المحاضرة الخامسة: عـــلــــم الــدلالــــة واللـســانيــات الـحــديثـــة

    حظيت مباحث المعنى باهتمام المشتغلين على اللغة منذ العصور القديمة، إلاّ أن دراسة المعنى وفق منظور لساني يقوم على مبادئ علمية دقيقة فحديث الظهور ذلك أن جلّ الدراسات تعتبر الباحث الفرنسي ميشال بريال المؤسس الأول لعلم الدلالة الحديث.

1ـ علم اللغة الحديث ودراسة المعنى:

      إن التأثير الكبير الذي أحدثه ميشال بريال كان بمثابة الموجة إلى قضية هامة تعنى بالمعنى هي السيمانتيك وتجلت أعمال اللسانين المحدثين فيما يلي:

ـ أوجدن وريتشارد: ألف كتاب "معنى المعنى" في سنة 1923 حددا فيه مقومات العلامة اللغوية من خلال.

Signifié  المثلث الآتي: التصور أو المدلول

  Signifiant الدال                Référent المرجع أو الشيء

كما حاولا في كتابهما أن يضعا نظرية للعلامات والرموز وكان لهذا الكتاب أثراً كبيراً لدى اللغويين الأمريكيين. – أولمان: اعتمد في كتابه " دور الكلمة في اللغة " على مثلث أوجدن وريتشارد عند تعريفه للمعنى وبيانه لطبيعة الدلالة، والعلامة عنده مكونة من دال ومدلول ،كما ألف أيضاً "أسس علم المعنى" "المعنى والأسلوب"[1]

-  فرديناند دوسوير:

        على رأس من اشتهر بدراسة الدلالة اللغوية المكونة من دال ومدلول ، واعتبر العلاقة بينهما اعتباطية فلا يمكن بأي حال من الأحوال التعرف على المعنى من خلال الايحاءات الصوتية ولا يتم ذلك إلاّ عن طريق الاتفاق العرفي المتعارف عليه بين أبناء الجماعة اللغوية وهي تخلق بين فكرة وصورة سمعية.

ـأدولف نورين: كتب كتاب" لغتنا" خصص فيه قسماً كبيراً لدراسة المعنى التي قسمها إلى قسمين:

أ-الدراسة الوصفية عالج فيها نماذج مختلفة من السويدلية  الحديثة"[2].

ب- الدراسة الإيتومولوجية للمعنى التي تعالج تطوره التاريخي.

  ـ بلوم فيلد إن بدايات الدلالة في العالم الأمريكي حققت نجاحاً على يد الأنثروبولوجيين والسيكولوجيين أكثر منها على يد اللغويين المتخصصين، وقد وجد في أعمال بلوم فليد وأتباعه ميل واضح ضد المعنى، فقد كان رأيه أن دراسة المعنى هي أضعف نقطة في الدراسة اللغوية وقد أصدر حكمه بأن " إن دراسة المعنى المعجمي، وبالتالي فإن السيمانتيك تعد خارج المجال الواقعي لعلم اللغة. "وبالتالي إهمال المعنى واعتبار الخصائص الشكلية للغة جوهر اللغة وأساس فكرة بلوم فليد هذه إيمانه بالسلوكية التي تركز على الأحداث الممكن ملاحظتها.

ــ بلوم فيلد وإدراك الخطأ:

      تنبه بعد سنوات طويلة من إهماله للمعنى إلى خطأ فهمه لذلك، وقد خص مبحث المعنى بفصل مستقل في كتابه اللغة ليشير إلى أن مجال المعنى مرتبط بالمثيرات المقامية ،حيث قدم دراسة منهجية لدراسة المعنى وأن دراسة اللغة لا تقوم بدون دراسة المعنى لأن الأصوات ليست عديمة المعنى.

ـ تشو مسكي:

     على الرغم من أن  تشو مسكي قد تبنى فكرة إبعاد المعنى فلم يخصص له أي حيز في نموذجه النحوي الأول سنة 1957 أي أنه أهمل النسق الدلالي إلاّ أنه تدارك ذلك خاصة بعد الاسهامات التي قام بها العالمان كاتز و فودور ،وأعاد الاعتبار للوظيفة الدلالية للتركيب أي ما عرف عنده: البنية السطحية والبنية العميقة فهي التي تنطوي على التمثيل الدلالي الذي يتحول إلى بنية سطحية"[3] .

2ـالعلاقة بين الدال والمدلول وأسس الدرس اللساني الحديث:

      الاعتباطية مثلها دوسوسيير ومعناها لا وجود لعلة تجمع بين الدال والمدلول، ومعيار الاعتباطية في العلاقة الدلالية المعتمد في النظام اللغوي تتحدد على أساسه العملية  البلاغية التواصلية، فكلما تحققت هذه العلاقة بكثافة  في  لغة الخطاب كلما  بلغ الجهاز البلاغي منتهاه  فالدلالة تكون  قابلة للاتساع كلما كانت العلة مختفية غير معروفة ذلك على أساس العلاقة غير المعللة التي تربط اللفظ بالمعنى.

 3ـ ارتباط الدال بالمحتوى الفكري:   يقول مازن الوعر في صدد تقديمه لكتاب علم الدلالة لبيار جيرو: "إذا كانت الصوتيات واللغويات تدرسان المعاني التي يمكن أن يعبر عنها من خلال البنى الصوتية والتركيبية "[4]  أي أن علم الدلالة تهتم بالصورة المفهومية باعتبار أنه لا علاقة مباشرة بين الاسم و مسماه و إنّما العلاقة المباشرة تربط الدال بالمحتوى الفكري الذي في الذهن.

4 ـ مميزات البحث الدلالي: يتميز البحث الدلالي عن اللسانيات بعمق الدراسة في معنى الكلمات والتراكيب متخذاً في ذلك منهجاً خاصاً يتوخى المعيارية في اللغة والكلام والعلوم إذ "اختلفت في المنهج تباينت في الهوية وقوام العلوم ليست فحسب مواضيعها بحثها وإنّما سيتقيم الغلم بموضوع ومنهج "[5] وتبعاً لذلك اتسع نطاق البحث الدلالي.

 

 

 



[1] -  علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص 24،25  .

[2] - علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص24.

[3] - المصدر نفسه، ص 25.

[4] - علم الدلالة، بيار جيرو، تر: منذر عياشي، تقديم مازن الوعر، دار طلاس للنشر و الترجمة، ط 1988، ص44.

[5] -  دلالة الألفاظ ، ابراهيم أنيس، ص 46.

آخر تعديل: الأربعاء، 29 يناير 2025، 10:56 AM