان العرب :" العلّ و العلل الشربة الثانية، يقال علل بعد نهل، و علّه يعلّه إذا سقاه السقية الثانية ... هذا علّة لهذا أي سبب"1 (لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، لبنان، مادة علل) وقد عرفها الشريف الجرجاني(816ه):" عبارة عن معنى يحل بالمحل بلا اختيار، ومنه يسمى المرض علة لأنه بحلوله يتغير حال الشخص من حال الى حال من القوة الى الضعف."2 فالعلة المرض بالكسر. فالفعل عَلَّ - بلام مشددة مفتوحة -: فعل متعدٍ و لازمٌ، نقول فيهما: عَلَّ يَعُلّ – بضم العين وكسرها - و مصدرهما: عَلاًّ وعَلَلاً .
وأَعلَّهُ اللهُ : أي : أصابه بعلّة .والعلة: المرض، عَلَّ واعتلّ، أي مرض، وصاحبها مُعتَلّ، فهو عليل ، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً ، منعه عن شغله الأول .
وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلاً ، أي: لهّاه به ، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن ، والتعليل : سقيٌ بعد سقي ، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى ، والتعليل : تبيين عِلة الشيء ، وأيضاً ما يستدل به من العلة على المعلول ، وعَلَّلَ الشيءَ : بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل ، فهو مُعلَّل.
والمعل : اسم مفعول من أعله : أنزل به علة فهو مُعَلٌّ ، يقولون : لا أَعَلَّكَ اللهُ ، أي لا أصابك بعلة ، والحديث الذي اكْتُشِفَتْ فيه علةٌ قادحة هو مُعَلٌّ ؛ لأنَّه ظهر أنَّه مصاب بتلك العلة
يدور معنى التّعليل في اللغة العربية حول فعل الشيء مرّة بعد أخرى، كما ورد في مادة (علَلَ) في (الصّحاح) ولسان العرب وغيرهما من المعاجم، فالعلَلُ هو الشّرب الثاني بعد النّهل، يقال علَلَ بعد نهَلَ، وعلَّل أي سقاه السقية الثّانية، والعِلّة: المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأنّ تلك العلّة صارت شغلا ثانيا منعه عن شغله الأوّل.
التعليل اصطلاحا:
التعليل والعلة عند النحويين :
يصلح تعريف بعض المحدثين للعلة النحوية أن يكون تعريفا للتعليل النحوي، فيعد الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ) من ألمع علماء العربية وأعمقهم غورا في اكتناه علل اللغة العربية، ومما ورد عنه أن العلل كانت من بنات أفكارهم ومن صنيعة كلامهم.
فقد ذكر الزجاجي([3]) (ت 337هـ): (أن الخليل بن أحمد رحمه الله سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له : عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست وإن تكن هناك علة له، فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء، عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها، قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، وبسبب كذا وكذا، وسنحت له وحظرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق بما ذكرته فليأت بها).([4])
أما العلة عند النحاة فهي عند الرماني([5]) ( ت 384هـ) : (تغيير المعلول عما كان عليه) وهي عند الجرجاني([6]) (ت 816هـ) : (ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجا مؤثرا فيه)، مما دفع بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن العرب لاحظت هذه العلل فاختارت وجها معينا من التعبير والصياغة في كلامها، فهي عند د. مازن المبارك (الوصف الذي يكون مظنة وجه الحكمة في اتخاذ الحكم).
وبناء على أن العلة هي الجامع بين المقيس (الفرع) والمقيس عليه (الأصــل)، عرفـــــها د. علي أبو المكارم بأنها : (السبب الذي تحقق في المقيس عليه فأوجب له حكما وتحقق في المقيس أيضا فألحق به فأخذ حكمه)، غير أن العلة ليست كالسبب على ما يراه ابن جني([7]) (ت 392هـ)، ذلك لأن العلة توجب الحكم، والسبب يجوز معه الحكم، فقد يرد على السبب مانع يؤدي إلى تحلف المسبب عنه ([8]). وبهذا يظهر (أن ما كان موجبا يسمى علة وما كان مجوزا يسمى سببا)([9]). ويرى د. تمام حسان : (أن الفرق بين العلة وجودا وعدما ولكنه لا يدور مع السبب). ([10])
ب/ تعريف العلة اصطلاحاً :
عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله: " هي عبارة عن أسباب خفية ، غامضة ، قادحة ، فيه" وعرفها النووي بقوله:" عبارة عن سبب غامض ، قادح ، مع أنَّ الظاهر السلامة منه." فللعلة ركنان :
سبب خفي غامض . قادح في السند أو المتن أو كليهما .ولا يكون الحديث مُعَلاً إذا فقد أحد شرطيه .
أمّا معنى التّعليل في اصطلاح النّحويين فهو النّظر في مختلف الأحكام النّحوية وما يرونه من الأسباب الدّاعية لتلك الأحكام، وهو أمر ضروري في كلّ قياس، لذلك فالعلّة هي المر الذي يزعم النّحويون أنّ العرب لاحظته حين اختارت في كلامها وجها معيّنا من التّعبير والصياغة.
إنّ العلاقة بين المعنيين اللّغوي والاصطلاحي واضحة جليّة، فالعلّة النّحوية تشغل النّحوي في محاولته الوصول إليها عن كلّ ما عداه، وتتطلّب منه كدّ الفكر وإعمال النّظر مرّة أخرى حتى يطمئنّ لسلامتها وصحّة الوثوق بها.
ويُروى عن الخليل أنّه سئل عن العلل التّي يعتلّ بها في النّحو، فيما يرويه الزّجاجي (أبو القاسم) في كتابه ( الإيضاح في علل النحو) فقيل له( أي قيل للخليل):" عن العرب أخذتها أو اخترتها من نفسك؟، فقال: إنّ العرب نطقت على سجيّتها وطبيعتها، وعرفت مواقع كلامها وقام في عقولها عللُه وإن لم ينقل ذلك عنه، واعتللت أنا بما عندي أنّه علّة، لمّا عللته منه، فإن كنت أصبت العلّة فهو الذي التمسته،
فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء، عجيبة النّظم والأقسام، وقد صحّت عنده حكمة بانيها بالخبر الصّادق أو البراهين الواضحة والحجج اللّائحة، فكلّما وقف هذا الرجل في الدّار على شيء منها قال: "إنّما فعل هكذا لعلّة كذا، ولسبب كذا وكذا."
وتتفاوت نسبة استعمال العلماء لهذه التسميات ، فالمعلول تسمية للحديث الذي أصابته علة استعمله المحدّثون واللغويون ، فمن المحدّثين : البخاري ، والترمذي ، وابن عدي ، والدارقطني ، والحاكم وغيرهم ، ومن اللغويين : الزجّاج ، وابن القوطية ، وقطرب ، والجوهري ، والمطرزي ، وابن هشام وغيرهم .. ومن منكري هذه الصيغة ابن الصلاح فقد أنكرها بقوله : (( مرذول عند أهل العربية واللغة ))(8) ، وقال النووي : (( هو لحن ))(9) ، وقال العراقي في " ألفيته " : (( وسم ما بعلة مشمول معللاً ولا تقل معلول ))(10).
وأنكره الفيروزأبادي بقوله : (( ولا تقل : معلول )) (11) .
وتابع السيوطيُّ النوويَّ في تلحينه له ... (12) ، وحكاية بعض أهل اللغة له ، غير مخرج له عن كونه ضعيفاً ، ولا سيما قد أنكره غير واحد من اللغويين كابن سيده ، والحريري ، وغيرهما .
ثم اعترض العراقي على التسمية بـ (( معلل )) فقال : (( والأحسن أنْ يقال فيه : (( معل )) بلام واحدة لا معلل ؛ فإنَّ الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى : ألهاه بالشيء و شغله به ، من تعليل الصبي بالطعام ، وأما بلام واحدة ، فهو الأكثر في كلام أهل اللغة ، وفي عبارة أهل الحديث أيضاً(13)
وهاتان الصيغتان : ( معلول ) و ( معلل ) هما اللتان كثر الاعتراض عليهما ، أما باقي الصيغ فصحيحة أفصحها ( مُعَلّ ).
([3]) (الزجاجي) (...- 337 ه =...- 949 م) هو عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم: شيخ العربية في عصره. ولد في نهاوند، ونشأ في بغداد، وسكن دمشق وتوفي في طبرية (من بلاد الشام) نسبته إلى أبي إسحاق الزجاج. له كتاب (الجمل الكبرى) و (الايضاح في علل النحو) و (الزاهر) في اللغة، و(شرح الألف واللام للمازني) ، و (شرح خطبة أدب الكاتب) ، و (المخترع) في القوافي، و (الامالي)، و (اللامات) و (المجالس) طبع باسم (مجالس العلماء) و (الابدال والمعاقبة والنظائر) انظر: الزركلي، الأعلام (بيروت، ، دار العلم للملايين، 1980م)، ج: 3، ص: 299.
([5]) أبو الحسن الرماني (296 - 384 ه = 908 - 994 م) هو : علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن الرماني: باحث معتزلي مفسر. من كبار النحاة. أصله من سامراء، ومولده ووفاته ببغداد. له نحو مئة مصنف، منها الاكوان " و " المعلوم والمجهول " و " الأسماء والصفات " و" صنفة الاستدلال " في الاعتزال، سبعة مجملدات، كتاب " التفسير " و " شرح أصول ابن السراج " و " شرح سيبويه " و " معاني الحروف " رسالة صغيرة، لعلها المسماة " منازل الحروف " و " النكت في إعجاز القرآن " انظر: الزركلي، الأعلام، ج: 4، ص: 318.
([6]) الجرجاني (740 - 816 ه = 1340 - 1413 م) هو : علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف. من كبار العلماء بالعربية. ولد في تاكو (قرب استراباد) ودرس في شيراز. له نحو خمسين مصنفا، منها " التعريفات " و " شرح مواقف الايجي" و " شرح كتاب الجغميني " في الهيئة، و " مقاليد العلوم و " تحقيق الكليات " و " شرح السراجية " في الفرائض، و " الكبرى والصغرى في المنطق " و " الحواشي على المطول للتفتازاني " انظر: الزركلي، الأعلام، ج: 5، ص: 7.
([7]) ابن جني (000 - 392 ه = 000 - 1002 م) هو : عثمان بن جني الموصلي، أبو الفتح: من أئمة الأدب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد، عن نحو 65 عاما. وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الازدي الموصلي. من تصانيفه: رسالة في " من نسب إلى أمه من الشعراء " و " شرح ديوان المتنبي " و "المبهج " في اشتقاق أسماء رجال الحماسة، و " المحتسب " في شواذ القراآت، و " سر الصناعة "، و "الخصائص "، انظر : الزركلي، الأعلام، ج: 4، ص: 204.