النظرية التصورية والنظرية الإشارية

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة التاسعة:  نظريات دراسة المعنى التصورية والإشارية:

      

             قدمت بعض النظريات اللغوية معايير أولية لمسألة المعنى وما تفرع عنها، و منها النظرية التصورية، الإشارية والنظرية السلوكية  وكذا السياقية و سنعرض للحديث في هذه المحاضرة عن النظرية الإشارية أو التصورية.

1/النظــــــريــــــــة التصـوريــــــة    Idéationnel theory 

1ـ تعريف النظرية التصورية:

             تعد هذه النظرية كثمرة لأبحاث دوسوسيير و تلامذته وهي نظرية دلالية حديثة سعت الى تحقيق المعنى. وهي تقوم على أساس التصور أي أنها ترتكز على مبدأ التصور الذي يمثله المعنى الموجود في الذهن،  وهي تعود إلى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في القرن السابع عشر التي سماها النظرية العقلية ، و نادى فيها بأن استعمال الكلمات يجب أن يكون الإشارة الحساسة إلى الأفكار و الأفكار التي تمثلها تعد مغزاها المباشر الخاص." [1]

1ـ2 تسمية النظرية:

         تسمى بالنظرية التصورية وتسمى بالعقلية، كما قد أطلق عليها بعض الباحثين اسم النظرية الفكرية لأن: '' الكلمة تشير إلى فكرة في الذهن و هذه الفكرة هي معنى الكلمة ''[2].

1ـ3 معنى المعنى في النظرية التصورية :

         تعتبر النظرية التصورية أن المعنى هو التصور الذي يحمله المتكلم ويحصل للسامع حتى يتم التواصل والإبلاغ، إن عالم الأشياء غير متجانس، كما أن التصورات متباينة من فرد إلى أخر، فتصور شجرة مثلا أو "جيل" يحمل جملة من الدلالات المختلفة اختلافا يقل أو يكثر حسب وجود هذا التصور داخل عالم الأشياء كما أن هناك لا تحمل تصورًا باعتبارها لا تنتمي لعالم الأشياء كالأدوات و الحروف.

1ـ4 فحوى النظرية:

       ان اللغة اداة للتعبير عن الافكار أي استعمال الالفاظ للتعبير عن مسألة داخلية ، و بهذا فالمعنى يتحقق من خلال ارتباط احداث مادية ، و هي الاشياء التي تكون بمنزلة منبهات و أحداث غير مادية ، وهي المتمثلة في المعاني و هي أصوات عقلية." [3]. و عليه فالمعنى هو الصورة الذهبية في عقل الانسان، و هذا ما يعرفه الانسان و يتعامل معه وفق هذا الأساس .

فكلمة مثلا (ملائكة) لها معنى في عقل الانسان أي له صورة في عقله و على وفق هذه الصورة يتعامل الانسان، حيث يكوِّن صورة عن الاشياء التي لم يرها و ان اختلفت هذه الصورة و احياناً تصل هذه المعرفة الى حدّ انه يمكن ان يشبه بها.

1ـ 5 اعتراضات النظرية :

اعتراض على هذه النظرية من منظور أن الافكار و التصورات شيء مستقل في ذهني المتكلم عن اللغة اذا اراد ذلك ،'' فالأفكار التي تدور في أذهاننا تملك وجوداً مستقلاً و وظيفة مستقلة عن اللغة و اذا قنع كل منا بالاحتفاظ بأفكاره لنفسه كان من الممكن الاستغناء عن اللغة ''[4]، فالأفكار تعد ملكاً خاصًا للمتكلم ،و بهذا لا يستطيع المتكلم ان يخاطب السامع و ينقل اليه المعنى.

2// تعريف النظرية الاشارية  :  Referential Theory

هي نظرية لغوية لسانية سعت إلى النظر العلمي في نظام اللغة حيث يرجع الفضل إلى    

أصحابها في تمييز أركان المعنى وعناصره، معتمدين في ذلك على النتائج التي توصل إليها فرديناد دوسوسيير في أبحاثه اللسانية التي خصّ بها الإشارة اللغوية، باعتبارها الوحدة اللغوية المتكونة من دال ومدلول '' الدال هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتية والمدلول هو الفكرة   أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدال''[5] ويطلق على هذه النظرية التي تنظر إلى الدلالة على أنها  Theory of meaning of namingمصطلح النظرية الإسمية في المعنى هي مسماها ذاته.

رواد النظرية:  

     "معنى المعنى '' أول من  The Meaning of the meaning  كان أوجدن وريتشارد في كتابهما المشهور طوّر ما يمكن أن يسمى بالنظرية الاشارية واللذان اشتهر بمثلثهما الذي يميّز عناصر الدلالة بدءاً بالفكرة أو المحتوى الذهني ثم الرمز أو الدال، وانتهاءاً إلى الشيء الخارجي أو المشار إليه." [6].

الفكرة-المحتوى الذهني      الشيء الخارجي- المشار اليه              الرمز-الكلمة

      هذه هي عناصر الدلالة حسب أصحاب النظرية وهذا التقسيم المميز للمعنى يعد خطوة جرئية في عصره، حيث أعطى للبحث الدلالي نفساً جديداً سوف تتولد عنه نظريات جديدة وأفكار مهمة فالدراسات التي جاءت بعد النظرية الاشارية كلها تدور في فلك أوجدن وريتشارد وذلك استناداً إلى أن معنى الكلمة هو إشارتها إلى شيء غير نفسها.

     إن الرسم أعلاه يميز ثلاثة عناصر مختلفة للمعنى ويوضح أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الكلمة كرمز والشيء الخارجي الذي تعبر عنه والكلمة عندما عندهما تحوي جزأين هما: صيغة مرتبطة بوظيفتها الرمزية، ومحتوى مرتبط بالفكرة أو المرجع[7].

ـ4معنى النظرية الاشارية:

    تعني النظرية الاشارية أن معنى الكلمة هو اشارتها إلى شيء غير نفسها، وهنا يوجد رأيان:

-1 رأي يرى أن معناها هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه.

2- و رأي يرى أن معناها هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه.

ودراسة المعنى على الرأي الأول تقتضي الاكتفاء بدراسة جانبين من المثلث وهما جانبا الرمز والمشار إليه.وعلى رأي الثاني تتطلب دراسة المعنى الجوانب الثلاثة لأن الوصول إلى المشار إليه يكون عن طريق الفكرة أو الصورة الذهنية.

العلاقة بين الدال والمدلول:

          يرى أولمان أن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة متبادلة، إذ ليس الدال وحده هو الذي يستدعي المدلول بل أن المدلول هو الذي يمكن أيضاً أن يستدعي اللفظ، فعندما تفكر في حقيبة أنطق الكلمة التي تدل عليها كما أن سماعك هذه الكلمة(حقيبة) يجعلك تفكر فيها، وبناء على ما ذكر أولمان يعرف المعنى:'' على أنه علاقة متبادلة بين اللفظ والمدلول علاقة تمكن كل واحد منهما استدعاء الاخر''[8] 

أن المسمى حسب هذه النظرية ليس بالضرورة أن يكون شيئاً محسوساً كالطاولة والمنزل وإنما

3 يمكن أن يكون تجريدياً أي فكرة مجردة (الكره) أو حدثا (حج) أو كيفية(أصفر)." [9].

إن النظرية الاشارية أو النظرية الاسمية كما تسمى تقوم على أن الاشارة اللغوية مكونة من أسماء وأن معنى الاسم متميز عن مسماه نفسه عند بعض أصحابها، وأن معنى الاسم متميز عن مسماه عند بعضهم الآخر. [10]

2ـ5 انتقادات النظرية الاشارية:

اعترض على هذه النظرية بما يأتي:

-تدرس اللغة خارج إطار اللغة فهي تربط الاسم والشيء الخارجي.

- تقوم على أساس دراسة الموجودات الخارجية(المشار إليه) ولكي نقوم بتعريف المعنى تعريفاً دقيقاً على أساس فكرة النظرية يجب أن تكون على دراية شاملة وعلم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم إلاّ أن الحقيقة الثابتة هي أن معرفتنا بذلك قاصرة وقليلة بكثير عن ذلك، حيث لاحظ العالم بوتمان أن عالم المفاهيم المودع في العالم الخارجي أضخم بكثير ممّا هو في الرأس[11].

أي - أنها لا تتضمن كلمات مثل (أو) و(لكن) و(لا) و(الى) ونحو ذلك من الكلمات التي لا تشير إلى شيء موجود هذه الكلمات لها معنى يفهمه السامع والمتكلم ، ولكن الشيء الذي يشير إليه لا يوجد في عالم المحسوس أن معنى الشيء غير داله فمعنى كلمة (موز) ليس هو ذاته الموز ، الموز يؤكل ومعناه لا يؤكل ، والمعاني يمكن أن تتعلم ولكن الموز لا يمكن.

 



[1] - علم الدلالة، احمد مختار عمر، ص57.

[2] - في فلسفة اللغة، د/ محمود فهمي زيدان، ص 96.

[3] - الألسنية، محاضرات في علم الدلالة، نسيم عون، ص 249.

[4] - علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص 58.

[5] - الألسنية، علم اللغة الحديث، ميشال زكريا، ص 180.

[6] - علم الدلالة .أحمد مختار عمر. ص 54.

[7] - معنى المعنى،  ص 07.

[8] - علم الدلالة .أحمد مختار عمر. ص 54.

[9] - ينظر: في فلسفة اللغة.د/محمود فهمي زيدان. ص 95.

[10] - ينظر: المرجع نفسه. 96.

[11] - علم الدلالة .أحمد مختار عمر. ص 57. 58.

Last modified: Wednesday, 29 January 2025, 1:44 PM