المحاضرة السادسة: الدلالة الصوتية والدلالة الصرفية:

 

    محتوى المحاضرة:

       في هذه المحاضرة سنتناول الدلالة الصوتية و الدلالية الصرفية وفق ما مقرر في البرنامج، و قد أشرنا في محاضرات سابقة على ان مستويات اللغة أربعة، المستوى الصوتي، الصرفي، التركيبي أو النحو و المعجمي هي أربع مستويات تمثل أربعة علوم، علم الصرف و علم النحو و علم الصوت و علم المعجم، و قلنا أن علم الدلالة يرتبط بكل العلوم اللغوية و غير اللغوية على أساس دراسته للمعنى و كل العلوم لا تستغني عن المعنى. وترتبط العلاقة بين الدلالة و الصوت في أن الأصوات تساهم و بشكل كبير في المعنى و تغييره. فمثلا نضح و نضخ يعبران عن المعنى ذاته الا أتهما يختلفان في قوة المعنى و ضعفه بقوة الصوت و ضعفه. قوة الخاء لقوة المعنى و ضعف الحاء لضعف المعنى لكن مانود الاشارة اليه في هذه المحاضرة هو ان الأصوات لا تعبر عن المعنى و لكن تعبيرها و افادتها للمعنى مع ما تتركب فيه مع غيرها.

أبنائي الطلبة ركزوا جيدا في أن هذه المستريات كلها مترابطة و متداخلة و كلها مجتمعة تشكل لنا اللغة و الكلام الذي نركبه الآن ما هو في الحقيقة الا اصوات متتابعة تخضع للقالب الصرفي ثم التركيب النحوي فالتركيب المعجمي أو بتعبير المختصين السلامة النحوية مع المعاني الدلالية.

أولا :تعريف الدلالة الصوتية:

        ما هي الدلالة الصوتية؟ ما أهميتها؟

ما هي جذورها؟ من هم أهم أعلامها عند العرب؟

نقول أن اخر ما يصل اليه تقطيع الكلام هو الصوت أو ما يسمى بتعبير المحدثين الفونيم و هو أصغر وحدة غير دالة. ربذلك يكون الصوت غير دال في ذاته  إنما دلالته اذا تركب مع غيره من الأصوات ،للكنها تأثيرها يشكل معنى في غيره من الأصوات، أن العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية فمهمة الأصوات أن تشكل الوحدات الدلالية في المستويات التركيبية بدءاً بالصرف و انتهاءاً بالجملة، ويرى بعض الباحثين أن الدلالة الصوتية "هي الدلالة الصوتية الطبيعية التي تعني وجود مناسبة بين اللفظ و المعنى و الفضل في هذا المفهوم يرجع الى ايثار صوت على اخر أو مجموعة أصوات على أخرى في الكلام المنطوق به"[1].فالدلالة الصوتية قد تستفاد من أصوات الكلمة نفسها، أي أن هناك علاقة طبيعية بين الدال والمدلول، فكلمة تنضخ تعبر عن فوران السائل بقوة وعنف ،تنضح تدل على تسري الماء ببطئ ، فالخاء له دلالة صوتية قوية والحاء له دلالة صوتية ضعيفة، فالصوت يشكل الفرق الدلالي بين الألفاظ مثل: قبض: المسك باليد ،قبص المسك بالأصبعين مع الألم.

      كما يشكل النّبر شكلاً من أشكال التأثير الصوتي في الدلالة بالنبر على الكلمة الأهم في الجملة مثلا وغير ذلك، وقد خصص ابن جني في كتابه الخصائص فصلين في هذا المبحث حيث يقول بوجود المناسبة الطبيعية بين الدال والمدلول وهما: باب في "تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني" وباب في "إمساس أشباه الألفاظ أشباه المعاني" ،واعتبره باباً عظيماً ذلك أن جعل أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها ومن ذلك ما يلي: بحث: فالباء لغلظتها تشبه خفقة الكف على الأرض، الحاء: تشبه لصلحها تشبه مخالب الأسد إذا غارت في الأرض، الثاء: للنفث.

    ومن مظاهر الدلالة الصوتية النغمة الكلامية ،فالكلمة يكون لها عدة معاني يفرق بينها بواسطة النغمة مثل "هكذا" فقد تكون بمعنى الاستفهام إذا أراد المتكلم يريد الاستفسار عن كيفية عمل شيء[2] ،وقد تكون للشجب والاستنكار وقد تكون للإقرار والاخبار .

2ـ تعريف الدلالة الصرفية:

          تتمثل هذه الدلالة فيما تؤديه الزيادات الصرفية من معان مضافاً إليها الجذر المعجمي، فصيغة  فعّال واستفعل تحمل الكلمة دلالة زائدة على دلالة صيغة الجذل اللغوي ، ففي الأولى تدل الصيغة الصرفية على المبالغة كما في حمّال من الحمل وفي الثانية تدل على الطلب كاستغفر من غفر، فالقوالب الصرفية لها دور في تقديم جزء من المعنى.  يقول ابن جني:" ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا: كسّر وقطّع وغلّق، وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة على المعاني فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل ".

         ذكر الصرفيون أهمية الزيادة في البنية ووضحوها ،فصبور تدل على معنى أكثر من صابر، وذكر ابن جني في هذا: "وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى له، إن معنى خَشُنَ دون معنى اخشوشن لما فيه من تكرار العين وزيادة الواو فزاد في اللفظ لزيادة المعنى. [3] " فالصيغة لها دلالة معنوية لم يغفل علماء العربية عن بيانها لما لها من أثر كبير في إثراء اللغة ورفدها بدلالات معبرة. 

 

 


[1] - علم الدلالة، د/ أحمد مختار عمر، ص11.

[2] - علم الدلالة، د/ أحمد مختار عمر، ص11.

[3] - الكتاب، سيبويه، 1/49.

Last modified: Wednesday, 29 January 2025, 11:04 AM